"المتحدة" وعميد الدراما!
11-7-2023

مدحت بشاي
* كاتب صحفى

هكذا نتابع بشكل متسارع أخبار إنجازات تلك الشركة العملاقة صانعة الأحلام، وهى التى تعمل فى تواصل مع خطط الدولة المصرية لتعظيم أدوار القوى الناعمة المصرية والعربية، تبادر الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية بمشروعات الاحتفاء بعمالقة مصر فى الفكر والأدب والفنون من خلال سلسلة من الأعمال التى قدمتها خلال الفترة الماضية على مختلف قنواتها وبرامجها، أحدثها إعلان قناة الوثائقية خلال الساعات الماضية الاحتفاءَ بدراماتورجى الحدوتة المصرية الكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة من خلال إنتاج فيلم يحمل اسمه عن مسيرته وإبداعاته يحوى شهادات من فنانين وكتاب وعائلة الراحل عن كواليس الكتابة ونحت الشخصيات الشهيرة من أعماله الخالدة، ومن المقرر أن تعرض "الوثائقية" الجزء الأول من فيلم "أسامة أنور عكاشة" فى شهر يوليو الحالى؛ حيث يركز العمل على نشأته فى مدينة طنطا، ثم انتقاله إلى كفر الشيخ، واستقراره فى القاهرة، وانطلاق مشروعه الدرامى الضخم الممتد لنحو أربعين عاما.

ومعلوم أن الفيلم سيوثق ما أنجزه صاحب "ليالى الحلمية" دراميا وفكريا على نحو استثنائى، كما يطرح عددا من الأسئلة التى شغلت عقل الراحل، مثل سؤال الهوية المصرية، ويلقى الضوء على إسهاماته فى السينما والمسرح، ويتطرق إلى معاركه الفكرية.

وجاء عبر كواليس الشركة أن الوثائقى "أسامة أنور عكاشة"يشهد حضورا لافتا لعدد كبير من نجوم الفن ونجماته، إضافة إلى الاستعانة بشهادات عدد من الكتاب والنقاد. يحسب للكاتب والسيناريست المبدع أسامة أنور عكاشة أنه لم يمارس الكتابة الدرامية لمجرد الحكى الترفيهى أو الوعظ الإرشادى أو التحميس الوطنى الدعائى أو ممارسة التنظير التربوى، أو تأمين نصيب أهالينا الطيبين من بكائيات الوجع بدموع التأثر والنحيب كمؤشرات نجاح للتواصل الجماهيرى من وجهة نظر كتبة النقد الانطباعى التقليدى.

لقد تجاوزت أهداف الكتابة الدرامية عند أسامة عكاشة كل تلك الأشكال السابق التنويه عنها بشكلها المباشر حتى لو ذهبت بعض المشاهد "العكاشية" عند التعامل المباشر مع قضايا المجتمع لإحداث مثل تلك التفاعلات المنطقية فإن التناول والصياغة والرؤية تستهدف فى الأساس مخاطبة الوجدان المنهك إنسانيا وملامسة المشاعر الملتهبة عاطفيا وإثارة العقول الجائعة معرفيا للقراءة الواعية للأحداث.

وعبر معظم إبداعات "عكاشة" الدرامية، كان التسابق والسعى الهائل من قبل الممثلين كافة للمشاركة والظفر بأدوار تضاف إلى تاريخ كل مشارك، فالفائز بأى دور فى أعماله سينعم بأداء مبارزات حوارية بديعة تمنحه صك النجاح فى التواصل مع المتلقى بما تطرحه تلك الحوارات والمواقف من قضايا إنسانية واجتماعية وفلسفية فى تناول خاص جدا لقضايا الصراع الطبقى، والبحث عن العدالة الاجتماعية، والبطولات الشعبية الفطرية والإنسانية وغيرها من مشاهد دراما الواقع الإنسانى.

وقد أسعدنى الحظ أن تتاح لى الفرصة لمحاورة عميد الكتابة الدرامية العربية والمصرية قبل رحيله بشهور قليلة، وتم نشر اللقاء على صفحات مجلة "المصور" منذ 11 عاما، وأستأذن القارئ فى التذكير بأهم أطروحات العميد، وأبدع رءوس الأقلام التى عنونت منهجيته الدرامية ونحن نعيش ذكرى رحيله، ولعل ما أسعدنى أن الكثير من مطالب وأحلام عكاشة قد تحققت وبعضها بدأنا مع ثورة 30 يونيو فى قطع مشاوير هائلة لتحقيقها فى العديد من المجالات مع نجاحات الشركة المتحدة، وكنا نأمل أن يمتد العمر بكاتبنا المبدع ليعيشها معنا ويتناولها فى درامياته التاريخية المصرية.

· قال عكاشة حول نظرته لأحوال الإبداع فى بلادنا فى تلك الفترة (منذ 11 عاما): على مستوى الإبداع الأدبى والفنى، الأمر ليس له علاقة بالوضع السياسى أيا كان إيجابيا أو سلبيا، فالمبدع يُبدع معارضا أو مشايعا أيا كان موقفه السياسى، ولدينا مثال رائع فى الراحل العظيم نجيب محفوظ فقد ظلت كتاباته عبر أربعة عصور من عهد الملكية وحتى عهد ناصر والسادات وعهدنا الحالى، ولم يثنه عن إبداعه وطرح فكره أى ظرف تاريخى أو متغير ما طرأ على البلاد.

· المجيدون يبدعون ويكملون رحلات إبداعهم فى كل الظروف،لكن يمكن القول إنه ـ وللأسف ـ تزايدت فى الفترة الأخيرة أشكال الإنتاج الردىء؛ حيث النماذج الفنية الرديئة غالبة والمزاج العام للمتلقى صار مزاجا ـ للأسف أيضا ـ متراجعا وبشكل خاص فى مجال الفنون الغنائية وبعض النماذج السينمائية والتلفزيونية، هناك قلة من المبدعين الجادين، وأرى أن الظرف الاقتصادى والاجتماعى الضاغط أسهم فى أمراض كثيرة، نحن نعانى أعراض تلك الأمراض فإذا كان المرض يعلن وجوده فى المرضى بأعراض ارتفاع درجة الحرارة أو ظهور بثور وطفح جلدى، فإن الفنون الرديئة هى بمنزلة الطفح الجلدى الذى يشوه جسد المريض والوطن.

· حتى نخطو إلى المستقبل لابد من التخلص من كل معوقات التقدم ومظاهر التخلف، ولابد من تنحية فكر الخرافة والدعاوى الكلامية التى تود عودة الناس ونحن فى القرن 21 إلى القرن السادس الميلادى، هناك خطوات جبارة خطتها الإنسانية لصناعة حضارات، فلنبدأ من حيث انتهى المتقدمون، ولا نتراجع إلى نقط البدايات، كما يجب أن نسيد منطق الدولة المدنية وضرورة السعى لبناء دولة مدنية والفصل بين الدين والدولة ونضع كل الأشياء فى حجمها ومكانها، لابد من إصلاح النظام التعليمى، نحن نعيش أزمة كبرى فى مجال التعليم، وهى أزمة قد تقضى على كل أحلامنا فى تحقيق مستقبل واعد نأمله، إن دولة بلا نظام تعليمى متقدم ومتوازن هى دولة لا مستقبل لها.

· كيف نقرأ الماضى؟ إنه سؤال مهم، وهنا لابد أن نسأل بأى ذهنية نقرأ، هل هى ذهنية الدروشة أم الإتباع الأعمى، فى كل الأحوال لابد أن تكون القراءة نقدية فى مجال إعادة فتح ملفات التاريخ ولنضرب المثل بقراءة الدكتور طه حسين للشعر العربى عبر كتابه العظيم فى الشعر الجاهلى الذى وضع الأساس لمنهج نقدى وهو المنهج الذى ينبغى أن نقرأ به تاريخنا الاقتصادى والاجتماعى، لا يجوز أن نقرأ للترنح والتخبط، بل القراءة لكى نناقش وهذا هو المنطق المطلوب، وعند قدرتنا على هذا سيمكننا تجاوز وعبور كل مناطق التخلف.

· وحول رأيه فيما قاله بعض الكتاب الصحفيين بعد عرض فيلم "اللمبى" أن بطله هو أنتونى كوين السينما المصرية،كان رده "لقد واجهت أحدهم فى برنامج تلفزيونى وكرر نفس الكلام فقلت لمقدم البرنامج هذا تهريج وانسحبت من البرنامج، هؤلاء كتاب أدعياء يعملون بمبدأ خالف تُعرف مع إثارة الفرقعات الإعلامية".

أخيرا، مع إبداعات"عكاشة" صار للمؤلف الدرامى وكاتب السيناريو والحوار المكانة التى يستحقها، بعد أن بات توقيعه على العمل صك ضمان لجودة وأهمية العمل، لقد كانت أعماله منصة لا تخيب لإطلاق نجوم يصعدون إلى سماء النجومية بسرعة الصاروخ.


رابط دائم: