هل انتهى الحلم الأوروبي؟
11-12-2011

د. مروة فكري
* مدرس بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية.

نيويورك هل كان المتشككون بالاتحاد الأوروبي على حق؟ هل كان حلم أوروبا الموحدة الذي كان نابعاً من مخاوف من حرب أوروبية أخرى ومدعوماً بأمل مثالي بأن الدول القومية قد عفا عليها الزمن وسوف تفسح الطريق للأوروبيين الجيدين، هو عبارة عن حلم مثالي لا مستقبل له؟

إن ما يبدو على السطح هو أن أزمة أوروبا الحالية التي يتوقع بعض الناس أنها سوف تمزق الاتحاد الأوروبي، هي أزمة مالية . إن جاك ديلور وهو أحد مهندسي اليورو يقول الآن إن فكرته لعملة موحدة كانت فكرة جيدة ولكن “التطبيق” كان خاطئاً، لأنه تم السماح للبلدان الأضعف بالاستقراض بشكل كبير .

لكن بشكل أساسي فإن الأزمة سياسية، فعندما تكون للدول ذات السيادة عملاتها الخاصة بها، فإن المواطنين لديهم الرغبة بأن يروا أموال الضرائب الخاصة بهم تذهب إلى المناطق الأضعف، وهذا تعبير عن التضامن الوطني، وهو إحساس بأن أبناء الوطن الواحد ينتمون معاً، وهم مستعدون في حالة الأزمة لأن يضحوا بمصالحهم الخاصة من أجل المصلحة العامة .

إن هذا لا يعدّ أمراً بديهياً على الدوام حتى في الدول القومية . إن العديد من الإيطاليين الشماليين لا يفهمون لماذا يتوجب عليهم أن يدفعوا للجنوب الأفقر، وإن الفليمنك الأغنياء في بليجكا لا يريدون أن يدعموا العاطلين عن العمل من قومية الوالونز، ولكن بشكل عام، وكما يتحمل مواطنو الدول الديمقراطية الحكومة التي تفوز بالانتخابات، فإنهم عادة ما يقبلون التضامن الاقتصادي بوصفهم جزءاً من الأمة .

ونظراً إلى أن الاتحاد الأوروبي ليس دولة قومية وليس ديمقراطية، فإنه لا يوجد “أناس أوروبيون” لدعم الاتحاد الأوروبي في الأوقات الصعبة، فالألمان والهولنديون الأغنياء لا يريدون أن يتحملوا ثمن الفوضى التي يجد اليونانيون والبرتغاليون والإسبان أنفسهم فيها الآن .

وبدلاً من أن يظهروا التضامن يقومون بالتأنيب وكأن جميع المشكلات في أوروبا المطلة على البحر الأبيض المتوسط سببها كسل وفساد مواطنيها، وكنتيجة لذلك فإن أولئك الذين يقومون بالتأنيب يخاطرون بأن يقوموا بإسقاط السقف المشترك على رأس أوروبا، وأن يواجهوا المخاطر القومية التي تم إنشاء الاتحاد الأوروبي في الأساس لمنعها .

يجب أن تتم معالجة الوضع السياسي في أوروبا بمقدار معالجة الوضع المالي، بالرغم من أن هذا القول هو من الكليشيهات، ولكنه في واقع الأمر صحيح، فالاتحاد الأوروبي يعاني “العجز الديمقراطي”، والمشكلة هي أن الديمقراطية تعمل فقط ضمن الدول القومية، والدول القومية لا تحتاج إلى أن تنتمي إلى ثقافة واحدة أو لديها لغة واحدة، وهناك على سبيل المثال سويسرا والهند، كما أن الدول القومية لا تحتاج إلى أن تكون ديمقراطية بالضرورة مثل الصين وفيتنام وكوبا، ولكن الديمقراطية تستوجب أن يكون عند المواطنين روح الانتماء .

هل هذا ممكن في هيئة متعددة القوميات مثل الاتحاد الأوروبي؟ لو كانت الإجابة بلا، فربما من الأفضل استعادة سيادة الدول الأوروبية القومية والتخلي عن العمل المشترك والتخلي عن حلم في خطر أن يتحول إلى كابوس .

إن هذا ما يعتقده المتشككون الأكثر راديكالية بالاتحاد الأوروبي، حيث إنه لم يكن لديهم حلم الاتحاد الأوروبي منذ البداية . إن من السهولة بمكان وصف ذلك على أساس كونه شوفينية بريطانية تقليدية المقاربة الانعزالية لأناس يعيشون في عزلة رائعة، لكن دفاعاً عن بريطانيا، فإن مواطنيها لديهم تاريخ ديمقراطي أطول وأكثر نجاحاً مقارنة بمعظم الأوروبيين .

حتى لو كان تفكيك أوروبا ممكناً فإن الثمن سيكون باهظاً . إن التخلي عن اليورو، على سبيل المثال، سوف يعطل النظام المصرفي الأوروبي ويؤثر في كل من ألمانيا والشمال الغني والدول التي تعاني المشكلات في الجنوب، ولو كانت الاقتصادات اليونانية والإيطالية تواجه مشكلات في تنشيط اقتصادها داخل منطقة اليورو، فتخيّل صعوبة سداد ديون مقومة باليورو بعملة يونانية أو إيطالية انخفضت قيمتها .

وبخلاف الجوانب المالية، فإنه سوف يكون هناك خطر حقيقي بالتخلي عن الفوائد التي جلبها الاتحاد الأوروبي، وخاصة في مجال مكانة أوروبا في العالم، وكدول معزولة فإن الدول الأوروبية سوف تكون لها أهمية عالمية محدودة، وكاتحاد فإن أوروبا ما تزال مهمة بشكل كبير .

يجب في البداية إقناع الدول الأوروبية الغنية بأنه من مصلحتها تقوية الاتحاد الأوروبي، فلقد استفادوا من اليورو الذي مكنهم من التصدير بثمن بخس إلى الأوروبيين في الجنوب، وبينما يعود إلى السياسيين القوميين مهمة إقناع الناس بذلك، فإنه يتوجب على المؤسسات الحاكمة للاتحاد الأوروبي في بروكسل ولوكسمبورغ وستراسبورغ أن تقترب أكثر من المواطنين الأوروبيين .

ربما يمكن أن يصوت الأوروبيون من أجل انتخاب أعضاء المفوضية الأوروبية مع وجود مرشحين يطلقون حملات انتخابية في بلدان أخرى بخلاف بلدانهم الأصلية، وربما يمكن أن يتم السماح للأوروبيين بانتخاب الرئيس .

إن الديمقراطية يمكن أن تبدو كحلم مجنون في مجتمع يضم 27 دولة، وربما كان ذلك صحيحاً، ولكن ما لم يكن المرء مستعداً للتخلي عن بناء أوروبا موحدة بشكل أكبر، فإنه حلم يستحق السعي إلى تحقيقه .

من يستطيع القول ما هو ممكن وغير ممكن؟ انظر إلى أندية كرة القدم وهي من أكثر المؤسسات انعزالية وقبلية في العالم، فمن كان يتصور قبل ثلاثين عاماً أن اثنين من أندية لندن الأكثر شعبية أرسنال وتشيلسي- سوف يكون لديهما مدرب فرنسي وبرتغالي ولاعبون من إسبانيا وفرنسا والبرتغال والبرازيل وروسيا وصربيا وجمهورية التشيك وبولندا والمكسيك وغانا وكوريا الجنوبية وهولندا وبلجيكا ونيجيريا وساحل العاج؟ وبالطبع لديهم لاعب أو اثنان من بريطانيا أيضاً .

--------------------------------------

* نقلا عن دار الخليج الأحد 12/11/2011.


رابط دائم: