قرارات طهران:|حسابات إيران تجاه أزمة محاولة اغتيال السفير السعودي بواشنطن
26-10-2011

رانيا مكرم
* باحثة بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام

تنتهج إيران في الغالب سياسة الهروب إلي الأمام في مواجهة ما تتعرض له من أزمات سياسية، سواء كانت خارجية أو داخلية، وقد برزت هذه السياسة جليا في تعاملها مع ملفها النووي وعلاقاتها مع الغرب، إلى أن انسحب هذا النهج على العلاقات مع دول جوارها الإقليمي، لاسيما الخليجية منها، التي اتسمت في أغلبها بالتوتر.وباعتبار المملكة العربية السعودية الدولة الكبرى خليجًيا ، فهي غير مستثناة من هذا التوتر، إن لم تكن أهم عامل فيه، إذ تعد المملكة المنافس الأكبر لإيران في منطقة الخليج ، بعد أن عَظّمت إيران استفادتها من أخطاء الولايات المتحدة الأمريكية في العراق.

وقد مرت العلاقات السعودية- الإيرانية بالعديد من التوترات منذ قيام الثورة الإسلامية، على خلفية تعارض الرؤى والمصالح في الإقليم، من ناحية، وعلاقة دوله مع الغرب من ناحية أخرى. كما شهدت محاولات للتقارب قادها الرئيس الأسبق هاشمي رافسنجاني، وسار علي النهج ذاته الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي. غير أن التشدد الذي أبداه النظام الإيراني، في ظل حكم الرئيس الحالي أحمدي نجاد، قد قلل فرص واحتمالات هذا التقارب، رغم زيارته للمملكة، فيما شكلت الأحداث التي شهدتها البحرين مرحلة مهمة من مراحل التوتر والتصعيد بين البلدين.

وبإعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن إحباط مخطط إيراني لاغتيال سفير السعودية لديها، تطرح تساؤلات عديدة نفسها في هذا الإطار، تدور حول التوقيت، وحسابات طهران من هذه العملية المغامرة، ومستقبل العلاقة بين البلدين.

لماذا الآن؟

بالرغم مما أثاره الإعلان الأمريكي عن وجود مخطط إيراني لمقتل السفير السعودي عادل الجبير في الولايات المتحدة من جدل حول مدى صدقيته، ومدى تأكد الأخيرة من صحة الأدلة التي أعلنت امتلاكها، فإن لإيران عددا من الدوافع المستجدة للتصعيد تجاه المملكة، تشكل في مجملها الرؤية الإيرانية لسبل التعامل مع السعودية خلال هذه الفترة، إلى جانب نقاط الخلاف التقليدية بينهما، المتمثلة في الخلافات المذهبية، والعلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، ومفهوم أمن الخليج، ومحاولات بسط النفوذ في كل من العراق ولبنان وفلسطين، واليمن. ومن أهم مستجدات هذه الدوافع ما يلي:

البعد الإقليمي للثورات العربية:

 في إطار الحديث عن الدوافع الإيرانية للتصعيد الأخير تجاه المملكة العربية السعودية، لا يمكن إغفال دور الواقع الإقليمي الحالي- حيث الثورات الشعبية العربية، وبصفة خاصة احتجاجات البحرين، وانعكاساتها على الداخل السعودي، والوضع في سوريا، الذي يمثل خطراً استراتيجياً بالنسبة للسياسة الإيرانية في المنطقة، حال سقوط نظام بشار الأسد – في بلورة نقطة خلاف جديدة بين الطرفين، من خلال رؤى متناقضة لكليهما حول تطورات الإقليم، إذ تتعرض إيران- كما السعودية- إلى ضغوط داخلية وخارجية فرضها الحال العربي الجديد، وكلا الطرفين يحاول درء الخطر القادم من الخارج بخطوات تعزز من قوته داخليًا ونفوذه خارجيًا.

 فمن ناحية، باركت إيران الثورات الشعبية في تونس ومصر ودعمتها في البحرين. وعلى العكس من ذلك، عدتها في سوريا مؤامرة خارجية تحقيقا لمصالح آخر حليف لها في المنطقة، بعد انخفاض شعبية حزب الله، وانخراط حركة حماس في محيطها العربي، كما عملت داخليًا على اتباع الحلول الأمنية مع حركات المعارضة.

من ناحية أخرى، استقبلت السعودية الرئيس التونسي السابق، واليمني الحالي لعلاجه، ودعمت الرئيس المصري قبل تنحيه، وتدخلت لاحتواء الأزمة في البحرين، من خلال قوات درع الجزيرة التى تشكل فيها السعودية القوة االكبرى، ولجأت داخليًا إلى اتخاذ قرارات اقتصادية من شأنها احتواء أزمات محتملة، من خلال تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين، في مجالات الإسكان، والتعليم، وتسعير السلع، وأسواق العمل.  يأتى ذلك كله وسط اتهامات سعودية لإيران بالتدخل في شئون دول الجوار، وتهديد وحدة المجتمع السعودي، على خلفية أحداث الشغب التي وقعت في بلدة العوامية في محافظة القطيف ذات الأغلبية الشيعية، الأمر الذي يمكن القول معه إن الطرفين مدفوعان في صراعهما الحالي بالخوف من حركات المعارضة، ومد التحركات الديمقراطية في المنطقة.

البعد النفطي:

ترى إيران فى السعودية عائقًا لا يمكن تجاهله في طريقها لتحقيق سياساتها النفطية في منظمة أوبك، والتي تهدف إلى استمرار ارتفاع أسعار النفط، وبالتالي تأمين عائدات نفطية كبيرة تمكنها من إعادة تأهيل قطاعها النفطي المتهالك، وتقليص اعتماد القطاع على الشركات الأجنبية في مجالات الاستخراج والتكرير، في محاولة لاحتواء أثر العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، والتي تسببت في تعطيل العمل في كثير من الحقول النفطية. حيث وضع المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي "الجهاد الاقتصادي في مجال النفط" وتنمية هذا القطاع ضمن أول أولويات الرؤية العشرينية للتنمية(1)  .

فمن خلال منظمة أوبك، لاسيما مع ترؤس إيران لدورتها الحالية، سعت طهران إلى الحفاظ على حجم المعروض من النفط، رغم الأزمات التي تمر بها المنطقة منذ الحرب على العراق، وتوقف إمداداته، وصولاً إلى توقف إمدادات النفط الليبي، بسبب قصف المواقع النفطية، في سبيل الحفاظ علي ارتفاع أسعاره، مستعينة في ذلك بحلفائها في المنظمة، مثل فنزويلا والإكوادور.

وفي المقابل، حرصت المملكة العربية السعودية على زيادة المعروض من النفط، من خلال رفع إنتاجها خارج أوبك للحفاظ على استقرار السوق(2)، مستعينة في ذلك بقدرتها على زيادة الإنتاج، وهو ما لا يتوافر لإيران ، بسبب تداعي البنية التحتية لقطاعها النفطي، فيما تعد الأخيرة هذه الخطوة من جانب المملكة رضوخا لمطالب الغرب بخفض أسعار النفط،وتأمين معروض احتياطي(3).

ويعد اختيار إيران رستم قاسمي، القيادي في الحرس الثوري، وزيرا للنفط، خلال الفترة التي تترأس فيها منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك، ذا دلالات عدة، أهمها اختيار وزير جهادي وليس تكنوقراطيا خلال هذه المرحلة التي يتداعى فيها القطاع النفطي، فتكون أولى أولوياته النهوض بالقطاع من خلال القدرات المحلية المتوافرة لدى معسكر خاتم الأنبياء بشكل خاص الذي يسيطر على جزء لا بأس به من مشروعات القطاع النفطي الإيراني، باعتباره قائده السابق.

كما أن وجوده على رأس المنظمة في دورتها الحالية، وبصفته السابقة كقائد لمعسكر خاتم الأنبياء المدرج على قوائم العقوبات الأمريكية والأوربية، يحمل رسالة إيرانية مفادها أن كسر العزلة، ومحاولة احتواء أثر العقوبات على الاقتصاد الإيراني مهمة سهلة. وقد بدت مهمة قاسمي واضحة من خلال تصريحه، عقب تعيينه وزيرا للنفط وتسلمه منصب رئيس أوبك، " أن إيران تلعب دورا مصيريا في المحافل الدولية للطاقة، وأن السعودية ليست كل أوبك". وانطلاقا من ذلك، يرى البعض أن أزمة السفير السعودي ما هي إلا فصل من فصول حرب اقتصادية على إنتاج النفط وتسعيره بين السعودية وإيران(4).

الحسابات الإيرانية للأزمة:

تنطلق إيران في أحد تفسيراتها للتصعيد مع السعودية، خلال هذه الفترة، من أن الأخيرة تعيد إنتاج الأزمات من خلال استدعاء وتكرار الخطاب المعادي لإيران منذ الحرب العراقية- الإيرانية التي قدمت فيها الدعم للرئيس صدام حسين، والذي تتبناه المملكة، والتي تعد فيه إيران سببًا أساسيًا في عدم استقرار دول المنطقة (5).

 في حين أنها استبقت تفاقم أحداث دوار اللولؤة في البحرين بتأكيد وزير الخارجية الإيراني، علي أكبر صالحي، أن إيران لن تقف مكتوفة الأيدي، في حال أي تدخل سعودي في البحرين، وأُتبع هذا التصريح بآخر مغاير بعد أربعة أشهر ، أكد فيه إمكانية تبديد سوء التفاهم مع السعودية، وأنه لا وجود لمشاكل مع المملكة، وأن إيران تعترف بقدر ومكانة السعودية في المنطقة (6).

 يأتي هذا التناقض في التصريحات الإيرانية في سياق ما يمكن أن يسمي بسياسة المرونة في إطار التصعيد، وهي السياسة نفسها التي اتبعتها عقب الإعلان الأمريكي عن مخطط قتل السفير السعودي. فمن ناحية، رأى كل من المرشد الأعلى للجمهورية، علي خامنئي، والرئيس، أحمدي نجاد، أن ما أعلنته الولايات المتحدة ما هو إلا محض افتراء ، ومحاولة لجذب الأنظار بعيدا عن المشكلات الداخلية التي تعانيها الولايات المتحدة ، واحتمال تفاقمها بعد ظهور حركة "احتلوا وول ستريت" الاحتجاجية. في حين أشار عضو اللجنة البرلمانية لشئون الأمن القومي والسياسة الخارجية، محمد كريم عابدي، إلى أنه "بإمكان بلاده احتلال السعودية بكل سهولة، لو أرادت ذلك".

ولكن هل يمكن أن تحمل هذه التناقضات دلالات أخرى حول وجود انقسامات داخل النخبة الإيرانية بشأن أزمة السفير السعودي؟ . فبالعودة إلى أحداث مماثلة سابقة، مثل التي وقعت في مركز للجالية اليهودية ببيونس آيرس عام 1994 وأودت بحياة 85 شخصًا، قام بها فيلق القدس التابع للحرس الثوري المكلف بتنفيذ عمليات خارج الحدود، وكذلك قتل دبلوماسي سابق في منزله بضواحي واشنطن عام 1980، واستهداف معارضين، يلاحظ أن أسلوب التخطيط لقتل السفير السعودي لا يتسق مع تاريخ العمليات الاستخباراتية لـلحرس الثوري، وبصفة خاصة فيلق القدس، حيث الاستعانة بمنظمة مكسيكية لتهريب المخدرات "لوس زيتاس" لتنفيذ العملية (7)، وبشكل يفتقر -إلى حد كبير- إلى الدقة والسرية.

إلا أن ذلك يحمل في طياته ذكاء اختيار المكان ، حيث الولايات المتحدة العدو المعلن لإيران ، وبالتالي يمكن للأخيرة أن تتهم الولايات المتحدة بالفبركة، لاسيما وأن للولايات المتحدة سوابق في هذا الإطار، مثل ادعاء وجود أسلحة نووية في العراق، فضلا عن اختيار الشخص المستهدف، إذ يعد عادل الجبير دبلوماسيا محنكا، لما لديه من خبره اكتسبها خلال عمله كمستشار للشئون الخارجية لولي العهد آنذاك عبد الله بن عبد العزيز، والذي كُلف عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر بإعادة بناء الصورة الحسنة للمملكة لدى الولايات المتحدة(8).

يرجح ما سبق أن تكون أطرف متنفذة في الحرس الثوري قد أقدمت على القيام بالعملية بشكل فردي، بهدف خلق أزمة خارجية، حتى يتمكنوا من تعزيز قوتها، وتوحيد الجبهة الداخلية التي تشهد العديد من الاضطرابات، وهو ما يؤكده الدبلوماسي المنشق، محمد رضا حيدري، من أن مثل هذه العمليات- في حال نجاحها أو فشلها- تؤدي إلى النتيجة نفسها، وهي تخويف المجتمع الإيراني من احتمال حدوث هجوم من قبل الغرب، ومن ثم توحيد صفه(9).

كما يرجح أيضا لجوء مثل هذه الأطراف إلى تنفيذ مثل هذه العملية، في إطار ما بدأ يظهر من تطلع الشباب الإيراني إلى الغرب، وإلى قدر أكبر من الحرية، وإشارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد ووزير خارجيته، علي أكبر صالحي، إلى أن العلاقات بين طهران والحكومات الغربية بحاجة إلى تحسين، وذلك انطلاقًا من وظيفة الحرس الثوري الأساسية في المجتمع الإيرانى، وهي الحفاظ على الثورة الإسلامية، بما تحمل من رؤية معادية للغرب الداعم لإسرائيل الغاصبة للمقدسات الإسلامية (10).

مستقبل العلاقات بين البلدين:

تعتقد إيران أن الواقع السعودي الحالي مرشح لمواجهة بعض الاضطرابات الداخلية من قبل بعض فئات المجتمع التي لا تتمتع بالحرية الكافية، مدعومة بروح حماسية تستمدها من الثورات العربية. ولعل أولها ما شهدته محافظة القطيف من أحداث عنف لجأ الجيش لفضها بالقوة، ومطالبة عدد من الباحثين السعوديين، في رسالة وجهت للملك عبد الله في فبراير 2011، باتخاذ إجراءات من شأنها دعم الوحدة الوطنية، وتدعيم الاستقرار الوطني من خلال إجراء حوار وطني، وتنفيذ إصلاحات سياسية، والعمل على الفصل بين أجهزة السلطتين التنفيذية والقضائية، فضلا عما يمكن أن تسهم فيه وفاة ولي العهد، سلطان بن عبد العزيز، في إعطاء دفعة جديدة لقوى التغيير في السعودية نحو مأسسة الدولة.

غير أن إحدى نقاط القوة في الداخل السعودي التي تدركها إيران أيضا ، وهي التوافق والارتباط القوي بين الحكومة وزعماء القبائل في مختلف أنحاء المملكة، يصعب معها حدوث هزات عنيفة للنظام الحاكم، وإن استدعت الظروف الراهنة القيام ببعض الإصلاحات السياسية والاقتصادية السريعة، الأمر الذي يفرض عليها -أي إيران- التعامل مع السعودية، وفق خيارات سياسية في مجملها، وإن شابها التوتر في بعض الأحيان(11).
 

المراجع:

(1) د. محمد السعيد عبد المؤمن، حراس الثورة الإيرانية والنفط، مختارات إيرانية، عدد سبتمبر 2011، ص 63.

(2)OPEC faces new Iran-Saudi clash, http://www.upi.com/Business_News/Energy-Resources/2011/10/07/OPEC-faces-new-Iran-Saudi-clash/UPI-89141318011278/m, 7-10-2011.

(3)Iran versus the US colonies in OPEC, http://mideastreality.blogspot.com/2011/06/iran-versus-us-colonies-in-opec.html, 11-6-2011.

(4)  Mohsen M. Milani, Iran and Saudi Arabia Square Off, Foreign Affairs, http://www.foreignaffairs.com/articles/136409/mohsen-m-milani/iran-and-saudi-arabia-square-off , 11-10-2011. And, Andrew Scott Cooper, The Oil Wars, http://www.thedailybeast.com/articles/2011/10/13/iranian-bomb-plot-exposes-economic-war-with-saudi-arabia.htm,  13-10-2011.

(5) إبراهيم متقي، جنگ سرد ایران و عربستان، http://peace-ipsc.org/fa/?p=1623, ۴- تیر – ۱۳۹0.

(6) تكتيك إيران في البحرين، مجلة الوطن العربي, عدد 1796, 3-8-2011.

(7) خالد الدخيل، ما هي حقيقة مؤامرة اغتيال السفير السعودي؟  جريدة الحياة, 15-10-2011.

(8)U.S. aims to punish Iran for Saudi envoy plot, http://www.usatoday.com/news/washington/story/2011-10-12/saudi-ambassador-plot/50739944/1, 10/12/2011.

(9)Babak Dehghanpisheh, Iran’s Shadowy Assassins, http://www.thedailybeast.com , 17-10-2011.

 (10)By Jamsheed K. Choksy and Carol E. B. Choks, Terror plot aids Iran hardliners, fuels enmity with U.S, http://articles.cnn.com/2011-10-11/opinion/opinion_choksy-iran-plot_1_terror-plot-irgc-quds-force?_s=PM:OPINION, 11-10-2011.

(11)صحوات المنطقة في طريقها إلى السعودية، مختارات إيرانية، العدد 131، يونيو 2011.


رابط دائم: