قناة السويس البرية الجديدة!
13-7-2023

د. أحمد عرفان
* استشارى تكنولوجيا المعلومات

هل صادف وسمعت عن مشروع قناة السويس البرى؟!

لا تتعجب، فمصر بصدد تنفيذ مشروع عملاق لتستحوذ على نسبة جديدة من التجارة العالمية إلى جانب ما تستحوذ عليه قناة السويس حاليا بعد توسعتها وافتتاحها فى 2015، وهى نسبة 12% من حجم التجارة العالمية قاطبة، و24.5% من إجمالى حركة الحاويات على مستوى العالم، و100% من إجمالى تجارة الحاويات المنقولة بحرا بين قارتى آسيا وأوروبا.

لقد قامت الدنيا ولم تقعد عندما أطلق الرئيس السيسى مشروع توسعة قناة السويس وتعميقها لتقليص وقت مرور السفن من ناحية، وكذا لاستيعاب عبور السفن العملاقة من الجانب الآخر، وحينها قام العملاء بالتشكيك فى قيمتها وما إذا كانت تستحق ما صرف عليها من أموال، وشكك الآخرون فى إمكانية وفاء الدولة بفوائد شهادات قناة السويس التى أُصدرت آنذاك لتمويل المشروع،فضلا عن استرداد قيمة الشهادات ذاتها، على الرغم من أننا أبهرنا العالم عندما جمعنا ثمانية مليارات دولار خلال أسبوع واحد وكان الشعب المصرى حديث العالم وقتها.

إلا أنه دائما ما تجد من يقلل من حجم وقيمة الإنجازات التى نراها على أرض الواقع ويشكك فى جدواها، والتهمة الجاهزة دوما إنفاق الأموال فيما لا جدوى منه سوى تلميع النظام!

يحدث هذا فى كل مرة تُحدِث مصر إنجازا ما فى أى مجال، وليس هذا مقصورا على وقتنا الحالى، ولكنه على المنوال ذاته منذ أمد بعيد، فإذا عدت للتاريخ ستجد أنه قد حدث الشىءنفسهمع محمد على عند بنائه للأسطول البحرى المصرى، ومع الخديوى إسماعيل عند إنشاء القاهرة الحديثة....إلخ

هذا على الرغم من أننا مازلنا، حتى وقتنا هذا، نعيش على تلك المشروعات التى قاموا بها وهوجموا بسببها، وقيل عنهم المقولة ذاتها إنفاق الأموال فيما لا طائل منه!

وهنا يحضرنى مشهد عايشه الكثير منا، حين انقطعت الأمطار على هضبة الحبشة، وساد موسم جفاف طويل استمر لسبع سنوات كاملة من 1980 حتى 1987!

فبعد وفاة عبد الناصر تحدث البعض بعدم جدوى السد العالى الذى أصر ناصر على إنشائه، مدعيين أنه كان سبب معاداة الغرب (أمريكا وإنجلترا) لمصر ما أدى إلى دخولنا فى مشكلات لا حصر لها، وأدى إلى إثقال كاهلنا بالديون التى لم يكن لها داع فى حينها؛ حيث لم يكن السد سوى مشروع لتلميع جمال عبد الناصر ومنحه الزعامة التى كثيرا ما بحث عنها وأظهرها فى جميع خطاباته!

لتقف مشيئة الله لترد غيبة الرجل فى مماته وينقطع المطر لمدة سبع سنوات كنا نرى فيها نشرات الأخبار تنقل لنا الحال فى إفريقيا من مجاعات وعطش فيما تقوم محطات الوقود فى مصر بغسيل السيارات بالمياه المتدفقة من بحيرة السد، واستمر الأمر على هذا المنوال حتى بدأنا فى متابعة المنسوب اليومى لارتفاع المياه فى بحيرة السد، وحجم استهلاكنا اللحظى من المياه؛ حيث كانت قد أوشكت بحيرة ناصر على نفاد مخزونها، حتى أفرجها الله بفيضان غزير لنخرج من هذه الورطة التى لم يكن ليعلم مداها سوى الله.

بعد هذا الحدث خرج الجميع ليشيد بجمال عبد الناصر وبُعد نظره الذى أنقذ مصر من شر الجفاف والجوع، ونسى الناس ما كان يقال عن هدر الأموال فى تمويل مشروعات لا طائل منها!

اليوم نجد أنفسنا فى الموقف ذاته مرة أخرى، ونجد من يعارض المشروعات العملاقة الجديدة مثل العاصمة الإدارية وتوسعة قناة السويس التى رأيناها بالفعل تضاعف دخلها نتيجة لهذا التوسع الأخير الذى افتتح فى أغسطس 2015.

واليوم، نتحدث عن المشروع الجديد الذى قد يطيح بأحلام البعض فى عمل مشروع ينافس قناة السويس فى التجارة العالمية، إذن فما هذا المشروع الذى نتحدث عنه اليوم؟

- قطار سريع يتكون من ثلاثة خطوط، خط من العين السخنة حتى مطروح بطول 660 كم. ثم الخط الثانى من أكتوبر وحتى أسوان بطول 1100 كم الذى يقتصر زمن الرحلة إلى خمس ساعات فقط بدلا من 14 ساعة حاليا. والخط الثالث خط ميناء سفاجا بطول 250 كم. والمشروع إجمالا هو أكبر مشروع قطارات فى تاريخ شركة سيمنس الألمانية منذ إنشائها سنة 1847 ويتم هذا بمشاركة العديد من الشركات المصرية.فلماذا سمى المشروع "قناة السويس البرية"!

دعنا نستعد حادث جنوح السفينة إيفر جيفن التى أعاقت تشغيل قناة السويس لأيام قبل أن تنجح هيئة قناة السويس فى تعويمها وفتح القناة من جديد!

هل تتذكر ماذا حدث وقتها؟

لقد توقفت التجارة العالمية تقريبا مع توقف قناة السويس، وسمعنا وقتها عن دول تفكر فى إنشاء مشروعات بديلة لقناة السويس!

وتخيل أنه كان لدينا هذا المشروع يعمل حينها إذن لكان من الممكن وقتها استقبال السفن بميناء السخنة وتفريغ الحاويات، ثم شحنها عن طريق القطارات لتصل إلى ميناء الإسكندرية أو بورسعيد خلال ساعتين فقط. وهذا هو المستهدف بالفعل!

فقد قامت الدولة بتوسعة وتطوير الموانئ المصرية مثل السخنة وشرق بورسعيد وسفاجا وإنشاء ميناء أبو قير الجديد ومد أرصفة جديدة بالكيلومترات لتجعل من مصر مركزا للتجارة العالمية،حيث يتوافر لديك النقل البحرى عن طريق قناة السويس وكذا النقل البرى مع انتهاء مشروع القطار السريع فى نهاية 2026!

فهل ندرك ماذا يعنى مشروع النقل البرى هذا لمصر والتجارة العالمية؟

أولا، سيتيح ديناميكية الحركة وسرعة نقل البضائع من وإلى مصر بوصفها مركزا تجاريا نظرا لموقع مصر المتميز جغرافيا، ثانيا، يمثل هذا المشروع زيادة معتبرة فى الدخل القومى الإجمالى المصرى، هذا بالإضافة إلى ما يمثله من مخرج لدول إفريقية لا تملك منافذ على البحار ليكون هذا المشروع منفذهم لتصدير منتجاتهم إلى أوروبا والعالم عند انتهاء خط القطار الإفريقى الجارى إنشاؤه الذى توقف مؤقتا بسبب الحرب السودانية السودانية!

المهم أننا قد أفاء الله علينا بمن يعمل على الارتقاء بهذا البلد ويعمل من أجله، ورجال تقوم على تنفيذ تلك المشروعات الضخمة التى أشار الرئيس فى أكثر من مناسبة إلى أنها نتاج عمل أساتذة أفاضل وعلماء قد سبقوا، ولكنها كانت حبيسة الأدراج لسنين مضت، تحت دعاوى أننا بلد فقير لا نستطيع، ومن أين لنا بتمويل مثل هذه المشروعات العملاقة!

سمعت هذه المقولة مرارا وتكرارا على مدى سنوات عمرى، ثم اتضح أنها ما كانت سوى شماعة لتعليق فشل الإدارات والوزارات المتلاحقة!

حمى الله مصر من شر الفتن..


رابط دائم: