مصر وتكتل دول "بريكس": جهود مشتركة نحو تنمية شاملة ومتوازنة
13-9-2023

عائشة غنيمي
* خبير اقتصادي ومسئول برامج وعلاقات دولية

مع بزوغ عالم متعدد الأقطاب، أدت السياسة الخارجية المصرية دورا فريدا فى تحقيق توازن وتشعب العلاقات الدولية منذ عام 2014 حتى عام 2023، وجاء تعزيز التعددية مع صعود العديد من التكتلات الإقليمية والدولية، التى تهدف إلى خلق توازن دولى فى القوى الاقتصادية والسياسية؛ حيثالحد من هيمنة القطب الأحادى على السياسات المالية العالمية، وضرورة إيجاد عدة بدائل فعالة لصندوق النقد الدولى والبنك الدولى، خاصة فى خضم التداعيات السلبية للأزمات العالمية سياسيا واقتصاديا وبيئيا.

وفى إطار نهج الدبلوماسية المتعدد الأطراف والحفاظ على العلاقات الدولية المتوازنة، سعت الدولة المصريةإلى الانضمام إلى التكتلات الاقتصادية التى ظهرت على الساحة الدولية، ومن بينها تكتل "بريكس" الذى يضم دولا ذات الاقتصادات الأسرع نموا فى العالم، ويطلق على هذا التكتل أيضا "العابر للقارات" حيث يضم كلا من الصين، وروسيا، والبرازيل، والهند، وجنوب إفريقيا؛ إذ يمثل الدول الأعضاء أكثر من 42% من سكان العالم، و30% من أراضى العالم، و23% من الناتج المحلى الإجمالى، و18% من التجارة العالمية. هذا إلى جانب دور تكتل "بريكس" فى التأثير فى الاقتصاد العالمى ومساهمته الفعالة فى تشكيل استراتيجية اقتصادية جديدة متعددة الأقطاب، كما تنتج دول "بريكس" ثلث إنتاج العالم من الحبوب.

 وتكمن أهمية التكتل سياسيا واقتصاديا فى شمولية وتنوع اقتصادات الدول الأعضاء والمواقع الجغرافية للدول فى ثلاث قارات حول العالم، ما يجعله ذات قوى عالمية مركزية؛ إذ تعد دول التكتل من الدول الصاعدة ومن الأركان الاقتصادية لخلق قطب جديد فى النظام الدولى الذى يحد من الهيمنة الأمريكية. فالصين ثانى قوى اقتصادية عالميا، وروسيا ثانى قوى عسكرية، بعد الولايات المتحدة الأمريكية. ويقوم تكتل "بريكس" على ثلاث "ركائز" رئيسية: السياسة والأمن، والاقتصاد والتمويل، والثقافة والعلاقات الإنسانية وتبنى العلاقات بين شركاء "بريكس" على أساس المساواة والاحترام المتبادل، فضلا عن مبادئ الانفتاح والبراجماتية والتضامن وعدم التوجيه ضد الأطراف الثالثة.

بذلت الدولة المصرية جهودا حثيثة منذ عام 2014 من حيث توطيد روابط التعاون الاقتصادى والسياسى والثقافى والعسكرى مع دول تكتل "بريكس" على رأسها الصين وروسيا، وتعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة، وتحقيق إصلاحات اقتصادية وهيكلية فى الاقتصاد المصرى ما أسهم فى زيادة صلابة الاقتصاد لمواجه تداعيات الأزمة العالمية.

 وانعكست ثمار هذه الجهود فى دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى لحضور اجتماع قادة قمة "بريكس" تحت عنوان "بريكس: شراكة أقوى لمستقبل أفضل" فى شهر سبتمبر لعام 2017، التى تهدف إلى تعزيز للتنمية المشتركة بين أسواق الدول الناشئة والنامية وفتح مجالات لتعاون جنوب – جنوب وتشكيل "بريكس بلس" للتعاون المفتوح للتنمية المشتركة بين أسواق الدول الناشئة والنامية. كما اشتركت مصر فى بنك التنمية الجديد فى عام 2021 بمساهمة نحو 1.2 مليار دولار والذى تأسس معه ترتيب احتياطى طوارئ بريكس ليكون معادل صندوق النقد الدولى برأس مال 100 مليار دولار؛ حيث يقدم تمويلا للمشروعات التنموية، ويوفر سيولة إضافية لدول "بريكس" لمواجهة الأزمات الاقتصادية. والجدير للذكر أن انضمام مصر إلى "بنك التنمية الجديد" يعزز من تنوع المصادر التمويلية ويسهم فى تحقيق الاستدامة المالية.

ويمثل قبول طلب عضوية مصر لتكون عضوا كاملا فى تكتل دول "بريكس" من بداية شهر يناير لعام 2024 تتويجا لهذه الجهود الحثيثة وشهادة ثقة بقدرة الاقتصاد المصرى والدولة المصرية على تحقيق التنمية المستدامة الشاملة والعادلة.

كما أن انضمام مصر إلى دول تكتل "بريكس" يضيف مزيدا من الثقل السياسى والاقتصادى للتكتل ككل؛ حيث تمثل مصر بوابة الشرق الأوسط، ونافذة القارة السمراء للدول الأعضاء فى تكتل "بريكس"، كما تزخر مصر بالموارد الطبيعية والبشرية الهائلة التى تخلق فرصا استثمارية ذات عائد أعلى تتميز به مصر مقارنة بدول الشرق الأوسط ودول إفريقيا، بالإضافة إلى توفير سوق واسعة للاستثمارات والتبادل التجارى فى مختلف القطاعات الاقتصادية، ويرجع ذلك إلى العلاقة الطردية بين حجم السوق، وفرص النمو الاقتصادى الكامن. فكلما ازداد حجم السوق، ازدادت معدلات النمو الاقتصادى وارتفع معدلات الطلب، ومن ثم زيادة تنافسية القاعدة الإنتاجية، وجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة فى مشروعات تطوير البنية التحتية، وتوطين الصناعة، والتكنولوجيا المتطورة، والطاقة الجديدة والمتجددة والصحة والتعليم.

تجدر الإشارة إلى أهمية توسع "بريكس" حيث انضمام 6 دول جدد من بينها مصر سوف يزيد من الناتج المحلى الإجمالى للتكتل، ويعزز من التوازن الاقتصادى والتنوع، بما يتماشى مع نظام عالمى متعدد الأقطاب، ومن المتوقع أن يصل قيمة الناتج المحلى الإجمالى لتكتل "بريكس" 29.15 تريليون دولار بنسبة تقدر بنحو 28.99% من الناتج العالمى وذلك بمشاركة مصر بنحو 476 مليار دولار، الإمارات بنحو 507 مليارات دولار، السعودية بنحو 1.1 تريليون دولار، الأرجنتين بنحو 632 مليار دولار، وإثيوبيا بنحو 126 مليار دولار، وذلك بنسبة 3.2% من الناتج العالمى، كما أن انضمام أعضاء جُدُد يزيد الثقل الاقتصادى للمجموعة من حيث الموارد والقوة الشرائية.

ويمثل التبادل التجارى بين مصر ودول التكتل بعد توسعه، نحو ثلث حجم تجارة مصر مع دول العالم، حسب بيانات صندوق النقد الدولى.ووفقالبيانات الجهاز المركزى المصرى للتعبئة العامة والإحصاء، ارتفعت استثمارات دول تكتل "بريكس" فى مصر من 610.9 مليون دولار فى العام المالى 2020/2021، إلى 891.2 مليون دولار فى 2021/2022، بنسبة زيادة 45.9%بالإضافة إلى زيادة التبادل التجارى بين مصر والمجموعة فى عام 2022؛ حيث ارتفعت صادرات مصر لدول مجموعة "بريكس" بنسبة 5.3% لتصل إلى 4.9 مليار دولار مقارنة بـ 4.6 مليار دولار؛ إذ بلغت قيمة التبادل التجارى بين الطرفين 31.2 مليار دولار عام 2022، بزيادة سنوية قدرها 10.5% من 28.30 مليار دولار. وفى المقابل، بلغت قيمة الواردات المصرية من البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا 26.4 مليار دولار العام الماضى، بارتفاع 11.5% من 23.6 مليار دولار فى 2021. والجدير للذكر أن السوق الهندية احتلت الوجهة الأولى للسلع المصرية ضمن المجموعة عام 2022 بقيمة 1.9 مليار دولار؛ ثم الصين بقيمة 1.8 مليار دولار، وروسيا بقيمة 595.1 مليون دولار.

والعوائد المُشتركة بين مصر ودول "بريكس" لا تقتصر على العوائد الاقتصادية والسياسية فحسب، بل تشمل أيضا العوائد الثقافية والاجتماعية؛ حيث يتيح انضمام مصر إلى تكتل "بريكس" تعزيز فرص تبادل المعرفة والخبرات فى مجالات الثقافة والفنون والتعليم والتكنولوجية، ما يسهم فى توطيد أواصر التفاهم والتواصل بين الشعوب والقضاء على الفجوة التنموية والتكنولوجية بين الدول الأعضاء، وذلك بخلاف التعاون السياسى.

وتجدر الإشارة أن تعزيز الجهود المشتركة بين الدول الأعضاء يوطد من سرعة دفع عملية التنمية المستدامة فى عدة مجالات تنموية من بينها؛ تعزيز فرص التبادل التجارى بين الدول الأعضاء وزيادة الصادرات المصرية إلى الدول الأعضاء من خلال إعداد قائمة بالسلع والخدمات ذات المزايا التنافسية والنسبية التى تتميز بها الدولة المصرية ودراسة إنشاء موانئ تجارية فى عدد من الدول الأعضاء من أجل ضمان تنافسية عميلة التبادل التجارى. إلى جانب دراسة إزالة القيود الجمركية وغير الجمركية من أجل تيسير نفاذها لأسواق الدول الأعضاء فى تكتل "بريكس". بالإضافة إلى قيام مكاتب التمثيل التجارى/ السفارات المصرية فى الدول الأعضاء بتدشين حملة ترويجية عن الفرص الاستثمارية المنتجات المصرية، وإقامة المعارض المختلفة للحرف اليدوية، ومنتجات الغزل والنسيج والصناعات الغذائية والخضراوات التى يتميز بها قطاع الصناعة فى مصر، فضلا عن الترويج للفرص الاستثمارية فى القطاعات ذات الأولوية للدولة المصرية (الصناعة، الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، الزراعة).

هذا إلى جانب تطوير القطاعات الإنتاجية والخدمية فى الدول الأعضاء بما يخدم مواكبة الثورة الصناعية الرابعة، ويحقق أهداف التنمية المستدامة، ودراسة إنشاء معهد للتعليم الفنى والابتكار يتبع البريكس؛ حيث يقوم بتخريج عدد من الشباب يغطى متطلبات سوق العمل الدولى والمحلى فى مجالات الصناعات ذات المكون التكنولوجى المتطور، ما يشجع على الابتكار والإبداع، ويعمل على تطوير التعليم الفنى وتحقيق التنمية البشرية والاقتصادية، والعمل على تبادل خبرات الدول المؤسسة والأعضاء فى مجالات الابتكار التكنولوجى والفنى فى مختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية، وتطوير عملية التصنيع والإنتاج فى القطاعات الصناعية والخدمية منها قطاع صناعة الغزل والنسيج، وقطاع صناعة السيارات الكهربائية، وقطاع الصناعات الغذائية والدوائية، وقطاع صناعة الجلود، وقطاع الاتصالات وغيرها من القطاعات ذات الأولوية، وفقا لدراسات اقتصادية دورية تغطى العوائق التى تعوق عملية توطين الصناعة والتحول الرقمي.

ختاما، إن انضمام مصر إلى عضوية تكتل "بريكس" يؤكد ثقل الدولة المصرية إقليميا ودوليا من حيث توطيد وتنوع آفاق التعاون مع شركاء التنمية الدوليين، فى ظل ما تشهده مصر من حراك تنموى غير مسبوق؛ بما يؤسس لشراكة أقوى بين الدول الأعضاء، ويدفع عجلة التنمية المستدامة الشاملة فى مختلف الدول الأعضاء؛ إذ تنتهج الدولة المصرية برنامج إصلاح اقتصادى وتحول هيكلى طويل المدى وشامل يسهم فى تأهيل مصر للانضمام إلى عدد من التكتلات الإقليمية والدولية من بينها تكتل "بريكس"، مع الحفاظ على معدلات نمو إيجابية لتصل إلى 5%وأكثر بالرغم من التحديات الاقتصادية العالمية، فضلا عن اتباع استراتيجية للتنمية الصناعية، وتوطين الصناعة المحلية، وتعزيز تنافسية الصادرات، وتحسين مناخ الاستثمار، بالإضافة إلى تحفيز الصادرات الموجة إلى الدول الأعضاء بتكتل "بريكس" لزيادة الفرص التصديرية.


رابط دائم: