قراءة في مستقبل القوات البرية الأوروبية لحلف (NATO)
10-8-2023

عميد/ د. هيثم الطواجنى
* متخصص فى الشئون الاستراتيجية والسياسية

- كانت إحدى أهم نتائج الحرب الروسية الأوكرانية هى إعادة رسملة (هى طريقة محاسبية تستخدم لتحديد نفقات أصل طويل الأمد خلال فترة معينة من الزمن) القوات البرية الأوروبية ووضعها على رأس جدول أعمال حلفاء الناتو الأوروبيين، وذلك ما بين الخطط المستقبلية وتحديات تنفيذها للوصول إلى قوات برية أوروبية مختارة بعد عقود من تقليص القدرات.

- كان الغزو الروسى الشامل لأوكرانيا فى فبراير 2022 بمنزلة ناقوس خطر فى العواصم الأوروبية؛ حيث أعاد إلى أذهان متخذى القرار الأوروبى احتمال شن حرب برية كبرى بمشاركة قوات الناتو فى أوروبا، قبل ذلك التاريخ رأى الكثيرون أن القوات البرية الرئيسية بما فى ذلك التشكيلات المدرعة الثقيلة التى تمتلك قدرات المناورة العالية لن تكون السمة الغالبة على الصراع المستقبلى.

- شهدت قمة حلف (NATO) المنعقدة بمدريد فى يونيو 2022 اتفاق الحلفاء على مفهوم استراتيجى جديد؛ حيث لم يحدد ذلك روسيا بوصفها "التهديد الأكثر أهمية والمباشر لأمن الحلفاء" فحسب بل قدم أيضا تفويضا لتحسين موقف الردع والدفاع للحلف، ويهدف نموذج القوة الجديد للحلف (NFM) لتحل محل قوة استجابة الحلف القديمة (NRF) بهدف توفير أكبر مجموعة من القوات عالية الكفاءة والتجهيز تفوق فى كفاءتها وقدراتها قوة (NRF) فى جميع المجالات العسكرية بما فى ذلك القوات البرية، فمن المتوقع نشر من أكثر من 100.000 جندى خلال 10 أيام؛ ونحو 200,000 جندى خلال 10-30 يوما؛ وما لا يقل عن 500,000 جندى  خلال 30-180 يوما، ومن المقرر الانتهاء من تشكيل وتجهيز قوة (NFM) بحلول عام 2023، وللآن لا تزال تفاصيل التكوين والحجم والالتزام فيما يخص مشاركات ومساهمات الدول قيد المناقشة.

- بالإضافة إلى قوت حلف (NATO) سواء (NRF) أو المخطط تشكيلها (NFM) توجد قوات الانتشار الدائم الأمريكية المتمركزة فى أوروبا، وتشمل HQV Corpsوهى أحدث تشكيل فى أوروبا وصاحبة أعلى مستوى تدريبى يمكن أن تعمل كهيئة وطنية أمريكية أو إطار عمل لقوة متعددة الجنسيات وتتشكل من (فرقتين، لواءين مدرعين، لواء سترايكر "مشاة ميكا"، لواء مظلات ولواء هجوم جوى، واثنين من ألوية الطيران القتالى مدعمين بلواء مدفعية صاروخى، ولواء دفاع جوى، ومجموعة مدفعية، وكتائب استخبارات)، بالإضافة إلى انتشار مشاة البحرية الأمريكية فى النرويج، وتربط عمليات الانتشار هذه بين المكون البرى للناتو إلى جانب الردع الأمريكى الأوسع والمتمثل فيHQ V Corps.

- ومع ذلك فإن السؤال المهم هو ما إذا كان الحلفاء الأوروبيون أكثر جدية الآن فيما يتعلق بالاستثمارات اللازمة لتطوير قوات برية أكثر قدرة وتكاملا مما كانت عليه بعد غزو أوكرانيا لأول مرة عام 2014 وللإجابة عن هذا السؤال:

- كان لابد من اعتراف القوى البرية الأوروبية بنقاط الضعف، وأبرزها محدودية التدريب، وتقادم المعدات ما أدى إلى انخفاض مستويات الكفاءة الفنية والاستعداد القتالى إلى أقل مما تتطلبه مستويات تنفيذ خطط الدفاع لحلف (NATO).

- إدراك القوات البرية الأوروبية الحاجة الملحة إلى تحسين البنية التحتية الدفاعية مثل مناطق التدريب، ومعالجة احتياجات الإنتاج الصناعى (العسكرى)، ومن ثم كيفية تنشيط أو تكوين مكونات الاحتياط وتجديد الكتلة القتالية، بالإضافة إلى المزيد من المشتريات لمحاولة تعزيز أوجه القصور فى الاستعداد القتالى وتعزيز القدرات مع التركيز على قدرات المناورة الثقيلة كما هو الحال فى بولندا، بالإضافة إلى ذلك يتم تطوير تشكيلات متوسطة الوزن فى عدد من البلدان ما يعزز قدرات المناورة والنقل الاستراتيجى والتعبوى.

- حتمية توفير الاستثمارات الحالية والمخطط لها فى المدفعية الصاروخية وضربات سطح أرض وأنظمة قادرة على الاشتباك مع أهداف بعيدة المدى ومسافات أطول مما كانت عليه من قبل مثل القوات الموجودة فى الخلف (المؤخرة) والمناطق الإدارية للعدو ومراكز القيادة والسيطرة مع تحسين ورفع مستويات التدريب والتكامل مع القدرات الاستخباراتية.

- تحسين قدرات الدفاع الجوى الأرضى (GBAD) حيث كان منطقة ضعف نسبى للقوات المسلحة الأوروبية؛ حيث يمكن لـ(GBAD) حماية مجموعة من الأهداف المحتملة، من المواقع المدنية والصناعية إلى مراكز القيادة والسيطرة، فضلا عن تأمين القوات فى أوضاعها المختلفة (الثابتة والمتحركة)، فى حين أن الحرب فى
  أوكرانيا هى تذكير بأن حجم الإنفاق المادى قد يكون كبير خلال فترات القتال.

- هناك دعم عام للآلية المالية الوطنية على المستوى السياسى - الاستراتيجى، ولكن لا يزال هناك عدم يقين
  بشأن مدى التوافق الفعلى بين السياسة الوطنية وخطط تنمية القدرات وتخطيط الناتو، لا سيما فيما يتعلق بالقيادات الإقليمية مثل الفيلق المتعدد الجنسيات فى الشمال الشرقى (MNC- NE) فى شتشيتسين ببولندا، بالإضافة إلى أن جميع الدول ستنظر إلى التهديد المحتمل بطرق مختلفة، فعلى سبيل المثال قد تؤدى تقييمات التهديدات المختلفة المتعلقة بروسيا بالدول إلى تطوير خطط مختلفة كل عن الأخرى؛ حيث تبنى دول المواجهة تخطيطها على التقييمات الأسوأ فيما دول العمق الأوروبى قد لا تعتنق التقييماتنفسها، مع الوضع فى الحسبان أنه من المهم للقادة السياسيين وللقوات البرية الأوروبية الحفاظ على متطلبات هذه القدرات العسكرية حتى لو خفتت حدة القتال فى أوكرانيا.

- يجب على أعضاء الحلف تقديم مساهمات للآلية المالية الوطنية بشكل واضح والإعلان عن مساهماتهم، وذلك لتعضيد تماسك الحلفاء وتعزيز الردع فى مواجهة روسيا وربط الحكومات علنا بهذه الالتزامات.

  التحديات:

- فى الوقت الحاضر وباستثناء قلة مختارة من الحلفاء لا تتزايد القوات البرية الأوروبية فى الحجم بسبب أن الخطط الوطنية هى العامل الرئيسى وراء ذلك فسيظل التجنيد يمثل تحديا لمعظم الأشخاص دون "عروض" محسنة بشكل كبير للموظفين، أو ابتكارات فى تصميم القوة، أو ربما حتى (إعادة) إدخال التجنيد الإجبارى، وفى الوقت نفسه سيكون لامتلاك قوة أكبر تأثير كبير فى الميزانية ودون زيادات متواصلة فى الميزانية أو استخدام آليات تمويل أخرى من المرجح أن يواجه الحلفاء صعوبات كبيرة.

- إن حجم الالتزامات التى تتطلبها المستويات الثلاثة لـ (NFM) يعنى أن نشر القوات الميدانية على نطاق واسع سيحتاج إلى أن تكون متعددة الجنسيات حسب التصميم، ومع ذلك فإن التعددية الجنسية تجلب معها صعوباتها الخاصة؛ حيث أظهرت بعض الدول تاريخيا ثقة أكبر ببعض الشركاء أكثر من غيرها، إضافة إلى أنه مع قيام الدول فى كثير من الأحيان بإحضار المحاذير الوطنية وقواعد الاشتباك للعمليات فإن المزيد من تعدد الجنسيات قد يضيف المزيد من المخاطر (التجانس – وحدة الفكر).

- ستحتاج القوات البرية الأوروبية إلى الحصول على التوازن الأمثل بين التركيز على تشكيلات المناورة والدعم القتالى (CS) ودعم الخدمة القتالية (CSS) ففى الوقت الحاضر تظل (CSS) مسئولية وطنية، ولا يتمتع أى من المقرات الرئيسية (مراكز القيادة والسيطرة) لفيلق (NATO) بأى دعم قتالى عضوى، إذن فيجب على الحلفاء أن يأخذوا فى الحسبان أنهم فى ظل الظروف الحالية سيكافحون لنشر القوات البرية ودعمها بسرعة جوا وبرا وبحرا.

- لدى بعض القوات البرية الأوروبية خطط تطوير طموحة، لكن من غير الواضح ما إذا كانت مستويات التمويل ستتيح تنفيذها بالكامل أم لا حتى إذا زاد التمويل ستواجه القوات البرية مقايضات مالية صعبة بين المزيد من الأفراد والتسليح والاحتياطيات والإداريات والرقمنة، ويتزايد هذا التوتر حاليا بسبب الحجم الكبير من المعدات والذخائر المقدمة إلى أوكرانيا.

تخطيط حلف (NATO) لمواجهة التحديات "العدوان الروسى"من خلال الآتى:

المعركة صفر:

تشمل ردع التهديدات الروسية بسلام، والرد على أى وكيل أو منطقة هجينة أو رمادية التى لا تؤدى إلى قيام حلف (NATO) بدفع القوات إلى الأمام وإعادة التمركز والانتشار بالخطوط الأمامية للدول الأعضاء بالحلف، وغالبا ما تكون مواجهة مثل هذه التهديدات بالجهود السياسية والدبلوماسية، ولكن القوات المسلحة ستكون لها أهمية الدور المساعد.

المعركة الأولى:

وهو الرد الأولى على أى هجوم مسلح على أراضى حلف (NATO) حيث تقوم القوات الوطنية من دول خط المواجهة فى الحلف التى تتعرض للهجوم بأداء دور مهم، بالاشتراك مع باقى قوات الحلف والتعزيزات التى يمكن أن تصل بسرعة، وهدف قوات حلف (NATO) البرية سيكون الحد من خسارة الأراضى لمصلحة القوات الروسية ومنعها من احتلال المزيد من أراضى الدول الأعضاء بالحلف، وقد تستمر المعركة لمدة تتراوح بين 10 و30 يوما.

المعركة الثانية:

 بعد أى استيلاء ناجح على الأرض بواسطة القوات الروسية سيتعين على قوات حلف (NATO) أن تقوم بالهجوم المضاد لاستعادة الأراضى المفقودة، ومن المرجح أن تكون الدفاعات الروسية معدة لصد الهجوم المضاد ومن ثم قد تطول المدة الزمنية لاستعادة الأوضاع.

المعركة الثالثة:

إذا فشلت المعركة الثانية فى إخراج القوات الروسية فستقوم قوات الحلف بالهجوم المضاد الاستراتيجى واسع النطاق، وقد تواجه الدول الأعضاء بالحلف تهديدا نوويا روسيا كنتيجة مباشرة للهجوم المضاد، ومن المحتمل أن يكون هذا التهديد موجودا منذ بدء الحرب ولكنه سيكون حادا وبشكل خاص خلال هذه المرحلة؛ حيث من المرجح أن يبدأ هجوم (NATO) المضاد وبالتزامن معه التهديدات الروسية باستخدام الأسلحة النووية، وسيكون عنوان هذه المرحلة هو "التصعيد من أجل التهدئة".

خطط الناتو الإقليمية:

- يقوم الناتو بتطوير إقليمى للخطط بغرض الدفاع عن أوروبا بشكل أفضل، ويقول المسئولون عن الحلف: إن هذه "خطط محددة تصف كيفية التحالف بين الدول الأعضاء من أجل الدفاع عن نفسها ضد التهديدين الموصوفين فى المفهوم الاستراتيجى لحلف (NATO) وجيش (NATO) الاستراتيجى ألا وهما: روسيا، والجماعات الإرهابية". وأضاف الجنرال كريستوفر كافولى القائد الأعلى لقوات الحلفاء فى أوروبا أن هذه الخطط "تمزج بين خطط الدفاع الوطنى بدول خط المواجهة بما لدينا من خطط الحلف، وهذا يحسن قدرة (NATO) على تحريك القوات إلى المكان الصحيح فى الوقت المناسب".


رابط دائم: