شراكة الغرب مع الإسلاميين في الربيع العربي
16-11-2011

د. بهجت قرني
* ‬أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة‮.‬

سيكتب التاريخ أن النتيجة الأهم لثورات الربيع العربي الملونة ليست إطاحة الديكتاتوريات السابقة، وإنما هي علاقة الشراكة الجديدة بين الغرب والقوى الإسلامية التي يسميها “معتدلة” وتسمي نفسها “وسطية”، هذا الواقع هو ما يشكل بالفعل حدث هذه الثورات الأكبر ونقلتها التاريخية الخاصة .

هناك شبه اجماع على أن هذه القوى السياسية هي البديل المفترض والواقعي للديكتاتوريات السابقة . ولقد كان هذا الإجماع قائماً كذلك قبل الثورات، ما يقود إلى الاستنتاج بأن هذه الشراكة كانت حتمية كامنة في بطن الأحداث المستقبلية وتبلورها الذي نشهده حاضراً .

قبل ثورات الربيع العربي بسنوات وعقود، كان الغرب قد أخضع نفسه لمراجعات فكرية وسياسية بخصوص الجماعات الإسلامية التي يدعوها معتدلة . وكان يجد نفسه مدعواً لترتيب خياراته إزاء هذه القوى، وذلك في ضوء حربه على “الإرهاب” وبالتحديد الجماعات الإسلامية الجهادية . هناك أدبيات كاملة كتبها خبراء وأكاديميون غربيون كانوا يدعون الساسة الغربيين إلى تغيير توجهاتهم نحو الإسلاميين المعتدلين الذين رأوا فيهم خصماً حقيقياً للجماعات الجهادية التي تقاتل الغرب، وبالتالي فهي تمثل الضمانة لمواجهة خطاب التيارات الجهادية وحصره ومنع انتشاره مما يعد بكسب الحرب ضد الإرهاب في جانبها الفكري . وبالفعل، فإن أحزاب الإسلام السياسي تقدم نفسها للغرب على أنها ممثلة الإسلام الحقيقي التي سيحل خطابها المتسامح متى ما أتيح لها الحكم محل التشدد “الذي لم يكن ديانة للأمة”، بحسب الشيخ راشد الغنوشي .

وغير هذا، فإن الخبراء والمختصين الغربيين قد رصدوا طوال السنين الماضية وبعين الارتياح تبني هذه الأحزاب للقيم السياسية الغربية كمرجعية لهم في العمل السياسي وسياسة الحكم، ويتمثل ذلك في إعلانهم الالتزام بالمبدأ الديمقراطي، والتعددية، واحترام الأديان واحترام حقوق المرأة، وكل ذلك حسب المفردات الغربية .

من هذا نعلم أن هناك مقدمات سابقة للشراكة الحاضرة بين القوى السياسية الإسلامية والغرب المهيمن والقابض على الوضع العربي، وهذه المقدمات يمكن رؤيتها في التبادل الفكري والقبول المشترك . وعلى الأغلب، فإن حوارات غير رسمية قد دارت بين شركاء اليوم وذلك بعد أن حسمت دوائر القرار في الغرب رأيها بالتعاطي مع الإسلاميين والتسليم بكونهم البديل لحلفائها السابقين من المسؤولين العرب وقبولهم في سدة الحكم كإمكانية مؤكدة مقبلة . وهذا ما أكدته هيلاري كلينتون بعد ثورات الربيع بقولها إنها تقبل التعامل مع الإسلاميين في حال فوزهم .

قبل أيام قليلة نشرت جريدة “الدايلي تليغراف” البريطانية مقابلة مع الشيخ علي الصلابي عضو هيئة علماء المسلمين التي يترأسها الشيخ يوسف القرضاوي والشخصية الإسلامية الأبرز في ليبيا ما بعد القذافي . وفي أثناء حرب الثمانية أشهر التي شارك فيها الصلابي بالكلمة والرجال جنباً إلى جنب مع الحليف الغربي الذي كان بالأمس عدواً أيديولوجيا وعدواً فعلياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ومما قاله الصلابي في المقابلة إن: “ما قامت به أمريكا وبريطانيا وفرنسا كان له أكبر الأثر في أغلبية المسلمين بحيث يسود الآن تجاهها شعور طيب وإيجابي، وليس الشعور السلبي كما كان الأمر سابقاً” . وكشف عن نيته إنشاء حزب إسلامي ليبرالي النزعة ومعتدل على غرار حزب العدالة والتنمية التركي حتى أن اسمه المقترح هو “حزب التجمع الوطني من أجل الحرية والعدالة والتنمية” .

وقال الصلابي إنه سيقر حرية تعدد الزوجات في ليبيا، كما أكد أن مصطفى عبدالجليل ذهب بعيداً عندما أعلن أن الاقتصاد الربوي سيحظر التعامل به في ليبيا الجديدة قائلاً إنه سيحتكم إلى رأي المصرفيين والاقتصاديين، و”نحن جزء من النظام المصرفي العالمي” . وعن الموضوع الفلسطيني ذكر أنه يتركه للفلسطينيين أنفسهم كي يتوصلوا إلى تسوية مع “إسرائيل”، حيث قد تقود (هذه التسوية) لاعتراف تدريجي ب”إسرائيل” من حزب الصلابي، حسب الصحيفة (10 نوفمبر/تشرين الثاني 2011) .

هذا الخطاب الذي بدأت الأذن العربية بسماعه وبصيغ متشابهة ومتطابقة من قادة إسلاميين وعلى صفحات الصحف الغربية بالذات، هو ما أسميه خطاب الشراكة الجديدة بين القوى الإسلامية الوسطية والغرب .

إنه خطاب الأرضية المشتركة مع الغرب، وخطاب التلاقي مع هذا الغرب وبأي ثمن كان . وهذا الخطاب من دون شك، يمثل اختلافاً كبيراً، بل وقطيعة مع المبادئ التي بدأت معها تلك القوى تاريخها وأسست شعبيتها .

وبالطبع، فلم يقتصر الأمر على الخطاب فقط، إذ إن القطيعة مع التاريخ السابق كانت أيضاً في الممارسة السياسية وذلك بالتحالف مع الغرب في الموضوع الليبي .

الحرب الليبية التي خاضها طرفا الشراكة معاً كفريق واحد تجمعه الأهداف نفسها وهي القضاء على القذافي ونظامه كانت اختباراً ومثالاً لهذه الشراكة . أما التمثلات الأخرى فستأتي بها الأيام في هذا “الربيع” العربي .

--------------------

* نقلا عن الخليج الأربعاء 16/11/2011


رابط دائم: