حكاية خامس انتخابات رئاسية تعددية فى مصر
1-10-2023

ا. عبد المـحسن سـلامة
* رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام

  الانتخابات الرئاسية المقبلة هى خامس انتخابات رئاسية تعددية فى مصر يتم إجراؤها تحت الإشراف القضائى الكامل، لكنها ليست مثل سابقاتها من الانتخابات، حيث تتمتع هذه الانتخابات بخصوصية شديدة، فهى الانتخابات الرابعة بعد قيام ثورتين متتاليتين خلال مدة لم تتجاوز ثلاث سنوات: الأولى فى 25 يناير 2011، والثانية فى 30 يونيو 2013، لتبدأ مصر عصرا جديدا فى التنمية والاستقرار ودحر الإرهاب الذى كاد ينجح فى مخططه الشرير كما حدث فى دول أخرى مجاورة.

قامت ثورة 30 يونيو لتعيد ضبط البوصلة المصرية من جديد، بعد أن شهدت الدولة المصرية أصعب وأخطر 3 سنوات من المعاناة والتخبط والأزمات المتتالية.

تضاعفت المشكلات، واتسع نطاقها، وكادت تنهار كيانات ومؤسسات الدولة، وأصيب الاقتصاد المصرى بالشلل، وبلغ إجمالى خسائره أكثر من 440 مليار دولار فى تلك السنوات العجاف.

جاءت الانتخابات الرئاسية التعددية الأولى بعد ثورة 30 يونيو، التى أجريت فى مايو 2014، لتضع النقاط على الحروف، وتبدأ مصر معركة من نوع جديد، لاستعادة قوة كيانات الدولة مرة أخرى، وعبور حالة «شبه الدولة» إلى «الدولة القوية» التى استطاعت خوض معركتين متوازيتين فى آن واحد: الأولى كانت هى الأخطر على الإطلاق، وهى الحرب على الإرهاب، والثانية هى معركة البناء والتنمية.

لم تكن الحرب على الإرهاب سهلة وميسورة، وإنما كانت شديدة الضراوة، ولا تقل خطورة عن معارك الشرف والكرامة التى خاضتها القوات المسلحة، للدفاع عن الأراضى المصرية واستردادها التى كانت آخرها حرب السادس من أكتوبر التى نحتفل بمرور 50 عاما عليها خلال الأيام المقبلة.

كانت رايات «داعش» السوداء تنتظر لحظة ولادة ولاية «داعش» الإرهابية فى سيناء أو الواحات أو أى مناطق أخرى، وبدأ التمهيد لذلك من خلال إقامة «السجون» الخاصة بها، والقيام بتحصين مواقعها داخل بعض مناطق سيناء.

كانت المواجهة شرسة وعنيفة، ضحت فيها القوات المسلحة والشرطة المصرية بكل غالٍ ونفيس، لاستعادة مقاليد الأمور فى سيناء، وفى كل شبر من الأراضى المصرية، وتحمل الاقتصاد المصرى تكاليف باهظة، بلغت أكثر من مليار دولار شهريا، نتيجة المواجهات العنيفة مع الجماعات الإرهابية.

استمرت المواجهة أكثر من 84 شهرا، أى ما يقرب من سبع سنوات كاملة منذ 2014 حتى العام قبل الماضى وطول تلك المدة كانت التضحيات ضخمة بشريا وماديا، حتى نجحت القوات المسلحة، ومعها الشرطة المصرية، فى تغيير المشهد كاملا، وبعد أن كانت مصر فى القائمة السوداء للعمليات الإرهابية، التى بلغت رقما قياسيا فى 2015 بإجمالى 594 عملية إرهابية، بدأت هذه العمليات تتراجع إلى 199 عملية إرهابية فى 2016، ثم 50 عملية فى 2017، من بينها الحادث الأكبر والأضخم فى العمليات الإرهابية فى مصر، وهو حادث مسجد «الروضة»، ثانى أكبر عمل إرهابى على مستوى العالم بعد أحداث 11 سبتمبر الشهيرة فى الولايات المتحدة الأمريكية.

استمر مسلسل تراجع العمليات الإرهابية ودحر الجماعات الإرهابية بعد إطلاق العملية الشاملة لاجتثاث جذور وأوصال الإرهاب والجماعات الإرهابية، لتصل إلى «صفر» فى العامين الماضى والحالى، فى تجربة ملهمة ورائدة قدمتها القوات المسلحة والشرطة المصرية كنموذج يحتذى به عالميا، لإنقاذ الدول من براثن الخراب والدمار الشامل على أيدى الجماعات الإرهابية.

على الرغم من ضراوة وشراسة المعركة على الإرهاب، لم يكتف الرئيس عبدالفتاح السيسى بما تحقق من نجاحات يشهد بها كل مواطن مصرى، بعد أن استعاد أمنه وأمانه، لكنه على الجانب المقابل بدأ فى إطلاق أكبر عملية تنمية شاملة تشهدها الدولة المصرية منذ عصر محمد على.

كان الخلل فى البنية التحتية قد بلغ مداه بعد إهمال أكثر من 6 عقود، وكان لابد من التدخل الفورى والعاجل، فدخلت الدولة بكل قوتها، لمعالجة هذا الخلل الجسيم فى كل القطاعات.

تدخلت الدولة وتحملت فى سبيل ذلك عدة تريليونات من الجنيهات، وأحدثت ما يشبه المعجزة فى هذا المجال، من حيث المدة الزمنية وحجم الإنفاق. تمت إضافة أكثر من ١٤ مدينة جديدة، واستصلاح واستزراع ما يقرب من ٣ ملايين فدان، وكذلك إقامة أضخم شبكة للطرق والمحاور والأنفاق، وربط سيناء بالوادى والدلتا بإجمالى ٥ أنفاق إضافية، إلى جوار نفق الشهيد أحمد حمدى الوحيد، الذى تمت إقامته طول الفترة الماضية، وغير ذلك من المشروعات العملاقة والضخمة التى بدأت بقناة السويس الجديدة الإضافية للممر الملاحى الأعظم فى العالم، مما أسهم فى رفع كفاءة قناة السويس، ومضاعفة إيراداتها ١٠٠٪ تقريبا، إلى جانب العديد من المشروعات الأخرى فى الطاقة النووية والغاز والكهرباء والصناعة والزراعة، وغيرها من المشروعات التى يصعب حصرها فى مقال واحد أو عدة مقالات.

يبقى السؤال: ما علاقة كل ذلك بالانتخابات الخامسة التى أطلقتها الهيئة الوطنية للانتخابات فى الأسبوع الماضى؟. المؤكد أن هناك علاقة قوية بين ما حدث فى السنوات الثمانى الماضية وبين الانتخابات الخامسة، ولا يمكن الفصل بين هذا وذاك.

فى رأيى أن ما حدث خلال الفترة الماضية فى مجالى مكافحة الإرهاب والمواجهة الاقتصادية الشاملة هو ما يمكن أن نطلق عليه أن مصر نجحت فى قطع ثلاثة أرباع الطريق فى الجمهورية الجديدة القوية، اقتصاديا وعسكريا وسياسيا وأمنيا، وأن ما تبقى من استكمال المشوار لا يقل أهمية عن سابقه.

للأسف الشديد هبطت جائحة «كورونا» فى منتصف الطريق، وألقت بظلالها القاتمة على الاقتصاد العالمى، وتقطعت سلاسل الإمداد، وانكفأت كل دولة على نفسها من أجل إنقاذ شعبها أولاً، ونجح الاقتصاد المصرى بصلابة وقوة فى تخطى تلك «المحنة»، وإن تركت آثارها بالطبع، لكنها لم تكن بالعنف المتوقع نتيجة قوة الإصلاحات الاقتصادية التى حدثت قبل وقوعها، إلا أنه، ومع بدء التقاط الاقتصاد العالمى «أنفاسه اللاهثة»، اشتعلت الحرب الروسية ــ الأوكرانية التى كانت أعنف وأقسى على الاقتصاد العالمى من جائحة «كورونا»، وظهرت آثارها السلبية على كبرى الاقتصادات العالمية، بدءا من الاقتصاد الأمريكى، مرورا بالاقتصادات الأوروبية، وكذلك الاقتصاد الصينى العملاق، وانتهاء بالاقتصاد الروسى.

لجأت الدول الكبرى إلى رفع أسعار الفائدة، لتهرب الأموال الساخنة إلى الاقتصادات القوية كملاذ آمن، وأثر ذلك بالطبع على باقى الاقتصادات الناشئة، ومن بينها الاقتصاد المصرى بالطبع.اشتعلت موجة تضخمية عالمية، كان لها تأثيرها السلبى المباشر على الاقتصادات العالمية.

ووسط تلك العواصف الاقتصادية العالمية، نجح الاقتصاد المصرى فى تخطى الأصعب، وجاءت دعوة تجمع «بريكس»، لانضمام مصر إلى هذا التجمع الاقتصادى العالمى، لتؤكد ذلك، ثم تبع ذلك فى الأسبوع الماضى انعقاد اجتماعات البنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية فى أول اجتماع له بقارة إفريقيا، ليؤكد إمكان التعافى الاقتصادى الكامل خلال المرحلة المقبلة بعد انتهاء «المرحلة الأصعب» فى الأزمة.

من هنا تأتى أهمية الانتخابات الخامسة، التى من المقرر إجراؤها فى ديسمبر المقبل تحت إشراف قضائى كامل، وهو ما يحسب للرئيس عبدالفتاح السيسى فى الانحياز للإشراف القضائى الكامل، ووجود قاض على رأس كل صندوق، وإجراء الانتخابات بكامل مراحلها قبل الموعد المقرر لانتهاء الفترة الانتقالية المقررة بعشر سنوات فى ١٧ يناير المقبل.

المؤكد أن الإصرار على إجراء الانتخابات التعددية الخامسة بكامل مراحلها تحت الإشراف القضائى الكامل، ولحين إعلان النتيجة النهائية فى موعد أقصاه ١٦ يناير المقبل، فى حالة حدوث جولة إعادة، إنما يؤكد الثقة والوقوف على أرض صلبة، لكى تخرج الانتخابات الخامسة فى أبهى صورة، وبتعددية كاملة، ونزاهة وشفافية تتماشى مع سمعة القضاء المصرى الشامخ والراسخ عبر التاريخ، خاصة أن هذه الانتخابات تأتى فى ذكرى مرور ١٠٠ عام تقريبا على إجراء أول انتخابات نيابية مصرية فى ١٢ يناير ١٩٢٤.

المهم الآن المشاركة بكل قوة، حتى يقدم الشعب المصرى نموذجا نفخر به أمام العالم، وبما يعزز قواعد التجربة الديمقراطية المصرية التى تشهد مرور ١٠٠ عام على إطلاقها فى يناير المقبل، وحتى يتم استكمال الطريق الذى بدأ منذ ٨ سنوات، وتبدأ مرحلة التعافى والازدهار على مختلف الأصعدة.


رابط دائم: