برنامج إيران النووي وأزمة الإرادة الدولية
15-11-2011

‏د‏. ‏أحمد‏ ‏فؤاد‏ ‏أنور
* مدرس الأدب العبري بجامعة الإسكندرية.

كان المجتمع الدولي قد فرض في شهر يونيو/ حزيران من العام الماضي حزمة من العقوبات الاقتصادية على إيران بهدف إرغامها على تقديم التنازلات المطلوبة في ملف برنامجها النووي، ولكن تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي صدر مؤخراً جاء ليقدم الأدلة على أن طهران ماضية بقوة في هذا البرنامج، خاصة في ما يتعلق بتطوير صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية . إضافة إلى الاستنتاج البديهي بأن العقوبات الدولية قد فشلت في تحقيق الهدف منها على مدى عام ونصف العام، فإن التساؤل المنطقي الذي يفرضه واقع هذه المسألة صار يتعلق بعجز المجتمع الدولي عن التدخل الفاعل في مساعي امتلاك إيران التكنولوجيا النووية بشكل عام، وإخفاق الدول الكبرى في لجم طموحات التسلح النووي بشكل خاص، والتي يرجح الجميع أن طهران تتبناها في خفية من موافقة ورقابة الأسرة الدولية .

إن الثنائية المتمثلة في فشل العقوبات الدولية في السيطرة على برنامج إيران النووي من جهة، وبروز أدلة على أن طهران قد قطعت شوطاً متقدماً في تطوير التكنولوجيا اللازمة لتوجيه الأسلحة النووية إلى أهداف جغرافية بعيدة من جهة أخرى، تحمل في مضمونها تحدياً أساسياً، جوهره أن تنامي تقنيات إيران النووية يسير وفق وتيرة أسرع بكثير من قدرة المجتمع الدولي على معالجة ملف برنامج إيران النووي . لم تنجح العقوبات الدولية في تحقيق الهدف المبتغى منها، بل إن وصفها بالعبثية قد يبدو تعبيراً متواضعاً في ظل اكتشاف أن إيران قد تمكنت بالفعل خلالها من المضي قدماً في زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم في منشآتها، وأيضاً تطوير تكنولوجيا قد تؤدي بها إلى امتلاك صواريخ تحمل الأسلحة النووية .

في ظل هذه الأجواء تتزايد التوقعات حول إمكانية اللجوء إلى الخيار العسكري ضد مواقع إيرانية تشكل أهدافاً من المنشآت النووية، يتم تنفيذه من قبل “إسرائيل” أو الولايات المتحدة أو من خلال التعاون المشترك بينهما . وفي المقابل، تنفي كل من تل أبيب وواشنطن عزمهما القيام بهجمات عسكرية ضد إيران، وتتجه دعواتهما العلنية على الإقل إلى ضرورة فرض المزيد من العقوبات الدولية الحاسمة . خلاصة القول أنه ليس ثمة جديد في الخيارات المطروحة للتعامل مع البرنامج النووي الإيراني، ولا يبدو أن بوسع الإرادة الدولية سوى التفكير في فرض المزيد من العقوبات الشاملة بهدف شل الحياة في إيران، أو تنفيذ ضربات عسكرية منتقاة بهدف دك المواقع النووية فيها .

الأخطر من ذلك أن الإرادة الدولية منقسمة تماماً حول هذين الخيارين، بين دول لا تستبعد بشكل نهائي الخيار العسكري مثل الولايات المتحدة و”إسرائيل”، ودول أوروبية تفضل إعطاء خيار العقوبات فرصة أكبر، فيما ترفض الصين الخيار العسكري تماماً، وتنبري روسيا مؤخراً بإعلان موقفها المزدوج الذي يحذر من النتائج الكارثية للخيار العسكري من جهة، ويرفض صراحة فرض المزيد من العقوبات الصارمة من جهة أخرى . إن التعامل العربي والدولي مع الملف النووي الإيراني متثاقل جداً، ويبدو أحياناً متساهلاً إذا ما قورن بالتكاليف الفادحة التي سوف يتعين على الدول الخليجية والعربية والغربية دفعها في حال نجحت طهران بالفعل في تصنيع وامتلاك الأسلحة النووية .

هل كان المجتمع الدولي يحتاج إلى هدر نحو ثمانية عشر شهراً كي يكتشف الفجوة بين عدم فاعلية العقوبات الدولية ضد طهران والقفزات التي حققها برنامج إيران النووي؟ وبعد أن تم اكتشاف هذه الفجوة، هل يليق بالقوى الكبرى أن تتخذ مثل هذه المواقف المتفككة والمضادة بخصوص تحديد الخيارات المتاحة والاتفاق بشأن استخدامها من أجل تدارك المخاطر والتهديدات التي يشكلها برنامج إيران النووي قبل فوات الأوان؟ وهل يدرك المجتمع الدولي بشكل عام والقوى الكبرى بشكل خاص مضامين الرسائل التي تتلقاها طهران حين ترى التلكؤ والانقسام يفتكان بالإرادة الدولية حيال برنامجها النووي؟ هل يعقل أن تستمر مساعي التسلح النووي لدى القيادة الإيرانية خارج نطاق الرقابة والمواجهة الدوليتين، وبالشكل الذي يضاعف المخاطر الأمنية التي تتربص بالمنطقة والعالم؟ والحال كذلك، ماذا يتعين على حكومات الخليج العربي القيام به من أجل صيانة أمن دولها؟

نحن نرى ونسمع تعامل طهران مع الإرادة الدولية المرتبكة إزاءها . إيران هي الدولة الأكثر صخباً على الساحة الدولية، ومن دون منازع . طهران ترغي بالتهديد وتزبد بالوعيد في كل مناسبة تتعلق بالمساس ببرنامجها النووي . لا أحد في مأمن من الوقوع في نطاق نيران الهجوم اللفظي الذي تشنه القيادة أو الحكومة في إيران . لا تتردد طهران في مواجهة احتمال تنفيذ الخيار العسكري ضدها بوابل من التصريحات الحارقة التي تنذر بكافة أصناف الويل لمن يهيئ أو يمهد أو يساند أو ينفذ العدوان عليها، وهي لا تستثني جيرانها أو “إسرائيل” أو الولايات المتحدة من ذلك . ولا توجد حدود لادعاءات القوة التي تتوفر لدى إيران، ولا تدخر طهران أية مناسبة أو فرصة للتذكير بقدراتها الوطنية التي تصورها متعاظمة على الدوام، ولا يفوتها أن تشرك الشعب الإيراني بمجمله كطرف في أية مواجهة خارجية قد تنشب ضد إيران بسبب برنامجها النووي . ربما تفتقد إيران عناصر القوة التي تدعيها، ولكن ضخامة تهديداتها تجعل منها مصدر خطر مستمر يمكن أن يتسبب بتداعيات مدمرة لا يمكن التسامح معها .

صارت إيران تعتقد أنها تمتلك كلاً من الحق والمقدرة على إرسال سفنها الحربية إلى السواحل الأمريكية . يجسد تصريح إيران في هذا الخصوص حلقة أخرى يمكن إضافتها إلى سلسلة الردع النفسي الذي ظلت طهران تنسجه منذ سنوات عدة ضد أعداء برنامجها النووي، ويعزز أداء المجتمع الدولي المتفكك اعتقاد الحكومة الإيرانية أنها نجحت في تحقيق ذلك . من جانب آخر، يمكن اعتبار هذه الحلقة خطوة أخرى على مسار سلوك القوة غير المسؤولة الذي تنتهجه إيران في الساحة الدولية، والذي قد يؤدي بها إلى مواجهة عسكرية لا يمكن تفاديها مع الولايات المتحدة وحلفائها . كلا الاحتمالين وارد، وكلاهما يحمل تبعات مكلفة وخطيرة بالنسبة إلى دول الخليج . هل تدرك كل من الصين وروسيا حقيقة أبعاد مساندتهما لإيران؟ ما الذي يتعين على الخليجيين القيام به في ضوء كل ذلك؟

--------------------------------

* نقلا عن  الاتحاد الإماراتية الثلاثاء، 15/11/2011.

 


رابط دائم: