الحوار الوطنى والأعمدة السبعة
26-6-2023

مدحت بشاي
* كاتب صحفى

ولما كان العام الــ 99 واليوم 26 يونيو يوم ميلاد المفكر الوطني النبيل الدكتور ميلاد حنا، ونحن مازلنا نتوقف بالإشادة والدراسة والتحليل وإعادة القراءة لمؤلفاته ذات الحس الوطني والأطروحات العلمية والعملية بشكل عام، وكتابه "الأعمدة السبعة للشخصية المصرية" بشكل خاص، وهل ننسى اختيار الكتاب ومضمونه ليكون عنوان المحور الرئيسي لفعاليات منتدى شباب العالم 2018، كرؤية مستوحاة من مضمون الكتاب وما نبه إليه الدكتور ميلاد حنا عبر أبوابه ..

يؤكد "ميلاد حنا" في كتابه المتميز على أهمية التمسك بوحدة النسيج المجتمعي المصري، فكانت الدعوة إلى عقد جميع فعاليات المنتدى في إطار تلك الأعمدة، والرؤية المبهرة للمجتمع المصري الذي استطاع على مدار عصور طويلة أن يكون مركزًا للتواصل بين مجتمعات عدة ..

يرى "حنا" أن كل مصري مهما تكن درجة علمه أو ثقافته ابتداء من أستاذ الجامعة المتعمق والمتفتح على حضارات عصرية، إلى الفلاح البسيط الذي لا يقرأ ولا يكتب في عمق ريف أو صعيد مصر متأثر بالزمان والمكان، ومن ثم فكل مصرى في أعماقه تاريخ أمته من العصر الفرعوني وإلى يومنا هذا، مرورًا بمراحل "اليونانية  -الرومانية" ثم القبطية..

ويرى أن الإسلام، لابد أيضًا أن يكون متأثرًا بالمكان أي بالموقع الجغرافي المعاصر، ومن ثم فهو "عربي لأن مصر تقع في موقع القلب بالنسبة للمتكلمين بالعربية ثم هو بحر أوسطي بحكم الإطلالة التاريخية والجغرافية على هذا الحوض العديد الذي تكونت من حوله حضارات العالم من السلوم إلى مرسى مطروح غربًا إلى العريش ورفح شرقًا، ولكننى فوق ذلك وقبله لم أنس انتماء مصر إلى إفريقيا التي تقع في الشمال منهاإننا شعب مصر جميعًا داخلنا هذه المكونات السبعة في وجداننا"..

وبشكل محدد لأعمدة الهوية للمواطن المصري، هي الأعمدة السبعة: "العمود الأول: انتماء مصر الفرعوني، والعمود الثاني: انتماء مصر اليوناني والروماني، والعمود الثالث: انتماء مصر القبطي، والعمود الرابع: انتماء مصر الإسلامي، والعمود الخامس: انتماء مصر العربي، والعمود السادس: انتماء مصر للبحر المتوسط، والعمود السابع: انتماء مصر الأفريقي " ..

وأمر مناقشة قضايا الهوية السياسية والثقافية والوطنية ممتد في حالة الحوار الوطني، وبشكل متميز، وعبر إشراف أمانات وطنية قد أسعد كل المتابعين والمراقبين للشأن الوطني؛ يكفي الإحساس بالرضا والأمل بمنح جلسات الحوار الفرص الرائعة لأن نتعرف على أهالينا في الأحزاب الوطنية المصرية وفكرهم وطموحاتهم السياسية بتنوع كنا ننشد وجوده على الأرض، بدلًا من اتهامهم بأنهم أحزاب كرتونية، وأتفق مع د. جمال عبد الجواد فيما أكد عليه على طاولة الحوار الوطني في أمر أبعاد أهمية الهوية، وتأكيده أنه لم تعد آليات الاستبعاد وتعيين حدود الجماعة الوطنية كافية في مواجهة التحدي المستجد، فالسؤال من نحن لم يعد هو المهم، بعد حل محله السؤال عن جدارة الانتماء للعصر والقدرة على صنع المستقبل، الانتقال بين السؤالين هو انتقال من المكون الصراعي إلى المكون النهضوي للهوية، وبينما مازال علينا تعميق الشعور بالذات الوطنية عبر تعزيز الانتماء لتاريخ الوطن وثقافته، فإن الأولوية والتركيز يجب أن ينتقل إلى تحقيق نهضة تشمل الاقتصاد والسياسة وحكم القانون والعمران والتعليم والعلوم، وإلى غرس القيم الضرورية لتحقيق ذلك ..

نعم، فالإجابة عن سؤال الهوية تنبع من الماضي، بينما الإجابة عن سؤال النهضة تتوجه للمستقبل، من المهم أن نعرف من أين أتينا، والأهم هو أن نكون متأكدين من الوجهة التي نذهب إليها، ومن قدرتنا على الوصول إليها سالمين، هذا هو تحدي الهوية في عصر الاستهلاك والرقمنة وثورة التكنولوجيا..

وبالعودة لفكر ميلاد حنا الذي نحتفي بذكرى ميلاده، نذكر أن في فترة سجنه السبتمبري الساداتي الشهير ألف كتابًا بعنوان "ذكريات سبتمبرية"، وبعدها كتاب "ساسة ورهبان وراء القضبان"، واللذان اهتما بقضية الوحدة الوطنية والطائفية في مصر، وكان هذا الملف من القضايا المهمة التي أثرت في حياة ميلاد حنا، وشكلت شخصيته في هذه الفترة ..

يذكر أنه وقبل دخوله السجن بدأ في التساؤل: ما هي الشخصية المصرية؟، وكيف تكونت وما هي عناصرها؟، واختمرت الفكرة في السجن، خلال عقوبة تعرض لها، وهي العزل في حبس انفرادي اسمه سجن "التجربة" لمدة 3 أيام، لاحتجاجه على إدارة السجن في التعامل مع السجناء السياسيين، وفي هذه الفترة حدث له اختلاء مع النفس، ولأن شخصيته إيجابية انشغل بالتفكير في موضوع التساؤلات، التي تبلورت بعدها في كتاب "الأعمدة السبعة للشخصية المصرية" ..

"ميلاد حنا" هو أحد أبرز المفكرين السياسيين المصريين، وقد حصل على بكالوريوس الهندسة المدنية في جامعة القاهرة عام 1945 ونال درجة الدكتوراه في هندسة الإنشاءات من جامعة "سانت أندور" في اسكتلندا عام 1950 وتدرج في مختلف المناصب الجامعية حتى عين أستاذًا متفرغًا بهندسة عين شمس عام 1984 وكان أيضًا عضوًا في المجلس الأعلى للثقافة المصري ..

حصل د. ميلاد على عدة جوائز دولية من بينها ثلاث جوائز في عام 1998 هي "فخر مصر" من جمعية المراسلين والصحفيين الأجانب بمصر، ووسام "النجم القطبي الذي لا يخبو" بدرجة كوماندوز، من ملك السويد، وجائزة "سيمون بوليفار" من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو"، وجائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية عام 1999، وتوفى في عام 2012 عن عمر يناهز 88 عامًا.


رابط دائم: