الخطوط الحمراء فى محددات الأمن القومى المصرى
22-10-2023

ا. عبد المـحسن سـلامة
* رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام

 هكذا هم المصريون يقفون دائما على قلب رجل واحد فى مواجهة أى مخاطر تتعلق بوطنهم، وأمتهم، وها هم هذه الأيام يعلنون الوقوف صفا واحدا خلف قيادتهم مرددين اللاءات الثلاث (لا لتهجير الفلسطينيين..لا لتصفية القضية..لا لاستهداف المدنيين) وهى اللاءات التى أعلنها الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال مؤتمره الصحفى مع المستشار الألمانى أولاف شولتس أثناء زيارته القاهرة يوم الأربعاء الماضى.

أول أمس خرجت الملايين فى شوارع وميادين القاهرة وكل محافظات الجمهورية بلا استثناء تدعم الرئيس فى رؤيته للأمن القومى المصرى، وترفض حملات الإبادة والتهجير التى يقوم بها جيش رسمى هو جيش الاحتلال الإسرائيلى، وليس مجرد عصابة أو جماعة أو ميليشيا مسلحة، ليعيد إلى الأذهان ما فعله جيش ألمانيا النازية الذى ربما كان أكثر إنسانية من جيش النازية الجديد فى إسرائيل.

مع أصوات المظاهرات الهادرة فى ميادين مصر والعالم أول أمس كان الرئيس عبدالفتاح السيسى يؤكد الثوابت المصرية أثناء مقابلته ريشى سوناك رئيس الوزراء البريطانى أول أمس الجمعة حينما أوضح له بالأرقام سقوط حوالى 4000 شهيد مدنى فلسطينى منذ اندلاع الأزمة الأخيرة فى غزة، من بينهم 1500 طفل فلسطينى، وهو ما ترفضه مصر وكل الشعوب الحرة، والضمائر الحية.

الرسالة الأهم التى أطلقها الرئيس أمام رئيس وزراء بريطانيا صاحبة وعد بلفور الشهير أنه لا حل إلا بقيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وشدد على الموقف المصرى الرافض لنزوح الفلسطينيين من غزة إلى سيناء لأن ذلك يعنى ببساطة تصفية القضية وهو ما ترفضه مصر.

المؤتمر الصحفى كان علنيا، وكلام الرئيس تمت إذاعته على الهواء مباشرة ليكون رسالة إلى كل دول العالم بلا استثناء بوضوح الموقف المصري، ومساندته ودعمه اللامحدود للقضية الفلسطينية، ولكى يضع النقاط على الحروف فى المسئولية عن توتر الأوضاع فى المنطقة باعتبار أن الاحتلال الإسرائيلى هو السبب الرئيسى للأزمة، وأنه لابد من إنهاء هذا الاحتلال بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية إذا رغبت دول العالم فى تحقيق السلام فى المنطقة.

موقف مصر واضح ومحدد قبل الأزمة الأخيرة وبعدها، فلا سلام دون قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967، كما أن مصر ترفض بوضوح كل مخططات التهجير قديما وحديثا، كما تؤكد دائما أنه دون قيام دولة فلسطينية مستقلة تظل الأزمج مشتعلة حتى وإن هدأت قليلا، لأنها سوف تعود مرة أخرى أقوى مما كانت ، وهو ما يحدث الآن فعليا.

طوال 56 عاما استخدمت إسرائيل منذ احتلالها كامل الأراضى الفلسطينية فى حرب 1967، كل أشكال العنف والحصار، والتجويع ضد الشعب الفلسطينى، كما لجأت إلى سياسة «فرق تسد» من أجل شق الصف الفلسطينى، وخلق أكثر من رأس للادعاء بعدم وجود شريك واحد، فهى التى صنعت ذلك، ودعمته فترات طويلة، ورغم كل ذلك لم تمت القضية الفلسطينية وظلت متوهجة طوال الوقت وأثبتت الأحداث والأيام أنها قضية العرب الأولى بلا منازع. .

المؤكد أنه ليست هناك دولة دفعت ثمنا باهظا قديما وحديثا مثلما فعلت مصر منذ عام 1948 حتى الآن، حيث خاضت مصر ثلاث حروب مباشرة وهى حروب 1948، و1967، و1973، بالإضافة إلى العديد من الحروب غير المباشرة من أجل تركيع الإرادة المصرية، والقبول بمبدأ تهجير الفلسطينيين تمهيدا لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات.

رغم التكلفة الباهظة التى تحملها الاقتصاد المصرى لم ولن تترك مصر فلسطين فى الحرب أو السلم، فى إطار عقيدة مصر الأساسية القائمة على أن أمنها القومى جزء من الأمن القومى العربى، وأن مصر دائما هى «الرافعة» للعالم العربى، فهى التى خاضت الحروب الكبرى ضد الصليبيين، والتتار ومؤخرا إسرائيل فى أكتوبر 1973.

نجح الجيش المصرى «خير إجناد الأرض» فى تلك المعارك الكبرى فى كسر شوكة الاعداء قديما وحديثا لتظل مصر هى القلب والقوة الصلبة لكل شعوب ودول العالم العربى.

ولأن الحرب قد تكون محفزا للسلام فقد تحركت مصر بسرعة ودعت إلى قمة القاهرة للسلام التى عقدت بالأمس فى العاصمة الإدارية وشهدت حضورا دوليا واسعا من المنظمات الدولية وشارك فيها الأمين العام للأمم المتحدة، والاتحادان الأوروبى والإفريقى، وجامعة الدول العربية وعدد كبير من زعماء وقادة دول العالم المهتمين بإقامة سلام عادل ودائم فى الشرق الأوسط ليكون أول مؤتمر منذ عدة عقود يسعى لإحياء قضية السلام فى الشرق الأوسط، ويعيد ضبط بوصلة المنطقة فى إطار التأكيد على أن السلام العادل والدائم فى المنطقة هو مفتاح الأمن والاستقرار لكل دول المنطقة بما فيها إسرائيل وفلسطين.

سألت المستشار أحمد فهمى المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية عن الدوافع التى دعت القيادة المصرية لعقد مؤتمر القاهرة للسلام فى هذا التوقيت؟

أجاب المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية قائلا: مصر هى قلب العالم العربى، والمنطقة والقضية الفلسطينية ضمن المحددات الرئيسية للأمن القومى المصرى، وموقف الرئيس عبدالفتاح السيسى واضح ووقوى وثابت قبل الأزمة الأخيرة، وبعدها لأن مصر تؤمن بأن السلام العادل والشامل هو الطريق الوحيد لتحقيق الاستقرار فى المنطقة، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967.

من هنا جاءت الدعوة المصرية فور وقوع الازمة الأخيرة لاستضافة مؤتمر القاهرة للسلام بحضور دولى واسع، فهو ليس قمة عربية، أو قمة لدول الجوار، لكنه كان مؤتمرا دوليا يضم كل الشركاء الدوليين والاقليميين الداعمين للسلام فى الشرق الأوسط والمساندين لحق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة طبقا لمقررات الشرعية الدولية، وقرارات الأمم المتحدة، ومبادرة السلام العربية.

وأضاف المستشار أحمد فهمى المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية قائلا: مؤتمر القاهرة للسلام استهدف مسارين أساسيين، الأول مسار فورى وعاجل، وهو ضرورة إنهاء الأزمة الحالية، ومنع تدهور الأوضاع أكثر مما هى عليه الآن، تجنبا لوقوع ضحايا جدد من المدنيين الأبرياء خاصة بعد أن وصل عدد الضحايا من الجانب الفلسطينى إلى ما يقرب من 4 آلاف قتيل، من بينهم 1500 طفل كما أوضح الرئيس خلال مقابلته مع ريشى سوناك رئيس الوزراء البريطانى.

يتضمن هذا المسار الفورى العاجل ضرورة السماح بإدخال المساعدات الإنسانية العاجلة من غذاء، ودواء ومستلزمات حياتية ضرورية للشعب الفلسطينى فى غزة بشكل دائم ومستدام تحت إشراف الأمم المتحدة ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين «الأنروا»، وهو الأمر الذى بدأت بوادره أمس والسماح بدخول أول دفعة من المساعدات الإنسانية.

سألته ما هى المعوقات التى كانت تمنع تدفق المساعدات ضمن معبر رفح رغم زيارة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيرش للمعبر؟!

أجاب المستشار أحمد فهمى قائلا: الدولة المصرية جاهزة، وكعادتها فى الأزمات فإنها تنسج ملاحم بطولية غير مسبوقة، وهو ما نجحت فيه مصر حتى الآن فى هذا المجال، حيث نجحت مصر فى تنظيم وتنسيق كل الجهود الدولية فى مجال المساعدات للشعب الفلسطينى بكفاءة واقتدار، وفور سماح الجانب الإسرائيلى باعتباره دولة احتلال للجانب الفلسطينى من معبر رفح تم إدخال المساعدات على الفور، لأن مصر لم تغلق معبر رفح من جانبها، والمجتمع الدولى الآن يعمل بكل جدية على حل المشكلة مع الجانب الإسرائيلى للتخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني، وتوفير الحد الأدنى من الغذاء، والدواء والمياه للسكان من المدنيين الأبرياء، والأطفال والنساء فى غزة.

وماذا عن مسار السلام الدائم والعادل فى الشرق الأوسط وإقامة الدولة الفلسطينية؟

أجاب المستشار أحمد فهمى المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية قائلا: مصر دائما وأبدا هى الشريك الرئيسى فى مسار السلام الفلسطينى وهذا هو المؤتمر الدولى الأول الذى عقد لهذا الغرض منذ أكثر من ثلاثة عقود تقريبا، وتدفع مصر بإخلاص وقوة فى اتجاه تحقيق السلام الدائم والشامل فى المنطقة لأنها تؤمن بأن السلام العادل والدائم هو السبيل الوحيد لإنهاء الصراع العربى الإسرائيلى، وتحقيق السلام الدائم والشامل لكل شعوب المنطقة بما فيها الشعبان الإسرائيلى، والفلسطينى، ولهذا فإن دعوة مصر فى هذا التوقيت أكدت مصداقية الرؤية المصرية، وتأمل أن يكون هناك توافق دولى حول تلك الرؤية وبلورة تلك الرؤية والدفع بها إلى طاولة التنفيذ الفعلى خلال المرحلة المقبلة بعد أن تأكد العالم كله أنه لا حل للصراع الفلسطينى الإسرائيلى إلا بالسلام وأن القوة مهما بلغت مداها لن تؤدى إلا إلى مزيد من العنف والكراهية واشتعال المزيد من الأزمات.

وأضاف أن الدولة المصرية بذلت وتبذل جهدا هائلاً لإحياء مسار السلام وأكد على ذلك الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال اللقاءات والمشاورات التى أجراها مع قادة وزعماء دول العالم قبل الأزمة وبعدها، مشيرا إلى إنه ربما تكون الأوضاع الحالية المشحونة والمتوترة حافزا للبحث عن السلام والالتفاف حوله كصيغة عادلة ومتوازنة لصالح جميع الأطراف الإقليمية والدولية بلا استثناء وتحقيق الأمن والرفاهية لكل دول المنطقة بما فيها إسرائيل وفلسطين وكل الدول الأخرى.

انتهت تصريحات المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية والمؤكد أن الأيام القليلة المقبلة ربما تكون كاشفة لكيفية الخروج من هذا النفق المظلم الذى يخيم على المنطقة كلها بسبب ممارسات الاحتلال الإسرائيلى طوال ٥٦ عاما حتى الآن ورفض إسرائيل لنداءات السلام العادل والشامل الذى يجنب شعبها ودول المنطقة كلها مخاطر قد تتزايد وتشعل المنطقة كلها دون استثناء بسبب الممارسات الإسرائيلية التى تصب المزيد من الزيت على النيران المشتعلة منذ أكثر من 7 عقود كاملة دون أفق سياسى للسلام.

أعتقد أن رسالة الرئيس القوية والواضحة، حينما أكد أمس أمام الحضور فى قمة القاهرة للسلام «أن تصفية القضية الفلسطينية دون حل عادل لن تحدث» قد وصلت إلى دول العالم ليعيد حساباته مرة أخرى لأنها تلخص أسباب الأزمة وتوضح الطريق إلى الحل من القاهرة.


رابط دائم: