مرحى للتكنوقراط
17-11-2011

د. حازم الببلاوى
*

هل “العجز الديمقراطي” المفترض للاتحاد الأوروبي ينتشر الآن في البلدان الأوروبية في ظل أزمة الديون السيادية؟ إن صعود التكنوقراط غير المنتخبين سلم السلطة السياسية في اليونان وإيطاليا يشير على الأقل ظاهرياً إلى أن المحرمات السابقة والمتعلقة بالحكومات التكنوقراطية التي تنفذ أجندة مفروضة من الاتحاد الأوروبي قد تحطمت .

لو نظرنا إلى إيطاليا لوجدنا أن معظم الإيطاليين قد تنفسوا الصعداء عندما علموا أن رئيس الوزراء لثلاث مرات سلفيو برلسكوني سوف يتم استبداله من قبل تكنوقراطي بامتياز، وهو المفوض الأوروبي السابق ماريو مونتي، وهو اقتصادي يحظى بالاحترام . لقد قامت اليونان أيضاً بتسليم مقاليد السلطة إلى شخصية غير منتخبة وهو التكنوقراطي المفترض أن يكون سياسياً لوكاس باباديموس وهو نائب سابق لرئيس البنك المركزي الأوروبي .

بالطبع هناك الكثير من الأشياء الخاطئة في ما يتعلق بالاتحاد الأوروبي هذه الأيام، ولكن توسيع ما يطلق عليه “العجز الديمقراطي”، لهذا الاتحاد ليس واحداً من تلك الأخطاء . إن هذا العجز الذي يتم تصويره على هذا النحو هو عبارة عن كذبة مضللة ومريحة من الناحية السياسية . إن باحثين من جامعة برينستون مثل أندو مورافسيك قد جادلوا طويلاً بأن شرعية الاتحاد الأوروبي لا تأتي من صناديق الاقتراع، بل من قدرته على توفير منافع ملموسة للمواطنين . إن ما يحققه الاتحاد الأوروبي من خلال الأسواق المدمجة -أو حتى من خلال إزالة نقاط المراقبة على الجوازات- يؤكد فوائد “ديمقراطيته التي تم التفويض بشأنها” .

طبقاً لاستطلاع مزعج للرأي نشرته مؤخراً الصحيفة الإيطالية الرائدة “لا رببليكا”، فإن أكثر من 22% من الإيطاليين لا يجدون اختلافات كبيرة بين نظام ديمقراطي ونظام سلطوي في الحكم، بينما يعتقد 10% أن النظام السلطوي أفضل وأكثر فعالية من النظام الديمقراطي السياسي .

إن هذا الانحدار المزعج في الإيمان بالديمقراطية الذي لا يقتصر على إيطاليا يعيدنا إلى المنطق القوي الذي يميز تعويل الأوروبيين المتزايد على الحكم التكنوقراطي: الأمن . إن ما جمع الأوروبيين معاً من نهاية الحرب العالمية الثانية إلى انهيار الاتحاد السوفييتي لم يكن حلم الحكومة الديمقراطية على نطاق أوروبي أوسع، بل فوق ذلك كله كانت الرغبة في التمتع بالسلامة والأمان .

إن قصة الاندماج الأوروبي طوال فترة ما بعد الحرب تعكس في الغالب السعي إلى الأمن السياسي والاجتماعي والاقتصادي . إن من السهل فهم أنه مع وجود هذه المظاهرات الصاخبة في شوارع أثينا ومدريد وروما، فإن بعض الناس قد يختارونا مجدداً أن يعطوا الأولوية لأمنهم، وخاصة أمنهم الاقتصادي .

إن القاعدة غير المكتوبة في أوروبا هي أنه كلما كانت العملية أقل سياسية، زادت شرعية التكنوقراط، وعلى العكس من ذلك، فعندما تعيق السياسة عملية اتخاذ القرار فإن البيروقراطيين يفقدون المصداقية .

إن أحد الاعتراضات على تفويض السلطة السياسية للتكنوقراط هو أن مثل هذه التعيينات تعد بمنزلة قيد مذل على السيادة وفي الأوقات العادية، فإن هذا غير مقبول لمعظم المواطنين، ولكن في أوقات الأزمات فإن صوت التكنوقراط المحايدين يكتسب مصداقية أكبر .

إن مونتي على، سبيل المثال، كان من أوائل الذين حذروا من الوضع المالي المزري في إيطاليا، ولكن مما يدل على حيادية هذا التكنوقراطي، قام مونتي في أغسطس/ آب الماضي بالتحذير من أبعاد المطالبات التي تقدمها مؤسسات دولية غير منتخبة (في هذه الحالة البنك المركزي الأوروبي) لتنفيذ سياسات معينة مقابل دعم السندات الإيطالية في الأسواق العالمية . لقد دعا مونتي ذلك “بوديستا فويستيو” أي السيادة الأجنبية الزائدة عن الحد والتي تتمركز في بروكسل وواشنطن وفرانكفورت، إضافة إلى برلين وباريس .

بالطبع، فإن حكومة تكنوقراط هي شذوذ، ولدرجة أنها تشكل إدانة لأداء كامل الطبقة السياسية في بلد ما، ولكن يبدو أن الناخبين في أراضي منطقة اليورو المحطمة قد توصلوا إلى أحكام إدانة خاصة بهم في ما يتعلق بقادتهم المنتخبين قبل أشهر عدة .

إن لاو تسو مؤسس مبدأ “الطاوية” قد كتب “إن القائد يكون الأفضل عندما لا يكاد الناس يحسون بوجوده” . إن الحكومات الأوروبية المتأثرة بالأزمة تلجأ بشكل متزايد إلى التكنوقراط غير المنتخبين، وطبعاً الناس يتفقون مع ذلك .
 

-------------------------------------

* نقلا عن دار الخليج 17/11/2011


رابط دائم: