آفاق زيارة الرئيس الصيني المرتقبة للسعودية بين القلق الأمريكي والتطلع الصيني
29-8-2022

زياد زكريا
* باحث فى العلوم السياسية

من المقرر أن يقوم الرئيس الصيني، شي جين بينج، بزيارة المملكة العربية السعودية في الأيام المقبلة، وفقًا لتقارير ومعلومات تناقلتها العديد من وسائل الإعلام الدولية، تلك الزيارة التي تعتبر الأولى للرئيس الصيني خارج البلاد منذ زيارته لميانمار فى يناير 2020. وتأتى تلك الزيارة عقب زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى السعودية في منتصف يوليو الماضي التي وصفت بأنها زيارة ضعيفة وفاترة لم تحقق المطلوب لإدارة الرئيس الأمريكي، بالنظر إلي العديد من الملفات، مثل التطبيع السعودي-الإسرائيلي، وزيادة إنتاج النفط، وحتى اتخاذ السعودية موقفا مناهضا للصين وروسيا، بالإضافة إلي فشل الزيارة في إعادة الاستقرار للعلاقات السعودية-الأمريكية التي تدهورت في الفترة الأخيرة، خاصة منذ تولي بايدن رئاسة الولايات المتحدة.

علي الجانب الآخر، تأتي زيارة الرئيس الصيني في وقت يتسم بتعزيز العلاقات مع المملكة العربية السعودية على جبهات متعددة؛ حيث تنظر كل دولة للأخرى كشريك استراتيجي مهم، بالنظر إلي قطاعات مهمة، مثل قطاع النفط والطاقة والجوانب العسكرية والاستثمارات الاقتصادية على المدى المتوسط والطويل، خاصة مع استمرار الحرب الروسية-الأوكرانية، حيث تأتي زيارة شي المتوقعة لأكبر دولة مصدرة للنفط في العالم وسط اضطراب في أسواق الطاقة العالمية نتيجة الحرب الروسية-الأوكرانية، ويقال إن البلدين يستكشفان التفاوض بشأن مبيعات النفط بالعملة الصينية، اليوان، بدلاً من الدولار.

استغلال تراجع العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة:

اختيار شي للمملكة العربية السعودية كأول وجهة خارجية له منذ يناير 2020 يمنحه انتصارًا دبلوماسيًا واستراتيجياً، حيث إنه يقدم تأكيدًا على العلاقات العميقة مع واحدة من الموردين الرئيسيين للطاقة في العالم، كما يوضح الاهتمام والحرص الصيني على التدخل في المنطقة وإظهار أنها الشريك الأفضل والأكثر ثقة لدول الشرق الأوسط من الولايات المتحدة؛ من أجل ملء الفراغ الإقليمي الناتج عن تراجع الاهتمام والقوة الأمريكية في الشرق الأوسط. فتلك الزيارة لا تؤكد على النفوذ العالمي المتنامي للصين فحسب، بل إنها تتيح للصين إظهار منافستها الجادة للولايات المتحدة باعتبارها الشريك المفضل الجديد للسعودية ودول المنطقة.

إن ذلك الحرص الصيني على استغلال حالة الجمود الأمريكي تجاه الشرق الأوسط نابع بشكل رئيسي من الصراع والتنافس المستمر بين القوتين في منطقة الشرق الأوسط، ذلك التنافس القائم نظرا للأهمية البالغة لمنطقة الشرق الأوسط وطرق التجارة، والممرات البحرية، والموارد الطبيعية الهائلة التي تمتلكها المنطقة لتميز موقعها الجغرافي؛ فأي قوة عظمى في سعيها لريادة النظام العالمي ستحتاج إلى تعزيز قوتها في منطقة الشرق الأوسط، وقادرة علي لعب دور مهم وفعّال في الأحداث والقضايا المتعاقبة في المنطقة. وعليه، تسعى الصين إلي التغلغل أكثر في المنطقة حتي تسنح لها الفرصة في إبعاد الولايات المتحدة، القوة المهيمنة علي النظام العالمي، وتأتي تلك الزيارة كمؤشر واضح علي ذلك السعي الصيني في ظل المنافسة بينها وبين واشنطن.

إجراءات متعددة دون استراتيجية واضحة:

من المتوقع أنه في ظل تراجع دور الولايات المتحدة، ستتاح للصين الفرصة لترسيخ موطئ قدم في المنطقة، ويساعدها في ذلك علاقاتها التجارية القوية مع دول الشرق الأوسط. على سبيل المثال، أصبحت الصين أكبر شريك تجاري للسعودية وثاني أكبر شريك تجاري لإسرائيل في عام 2019. وفي عام 2020، بلغ إجمالي حجم التجارة بين الصين والشرق الأوسط إلي 272 مليار دولار. بالإضافة إلى ذلك، وعلي الرغم من أن الوثائق الرسمية الصينية لا تنطوى على أي نوع من الأهداف الأمنية أو الاستراتيجية في المنطقة، فإن الإجراءات الصينية توضح عكس ذلك؛ حيث أقامت الصين أول قاعدة عسكرية لها خارج أراضيها في جيبوتي وبدأت أيضًا في تأمين جوادر في باكستان عسكريا لحماية الممر التجاري بينهما. كما تعمل بكين تدريجياً على إقامة علاقات أمنية واقتصادية مع دول الشرق الأوسط من خلال بيع الأسلحة والصواريخ والتكنولوجيا العسكرية، مثل توقيع الصين وإيران اتفاقية لبناء ميناء تشابهار وروابط تكنولوجية وأمنية أخرى، ولجوء المملكة العربية السعودية إلى الصين لتطوير قدراتها الصاروخية المحلية. بالإضافة إلي ذلك، فإن لدى بكين شراكات استراتيجية شاملة مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والجزائر، وتحافظ على شراكات استراتيجية منخفضة المستوى مع معظم الدول الإقليمية الأخرى. وتتبنى الصين اتخاذ موقف محايد ومتوازن في الصراعات الإقليمية في المنطقة مع القوى المختلفة.

أيضا، للصين مصالح وأهداف اقتصادية في المنطقة؛ حيث ستربط مبادرة الحزام والطريق الصين بمنطقة الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا، وأوروبا؛ مما سيساعدها في ضمان ريادة التجارة العالمية. كما يساعدها في ذلك أن بعض اقتصادات الشرق الأوسط تعمل على تحويل وجهة علاقاتها الاقتصادية من الولايات المتحدة نحو الصين، التي تتمتع بقوة اقتصادية هائلة وتزداد قوة يومًا بعد يوم. كما تساعد بكين القطاع المصرفي في دول المنطقة، حيث تسهل لدول المنطقة الحصول على قروض ميسرة للمشاريع التجارية، ويظهر ذلك في تجاوز حجم التجارة بين الشرق الأوسط والصين خمسة وعشرين مليار دولار.

تراجع في السياسة الأمريكية:

علي عكس أهداف الصين الاستراتيجية في المنطقة غير المعلنة بشكل صريح حتى الآن، فإن الولايات المتحدة كثيرا ما كانت تتمحور أهدافها الاستراتيجية في المنطقة حول حماية إمدادات النفط من الخليج وضمان تدفقه، ودعم إسرائيل وضمان قوتها في المنطقة، ومواجهة الوجود الصيني أو الروسي، بالإضافة لتأمين المصالح الأمريكية على المدى الطويل وحماية صورتها في الشرق الأوسط. وعلي الرغم من أن واشنطن لديها حلفاء وشركاء إقليميين بارزين، فإن مصالحها في الشرق الأوسط من الناحية الاستراتيجية تتضائل عما كانت عليه خلال العقدين الأولين من هذا القرن.

ازدادت الرغبة الأمريكية في مغادرة المنطقة مع تولي جو بايدن الحكم، حيث تجاهل الحديث عن الشرق الأوسط في العديد من المناسبات، ويعكس هذا الميل الأمريكي لتجاهل قضايا الشرق الأوسط قناعة بين عدد من دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة أن منطقة الشرق الأوسط أصبحت أقل أهمية للمصالح الاستراتيجية الأمريكية ولم تعد لها الأهمية التي كانت تتمتع بها سابقًا للسياسة الأمريكية إما بسبب انخفاض حاجة الولايات المتحدة إلى نفط الشرق الأوسط، أو الرأي العام الأمريكي الذي أصبح رافضاً لاستمرار الوجود والتدخل الأمريكي في المنطقة، أو لتوفير النفقات العسكرية في المنطقة.

وقد أصبحت الولايات المتحدة، خاصة بعد زعمها مغادرة المنطقة قلقة بشكل متزايد بشأن الامتداد الاقتصادي والاستراتيجي للصين في الشرق الأوسط، فمن الممكن أن يمنح ذلك الصين إمكانية التأثير على دول المنطقة اقتصاديًا وسياسيًا ومعالجة مخاوفها الأمنية، فيمكن أن تكون بكين شريكًا تجاريًا وحيداً يساهم في خطط التنمية والتحولات الاقتصادية وإعادة بناء البنية التحتية والتطور التكنولوجي، كما يمكن أيضًا زيادة وارداتها النفطية وتعزيز القوة الناعمة في المنطقة. لكن مثلت زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الشرق الأوسط، في يوليو الماضي، نقطة تحول في سياسة الإدارة الأمريكية تجاه المنطقة، وعودة الاهتمام الأمريكي بها وقضاياها؛ حيث أكد بايدن خلال الزيارة أن الولايات المتحدة لن تغادر منطقة الشرق الأوسط؛ حتى لا تترك "فراغًا" تملأه روسيا أو بشكل رئيسي "الصين". بالإضافة إلي محاولة بايدن من خلال الزيارة إعادة العلاقات والتعاون الأمني مع دول الشرق الأوسط التي اتسمت علاقاتها مع الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة بعدم الاستقرار.

ختاما، على الرغم من أن الصين قادرة على الضغط على الولايات المتحدة بشأن العديد من القضايا الإقليمية الاقتصادية، الأمنية، العسكرية، والتكنولوجية، إلا أنها حتى الآن لا تستطيع أن تكون بديلاً عن الولايات المتحدة في المنطقة بسبب تحالفات الولايات المتحدة طويلة الأمد وغير المحدودة مع العديد من دول المنطقة والجهات الفاعلة التي تتبعها بناءً على تمويلها لها، بالإضافة إلي الرغبة الأمريكية في التراجع عن مغادرة المنطقة. فلا تزال واشنطن تحتفظ بمكانتها كقوة إقليمية مؤثرة، ولا تزال الصين بحاجة إلي استراتيجية واضحة المعالم تجاه الشرق الأوسط لتكون قادرة علي المنافسة الإقليمية. ووفقا لما ستئول إليه زيارة الرئيس الصيني شي جين بينج إلي المملكة العربية السعودية، هل ستكون الزيارة مؤثرة في ظل التنافس الصيني الأمريكي في المنطقة؟ وما الإجراءات التي ستتخذها الولايات المتحدة للرد علي تلك الزيارة؟


رابط دائم: