قراءة فى مستقبل الذكاء الاصطناعى..البرمجة البشرية نهاية العالم!
16-5-2023

د. عمـرو حسـن فتـوح
* أستاذ مساعد تكنولوجيا المعلومات، ومدير وحدة المكتبة الرقمية والانتحال العلمى بجامعة الوادى الجديد

اليوم ومع انطلاق ثورة الذكاء الاصطناعى سنواجه العديد من الاضطرابات؛ حيث حوّلت الآلات الجهدَ البدنى والعقلى إلى عمليات آلية، يحضرنى فى هذا السياق مشهد كوميدى للفنان محمد سعد؛ عندما وضع رقاقة إلكترونية "شريحة" فى ذراعه مُحمِّلا عليها بيانات السجل المدنى للمواطنين، فى هذه اللحظة طرأ على ذهنى سؤال مُحير وخطير : هل يُمكن للتكنولوجيا أن تُحوِّل هذا المشهد إلى حقيقة فى المستقبل؟ وكانت الإجابة فورية وبديهية لا تحتاج إلى تأويل: "لا".

 مرت عدة سنوات وفى أثناء قراءتى لمقال للبروفيسور "آلان كاى" عالم الحاسوب ورائد علم الذكاء الاصطناعى ومؤسس شركة زيروكس "Xerox" - بعنوان توقعات مستقبل الذكاء الاصطناعى المنشور فى مجلة "Dimensions AI" جذبتنى عبارة: "قد نصنع نسخًا أفضل من أنفسنا فى المستقبل"، فى إشارة واضحة منه إلى أن الذكاء الاصطناعى سيُحدِث تغيُّرًا جذريًّا فى سلوكيات البشر وتصرفاتهم؛ حيث إن هناك تجارب حديثة لاستخدام الرقائق الإلكترونية لبرمجة وظائف أو سلوكيات معينة داخل جسم الإنسان؛ يُعرف هذا المفهوم باسم الإلكترونيات الحيوية Bioelectronicsالتى ينطوى استخدامها على تضمين أجهزة صغيرة بجسم الإنسان لتحفيز الأعصاب والأنسجة الأخرى لعلاج الحالات الطبية المختلفة، مثل: الصداع المزمن، والاكتئاب، ومرض باركنسون، وعلى الرغم من تحقيقها نجاحًا كبيرًا فإنَّ هناك أيضًا مخاوف أخلاقية تُحيط باستخدام هذه التكنولوجيا وتأثيرها المحتمل فى استقلالية الإنسان وخصوصيته.

هل تستطيع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى تحميل بيانات العقل البشرى إلى الحاسوب؟

حسب موقع The Next Web فإن فريقًا طبيًّا بمعهد "ألين" لعلوم العقل البشرى "AIB"، ومقره "سياتيل" بولاية واشنطن الأمريكية، قام برسم مليمتر واحد من دماغ "فأر "حَوى تقريبا ألف خلية عصبية ومليار وصلة، ويحتاج تحميل هذه البيانات إلى مساحة تخزين تُقدر بـ "2 بيتابايت"، كذلك يجب الوضع فى الحسبان أن الدماغ البشرى يفوق دماغ الفأر بمليون ونصف المليون مرة من حيث الحجم؛ من هنا تظهر مشكلة نقل بيانات العقل البشرى إلى الحاسوب فى شقين رئيسيين: الأول: استخراجها "أدوات النقل"، والثانى: توفير مساحات كافية لتخزينها؛ حيث توصل باحثون فى معهد سالك ""Salkللعلوم البيولوجية فى كاليفورنيا إلى حساب سعة تخزين العقل البشرى التى تُقدر بتريليون جيجا بايت من البيانات، أى ما يُعادل تخزين 4.7 مليار كتاب أو تسجيل بث مباشر لنحو ألفى سنة من الموسيقى. ومنذ ذلك الحين تُجرى بحوث الذكاء الاصطناعى لابتكار طرق حديثة لتخزين بيانات العقل البشرى على الحاسوب مستقبلا.

تجربة شركة  "نيورالينك" أصبحت حقيقة

نيورالينك شركة أمريكية للتكنولوجيا العصبية أسسها الملياردير " إيلون ماسك" مع ثمانية رجال أعمال آخرين، تعمل الشركة على تطوير الواجهات الحاسوبية الداعمة للعقل البشرى، وفى نهاية عام 2022 أعلنت الشركة أنها على وَشْكِ حصولها على الموافقة لبدء زرع شرائحها فى أدمغة البشر لأهداف طبية، وقد قابلتها هيئة الغذاء والدواء الأمريكية بالرفض القاطع؛ وذلك من خلال وضع شروط تعجيزية لمنع تسويقها، وجاءت مبررات هيئة الدواء بشأن طرح شركة "نيورالينك" أنه قد تكون له أضرار  بخلايا المخ، وأن الشركة يجب أن تُقدِّم ما يُثبت خلاف ذلك، بالإضافة إلى أن هذا الاختراع سيُثير مخاوف بشأن خصوصية المعلومات وأمنها، فضلا عن المخاوف الأخلاقية؛ حيث يُمكن أن تُصبح هذه الشرائح أداة للتجسس والتحكم فى العقول، فى ظل إمكانية تحويل الأفكار إلى أفعال عن طريق الاتصال المباشر بين هذه الشريحة التى تزرع بدماغ الإنسان، وتتلقى الأوامر من الحاسوب.

هل يقترب الذكاء الاصطناعى من إفناء البشرية؟

فى اجتماع مفتوح قبل عدة أشهر تمت دعوة علماء الذكاء الاصطناعى وقادة التكنولوجيا حول العالم، بمن فيهم إيلون ماسك وستيف وزنياك، المؤسس المشارك لشركة "آبل"، لوقف تطوير أحدث نماذج الذكاء الاصطناعى؛ خوفًا من أنها قد تؤدى إلى كارثة إنسانية؛ حيث يُمكنها إنتاج قوة خارقة تتجاوز سيطرة البشر وفهمهم، وقد تنقلب الآلات على البشر إن أُسِىء استخدامها، ومن المثير للقلق أيضا زيادة المنافسة بين شركات صناعة التكنولوجيا للوصول إلى هذه القوة دون رقابة.  وفى السياق ذاته كَتب "يودكوسكى" الباحث والمؤسس المشارك لمعهد أبحاث ذكاء الآلة (MIRI)، مقال رأى لمجلة "تايم" الأمريكية يدعو فيه إلى ضرورة حظر تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعى، ومعاقبة من ينتهك هذا الحظر بقسوة، وهذا هو الطريق الوحيد لإنقاذ البشرية من الانقراض.

التعاون الدولى بين الحكومات والشركات طوق النجاة

يجب أن تتحد جهود الحكومات وشركات صناعة التكنولوجيا فى إبطاء التطور المذهل فى هذا المجال، ووضع الضوابط الضرورية لمنعه من الخروج عن السيطرة، كما أن تهديد البشرية نتيجة الذكاء الاصطناعى يجب أن يكون واضحًا فى الدبلوماسية الدولية، وأن تفرد لها الحكومات أولوية تفوق حظر تطوير الأسلحة النووية. كما يجب على مطورى نُظم الذكاء الاصطناعى والباحثين فى هذا المجال وضع مبادئ توجيهية لتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعى واستخدامها تقوم على الشفافية والمساءلة والإنصاف، مع ضرورة إعطاء أولوية للقضايا الأخلاقية والاجتماعية والصحية عند تصميم هذه النظم. ومن ناحية أخرى، هناك حاجة ماسة لتوقيع اتفاقات دولية لوضع حد أقصى لمقدار قوة الحوسبة التى يُمكن لأى شخص استخدامها فى تدريب هذه الأنظمة.

أخيرا، أصبح تدريب الكفاءات البشرية من المبرمجين والمطورين للتصدى لتهديدات نظم الذكاء الاصطناعى، وتوفير التمويل الكافى لإعداد البحوث والتجارب فى هذا المجال، ضرورةً مُلحة لا تَرَفَ فيها، يجب على الحكومات الإسراع فى تنفيذها لضمان النجاة من طوفان الذكاء الاصطناعى فى المستقبل.


رابط دائم: