نحو حوكمة العمل التطوعي فى مصر
1-8-2023

محمد عواض
* باحث فى العلاقات الدولية والسياسات العامة

صدر عام 2017 تقرير عن منظمة بيديل المالية، يتناول قيمة العمل التطوعى فى الولايات المتحدة الأمريكية، وقد قدر العمل التطوعى بها بقيمة تعادل الاقتصاد الكامل لدولة كاليونان، كما أوضح تقرير آخر أجرى على نحو  24 دولة مساهمة العمل التطوعى فيها بما يعادل 11 مليون وظيفة بدوام كامل، أى  القضاء على بطالة نحو 11 مليون مواطن، وتحسين دخلهم، وتوفير الموارد البشرية التى تحتاج إليها الجهات صاحبة التوظيف بما يضمن لها نجاحا واستقرارا، الأمر الذى يسهم فى دفع عجلة الاقتصاد فى  هذه الدول، وتعميق الإيمان بفكرة العمل التطوعى، وعدّه منصة تشاركية تستطيع من خلالها الانخراط فى  الدولة والمجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. وفى حقيقة الأمر، فإن مثل هذه الدراسات باتت تفتح المجال أمام نظرة مختلفة وعصرية للعمل التطوعى من خلال النظر له بوصفه أحد موارد رأس المال الاجتماعى  للدول.                             

ظهر تعريف الحوكمة فى تقرير كادبورى عام 1992، وعرِّف بأنه النظام الذى تدار بمقتضاه الشركات وتراقب، والذى جاء بالأساس محاولا البحث عن حلول لعدة مشكلات كانت مستشرية فى العديد من المنظمات والشركات حينها التى ترجع بالأساس إلى كثرة هذه المنظمات، وعدم وجود معايير واضحة تضمن عديدا من القيم مثل: الشفافية، والنزاهة، والمساءلة، والعدالة، والشمول، وسيادة القانون، والشراكة، والاستجابة، والاستقلالية، وقد أطلق عليها بعد ذلك معايير الحوكمة. وعلى الرغم من أن تعريف هذا المفهوم ظهر فى أوائل تسعينيات القرن الماضى فكان له العديد من الإرهاصات تمثلت فى بزوغ مصطلح حوكمة الشركات عام 1976 أى قبل أن يظهر هذا التعريف بنحو عشرين عاما، هذا وقد أضحت دول العالم تولى أهمية كبيرة لعملية الحوكمة، وتعول عليها فى التصدى للعديد من الظواهر السلبية التى تحول دون تقدم هذه الدول، التى يأتى على رأسها الفساد بنوعيه الكبير والصغير، وغياب العدالة والنزاهة والشمول، بشكل يمكن القول معه إنه أصبح توجها عالميا ينادى بالضرورة الملحة لتطبيق الحوكمة داخل جميع قطاعات دول العالم.

وقد مر على الدولة المصرية عقب أحداث 25 يناير 2011، العديد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ومع بداية عودة الاستقرار للبلاد عام 2014 بدأت الدولة تعمل على وضع سياسات جديدة تسهم فى مجابهة الأزمات القائمة، من خلال حشد واستثمار جميع الموارد المتاحة للدولة لمساعدتها على الخروج من أزماتها، وتحقيق التنمية. لذا، كان من الأهمية بمكان أن يتم النظر إلى العمل التطوعى بوصفه أحد عناصر رأس المال الاجتماعى فى مصر، الذى يمكن التعويل عليه فى مواجهة العديد من التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى كانت تؤرق المجتمع المصرى  بأكمله.

 أوضح التقرير الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للمتطوعين عام 2018 أن مصر تضم نحو  1,729,734 مليون متطوع وهى نسبة مشاركة وضعتها فى  المركز 50 من إجمالى  68 دولة تم إحصاؤها، وقد جاءت دولة فسلطين ودولة تونس فى  مراكز أكثر تقدما عن مصر. وقد أشار التقرير إلى أن نسبة المشاركة فى الأعمال التطوعية غير الرسمية كانت تفوق المشاركة الرسمية بطريقة هائلة.

 

وفى  ضوء ذلك، فإننا بصدد طرح عدة تساؤلات مهمة عن واقع العمل التطوعى فى مصر، التى تلزم لها إجابات جادة وصريحة، حتى نستطيع أن نقدم رؤية تشاركية أكثر فاعلية للعمل التطوعى فى مصر. وقد يطرح هذا المقال آليات جديدة نحو حوكمة العمل التطوعى فى مصر، وضمان تعظيم فعاليته، خاصة فى  هذه الأثناء التى تحتاج فيها مصر إلى الاستفادة من جميع مواردها بأقصى درجة ممكنة، وتتمحور هذه التساؤلات حول: هل تساعد بيئة العمل التطوعى فى مصرعلى ترسيخ قيم التطوع؟ هل تحتاج الدولة إلى أن تدخل - بموجب ما يقتضيه القانون والدستور- فى اختيار كوادر وقيادات العمل التطوعى فى  مصر بشكل مسبق ضمانا لاختيار عناصر تستطيع أن تلبى رؤية الدولة الطموح فى هذا الملف؟ والتى عبرت عنها بكل وضوح عام 2022 بإطلاقه عاما للمجتمع المدنى، إيمانا منها بالدور الذى يمكن أن تؤديه هذه المؤسسات فى تخفيف الأعباء عن كاهل الدولة، التى يمثل المتطوعون الركن الأساسى فى هيكل هذه المؤسسات، هل تحتاج الدولة إلى أن تمارس نوعا أكبر من الرقابة على أنشطة المؤسسات والجمعيات التطوعية؟ هل نحتاج إلى أن نجيب عن الأسئلة المتعلقة بظواهر الفساد والتربح من العمل التطوعى؟

فى  حقيقة الأمر، فإن جميع هذه الأسئلة ربما لا تفارق أذهان الكثير ممن يهمهم مصلحة هذا البلد، ويتطلعون إلى غد أكثر إشراقا للعمل التطوعى فى مصر، إيمانا منهم بأهمية هذا الأمر الذى حثت عليه الأديان السماوية، وأكدته الدساتير والقوانين والاتفاقات الدولية، وبرهن الواقع على حتميته من خلال مئات النماذج.

ونحاول أن نسلط الضوء على آليات مؤسسية يمكن من خلالها أن نعمل على تفعيل حوكمة العمل التطوعى فى مصر، وفى الواقع فإن هذه العملية يجب أن تكون تشاركية بين الدولة والمؤسسات والجمعيات المعنية بالتطوع وبين المتطوعين أنفسهم.

ما يجب أن يقع على كاهل الدولة فى هذا الشأن هو ضرورة أن يتم التحقق من صلاحية الأشخاص المتقدمين لتأسيس مؤسسات تطوعية فى  مصر، وأن تضع برنامجا تأهيليا لممارسة وقيادة العمل التطوعى  وتلزمهم باجتيازه، حيث يتم فيه التعريف بماهية التطوع، وسبله، والقوانين والاتفاقات واللوائح المنظمة له، ورؤية الدولة تجاهه، وبعد اجتياز هذا البرنامج تمنح الرخصة لهؤلاء الأشخاص لتكوين الكيانات المعنية بالتطوع، هذا إلى جانب إمكانية عمل دليل لتقييم المؤسسات أو الجمعيات العاملة فى مجال العمل التطوعى، مع وجود مؤشر يتناول كيفية تعاطى هذه المؤسسة أو الجمعية مع مبادئ الحوكمة، وكما أن الدولة المصرية  وقد شهدت بما لا يدع مجالا للشك تقدما ملحوظا فى العمل التطوعى والأهلى، فإن العمل التطوعى يحتاج إلى رقابة صارمة من الدولة من خلال نهج محوكم تستطيع من خلاله أن تقضى على كل الممارسات الخارجة عن القانون والمتمثلة فى التربح، والفساد، وغياب المساواة، والفساد، والتنمر، وانعدام الشفافية.

ومن ناحية أخرى، فإننا عندما نتحدث عن العمل التطوعى فى مصر نجد أن أغلب الكيانات العاملة فى هذا المجال تعتمد بشكل رئيسى على عاملين أساسيين، هما التبرعات والإعفاءات التى تكفلها الدولة لهم، كالإعفاء من العديد من الضرائب والرسوم. لذا، فكما أوضحنا دور الدولة فى الفقرة السابقة فإننا يجب أن نشير إلى أن المتبرعين لهم دور رئيسى فى دعم حوكمة العمل التطوعى فى مصر من خلال مطالبة المؤسسة المتبرع لها بتقديم تقرير يوضح أوجه صرف التبرعات، والغايات التى حققها هذا الصرف لقياس أثر التبرع، فعلى سبيل المثال التبرعات المنفقة على المواد الغذائية للأشخاص الأكثر فقرا قد تكون عند البعض أعمق أثرا من التبرعات المنفقة على التعليم.
ويتجلى فى هذا الأمر دور المتطوعين أنفسهم من خلال الاطلاع الدائم على القوانين واللوائح المنظمة للعمل التطوعى، وأن يطالبوا بحقوقهم فى معرفة رؤية المنظمة ورسالتها وأهدافها، وأن يحصلوا على حقوقهم الكاملة سواء الشهادات التقديرية الموضح بها عدد ساعات التطوع، أو البدلات الخاصة بهم، وأن يعملوا على تعزيز مبادئ الحوكمة فى تعاملاتهم مع مؤسساتهم من خلال تعزيز الحق فى تداول المعلومات، وتعزيز قيمة المساواة والحوار، وعدم التمييز.. إلخ.

ومن الأهمية بمكان أن نستشهد ببعض التجارب الدولية الناجحة على مستوى القطر العربى، ومن أهم هذه الدول، المملكة العربية السعودية التى تبلغ نسبة المتطوعين بها نحو 16.8% حسب مسح العمل التطوعى الذى أجرى فى 2018، وقد قطعت شوطا كبيرا فى تفعيل مبادئ الحوكمة الرشيدة فى العمل التطوعى من خلال بعض الأنشطة والممارسات كإطلاق المنصة الوطنية للعمل التطوعى فى السعودية، والوثيقة الشاملة للتطوع، والميثاق الأخلاقى لمدير التطوع، والميثاق الأخلاقى للمتطوع، وأساليب تقدير وتحفيز المتطوعين، وتحفيز مبدأ المشاركة المجتمعية للقطاع الخاص، ودراسة عمل درجات إضافية للطلاب المتطوعين فى المدارس، وغيره من الأنشطة الأخرى.                                                                                              


رابط دائم: