مستقبل الحكم في ليبيا
30-11-2011

صلاح خليل
* باحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

لا بد لي أن أؤكد أنه على الرغم من حماسي الشديد لثورة الشعب الليبي في الانتفاضة ضد الحكم الاستبدادي وفرحتي الكبرى بنجاح الثورة، فإنني أشعر بتخوف كبير على مستقبل الاستقرار والأمن وقيام دولة القانون على الأراضي الليبية في القريب العاجل.

مخاوفي ليست من السلاح الهائل الموجود في أيدي الشباب غير المنتظم في القوات المسلحة الليبية.

ومخاوفي ليست في الانقسامات المناطقية أو القبلية التي يمكن أن تثير نعرات عنف وتطاحن.

ولكن مخاوفي مبعثها التحدي الذي يواجه كل ثورة لم تنطفئ بعد جذوة نارها المشتعلة وما زالت فيها أصابع الثوار تمسك بترسانة أسلحة مخيفة، هذا التحدي هو التحدي النفسي في الثأر والثأر المضاد من نظام بازغ ضد نظام بائد، من ثوار ضد قوى تقليدية تريد تحويل الثورة إلى دولة قانون.

والمؤشر الذي هالني هو ما حدث في التعامل مع ملف القبض على العقيد القذافي، الذي يخالف قيم الإسلام في معاملة الأسير في حالة الحرب. في يقيني أن القذافي ونظامه ورجاله لا يستحقون البكاء عليهم، ولكن حينما يتم القبض على أحد رموز أي نظام سابق، حتى لو كان ذلك في حرب تحرر ثورية، فإنه، وفق الأعراف الدولية والشرائع السماوية والعادات والتقاليد العربية، أصبح أمانة في يد آسريه.

إن قتل القذافي، كمبدأ، وبالطريقة التي تمت، كأسلوب، والترويج لها بالصورة والصوت، ثم عرض الجثمان في ثلاجة خضراوات لمدة أيام متعددة، هو أمر يشكل أكبر إساءة لروح الثورة العظيمة للشعب الليبي.

هذا ليس كلامي، لكنه مدون في تقارير منظمة حقوقية محترمة، مثل منظمة «هيومان رايتس»، وتقارير من الأمم المتحدة ووسائل إعلام دولية ترى في هذا الأمر علامات إنذار حول شكل إدارة الدولة المقبل في ليبيا.

التيار الأكبر والأغلب في الحركة الثورية الليبية يمكن تصنيفه على أنه ينتمي إلى التيار الإسلامي بكافة أطيافه: «إخوان»، جهاد إسلامي، سلفي، صوفي، «قاعدة».

وليس سرا أن كبار قيادات المجلس الانتقالي هم تنويعات مختلفة من التيار ذاته، بل إن كلمة رئيس المجلس الانتقالي يوم التحرير شددت على أن نظام الحكم المقبل سوف يراعي أن كافة أنظمته وقوانينه ستكون متوافقة مع الشريعة الإسلامية، وأن الإسلام هو مصدر التشريع.

وبنظرة متفحصة إلى تركيبة ليبيا الدينية سوف نكتشف أن 97% من سكان ليبيا يدينون بالإسلام السني يتبعون المذهب المالكي، مع أقلية تدين بالمذهب الإباضي، مع عدم وجود أي أتباع للمذهب الشيعي.

علمنا التاريخ أن السعي إلى إقامة دولة إسلامية محفوف بمخاطر أن تختطف القيادة والجماهير إلى إقامة دولة دينية غير مدينة متطرفة تشجع على إقامة دولة استبداد ديني.

لذلك ندعو الله أن يحفظ الثورة الليبية من نفسها.

-----------------------------------------

* نقلا عن الحياة اللندنية الأربعاء 30/11/2011.


رابط دائم: