ماذا بعد المساعدات العسكرية الأمريكية الرسمية لتايوان؟
24-9-2023

غادة جابر
* باحث دكتوراه -كلية السياسة والاقتصاد- جامعة السويس

بينما العالم لا يهدأ منذ تفشى فيروس كورونا الذى ضرب العالم فى نهاية عام 2019، تاركا تأثيرات هائلة اقتصاديا وسياسيا ومجتمعيا، كثرت الأقاويل عن أسباب وجود وتفشى هذا المرض، وتبادلت الصين والولايات المتحدة الأمريكية التهم، فغرد المتحدث باسم الخارجية الصينية "زهاو ليجيا" بأنه ربما يكون الجيش الأمريكى هو الذى أحضر الفيروس إلى ووهان، وانطلقت تحليلات أمريكية تتهم  الصين بالوقوف وراء أبحاث تطوير الفيروس بشكل أدى إلى هروب المستثمرين وعودة حاملى أسهم الشركات للصين. ويبدو لنا من هذه التصريحات التى مر عليها عدة سنوات أن كلا من المنافسة والتحدى الشرسين بين واشنطن وبكين فى تاريخنا الحديث يتوجهان نحو المحور الاقتصادى، الذى تعمل عليه الولايات المتحدة الأمريكية دائما بكل قوتها من أجل الهيمنة الاقتصادية على هذا العالم لتظل هى المسيطرة فى عالم أحادى القطبية لا يقبل منافسا. وترى الصين أنها دولة نامية كما تتحدث عن نفسها، فى الوقت الذى ترى الولايات المتحدة الأمريكية أن الصين صاعدة بقوة، وهى العدو الأوحد للولايات المتحدة الذى يهدد استمرارية بسط عرشها ونفوذها على هذا العالم، وكبرت الخطط الاستراتيجية الممنهجة من الكونجرس الأمريكى محاولا القضاء على الصعود الصينى، إلى أن وصل إلى التمويل العسكرى لتايوان. والحقيقة التاريخية تقول إن الصراع بين واشنطن وبكين يرجع إلى عام 1971 عندما أعلنت الأمم المتحدة الاعتراف بجمهورية الصين الشعبية بقرار أممى، ودخولها بدلا عن تايوان، ليحق لها وضع الفيتو لدى مجلس الأمن، وحاولت أمريكا إبعاد جمهورية الصين الشعبية خارج مظلة الأمم المتحدة، فى الوقت الذى صوتت فيه الأغلبية بالاعتراف الرسمى للصين الشعبية وضمها إلى الأمم المتحدة، فيما اعترضت الولايات المتحدة الأمريكية، وزائير واليابان وأستراليا على هذا القرار، ولكن بلا جدوى بعد قرار الأمم المتحدة، إلى أن تطور الأمر ليكون الاستفزاز بالتسليح الحقيقى، والتدريبات العسكرية المتبادلة بين أمريكا وتايوان، والرد الدائم والسريع من الصين على هذا التعاون العسكرى الذى ترفضه، بحكم مبادئها وسياستها التى تُشدد أنه لا توجد سوى دولة واحدة ذات سيادة تحمل اسم الصين، وهذا المبدأ يصر على أن كلا من تايوان والبر الرئيسى للصين أجزاء لا تتجزأ من "صين واحدة" التى لن تتنازل عنها، لأن الصين واحدة، وأن تايوان جزء لا يتجزأ من دولة الصين، وأن التدخل من الجانب الأمريكى فى تايوان تعده الصين تدخلا فى شئونها الداخلية، ولكن كان لبكين أيضا رد بمناورات عسكرية وبقوة على مدى الأعوام القريبة السابقة، فقط لمجرد أن تستفزها واشنطن بزيارتها الدبلوماسية المتبادلة مع تايبيه التى تُختصر فى الآتى:

زيارة أول مسئول أمريكى لتايوان فى عام2020:

فى وقت حرج عالميا وخسائر على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بسبب انتشار فيروس كورورنا الذى أحدث شللا تاما فى حركة التجارة والصناعة والصحة بين المجتمع الدولى، بل تم غلق المنافذ من موانئ ومطارات وطرق لحظر المواطنين داخل دولهم، جاءت زيارة أبرز مسئول أمريكى لتايوان منذ عام  1979 فى  8 أغسطس عام 2020، وهو وزير الصحة الأمريكى "عازار" أبرز مسئول أمريكى يزو تايبيه من إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، وذلك منذ توقف واشنطن عن الاعتراف بها عام 1979 وقطع العلاقات الدبلوماسية معها، وكان وفدا رفيع المستوى يرأسه وزير الصحة الأمريكى، وكان مقررا اللقاء برئيسة تايوان" تساى إنغ – وين"، من أجل توقيع مذكرة تفاهم للتعاون الصحى مع حكومة تايوان، وتعزيز التعاون الاقتصادى فى مجال الصحة، وكانت الزيارة فى مرحلة متوترة من العلاقات بين واشنطن وبكين وفيها تهديد مبطن آخر يوجهه البيت الأبيض للحزب الشيوعى الصينى. ورصدت وزارة الدفاع التايوانية بعد هذه الزيارة بيومين طائرات مقاتلة صينية عبرت لفترة وجيزة الخط الفاصل فى مضيق تايوان فى 10 أغسطس2020، لكن تمكنت القوات الجوية من إبعادها، وتوالت عمليات التوغل لطائرات مقاتلة صينية فى مناطق الدفاع الجوى التايوانية لتصل إلى 380 عملية، وجاء هذا التوتر بين الجانبين الصينى والتايوانى، ردا من الصين على زيارة الوفد الأمريكى لتايوان، التى نددت بأنه لا يحق لتايوان إقامة علاقات مستقلة مع الدول الأخرى.

إلغاء زيارة السفيرة الأمريكية فى الأمم المتحدة لتايوان عام 2021:

ألغيت زيارة السفيرة الأمريكية "كيلى كرافت" لدى الأمم المتحدة التى كانت مخصصة لزيارة تايوان فى يناير 2021، تطبيقا لقرار وزارة الخارجية الأمريكية، بمنع كل الزيارات إلى الخارج، وذلك لضمان انتقال سلس للسلطة إلى الرئيس المنتخب "جو بايدن"، وجاء هذا القرار بعد أن توعدت بكين واشنطن بأنها ستدفعها ثمنا غاليا جدا إذا تمت هذه الزيارة، كما قالت البعثة الصينية لدى الأمم المتحدة إن الولايات المتحدة ستدفع ثمنا باهظا ثمن تحركها الخاطئ، وتحض الولايات المتحدة على وقف استفزازاتها المجنونة، والتوقف عن وضع صعوبات جديدة أمام العلاقات الصينية الأمريكية والتعاون بين الأمم المتحدة، وأشار بيان البعثة الصينية إلى أن بكين تعارض بشدة هذه الزيارة، وتطالب واشنطن بالتوقف عن المضى قدما فى المسار الخطأ، مشددا على أن الصين واحدة، وتايوان ليست سوى مقاطعة منها، كان مقررا لـ "كرافت" أن تجرى خلال زيارتها إلى تايبيه محادثات مع الرئيسة التايوانية "تساى إنغ - وين" ومسئولين آخرين وأعضاء فى السلك الدبلوماسى، مدافعة عن وجود تايوان فى الفضاء الدولى، وإلقاء خطاب فى معهد الدبلوماسية والشئون الدولية حول إسهامات تايوان اللافتة فى خدمة المجتمع الدولى، وأهمية المشاركة الهادفة والواسعة لتايوان فى المنظمات الدولية، وعبر عنها المتحدث باسم الرئاسة التايوانية "كزافييه تشانغ" بالترحيب والتعبير عن الصداقة القوية بين تايوان والولايات المتحدة، أرسلت وسط خلافات محتدمة بين الولايات المتحدة والصين فى مجالات التجارة والأمن والتعاون وحقوق الإنسان، وتكثف بكين الضغوط العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية على تايبيه منذ انتخاب الرئيسة تساى إنغ - وين فى 2016، لأسباب منها رفضها الاعتراف بالجزيرة ضمن "صين واحدة"، التى حققت فوزا ساحقا عند إعادة انتخابها العام الماضى، تعد الجزيرة مستقلة بحكم الواقع، وتوعدت الصين مرارا باستعادة الجزيرة بالقوة إذا لزم الأمر، لكن لا تزال واشنطن حليفا رئيسيا لتايبيه ومزودها الرئيسى بالأسلحة، بل إنها ملزمة من قبل الكونجرس الأمريكى بالبيع للجزيرة أسلحة لتضمن قدراها على الدفاع عن نفسها ما أدى إلى تدهور العلاقة مع الصين.

زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكى إلى تايوان فى عام2022:

  جاءت هذه الزيارة فى إطار أشد توترا عما سبقها من زيارات، فكان التحذير هذه  المرة من قبل الرئيس الصينى "شى جين بينغ" الذى حذر نظيره الأمريكى "جو بايدن"، من اللعب بالنار، وحشدت بكين قواتها قرب الجزيرة فى رسالة تهديد واضحة لواشنطن، ولم تأبه "نانسى بيلوسى" رئيسة مجلس النواب الأمريكى وأرفع سياسية أمريكية تزور الجزيرة منذ 25 عاما بهذه التهديدات، وضربت بكل ما قيل من الجانب الصينى عرض الحائط، وصرحت بيلوسى بأن الكونجرس الأمريكى بشقيه الديمقراطى والجمهورى ملتزم بأمن تايوان، وحقها فى الدفاع عن نفسها، وكانت الصين قد أطلقت أكبر مناورات عسكرية على الإطلاق حول تايوان بعد زيارة" نانسى بيلوسى"، بل تم زيارة وفد من الكونجرس الأمريكى إلى تايوان، وأعلن المعهد الأمريكى فى تايوان، أن زيارة الفريق لتايبيه جزء من زيارة أوسع لمنطقة المحيطين الهندى والهادى. وشددت سفارة الصين فى تصريح لها على أن الولايات المتحدة لا تريد الاستقرار وتتدخل فى شئون الصين الداخلية، وصرحت "بيلوسى" أن الصين لا تستطيع إيقاف من يريد زيارة تايوان، ولكن الحقيقة أن بيلوسى لن تستطيع إيقاف رد فعل بكين عندما بدأت فعليا مناورات عسكرية فى محيط تايوان، وتصاعد التوتر بين بكين وواشنطن، بل إن وزارة الدفاع اليابانية وضحت أن الصواريخ التى أطلقها الجيش الصينى وحلقت فوق تايوان سقطت للمرة الأولى فى المنطقة الاقتصادية الخالصة لليابان، وأوضحت أن المناورات العسكرية الصينية على مستوى طرق تجارية يكثر استخدامها، تتسبب فى اضطراب بسلاسل الإمدادات المنهكة بفعل وباء فيروس كورونا والحرب على أوكرانيا.

زيارة رئيسة تايوان ثم زيارة نائبها للولايات المتحدة الأمريكية فى 2023:

رغم أن زيارة "تساى وانغ – وين" رئيسة تايوان فى مارس 2023 إلى الولايات المتحدة، لم تكن رسمية وعابرة ستتوقف بها لزيارتها جواتيمالا وبيليز قبل وبعد رحلتها إليهما، وكان فى استقبالها رئيس مجلس النواب الأمريكى "كيفين مكارثى" وعدد من السياسيين الأمريكيين، فقد وجهت بكين الاتهامات لواشنطن بدعم التوجهات الانفصالية، ودعتها بعدم عقد لقاءات بين مسئوليها ورئيسة تايوان، أعقبت هذه الزيارة توترات بين واشنطن وبكين فى أعلى مستوياتها، ما دعت وزارة الدفاع الصينية أن تُصرح بأن الجيش الصينى مستعد بكامل قوته للدفاع عن استقلالية صين واحدة. وفى أغسطس 2023 زار نائب رئيسة تايوان الولايات المتحدة، ووصفت بزيارة شديدة الحساسية، أدت إلى مزيد من المناورات والتدريبات العسكرية الصينية حول جزيرة تايوان، ولا يوجد جدول أعمال واضح أعلن عنه لهذه الزيارة ما أثار غضب بكين وقلقها أكثر من كل مرة، وأصبح التهديد العسكرى بالحفاظ على الجزيرة بالقوة، هو المقترح الأقرب لدى بكين، وصرحت وزارة الدفاع التايوانية أن 33 طائرة حربية صينية و6 سفن رصدت فى محيط تايوان، سبقتها بعدة أشهر عند زيارة رئيسة تايوان للولايات المتحدة، تدريبات عسكرية من الجانب الصينى لمدة ثلاثة أشهر متواصلة تخللها نموذج محاكاة لحصار تايوان.

خطوة عسكرية أمريكية فى تايوان:

فى 31 أغسطس 2023،  كانت الخطوة الأولى لتقديم مساعدات عسكرية مباشرة لتايوان، بموجب برنامج مخصص للحكومات الأجنبية، وفى ظل أن إدارة بايدن وافقت للمرة الأولى على تقديم مساعدات عسكرية مباشرة لتايوان، بحزمة مساعدات عسكرية بقيمة 80 مليون دولار لتعزيز قدراتها الدفاعية، وهى قيمة أصغر من شحنات سابقة من واشنطن لتايبيه، ولكنها الأولى بموجب برنامج التمويل العسكرى الأجنبى، الذى يمنح الدول ذات السيادة قروضا أو منحا للتسليح. وبناء عليه، أكدت الصين معارضتها بشدة لهذه الخطوة وبيع أمريكا أسلحة لتايوان، وصرحت أن تلك السياسة تعرض أمن المنطقة للخطر، وأكدت أن واشنطن تضع مزيد من العقبات والتوتر بين البلدين.                              

ختاما:

إن العلاقات بين واشنطن وبكين مستمرة بين التعاون والتنافس والتحدي، وصرح من قبل كل من رئيسي البلدين، أن علاقة واشنطن وبكين لا بد أن تستمر بين السلام الدائم، رغم كل ما تقدم، فحجم التبادل التجارى والتعاملات الاقتصادية بين أكبر قوتين اقتصاديتين فى العالم، لا يمكن أن تُحل أو تنتهى. لكن من قراءاتنا نرى أن التخوف الدائم من جانب الولايات المتحدة من صعود الصين، هو الذى يخلق استفزازا ومحكا من وقت لآخر، ما بين فرض عقوبات لتعجيز الذراع الاقتصادية الصينية الممتدة فى العالم، وما بين الاحتكاك بالجزيرة "تايوان" ومد يد العون والمساعدة والدعم والمساندة باستمرار، ورغم كل هذا فإن أمريكا بعد كل تعاون دبلوماسى أو عسكرى بينها وبين تايوان، توضح أنها لا تعترف بسيادتها ولكن تعترف بحقها فى الدفاع عن نفسها، والصين ترى أن تايوان جزء لا يتجزأ منها، وسوف تستردها بالقوة إذا اضطرت إلى ذلك، وإذا حدث هذا تكون قد نجحت الولايات المتحدة الأمريكية فى نشوب حرب جديدة بالوكالة عنها فى المحيطين الهادى والهندى، كما فعلت فى حرب روسيا وأوكرانيا، لتحد من تمددها كقوة عظمى.


رابط دائم: