زيادة رقعة الأراضى المزروعة عن طريق نقل النهر!
11-6-2023

د. أحمد عرفان
* استشارى تكنولوجيا المعلومات

قيل لنا إن سد النهضة سيؤدى بنا إلى كارثة تعطيش مصر وتدمير الزراعة وتجويع الشعب المصرى... إلخ، فدعونا نلقِ نظرة أولا على هذا الأمر.

لم يكن هذا ببعيد فقد كان حديثا يتم تداوله ليل نهار فى جميع البرامج والنشرات والمجالس!،فهل فعلا وصلنا إلى هذه الحال أو قريبا منها؟!، هل تعرف ما يجرى من استنساخ لنهر النيل فى موقعه الجديد؟!، هل سمعت أو علمت بما يمثله نقل النهر إلى مدينة الحمام غرب الإسكندرية؟ وكيف يتم هذا؟

حديثنا اليوم سيلقى بعض الضوء على هذا المشروع الضخم الجديد وحقيقته!

المشروع الذى نتحدث عنه هو النهر الصناعى العظيم، وهو يمثل ثالث محطة ضخمة لمعالجة مياه الصرف الزراعى، وهى الأكبر والأضخم ليس فقط على مستوى الدولة المصرية ولكن على مستوى العالم أجمع؛ حيث تقوم المحطة بمعالجة مياه الصرف الزراعى وضخها لمسافة ١١٤ كم منها ٩٢ كم مسارا مفتوحا كمجرى نهر النيل الذى يجرى فى ربوع مصر ونراه يوميا، والباقى ٢٢ كم تجرى فى قنوات مائية ضخمة أو عشرات الأنابيب تحت الأرض؛ إذ يصل قطر الأنبوب الواحد منها إلى مترين طوليين لتشكل فى النهاية مجرى نهر جديد تصله المياه عن طريق اثنتى عشرة محطة رفع عملاقة لضخ المياه على طول هذا المجرى المائى العذب، والمشروع عبارة عن إنشاء نهر صناعى ضخم باستخدام مياه الصرف الزراعى المعالجة التى ستقوم برى مئات الآلاف من الأفدنة الجديدة؛ حيث يشق هذا المجرى صحراء مصر الغربية من الشمال للجنوب فى عكس اتجاه جريان المياه، لذا تم عمل محطات رفع عملاقة لضخ المياه بما يحقق حلم مصر فى تحويل لون أراضيها الصحراوية من الأصفر إلى لون الخضرة والنماء.

وسوف تحصل هذه المحطة بعد تمامها على لقب أكبر محطة معالجة مياه على مستوى العالم، بعد حصول محطة معالجة بحر البقر التى افتتحت فى ٢٠٢١ على هذا اللقب سابقا من موسوعة "جينيس" للأرقام القياسية، لتحطم مصر رقمها العالمى السابق والخاص بمحطة بحر البقر برقم جديد ألا وهو محطة معالجة مياه الدلتا الجديدة لمعالجة مياه الصرف الزراعى، تلك المياه التى كانت تهدر فى مياه البحر سابقا، إضافة إلى تلويث مخزون المياه الجوفية.

ومشروع الدلتا الجديدة يشمل مشروعى مستقبل مصر بمساحة خمسمائة ألف فدان، ومشروع جنوب محور الضبعة بمساحة ٦٨٠ ألف فدان، وإجمالى مساحة مستهدف استصلاحها ٢.٢ مليون فدان لزراعة القمح والذرة الصفراء وعباد الشمس، بالإضافة إلى بعض أنواع الفاكهة والخضراوات.

ما نتحدث عنه هو مشروع تم منذ أيام قليلة ضخ المياه التجريبى فى مجراه والمخطط الانتهاء منه خلال مدة قريبة جدا. إذن، ماذا يعنى توصيل المياه لرى هذه الأفدنة الجديدة والمضافة حديثا إلى المساحة المنزرعة فى مصر وما يمثل ٢٣% من إجمالى المساحة المزروعة فى جميع أنحاء مصر؟ يعنى هذا توفير ما يقرب من ٣.٥ مليار دولار سنويا كنتيجة مباشرة لتقليص استيراد القمح!

فى الوقت ذاته، فقد تراجع استيراد البذور الزيتية بنحو الثلث (٣٦%) فى العام الأخير، نتيجة لزيادة الانتاج من عباد الشمس بإضافة محاصيل الأراضى الجديدة، ليصل إجمالى التوفير السنوى من العملة الأجنبية إلى نحو خمسة مليارات دولار تساعد على سد الفجوة التمويلية التى نعانيها لتوفير الدولار!،وقد رجح صندوق النقد أن تبلغ الفجوة التمويلية بين التدفقات النقدية المتاحة والنفقات المطلوب سدادها سبعة عشر مليار دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة حتى ٢٠٢٦.

وإذا استبعدنا من هذا الرقم نحو ثلاث مليارات ونصف المليار دولار سنويا لاستيراد القمح فقط وما يقرب من ١.٣ مليار لاستيراد الزيوت نكون قد استطعنا الصمود فى وجه التقلبات الاقتصادية وتحقيق الاستدامة وتعزيز المرونة فى مواجهة الصدمات الخارجية وإعادة الدين إلى مساره التنازلى.

دعونا ننتهز هذه الفرصة لتوضيح كيف نتجت هذه الفجوة التمويلية!

حتى ما قبل الحرب الأوكرانية وقبل رفع البنك الفيدرالى الأمريكى لنسبة الفائدة عدة مرات متتالية كان لدينا ما يسمى بالأموال الساخنة التى تعزز أداء الاقتصاد فى مرحلة معينة!، والأموال الساخنة هى تدفقات نقدية تدخل أو تخرج من الدول التى تكون فيها أسعار الفائدة منخفضة إلى الدول ذات معدلات الفائدة المرتفعة، وتهدف هذه التدفقات إلى الاستثمارات القصيرة الأجل؛ حيث تستثمر فى أذون خزانة أو سندات تصدرها الدولة بغرض الاقتراض لتمويل عمليات معينة، وكذا استثمارها فى أسهم الشركات المدرجة بالبورصة أو فى الشهادات الادخارية التى تطرحها البنوك للاستفادة من الفائدة المرتفعة. والغرض من هذه الأموال الحصول على عائد مرتفع سريع يجنب المستثمر الخارجى حبس أمواله فى ودائع أو عمليات استثمارية طويلة الأمد. ومع استمرار رفع الفائدة على الدولار خرجت هذه الأموال الساخنة سريعا من السوق المصرى وأسواق أخرى عدة حول العالم لتنتقل أغلبها، إن لم يكن جميعها، إلى الاقتصاد الأمريكى ما أحدث هذه الفجوة التمويلية التى مازال يعانيها الاقتصاد المصرى. فما بالك لو لم تحدث الحرب الأوكرانية ولم يضرب هذا التضخم اللا مسبوق جميع دول العالم، سواء المتقدمة أو النامية، ولم يضطر الفيدرالى الأمريكى لرفع الفائدة عدة مرات لخفض التضخم الذى ضرب أوصال الاقتصاد الأمريكى!،كان من المتوقع آنذاك أن نبدأ فى حصاد مردود هذه الإنجازات التى تحدثنا عنها آنفا، ولأصبح حالنا أفضل كثيرا من الناحية الاقتصادية.

أخيرا، يمكننا القول إنه على الرغم من المصاعب التى ضربت اقتصادنا والتضخم الذى زاد الأمر تعقيدا، فإننا على الطريق قد نكون قد اضطررنا لتباطؤ الأداء، إلا أننا مازلنا نواصل التقدم على الطريق، نعم نتقدم بخطى أبطأ مما كان خلال فترة ما قبل جائحة كورونا والحرب الأوكرانية؛ إلا أن التقدم مازال واقعا.

قد يكون التقدم حثيثا لكننا نتقدم بخطى واثقة ستصل بنا إلى أهدافنا وهو أمر يراه ويؤكده العديد من بيوت المال العالمية.

فقليل من الصبر والمثابرة سيعيدنا إلى خطواتنا السريعة مرة أخرى!


رابط دائم: