من أكون كمصرى؟
30-5-2023

إبراهيم فتوح
* كاتب ومحلل سياسي

من أكون كمصرى؟ هذا سؤال يشغل بال الكثيرين فى مصر، وربما كان من أهم الأسئلة التى طرحت فى الجلسة الخاصة بالهوية الوطنية فى الحوار الوطنى. وعلى الرغم من أن مصر تعد دولة عريقة بتاريخ حافل، فإن هذا السؤال لا يزال يثير الجدل بين الناس. والإجابة عن هذا السؤال ليست بالأمر السهل، فالهوية المصرية تتألف من عدة جوانب وعناصر مختلفة، وكل منها يسهم فى تحديد هويتنا كمواطنين فى هذا البلد العريق. فمن المصرى الفرعونى الأصيل إلى المصرى العربى الحديث هناك العديد من الهويات التى يمكن أن تمثل الشعب المصرى، ولكن كيف يمكننا تحديد هويتنا كمصريين؟ما القيم التى تشكل أساس الهوية المصرية؟

فى البداية، يمكننا أن نقول إننا كمصريين نحمل تاريخا عريقا يعود إلى آلاف السنين؛ حيث كانت مصر مركزا حضاريا وثقافيا عظيما فى العالم القديم، وعندما ننظر إلى تاريخ مصر فإننا نجد أن الهوية المصرية تتألف من عدة مكونات، بدءا من التاريخ الفرعونى العريق، وصولا إلى التراث العربى، ومرورا بالحضارات اليونانية والرومانية التى استوطنت مصر فى مراحل مختلفة من التاريخ. لذلك، يمكن القول إن المصريين يتمتعون بتراث ثقافى وتاريخى غنى ومتنوع.ولكن، على الرغم من هذه التنوعات، فإن القيم الإنسانية المشتركة تشكل أساس الهوية المصرية، كالكرامة، والعدالة، والحرية، والمساواة. ويمكننا القول إن هذه القيم تمثل الروح الحقيقية للشعب المصرى.ومع ذلك، فإن هذه القيم لا تعنى أننا يجب أن نتجاهل أصولنا وتاريخنا، فالتعرف إلى تاريخنا وماضينا وثقافتنا يساعد على فهم أنفسنا وتحديد هويتنا كمصريين. ولكن، يجب على الناس أن يتعاملوا مع التاريخ بشكل صحيح ومسئول، رغم أن البعض قد يحاولون تحريف التاريخ لتحقيق أهدافهم الخاصة.على سبيل المثال، شهدت المدة الأخيرة جدلا متزايدا حول كليوباترا، ملكة مصر، أكانت بيضاء أم سمراء؟ ويعكس هذا التشكيك تحديا لتاريخنا وهويتنا المصرية. فالتمثيل الصحيح للشخصيات التاريخية المصرية يساعد على تقوية هويتنا، والحفاظ على تراثنا الثقافى، وتصدينا للحملات الممنهجة ضد حضارتنا.

وعلى الرغم من أن الهوية المصرية متعددة الأبعاد ومتنوعة بشكل كبير، فإن الفرعونية تمثل جزءا مهما من الهوية الوطنية المصرية؛ حيث تشكلت هذه الحضارة العريقة على أرض مصر، وأسهمت فى تشكيل الثقافة والفن والعلوم والدين فى المنطقة لعدة قرون. ومع ذلك، فإن الإسلام والعربية لهما دور كبير فى تشكيل الهوية المصرية الحديثة، حيث أصبح الإسلام دين الغالبية العظمى من المصريين والعربية هى اللغة الرسمية والشائعة فى البلاد. ومن ثم، يمكن القول إن الهوية المصرية تجمع بين الفرعونية والعربية، بالإضافة التراث الإسلامي والقبطى والنوبى اللذين أسهموا جميعا فى تشكيل الهوية الوطنية المصرية الفريدة. ومن ثم، يمكن القول إن الهوية المصرية متعددة الأبعاد وتحتوى على عدة تأثيرات ومكونات، ما يجعلها غنية ومتنوعة.

إذا أردنا أن نشير إلى قيمنا المصرية من أى هوية بالتحديد ستنبع تلك القيم؟

كما ذكرنا فإن الهوية المصرية تتألف من العديد من الحضارات والثقافات عبر العصور، هذا يجعل القيم المصرية متنوعة ومتعددة الأبعاد. ومن بين هذه القيم: قيم الأسرة، والمجتمع، والوطن، والدين، والعمل، والإنتاجية، والابتكار، والإبداع، والتسامح، والاحترام، والشجاعة،والعدالة، والعزة، والكرامة، والإنسانية. كما يتميز المجتمع المصرى بتحلِّيه بهذه القيم التى تشكل جزءا من الهوية المصرية، وتعزز التطور والنمو فى البلاد. ومن ثم، يمكننا القول إن المصريين ليسوا فرعونيين أو عربا، وإن قيمنا مكونة من كل ذلك. ويجب تأكيد أن الهوية المصرية لا تتجزأ، ولا يمكن تمثيلها بواسطة هوية واحدة. فالمصريون يتمتعون بتراث ثقافى وتاريخى متعدد الأصول، وهذا ما يجعلهم يتميزون عن غيرهم من الشعوب فى العالم.

سؤال غريب: كليوباترا بيضاء أم سمراء؟

فى الآونة الأخيرة، طرح مسلسل وثائقى بعنوان "الملكة كليوباترا"، وأثار هذا المسلسل جدلا واسعا بين المؤرخين والأثريين بسبب ادعائه أن الملكة كليوباترا كانت ذات ملامح إفريقية؛ حيث صور الملكة بشكل غير دقيق، وظهرت ببشرة سمراء وشفاه غليظة وأنف عريض، وهو الأمر الذى نفاه العديد من الخبراء فى التاريخ والآثار.وكان رد علماء الآثار المصريين بالرجوع للتاريخ إن الملكة كليوباترا لم تكن سوداء، وهى أصلا يونانية، وإذا شاهدنا تماثيل وأشكال أبيها وأخيها فلن نجد أى دليل على أنها كانت صاحبة بشرة سوداء على الإطلاق، فهى كانت مثل الأمراء والملكات المقدونيات. رغم معرفة كل من درس فى علم التاريخ أن المصريين لايحملون ملامح أفارقة جنوب الصحراء، إلا أن هناك حملات ممنهجة تحاول تزييف الحقائق لأغراض خاصة بهم.

وفى النهاية، أرى أن مناقشة الهوية الثقافية فى الحوار الوطنى تعد خطوة مهمة فى ملف زيادة جهود الدولة فى الحفاظ على الهوية المصرية. ومن خلال الحوار الوطنى، يمكن للمصريين من مختلف الخلفيات التعبير عن هويتهم الوطنية والإسهام فى تحديد مستقبل البلاد.

ويمكننا القول: إن المصريين ليسوا فرعونيين أو عربا فقط، بل هم كل ذلك وأكثر؛ فهم يحملون تراثا ثقافيا عريقا وتاريخا حافلا، ويتمتعون بقيم إنسانية مشتركة تجعلهم يتميزون عن غيرهم من الشعوب فى العالم.

 ومن خلال تحديد هويتنا كمصريين، يمكننا أن نحتفل بتراثنا الثقافى ونقوم بحمايته وتقديمه للأجيال القادمة، ويجب علينا دائما تأكيد أهمية مسألة الهوية؛ حيث تعد مسألة الهوية الوطنية أمرا بالغ الأهمية؛ إذ تُحدّد من خلالها هوية كل فرد مصرى بشكل كبير، فالمواطن يستمد هويته من هوية وطنه، وهذا يعكس أهمية الانتماء والولاء للمجتمع والوطن، ويسهم فى تعزيز الروابط الاجتماعية والتعاضد بين أفراد المجتمع. ومن ثم، فإن تعزيز الهوية الوطنية يسهم فى بناء مجتمع قوى ومتماسك، ويعزز الانتماء والولاء للوطن والعراقة المصرية.


رابط دائم: