التغيرات المناخية وآثارها النفسية على الفرد والمجتمع
7-11-2022

نور الشيخ
* خبير في بحوث السياسات والمفاهيم الأمنية

 الغضب والتغيير، دائما ما كانت تطالعنا المؤسسات الإعلامية على مر الزمن بوصف الظواهر الطبيعية غير الاعتيادية بأنها غضب الطبيعة، والغضب هو حالة انفعالية نتيجة مؤثر عأرض يستثير الغاضب لدرجة خروجه من اعتياديته، والتغيير هو تحوُّل صفة أو أكثر من صفات الشَّيء، أو حلول صفة محلَّ أخرى، والتغيير هو التبدل والتحول. فلم يكن غضب الطبيعة آنذاك سوى مجرد عنوان يجذب القارئ والمشاهد ولم يستثر القادة أو مديرى الأزمات ومستشرفى المستقبل، لم تلق تقارير المنظمات العالمية التقدير الكافى والتفاعل المطلوب لعدم الوصول لهذه المرحلة الخطرة  مما يسمى التغيرات المناخية.

هكذا، هي الطبيعة دائماً عندما يشتد غضبها على الإنسان وعندما تقسو عليه فهي لا تبقي منه باقية حينما تزمجر وتقوم قائمتها، فهناك صراع مستمر بينها وبين المخلوقات على وجه هذه الأرض وخاصة الإنسان فهو الوحيد الذي يغضبها وهو المحرك الرئيسي لشعورها المتلهف للفتك به لا يتركها لحالها مما يولد لديها شعوراً قوياً بأن هذا المخلوق المسمى بالإنسان لابد أن يرى جبروت هذه الطبيعة ومن قوتها وعنفها عندما تستشيط غضباً وقهراً، فحقيقة الطبيعة ومنذ الأزل وعند أول خلق للكون، وهي فى تحد مستمر مع الإنسان، ولكن دائماً الطرف المنتصر هو الطبيعة.

أولاً- تاريخ التغيرات المناخية:
بدأ تاريخ الاكتشاف العلمي للتغير المناخي فى أوائل القرن التاسع عشر عندما اشتبه لأول مرة بالعصور الجليدية وغيرها من التغيرات فى المناخ القديم، وعندما عرّفت ظاهرة الدفيئة الطبيعية لأول مرة؛ وفى نهايات القرن التاسع عشر، ناقش العلماء لأول مرة أن انبعاثات الغازات الدفيئة الصادرة عن البشر قد تغير المناخ، وكان العديد من علماء تغير المناخ النظريين الآخرين أكثر تقدمًا فضموا قوى أخرى من البراكين إلى التغيرات الشمسية؛ وقد عبر توماس إديسون رائد التقنية الكهربائية عن قلقه بخصوص التغير المناخي وأيد الطاقة المتجددة فى ثلاثينيات القرن العشرين؛ وفى الستينيات، أصبح تأثير الاحترار الناتج عن ثاني أكسيد الكربون يزداد وضوحًا؛ وأشار بعض العلماء أيضًا أن النشاطات البشرية التي تنتج العوالق الجوية (مثال التلوث) يمكن أن يكون لها تأثير مبرّد أيضًا.
ويقول البروفيسور تالاس الأمين العام لمنظمة (WMO)، إن «كل المؤشرات المناخية الرئيسية والمعلومات عن الآثار الواردة فى تقرير (2020) تسلط الضوء على التغير المستمر وغير المنقطع للمناخ، وتزايد وقوع الظواهر المتطرفة واشتداد حدتها، وتفاقم الخسائر والأضرار الجسيمة التي تضر بالناس والمجتمعات والاقتصادات. وسيستمر الاتجاه السلبي للمناخ على مدى العقود المقبلة بغض النظر عن نجاحنا فى التخفيف من حدة تغير المناخ. ولذلك، فمن المهم الاستثمار فى التكيف. ومن أقوى طرائق التكيف الاستثمار فى خدمات الإنذار المبكر وشبكات مراقبة الطقس. إذ تشهد بلدان عدة من أقل البلدان نمواً ثغرات كبيرة فى أنظمة الرصد الخاصة بها، وتفتقر لأحدث خدمات الطقس والمناخ والماء».
وما لا يدركه الكثيرون أن طول أمد التغيرات المناخية لا يلفت أنظار الشعوب، لأن التغيرات تحدث على عقود زمنية لا يمكن الالتفات إليها وإدراكها بسهولة، حتى غضب الطبيعة لم ندرك أنه إشارات إنذار مبكرة بل تعاملنا معها كحادث سيارة أو انهيار منزل متهالك أو غرق مركب صيد فى البحر، لم تدرك الشعوب أن العالم سيتغير ببطء ولن يعود لطبيعته إلا ببطء ولن يدفع فاتورة هذه التغيرات سوى الأجيال القادمة.

ثانياً- استقرار الطبيعة من سمات تكوين الحضارات:
تحدث جوستاف لوبون فى السنن النفسية لتطور الأمم عن أهمية التكوين البيئى المستقر للعرق الإنسانى، وكيف ساهم الاستقرار فى بناء أعظم الحضارات والتواريخ وكيف كانت المؤثرات التي يخضع لها الفرد وتوجِّه سيره ثلاثة أنواع: فالنوع الأول، وهو أهمها لا ريب، هو تأثير الأجداد، والنوع الثاني هو تأثير الآباء القريبين، والنوع الثالث والأخير هو الذي يُعتقد أنه أقوى العوامل مع أنه أضعفها على العموم، هو تأثير البيئات، وإذا عَدَدْتَ الانقلابات المفاجئة العميقة التي تحدث فى المحيط وجدتَ البيئات، وما تنطوي عليه من مختلف المؤثرات الفيزيائية والأدبية التي يخضع الإنسان لها ما دام حيًا لاسيما فى إبان تربيته، لا تؤدي إلا إلى تغيير ضئيل، والبيئات لا تؤثِّر بالحقيقة إلا عندما تراكمها الوراثة فى صعيد واحد زمنًا طويلاً، والإنسان مهما كان صُنْعه، ممثِّل عِرقه فى كل وقت وقبل كل أمر.
إذن كذلك تلك التراكمات تتغير على مر العصور ببطء شديد يستحيل الشعور به مرة واحدة، كذلك يستحيل إدراك إشارات الإنذار المبكرة الصادرة من الطبيعة تحت مسمى الغضب والعمل للحد منها قبل تراكمها ووصولها لمرحلة التغيير والمعروفة باسم التغيرات المناخية.
إن استقرار النفسية الاجتماعية للشعوب هو ناتج الاستقرار البيئى، والسياسي، والثقافى، والاستقرار البيئى هو أحد ضوابط الإنتاج. والاقتصاد أحد ضوابط بيولوجية الحياة للإنسان والزراعة والكائنات الحية، الاستقرار البيئى هو المكون الأساسى للحضارات، فلم تنشأ حضارة من قبل فى الصحارى القاحلة بدون مصادر مياه مستقرة، ولا فى البحار بدون يابس قادر على استيعاب الأنشطة وإنتاج المحاصيل، لكن من الممكن فى البيئات غير المستقرة تكوين مجتمعات ذات نزعة مضطربة وترحالية، مجتمع قائم على النزوح والسفر والخوف، بدلا من  الدَوَام, الثُبُوت, السَكِينَة، الطُمَأْنِينَة والخاصة بالحضارات المستقرة .
بالتالى، تتكون نفسية كل مجتمع وآليات دفاعه (ميكانيزمات الدفاع النفسية عند سيجموند فرويد) بناء على المكونات النفسية للبيئة، فنرى أن الشعوب التى تصادف نشأتها وتكوينها فى الصحارى أو بشواطئ البحار تكون لديهم ردود أفعال قاسية متناسبة وطبيعة التكوين البيئى، بعكس المجتمعات التى نشأت على ضفاف الأنهار وفى بيئة مستقرة يكون ردود أفعالهم تتسم بالحُلم أكثر.
وأنت الآن أيها القارئ ستمر بتغيرات مزاجية  لا تعلم عنها شيئا ولا تدرك سببها بسبب تغير المناخ إلى وضعية غير مستقرة، ستراعى الساعة البيولوجية للأفراد والمجتمعات وستراعى معها أمورا كثيرة نتحدث عنها لاحقاً.

ثالثاً- المجتمعات أم الحكومات.. هى السبب؟
فى عهد الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريجان، وبالتحديد فى عام 1982، وقع أمر غريب جداً فى دولةٍ ديمقراطية مثل الولايات المتحدة الأمريكية تؤمن بحرية التعبير والرأي وتفتح المجال واسعاً أمام كل وسائل الإعلام باختلاف أنواعها وأشكالها، حيث مُنع فيلم بيئي من الدخول إلى أمريكا، وتم حظر مشاهدته على كل مواطنٍ أمريكي.
هذا الفيلم المحظور تم تصويره ونشره من قبل جهاز البيئة الكندي، وكان عنوانه: «قصة المطر الحمضي» (Downwind: the Acid Rain Story)، وقامت السلطات الكندية فى مطلع الثمانينيات من القرن المنصرم بتوزيع هذا الفيلم على دور السينما المتخصصة لعرضه كندا، إضافة إلى توزيعه على الدول الأخرى، وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية لعلاقتها المباشرة بموضوع الفيلم المتعلق بالمطر الحمضي. وعندما تسلمت وزارة الخارجية الأمريكية هذا الفيلم واطلعتْ عليه الأقسام المختصة، وقامت بتصنيفه كفيلمٍ دعائي أجنبي يعمل ضد المصالح الأمريكية، ويشوه سمعة الولايات المتحدة، وعلى هذا الأساس تم منع دخوله وعرضه.
الفيلم الكندي العلمي تناول قضية بيئية مهمة جداً وساخنة فى ذلك الوقت، وهي مشكلة المطر الحمضي والأضرار الكبيرة والواسعة النطاق التي ألحقها هذا المطر السام بغابات كندا والولايات المتحدة، حيث حول الغابات الخضراء المثمرة إلى صحاري قاحلة، وحول مياه البحيرات العذبة الفرات السائغ شرابها إلى سمٍ أجاج، وحول هذه البحيرات المنتجة المليئة بالروح والحياة إلى مقابر جماعية للكائنات الفطرية المائية. وكانت الأسباب وراء سقوط هذه الأمطار المهلكة للحرث والنسل والتي دمرت الأخضر واليابس هي الملوثات التي تنبعث من حرق الوقود فى محطات توليد الكهرباء والمصانع، حيث تنطلق هذه الملوثات إلى أعالي السماء وتتفاعل مع الماء فى السحب وتكون مركبات حمضية، مثل حمض الكبريتيك أو حمض بطاريات السيارات، والمعروف عامياً بـ«التِيزَابْ»، فتنزل على الأرض مطراً مشبعاً بهذه الأحماض يقتل غابات وبحيرات أمريكا وكندا.
هنا، بدأت حرب باردة بين البلدين الجارين، كندا وأمريكا، فكل دولة تُلقي بأصابع الاتهام على المصانع ومحطات الطاقة الموجودة على حدود الدولة الأخرى، وكل دولة تحاول أن تنأى بنفسها عن مصدر هذا المطر الحمضي، ووصلت هذه الحرب إلى درجة تمنع فيها عرض الأفلام العلمية التوعوية حول هذه القضية المعقدة الشائكة، حتى وصلت الدولتان فى نهاية المطاف إلى توقيع اتفاقية ثنائية مشتركة تُسهم فيها كل دولة فى علاج المشكلة البيئية الحدودية، فتقوم بخفض حجم الملوثات الحمضية المنبعثة إلى الهواء الجوي.  
وما أقدمت عليه الولايات المتحدة من مخالفات بيئية جسيمة يخالف ما جاء فى ديباجة ميثاق منظمة الأمم المتحدة بأن تتعهد شعوب الأمم المتحدة بأن تعيش معا فى سلام وحسن جوار، كما أن المادة 47 من الميثاق أكدت هذا المبدأ، وهو يعد من المبادئ المستقرة فى القانون الدولي.
وبخصوص تطبيق قواعد مبدأ حسن الجوار فى نطاق حماية الغلاف الجوي من التلوث، فإنه يجب على الدول الالتزام بعدم القيام بأي عمل من شأنه الإضرار بأقاليم الدول الأخرى على الرغم من مشروعية تلك الأعمال.
وهناك التزامان يتضمنهما مبدأ حسن الجوار:
الأول، على الدول الامتناع عن القيام بأي عمل على إقليمها ينتج عنه ضررا بمصالح دول أخرى، وهو التزام سلبي .
الآخر، على الدولة اتخاذ الاحتياطات اللازمة لمنع الخاضعين لها من القيام بأية أعمال يمكن أن تمتد آثارها إلى أقاليم الدول المجاورة، وهو التزام إيجابي, وحيث إن تلوث الهواء الذي يكون مصدره دولة ما لا يقتصر أثره على تلك الدولة، بل يمتد إلى الدول المجاورة ذات الحدود المشتركة معها أو قد يصل إلى مسافات بعيدة جدا عن المصدر، فمن هنا يمكن القول بضرورة تطبيق الالتزامات التي يفرضها مبدأ حسن الجوار فى مجال حماية الغلاف الجوي، كون الهواء بحكم طبيعته لا يعرف معنى للحدود الدولية.

رابعاً- الطبيعة القانونية للغلاف الجوى:
يقول البروفيسور الفريد إنه «لا يمكن لأية دولة الادعاء بملكية الغلاف الجوي، فإن الدول فى حقيقة الأمر تســاهم جميعها بالإضرار به من خلال زيادة تركيز الغازات فيه والتي تؤدي إلى تغير المناخ واستنفاد طبقة الأوزون، إذ إن مثل هذه القضايا تسمح بالنظر إلى الغلاف الجوي كتراث مشترك للإنسانية».
كما أن هناك من يصف طبقة الأوزون بالتراث المشترك للإنسانية بالاعتماد على وظيفتها المتمثلة بمنع الأشعة فوق البنفسجية من النفاذ إلى الأرض، إن الغرض من تطبيق مفهوم التراث المشترك للإنسانية هو محاولة لتطوير التنظيم الدولي فى المشتركات العالمية، وهناك من نادى بهذا المفهوم ليشمل به الغلاف الجوي أيضا بوصفه من المشتركات الإنسانية، غير أنه برغم ذلك فإن هذا المفهوم لم يلق قبولا واسعا فى نطاق الغلاف الجوي، وسوغ أصحاب هذا الرأي ذلك بأن النشاطات ذات التأثير فى الغلاف الجوي تكون خاضعة لسيادة كل دولة وتنفذ فى إقليمها الذي يخضع لسيادتها وحدها، فى حين أن تطبيق مفهوم التراث المشترك للإنسانية قد برز ليطبق على الموارد الطبيعية وثرواتها الموجودة فى المناطق الواقعة خارج نطاق حدود السيادة أو الولاية الوطنية لكل دولة.
ويمكن القول إن الغلاف الجوي هو جزء من المشتركات العالمية التي تهم المجتمع الدولي ككل والذي يجب أن ينظر إليه شأنه شأن أعالي البحار والفضاء الخارجي، كونه يحمي الجميع ووجوده يضمن لهم اســتمرار الحياة والعيش على هذه الأرض. ونظراً لما له من دور كبير وفعال وما يمارسه من وظائف مهمة، فإن الاهتمام به من مسئولية الجميع ومن ثم يجب أن ينظر إليه كمشترك عالمي وإنساني.

خامساً- فقدان التنوع البيولوجى:
فقدان التنوع البيولوجي هو ظاهرة ناجمة عن تراجع تعدد الأنواع الحيوية بسبب ممارسات الإنسان وتغيرات أخرى. ويؤدي هدم بيوت التنمية الطبيعية بسبب استيطان الإنسان هو السبب الأساسي إلى إيذاء التنوع البيولوجي.
لم يحدد بشكل قطعي عدد أنواع الكائنات الحية (حيوانات، نباتات وكائنات حية دقيقة) على سطح الكرة الأرضية، ويقدر العلماء أن تعداد هذه الأنواع يتراوح بين 5 إلى 30 مليون نوع. يعرف العلم عن نحو مليون وحتى مليون ونصف نوع فقط من العدد الضخم. وتقدر منظمة IUCN (الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة) أن نحو 12% حتى 30% من الأنواع المعروفة مهددة بخطر الانقراض.
تعيش معظم الأنواع فى المناطق الاستوائية للكرة الأرضية، لذا يؤدي الإضرار فى بيوت التنمية الطبيعية فى هذه المناطق إلى انقراض أنواع كثيرة.
ومن الأسباب الأخرى لفقدان التنوع البيولوجي دخول أنواع غازية، وهي أنواع غير محلية تصل بتأثير الإنسان إلى بيوت تنمية أخرى ليست بيوت تنميتها الطبيعية، وتؤدي إلى انقراض أنواع محلية وهناك أسباب إضافية، مثل: الصيد غير المراقب (الصيد الجائر)، وارتفاع مستوى الملوثات فى البيئة المحيطة، وتغيرات فى المناخ العالمي.

سادساً- التغيرات المناخية وتأثيرها النفسى (القلق البيئى):
فى استطلاع أجرته المؤسسات الأمريكية -فى الآونة الأخيرة- على عشرة آلاف شخص من بلدان مختلفة، تبين أن ما يقرب من نصف شباب العالم الذى شمله الاستطلاع، وتحديدًا ٤٥٪، أفاد بأن القلق من المناخ يؤثر فى حياتهم اليومية أثناء دراساتهم وأكلهم ونومهم، وقال سبعة من بين كل عشرة أشخاص، أى ٧٥٪: «المستقبل مرعب»! وترتفع هذه النسبة فى بعض البلدان الأخرى وتصل إلى ٩٢٪ فى الفلبين.
«التغير المناخي المفاجئ يغير المزاج العام والحالة النفسية عند معظم سكان الكرة الأرضية، وبدأت تظهر مصطلحات جديدة، مثل: الغضب البيئي والكآبة البيئية، وهي مشاعر غضب وتأذٍّ واكتئاب وحزن شديد»، موضحاً أن التأثيرات النفسية الناجمة عن التغير المناخي تأخذ أشكالاً مختلفة، مثل الإصابة بالإجهاد الناجم عن ظروف الطقس، وتأثير التغيرات المناخية فى رفع معدلات الانتحار فى عدد من البلدان حول العالم، فى ظل ارتفاع معدلات القلق والاكتئاب الحاد. كما أن التغيّر المناخي يسهم فى زيادة معدلات العنف وضعف الوظائف الإدراكية، علاوة على الأرق وذهان الهوس الاكتئابي. كما ظهرت مجموعة أخرى من المصطلحات ذات الصلة، مثل «الحزن الأيكولوجي»، أو الحزن المناخي (البيئي) استجابة للخسائر البيئية المترتبة على التغير المناخي. كما أن هناك مرضاً آخر وهو «القلق البيئي» الذي كان يعانيه المسئولون عن متابعة تطورات المناخ، وانتقل إلى الناس العاديين مع توسع الاهتمام العالمي بمتابعة أزمة المناخ. ومرض نفسي آخر هو سولاستالجيا، وهو مصطلح حديث فى دراسة المشاعر الإنسانية يتم ربطه بالبيئة والمناخ، والحنين لمناخ البلد القديم.
جلين ألبرشت، الفيلسوف البيئي الاسترالي، شعر بالحاجة إلى إيجاد كلمة جديدة لوصف هذه الحالة النفسية عندما لاحظ شعور الناس بالعجز تجاه التغيرات البيئية التي كانت تحدث بسرعة كبيرة. وقد تم درس وفهم هذه العلاقة بين الصحة النفسية و التغيرات البيئية بشكل واضح لأول مرة من خلال هذا الفيلسوف. ومصطلح سولاستالجيا يستخدم الآن من قبل الباحثين فى الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة تأثير حرائق الغابات فى كاليفورنيا أيضا.
النوستالجيا هي الضائقة التي يعاني منها السكان نتيجة الانفصال عن أوطانهم، بينما السولاستالجيا هي الضائقة التي يشعر بها الناس وهم لا يزالون فى أوطانهم، بعد أن يشهدوا أمام أعينهم التغيرات البيئية المحيطة بهم.
الحرب وإزالة الغابات و التوسع العمراني السريع كل ذلك يسبب مشاعر قوية من السولاستالجيا. والكوارث الطبيعية، مثل الجفاف، و الأعاصير، والزلازل، والثورات البركانية التي تترك الناس يعانون فقدان وسائل العيش والسكن والحي وكل ما يعطي الإحساس بالهوية والانتماء ويمكن أن تسبب هذه الحالة الشعور بالاضطراب أيضاً.
فى كتاب (مبدأ الطبيعة) الذي ألفه ريتشارد لوف، يناقش فيه المؤلف كيف أن السولاستالجيا باتت موضوعاً يأخذ حيزًا بارزاً فى حياة الناس. ويعتقد ألبرشت أن كلمة سولاستالجيا الكئيبة ممكن أن تصبح أساسا لاتخاذ إجراءات إيجابية مع فهم واضح للضرر الناجم عن البيئات المتدهورة على صحتنا النفسية. إن السولاستالجيا يمكن هزيمتها باتخاذ إجراءات لاستعادة صحة كوكبنا وعقولنا واستعادة المناظر الطبيعية العقلية والثقافية والطبيعية الحيوية. ويشترط فى ذلك تحديد عواطف جديدة إيجابية فى المجتمعات، وتجهيزها بأفضل أدوات التخطيط مع التحلي بالشعور الإيجابي، وتحسين التعامل مع الآثار السلبية للنمو والتنمية.
كما أن مخ الإنسان (بوساطة مركز الحرارة فى المنطقة الأمامية من الدماغ) يعمل على تنظيم الحرارة فى الجسم من أجل التكيف مع درجات الحرارة الخارجية، وعند الانحراف المناخي أو الظواهر المناخية غير الطبيعية مثل ارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير، تزيد تلك المنطقة الإفرازات المسئولة عن معادلة درجة الحرارة، ما يؤدي لاستثارة الأعصاب، وهو ما ينعكس على الحالة النفسية، وربطت دراسة حديثة أعلنت نتائجها العام الجاري فى جامعة كوبنهاجن، بين التغير المناخي وتغير أنماط النوم، عادّةً أن ارتفاع درجات الحرارة من شأنه التأثير فى مدة النوم.
فأنت حين تشعر بالفرح فإن الدماغ يفرز هرمون السعادة (السيروتونين) فتنتشي وتنام بارتياح، وتعيش عمرا أطول، وحين تغضب يسري بدمك هرمون (الأدرينالين) فتزداد عنفا وينتابك الخوف وتنام قلقا وتعيش عمرا أقصر، ولك أن تراقب حالتك النفسية كيف تتقلب فى الفصول الأربعة من فرح بفصل الربيع إلى اكتئاب بفصل الشتاء، فتتسبب تلك التغيرات فى حدوث اضطرابات فى النوم، أو ما يسمى خوف مرضي «فوبيا»، «وهذا ما أغفلته  قمة جلاسكو المناخية، التي ركزت فيها على تداعيات التغير المناخي على الأمنين الغذائي والمائي خاصة، من دون أن تولي للأسف، الاهتمام ذاته بتداعياته السيكولوجية».

سابعاً- التأثير فى الأجيال القادمة:
ويواجه الأطفال المستضعفون أصلاً خطراً أكبر، إذ تواجه الأسر الأشد فقراً صعوبة أكبر فى تحمل الصدمات. وقد أخذ الأطفال الأشد ضعفاً يخسرون منازلهم وصحتهم وتعليمهم. وبما أن تغير المناخ يجعل الأزمات أكثر شيوعاً، فإن ذلك يجعل التعافى منها أكثر صعوبة.
ويفتقر قرابة 785 مليون شخص إلى خدمات المياه الأساسية. وبحلول عام 2040، من المتوقع أن يعيش 600 مليون طفل فى مناطق يتجاوز الطلب على المياه فيها كمية الموارد المتوفرة، ومن دون القيام بإجراءات حالياً، سيؤدي تغير المناخ إلى تفاقم انعدام المساواة التي يواجهها الأطفال أصلاً، وستعاني أجيال المستقبل.
وثمة أدلة قوية ومتزايدة بخصوص تأثير تغير المناخ وتلوث الهواء على الأطفال، وقد بدأ الوقت ينفَد سريعاً للقيام بما يلزم لمواجهة ذلك، ووفقاً لآخر الأبحاث من الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، أمامنا أقل من 11 سنة لإجراء التحوّل الضروري لتجنب أسوأ تأثيرات تغير المناخ، ويلزم تخفيض مستوى ثاني أكسيد الكربون فى الجو بمقدار 45% بحلول عام 2030 لمنع تجاوز الاحترار العالمي 1.5 درجة مئوية، وبمعنى آخر، العتبة التي يمكننا تجنب أسوأ تأثيرات تغير المناخ إذا لم نتجاوزها.
وهذه هي المرة الأولى التي سينشأ فيها جيل عالمي من الأطفال فى عالم أكثر خطورة بكثير وأقل يقيناً، وذلك نتيجة لتغير المناخ والتدهور البيئي. إن التصدي لتغير المناخ والحد من تأثيراته هما أمران ضروريان لحماية أطفال العالم وإعمال حقوقهم.

ثامناً- وماذا بعد؟!
أعتقد بشدة أن (COP 27) هو فرصة لإظهار الوحدة ضد تهديد وجودي لا يمكننا التغلب عليه إلا من خلال العمل المتضافر والتنفيذ الفعال.
تستضيف جمهورية مصر العربية الدورة الـ 27 من مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول تغير المناخ عام 2022، خلال الفترة من 7-18 نوفمبر 2022 والذي يقام فى مدينة  شرم الشيخ. وسيعمل على تقدم المحادثات العالمية بشأن المناخ، وتعبئة العمل، وإتاحة فرصة ذهبية للنظر فى آثار تغير المناخ فى إفريقيا.
لذلك، وإدراكًا بأن الوقت قد حان للانتقال الفوري من مرحلة التفاوض ومناقشة أطر التحرك إلى مرحلة التنفيذ الفعلي على أرض الواقع، فإن الرئاسة المصرية لمؤتمر الأطراف المقبل ستسعى لإحراز تقدم متوازن حول كافة جوانب القضية سواء تلك المتعلقة بخفض الانبعاثات (التخفيف) أو التكيف أو وسائل الدعم من تمويل، وتكنولوجيا، وبناء قدرات، والبناء على مخرجات جلاسجو وعلى الزخم السياسي الذي  تولد هناك.
وعلى الرغم من أن الانبعاثات التي تصدر عن مصر لا تتجاوز 0.6%  من إجمالي انبعاثات العالم  تعد مصر واحدة من أكثر الدول عرضة للآثار السلبية لتغير المناخ على العديد من القطاعات، مثل السواحل، والزراعة، والموارد المائية، والصحة، والسكان، والبنية الأساسية، وهو ما يؤدي إلى إضافة تحدي جديد إلى مجموعة التحديات التي تواجهها مصر فى إطار سعيها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ورؤيتها لتحقيق تلك الأهداف بحلول عام 2030، حيث تولي رؤية مصر 2030 أهمية لمواجهة الآثار المترتبة على التغيرات المناخية من خلال وجود نظام بيئي متكامل ومستدام يعزز المرونة والقدرة على مواجهة المخاطر.
ويجب أن يحرص قادة العالم على بقاء الحياة لفترة أطول وحماية شعوبها لفترة آمنة من أجل مستقبل أفضل للبشرية،يجب أن يحرصوا على توريث مقومات الحياة للأجيال القادمة بدلا من توريثهم مقومات الموت، لذا يجب التشديد على عدة مبادئ مهمة دون النظر لأى أهداف أو مكاسب خاصة.
مبدأ المنع:
وإن منع الضرر يكون أقل تكلفة من إصلاحه إذا ما حدث.
لقد تطور هذا المبدأ على المستوى الدولي حيث تضمنه إعلان ستوكهولم للبيئة البشرية لعام 1972 فى المبدأ السادس منه فنص على «أن تفريغ المواد السامة أو أية مواد أخرى وإطلاق الحرارة، فى مثل الكميات أو التراكيز التي تتجاوز قابلية البيئة لدفع الضرر عنها، يجب أن توقف لضمان أن الأضرار الخطرة التي لا يمكن ردها لا تفرض على البيئة».
مبدأ الحذر:
ويعني به، التأهب لأي تهديد محتمل أو افتراضي.
مبدأ التنمية المستدامة:
هو مبدأ يعنى بالتنظيم الاجتماعي ويتضمن تدابير التكنولوجيا وتحسينها من أجل تعزيز النمو الاقتصادي فى حدود قدرة البيئة.
مبدأ الملوث يدفع:
يقصد بهذا المبدأ، أن على من يتسبب بتلويث البيئة، أن يتحمل كافة تكاليف الإجراءات الخاصة بمنع التلويث والسيطرة عليه أو التخفيف من آثاره، وتكون السلطة العامة فى الدولة المتسببة بالضرر هي من يتحمل تلك التكاليف والنفقات، ولضمان أن تصبح البيئة بحالة مقبولة .
لا يمكننا التراجع عن أخطاء الماضي. لكن هذا الجيل من القادة السياسيين ورجال الأعمال، وهذا الجيل من المواطنين الواعين، يمكنهم جميعا تصحيح الأمور. يمكن لهذا الجيل إجراء التغييرات المنهجية التي ستوقف ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض، وتساعد الجميع على التكيف مع الظروف الجديدة وخلق عالم يسوده السلام والازدهار والإنصاف.

المصادر:

 -إنجر أندرسن، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة والمديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، التغير المناخي يتحول إلى فوبيا.. مرض نفسي جديد تحت اسم «القلق البيئي»، هبة مصطفى، 8 فبراير 2022، www.ataqa.net
 -نوبات هلع واضطرابات نوم وتفكير فى «حرائق الغابات» ليلًا، هبة مصطفى.
التغير فى البيئة والمناخ تغير المناخ والتدهور البيئي يقوضان حقوق كل طفل. موقع اليونيسيف
 -د. أحمد الخميسى، القلق من المناخ.. جديد علم النفس، جريدة الدستور، سبتمبر 2021.
 -دور القانون الدولي فى حماية الغلاف الجوي من التلوث، عباس سعيد الأسدي.
 -مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ، الهيئة العامة للاستعلامات  (COP 27)، مصر 2022, الحوار المتمدن 10/7/2008، www.aleqt.com
 -«السولاستالجيا».. حنين إلى الوطن فى الوطن، محمد طيفوري من الرباط، جريدة الاقتصادية, 17/2/2021,www.ahewar.org


رابط دائم: