السيد زيلينسكى .. ألم ينته الدرس؟!
13-4-2023

لواء طيار أ. ح/ د. عماد عبد المحسن منسى
* مدير الكلية الجوية الأسبق، مستشار الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية

بالفعل يبدو أنه قد انتهى الدرس السيد "زيلينسكى"، وأُسدل الستار، ولكنك مصرٌّ على استكمال المسرحية الهزلية التى استؤجرت لتؤديها، وتبذل ما فى وسعك لتسمع تصفيق جماهير مزيفة، وأنت تمرغ وجهك وتدمر شعبك طمعا فى المزيد من التصفيق، استمرأت التصفيق - وأنت تعلم أنهم يهزأون بك، النهاية باتت قريبة، وما زلت تشيح بوجهك عن القتلى والخراب الذى ملأ خشبة المسرح، طلبا لمزيد من التصيفق.

كلما أنظر إلى تحديك ورفضك المستمر لوقف الحرب، يَعِنُّ إلى ذهنى مشهد من مسرحية كوميدية (تخاريف)، وقد اشتبك طرفان أحدها يتمتع بقوة شديدة والآخر ضعيف جدا، وفى مشهد كاريكاتيرى يمسك الرجل القوى بتلابيب الرجل الضعيف، مستعرضا قوته ومهددا له، والرجل الضعيف يكرر فى عناد "ما تقدرش"، ويستعجب الرجل القوى من عناد الرجل الضعيف، الذى يستند إلى قوة صاحب العمل، وهو بالفعل رجل قوى، إلى هنا كل الأحداث تبدو منطقية، ولكن يتفاهم الرجل القوى مع صاحب العمل ويتناولان القهوة معا، ولم يذكر أحد مصير ذلك الرجل "الغبى"، الذى يستعيد قيمته الفعلية الدونية،  وينصرف بلا ازعاج فى ذل وخنوع.

السيد الرئيس.. زيلينسكى، بالتأكيد إننا لا نوافق على الحرب كوسيلة لتحقيق أهداف دولة روسيا بالقوة لحماية أمنها القومى، ولكن أنت واهم إن كنت تنظر إلى القوانين والمنظمات الدولية على أنها قادرة على توفير الحماية والأمن لأوكرانيا،  فروسيا تمتلك القوة، وواقعيا فالقوة تُنشئ الحق وتحافظ عليه، ألم تقرأ سطرا لـ "ميكافيللى"؟! ألم تتابع إرهاصات تدمير العراق وأفغانستان، بلا أى شرعية دولية سوى أنها رغبة الولايات المتحدة، هذه هى حقيقة العالم الذى نعيشه؟!  

السيد المحترم.. فولوديمير زيلينسكى، أعتقد أنك تعانى مشكلة قصر النظر، أيضا هناك الكثير من الضباب حولك، يحولان دون الرؤية أبعد من قدميك، ويوجه تحركاتك مغامرون حمقى تسيطر عليهم الولايات المتحدة،  قادوك لتحدى قوة عظمى وإلى تدمير أوكرانيا، لتحقيق أهداف أمريكية حرفيا، يملون عليك بما يجب وبما لا يجوز أن تفعله فى إدارة الأزمة، ورفض أى مبادرات لوقف الحرب، إن الولايات المتحدة تعلنها على الملأ "لن نقبل بوقف إطلاق النار"، هى صاحبة الأمر وليس أنت.. ألا تتفكر؟!

الضباب هو أحد أهم أسباب الحروب، فهو يحجب رؤية الأطراف عن تقدير قوة الخصم الفعلية، فهل كان الضباب معتما لدرجة أنك لا ترى قوة روسيا؟ والأهمية الجيواستراتيجية لجزيرة القرم، وأن الإمبراطورية الروسية حاربت السلطنة العثمانية (11) مرة واستحوذت على جزيرة القرم، حتى يكون لها موطئ قدم فى المياه الدافئة فى البحر الأسود، والبحر المتوسط قلب العالم.

السيد زيلينسكى، لقد كان خطأً استراتيجيا أن تتوجه أوكرانيا - وهى على الجوار الملاصق لروسيا - لتنضم إلى الناتو وتشكل رأس حربة للغرب ضد روسيا، ذلك القرار كلف أوكرانيا الكثير، ومازالت تُنصت إلى الملقن بما يُمليه عليه الغرب، وكل مرة يرسل الغرب مساعدات عسكرية لأوكرانيا فذلك يساعد بشدة على تدمير أوكرانيا، "أرجوك، ابق على الأرض أيها المصارع حتى لا يقضى عليك نهائيا".

استخدمك الأمريكيون كطعم، لتحقيق أهدافهم التى تتحقق تباعا، وتمدك بما يبقيك فى أرض المعركة، إلى أن تتحقق باقى أهدافها، ولكن يبقى دائما السؤال: هل يهتم الصياد بمصير "الطُعم" الذى يصطاد به؟ وبالنظر إلى حجم الدمار والخراب الذى طال البنية التحتية لأوكرانيا، فضلا عن القتلى والمصابين من الجنود، هل تهتم الولايات المتحدة والدول الغربية بإعادة بناء أوكرانيا؟ إنهم يدفعون ويساعدون لإذكاء نار الحرب واستمرارها لمصلحتهم فقط، حتى لو انتصرت، وذلك من الصعوبة بمكان، فستبقى أوكرانيا الخاسر الأكبر فى كل الأحوال.

السيد زيلينسكى.. إن حلف الناتو الذى تسعى إلى الانضمام إليه قد "مات إكلينيكيا"، منذ تفكك الاتحاد السوفييتى، وقد أقرت دول الاتحاد الأوروبى بذلك، وقرروا إنشاء جيش خاص بأوروبا، ولكن "الناتو" يعنى الولايات المتحدة، وهو مجال سيطرتها وتحكمها فى أوروبا والعالم، ولإحياء الحلف وإعادته للحياة كان يحتاج إلى الكثير من الوقود والنيران، وهى تشتعل الآن فى أوكرانيا "فقط".

إن مجرد دخول روسيا فى حرب امتدت لفترة طويلة، هو انتصار للغرب بلا شك، وكل يوم يمر فى الحرب هو تكريس لهزيمة روسيا ونصر للغرب، وزيادة تورطها واستنزافها،   فى حرب طويلة أصبحت مصيرية بالنسبة لروسيا، فروسيا لا تستطيع السيطرة على مجريات الحرب، فهى غير مسموح لها بالنصر، ولا بوقف القتال، كصيغة لإنهاء الحرب.

يتفق الجميع على أن فلاديمير بوتين ليس أدولف هتلر، فالأول ينوى استعادة الإمبراطورية الروسية إقليميا مع المناطق الناطقة بالروسية، ومناطق نفوذها، والثانى كان يسعى لفرض هيمنة كاملة على أوروبا والعالم مع إنشاء إمبراطورية قائمة على "العرق"، غازيًا ومدمِّرًا، الأمر بالنسبة إلى فلاديمير بوتين يتعلق بالثأر لروسيا عن الإذلال الذى حدث لها خلال انهيار الاتحاد السوفييتى.

إن الجشع الأمريكى دفعها لتتمادى فى السيطرة على دول الاتحاد السوفييتى والمحيطة بروسيا (9 دول) كغنيمة لانتصارها فى الحرب الباردة،  ولم تعبأ بمتطلبات الأمن القومى الروسى كدولة عظمى (صغرى)، رغم ما حدث فى جورجيا 2006 – 2008. وفيما يخص أوكرانيا، فالولايات المتحدة تعلم تماما الخطوط الحمراء التى أعلنتها روسيا صراحة فى مؤتمر الأمن الأوروبى عام 2011 بشأن ضم أوكرانيا إلى "الناتو"، ورغم ذلك رفضت الولايات المتحدة الوعد بعدم ضم أوكرانيا إلى "الناتو" عام 2020، والسؤال: إذا كانت الولايات المتحدة تهتم بأمن أوكرانيا فلماذا لم تقم بضمها إلى
"الناتو"؟ ألم يكن ذلك كفيلا بردع روسيا عن غزو أوكرانيا.

سوف تستمر روسيا فى الحرب لتحقيق أهدافها، حيث إن لديها مخزونا ضخما من الجنود والسلاح، وتجرى أحداث المعركة على الأراضى الأوكرانية، بالإضافة إلى التأييد المتنامى من شعوب العالم الثالث، حيث فقدت الولايات المتحدة مصداقيتها مرة بعد مرة  (العراق - أفغانستان)، أما الدول الغربية فقد عانت شعوب العالم وحشية احتلالهم، وما زال استغلالهم لثرواتهم قائما، وقد يكون تأييد روسيا ليس حبا فيما تفعله بقدر ما هو كُره للغرب ولأمريكا، وعلى الرغم من أن ذلك التأييد "شعبى" وليس رسميا، لكنه مؤشر مهم جدا.

ختاما، إن سعى الغرب لتدمير روسيا يمر عبر أوكرانيا،  فهى الممر البرى الوحيد (استراتيجيا) إلى روسيا، وتدمير روسيا هدف فى غاية الأهمية - وليس الوحيد – للولايات المتحدة، وأوكرانيا هى مسرح العمليات الحربية بين روسيا والغرب، ومن الطبيعى أن تتعرض أوكرانيا لحجم كبير من الدمار والخراب فى ظل حكم محدود الوعى السياسى ولم يقرأ التاريخ.

تلك حرب فُرضت على روسيا وأوكرانيا، وليس فى مقدور أى منهما الانتصار أو وقف تلك الحرب، حتى تأذن الولايات المتحدة الأمريكية -راعية السلم والأمن فى العالم– وتحقق أهدافها، وفى نهاية الحرب قد لا تتبقى أوكرانيا كما نعرفها، وقد تكون أقرب إلى مدينة "درسدن" الألمانية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.

 السيد زيلينسكى، حقا لقد انتهى الدرس.


رابط دائم: