جي. ستريت :|صوت يهودي جديد في واشنطن
1-11-2011

د. يزيد صايغ
* أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة كينجز كولدج لندن (حتى عام 2011)

عرض : محمد عبدالله يونس

معيد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة

Jeremy Ben-Ami,A New Voice for Israel: Fighting for the Survival of the Jewish Nation

  U.S: Palgrave Macmillan،2011 

لم تعد لجنة العلاقات العامة الأمريكية - الإسرائيلية (إيباك) الممثل الوحيد لليهود الأمريكيين في الولايات المتحدة، لاسيما مع بزوغ نجم منظمة "جي استريت" اليهودية الأكثر اعتدالا عام 2008، والتي باتت تحظي بتأييد قطاع واسع من الليبراليين واليساريين اليهود ممن يرفضون مواقف قادة إيباك اليمينية المتشددة حيال الصراع العربي - الإسرائيلي، ومستقبل عملية السلام في الشرق الأوسط.

وتواكب ذلك التنافس المحتدم بين "إيباك" و"جي استريت" علي حشد المؤيدين وجمع التبرعات والتأثير في الحملات الانتخابية لمرشحي الكونجرس والرئاسة مع تصاعد الجدل بين قيادات المنظمتين حول السياسات الأكثر تحقيقا للمصالح المشتركة لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل في الشرق الأوسط. وفي خضم هذا التنافس، أصدر "جيرمي بن عامي" المؤسس الرئيسي لمنظمة "جي استريت" كتابه الجديد لإلقاء الضوء علي ظروف نشأة المنظمة والتوجهات السياسية التي تتبناها حيال مختلف قضايا السياسة الخارجية الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط.

الأساطير السياسية لإيباك:

يبدأ الكاتب أطروحته بتفنيد عدد من الصور النمطية المضللة -أو "الخرافات السياسية" علي حد تعبيره- حول المواقف السياسية لليهود الأمريكيين، والتي أسهمت مواقف قادة "إيباك" في نشرها علي مدي فترة انفرادها بالتأثير في السياسة الأمريكية تجاه قضايا الشرق الأوسط. وأهم تلك الصور النمطية:

1- إن قادة إيباك يتحدثون باسم اليهود الأمريكيين بمختلف توجهاتهم السياسية.

- 2إن دعم بقاء إسرائيل يحتم معارضة إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

3- إن اليهود الأمريكيين يعطون أصواتهم للمرشحين في الانتخابات المختلفة بناء علي مدي دعمهم لإسرائيل.

4 - إن دعم السلام مع دول معادية لإسرائيل يعبر عن ضعف وتجنب للمواجهة العسكرية أكثر من كونه سياسة برجماتية.

- 5إن التحالف السياسي مع المحافظين الجدد يحقق مصالح إسرائيل والمجتمع اليهودي.

يؤكد "بن عامي" أن هذه الاتجاهات المتطرفة لا تعبر سوي عن نسبة لا تتجاوز 8% من اليهود الأمريكيين من أصحاب النفوذ السياسي والإعلاميين، في حين تميل الأغلبية الساحقة منهم لعدم الاهتمام بالصراع العربي - الإسرائيلي أو تبني اتجاهات معتدلة تجاهه. ويستدل علي ذلك باستطلاع للرأي كشف عن أن 3% فقط من اليهود الأمريكيين تبنوا بقاء إسرائيل كقضية تحظي بأولوية عند الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات، في حين ركزت الغالبية الساحقة علي القضايا الاقتصادية كمحدد لتفضيلاتهم الانتخابية.

الفجوة بين يهود الولايات المتحدة وإسرائيل:

يقارن "بن عامي" بين اعتدال اليهود الأمريكيين من جانب وانحراف التوجهات السياسية للمجتمع الإسرائيلي نحو اليمين المتطرف وسياسات التوسع الاستيطاني من جانب آخر، محذرا من اتساع الفجوة بين الأجيال الصاعدة من اليهود الأمريكيين وإسرائيل، نتيجة السياسات اليمينية المتطرفة التي اتبعتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تجاه عملية السلام.

وفقا لرؤية الكاتب، فإن منظمة "جي استريت" تعبر عن توجهات الأغلبية المعتدلة من اليهود الأمريكيين، وتدافع في الوقت ذاته عن بقاء إسرائيل كدولة للشعب اليهودي، معتبرا إياها الذراع السياسية لحركة السلام المناصرة لإسرائيل. مؤكدا أن التوصل لتسوية عادلة بين الطرفينالإسرائيلي والفلسطيني، استنادا لحل الدولتين، يحقق "الحلم الصهيوني" المتمثل في الحفاظ علي إقامة دولة يهودية ديمقراطية تقوم علي المساواة بين جميع مواطنيها دون تفرقة علي أي أساس وفقا لنص "إعلان الاستقلال".

وعن الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، قال "بن عامي": "إن الممارسات الاستيطانية والقمعية بحق الفلسطينيين علي مدي السنوات الماضية جعلت إسرائيل تتحول لدولة عنصرية لتفقد تدريجيا مكانتها الأخلاقية كمنارة وملاذ آمن ديمقراطي للشعب اليهودي".

نحو تسوية نهائية للصراع:

يربط "بن عامي"، الذي ينحدر من عائلة صهيونية متشددة أسهمت في تأسيس دولة إسرائيل، بين بقاء إسرائيل ودعم حل الدولتين كتسوية للصراع العربي - الإسرائيلي، باعتبار أن الاعتماد علي التوسع الاستيطاني والقوة العسكرية يزيد من الكراهية التي تحظي بها إسرائيل في محيطهاالإقليمي ويهدد المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، بينما تحقق التسوية أمن إسرائيل بأقل تكلفة.

ويلخص الكاتب التوجهات السياسية ل-"جي استريت" في دعم حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية علي حدود عام 1967، واعتبار القدس عاصمة للدولتين الفلسطينية والإسرائيلية علي السواء، وإيجاد حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين، والكف عن الممارسات الاستيطانية الإسرائيلية. مؤكدا أن عودة التوازن للسياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي - الإسرائيلي تحقق مصالح إسرائيل في البقاء، لأنها تحقق تسوية نهائية لصراع محتدم يستنزف موارد الدولة الإسرائيلية، وتنهي معضلة الأمن التي تعانيها الدولة بتحييد التهديد الأبرز لبقائها.

بيد أن الكاتب يغفل أن هذه التسوية لا تحظي بقبول لدي غالبية الإسرائيليين الذين يفضلون سياسات اليمين الإسرائيلي المتشدد، وأن قطاعا من المستوطنين والمتدينين في المجتمع الإسرائيلي لا يعترف بوجود طرف فلسطيني يمكن التفاوض معه. كما يؤخذ علي الكاتب أيضا أنه يميل لتضخيم نفوذ "جي ستريت" علي الرغم من حداثة عهدها ومحدودية دورها في التأثير في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط بالمقارنة ب-"إيباك" الأكثر خبرة ونفوذا.


رابط دائم: