الحرب الروسية-الأوكرانية من منظور إفريقي: الاستجابات والفرص
18-4-2022

د. فريدة بندارى
* باحثة متخصصة فى الشئون الإفريقية- نائب مدير المركز العراقي-الإفريقي للدراسات الاستراتيجية

ثمة فرضيــات رئيســية يمكننا من خلالها تفسيــر أســباب التدخل الروسى فى أوكرانيـا؛ لعـل أبرزهـا فرضية كثيرا ما حــذرت العديــد مــن الكتابــات منها خــلال الســنوات الماضيــة، وهي المخاطــر التــي يشــكلها توســع الناتــو باتجـاه الشـرق، خاصة بعد اتفاق بوخارست أبريل 2008 وعـلى الرغم مــن أن هــذه المســاعي أدت إلى تنامــي المخــاوف الأمنيــة لــدى موســكو، إلا أن هذه الفرضية تشوبها بعض القصور كونها لا دليل على قبول الناتو لعضوية أوكرانيا في الحلف.

في السياق نفسه، وإنطلاقا من فرضية مراهنة روســيا عـلـى الطبيعـة المعتـادة للمجتمـع الـدولي تجاه الصراعات الدولية مؤخرا، والتـي تبـدأ بالإدانـة القويـة لأيـة انتهـاكات تحـدث، ثم التراجع في مسـتوى هـذه الإدانــات بشــكل تدريجــي، حتــى يتبــدد الضغط في النهايــة.

هذا بالإضافة إلى فرضية، مفادها أن المجتمع الدولي يسوده كثير من التوتــر في نمط التفاعلات القائم بالفعل، وأن الحرب في أوكرانيا ما هى إلا محاولـة روسية لفـرض نـوع مـن "نظـام عالمـي جديد"، عـلى الرغـم مـن أن الواقـع الفعـلي يعكـس عـدم وجـود نظـام عالمـي حقيقـي، بـل إن الحضـارات المختلفـة تلجـأ إلى تحديـد مفاهيمها الخاصــة عــن النظــام.

وعليه، لا تجســد الحــرب الحاليــة في أوكرانيــا نوعـاً مـن الـصراع بيـن الأنظمـة المتنافسـة، وإنمـا تعكـس تراجـع النظــام الــدولي الليـبـرالي الحــالي؛ بمعنــى أنهــا لا تمثــل نمطــاً لــ "الحـرب البـاردة الجديـدة"، لكنهـا ترسـخ لعـودة ظهـور الصـراع الجيوسـياسي الـذي يملأ فـراغ النظـام الليبـرالي المتراجـع، خاصـة في ظــل فقــدان الولايــات المتحــدة الحافــز للأخــذ بزمــام المبــادرة في الحفــاظ عــلى النظــام الــدولي القائم منــذ ســقوط الاتحــاد الســوفيتي.

وعلى الرغم من اندلاع الحرب في منطقة بعيدة جغرافيًا عن القارة الإفريقية، ورغم غياب أي دور للقارة الإفريقية في هذه الأزمة، إلا أنها ستترتب عليها عدة تداعيات على القارة، نسبة للأدوار المهمة التي تلعبها كل من روسيا وأوكرانيا في القارة الإفريقية، والذي ينذر بفوضى جيوسياسية واقتصادية عارمة قد تحكم مفاصل العالم فى الفترة المقبلة .وباعتبار القارة الإفريقية من أبرز ساحات التنافس الروسي-الغربي –الصراع الأيديولوجي- فإن هذا يجعلها إحدى أكثر المناطق تأثراً بالحرب الراهنة في أوكرانيا، خاصةً في ظل اعتماد دول القارة في غالبية استهلاكها على الاستيراد من الخارج.

بناء عليه، تواجه القارة تحديا صعبا، يحتم عليها احترام توازن القوى، حتى لا تتضرر مصالحها الوطنية، من جراء أي خطوة غير محسوبة. أي أن الحرب الروسية-الأوكرانية تعد اختباراً مهماً لشبكة التحالفات الراهنة في القارة، خاصةً في ظل النفوذ المتصاعد لموسكو في القارة الإفريقية خلال السنوات الأخيرة. وسنوضح الموقف الإفريقي بين الاستجابة والاستفادة من الأزمة الروسية-الأوكرانية كالتالي:

أولا- تقييم استجابات دول إفريقيا لأزمة روسيا أوكرانيا:

عــلى الرغـــم مـــن تباين مواقف الدول الإفريقية تجاه الصراع الروسي الأوكراني، إلا أن الاســـتجابة تعد من نابع مصالحهـــا الوطنيـــة، إذ عمدت غالبية الدول الإفريقية إلى التزام الصمت والترقب وعدم إبداء أي موقف معلن إزاء تطورات الصراع، حيث صوتت 28 دولة إفريقية فى اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة فبراير -شملت بعض الاقتصادات الكبيرة، مثل نيجيريا وغانا ومصر- لمصلحة القرار الذي يطالب بسحب القوات الروسية غير المشروط .. بينما على الجانب الآخر، امتنعت مجموع 17 دولة إفريقية عن التصويت، التي شملت جنوب إفريقيا وأوغندا ومالي وزيمبابوي. في حين كانت إريتريا الدولة الوحيدة من القارة التي صوتت ضد القرار.

ويكشف تصويت الأمم المتحدة مزيدًا من الانقسامات العميقة بين الدول التي ترفض الانحياز إلى أي جانب بين روسيا والغرب. وهو ما يكشف عن مجموعة من معايير الحكم والرؤى الإفريقية المتأثرة بالمصالح والروابط الأيديولوجية والعسكرية، سواء مع المعسكر الغربي أو مع روسيا.

وبمنظور إفريقي، هناك بعض الأسباب التاريخية والحالية التي قد تفسر سبب عدم إدانة الدول الإفريقية للصراع  الروسي-الأوكراني بطريقة موحدة. فمن جانب، لم تشارك روسيا أبدًا في مؤتمر برلين عام 1884 الذي تم فيه تقسيم إفريقيا استعماريا من قبل الدول الأوروبية. كما أن روسيا لم تستعمر، أو تنهب موارد إفريقيا عبر التاريخ المعاصر منذ استعمارها أو استقلالها، وعندما عادت روسيا للقارة، لعبت دورا مهما في دعم العديد من الدول عبر المساعدات الأمنية والتدريب والتزويد بالأسلحة والتقنيات العسكرية، وهو ما جعلها محل حظوة لدى العديد من الدول الإفريقية.

في هذا السياق، ربما تعمد أطراف الصراع الراهن للضغط على الدول الإفريقية لتحديد موقف واضح تجاه هذا الصراع، ومن ثم كانت ضرورة أن تبدأ إفريقيا كقارة في بحث أفضل السبل للرد والتعامل مع هذه الأزمة وتداعياتها للخروج بموقف إفريقي موحد، ينبع من احتياجات القارة، وليس من احتياجات الآخرين، موقف يخدم دول القارة  داخل أروقة نظام عالمي حالى، وجديد في حالة انبثق من رحم هذا الصراع، آخذة في الاعتبار تقليص وحدات مكافحة الإرهاب الأمريكية  في القارة بنحو 10% خلال الفترة المقبلة.

ومن المرجح أن يؤدي انسحاب الولايات المتحدة من الصومال أو انسحاب فرنسا من مالي إلى خلق فراغ أمني من شأنه أن يسمح لروسيا وقواتها بلعب المزيد من الأدوار المركزية. وفي حين أن مثل هذه الافتراضات قد تكون محل نقاش، يبقى السؤال حول الموقف من التدخل الروسي.

ثانيا- فرص القارة الإفريقية في ظل الحرب الروسية-الأوكرانية:

 على الدول الإقليمية الإفريقية بقدر ما تنظر إلى الصراع الروسي-الأوكراني كونه أزمة، عليها أيضا أن تعتبره فرصة للتنديد والتأكيد بعدم فعالية النظام الحالي للأمم المتحدة متمثلة في مجلس الأمن الذى لم يستطع حل الصراع أو انتقاله إلى حالة السلم السلبي بعد دخوله الشهر الثالث. وبالتالي على الأفارقة تعزيز جهودهم الرامية لإصلاح مجلس الأمن الدولي، وهذا ليست بخطوة جديدة فقد سبق أن عرض الاتحاد الإفريقي مشروعا لإصلاح مجلس الأمن الدولي يتضمن التمثيل المنصف في مجلس الأمن، وزيادة عدد أعضائه وتطوير أساليب عمله، وإصلاح مسألة نقض القرارات، واستقلالية العلاقة بين المجلس والأمم المتحدة. فقد حان الوقت لمشاركة إفريقيا في تشكيل النظام العالمي المستقبلي، وممارسة دورها الصحيح، بما يتناسب مع حجمها الجغرافي وحجم صادراتها من الموارد الطبيعية وحجم كتلة أصواتها داخل الجمعية العمومية.

وهناك بعض الفرص أيضًا للبلدان الإفريقية؛ فقد تكون العقوبات الغربية لمنع وصول روسيا إلى أسواق النفط والغاز الأوروبية بمثابة نعمة للدول الإفريقية المنتجة للنفط  شريطة انتهاز هذه الفرصة، نظرًا لأن الدول الأوروبية تتطلع الآن إلى تنويع سلسة وارداتها وتقليل اعتمادها على الواردات الروسية، فقد تظهر دول، مثل الجزائر وأنجولا وموزمبيق، كخيارات بديلة.

ولكي تستفيد البلدان الإفريقية من هذه الفرصة السانحة وتلبية احتياجات الطلب العالمي من النفط الخام، فإنها ستحتاج إلى زيادة قدرتها على الإنتاج محليًا والتصدي لتحدي الافتقار إلى مصافي التكرير الكافية، خاصة إذا تمكنت روسيا من بيع نفطها إلى الصين  التي كانت تعتمد حتى هذا الوقت على وارداتها النفطية من إفريقيا.

ختاما، لابد من حفاظ الحكومات الإفريقية على علاقاتها مع أطراف الصراع تحسبا لأي تغيير في السياق الجيوسياسي، حتى لا تكون عالقة بين مطرقة الغرب  وسندان الشرق، حيث إنه مع استمرار الصراع في أوكرانيا ستحتاج الدول الإفريقية لإدارة علاقاتها بمهارة مع الشركاء المتصارعين لحماية مصالحها السياسة والاقتصادية والأمنية، حتى لو اضطرت لاتخاذ بعض الخيارات الصعبة.


رابط دائم: