الدولة الفلسطينية ومجموعة ميونخ الرباعية: تحديات وفرص
24-2-2022

عبير ياسين
* باحثة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

جاء عقد لقاء رباعية ميونخ حول عملية السلام في ١٩فبراير الجاري (٢٠٢٢) في توقيت شديد الأهمية على صعيد القضية الفلسطينية وجوهر مشروع التسوية السياسية القائم على إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود ١٩٦٧وعاصمتها القدس الشرقية. وأعادت القمة التي شارك فيها  وزراء خارجية مصر، والأردن، وألمانيا، وفرنسا التأكيد على مواقف الدول المشاركة حول الدولة الفلسطينية وخيار التسوية السياسية ورفض الاستيطان وكل ما يمثله من قيود وتحديات أمام إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة والقابلة للحياة.

وإلى جانب توقيت النشأة واللقاءات، تكتسب صيغة ميونخ أهميتها من طبيعة الأطراف المشاركة والقضايا التي تطرحها والحراك الذي يحيط بها ويجعل تلك القضايا، رغم الصعوبات والتحديات المحيطة بالقضية الفلسطينية، على أجندة النقاش والاهتمام الإقليمي والدولي. بالإضافة إلى دور صيغة ميونخ وتركيبتها التي تجمع بين أطراف عربية وأوروبية في تأكيد أهمية القضية الفلسطينية خارج الأطراف المعنية بشكل مباشر ممثلة في مصر والأردن، وبعيدا عن ظروف الحرب والتصعيد بما يساهم في دعم الجهود الدولية اللازمة لدفع التسوية السياسية والحل القائم على حل الدولتين.

وفي الوقت الذي تكتسب فيه صيغة ميونخ، أهميتها من توقيت إعلانها، وما تمثله من خطوات ضمن الجهود المصرية لتحريك العملية السياسية ومحاولة توفير البيئة الضرورية لدفع المسار السياسي، اكتسبت اللقاءات قيمتها في اللحظة من طبيعة التطورات على الصعيد الفلسطيني والإقليمي والدولي، والتي تصب بدورها في تهميش القضية الفلسطينية بشكل عام، وفكرة المسار السياسي والدولة الفلسطينية بشكل خاص.

في التوقيت والأهمية:

تعود أهمية صيغة ميونخ، كما يطلق عليها منذ اللقاء الأول على هامش مؤتمر ميونخ للأمن في ١٥فبراير ٢٠٢٠، أو  رباعية ميونخ، كما يتكرر في الإعلام، إلى مجموعة متعددة من الأسباب يتعلق بعضها بالأعضاء المشاركين (مستوى التكوين)، وبعضها بالتوقيت والظروف المحيطة بالقضية الفلسطينية (مستوى السياق)، والبعض الآخر بالمواقف المعلنة والأهداف (مستوى الأفكار).

وعلى مستوى التكوين تجمع صيغة ميونخ في تركيبتها مجموعة من الدول الفاعلة والمؤثرة والمعنية بواقع وتطورات القضية الفلسطينية، والمتداخلة بفعل العديد من الأسباب التاريخية، والسياسية، والجغرافية، والاجتماعية مع قضايا الصراع والتسوية. ولا تقتصر صيغة ميونخ في عضويتها على دول غربية فقط، مثل اللجنة الرباعية الدولية والمعروفة اختصارا باسم اللجنة الرباعية، والتي أنشئت في مدريد عام ٢٠٠٢، وتضم في عضويتها كلا من الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة. وعلى عكس اللجنة الرباعية تضم صيغة ميونخ كلا من مصر، والأردن، وفرنسا، وألمانيا بما يجعلها أكثر توازنا في التعامل مع القضايا المعنية والأطراف المؤثرة بحكم الواقع وليس بحكم التوازنات الإقليمية والدولية الموروثة فقط.

وبهذا تجمع صيغة ميونخ في عضويتها بين أطراف عربية وأوروبية مشاركة ومؤثرة في القضية الفلسطينية مناصفة بكل ما له من معانٍ رمزية وفعلية. وعلى الصعيد العربي تضم رباعية ميونخ دولا تتمع بدور وحضور قوى على صعيد كامل ملفات العلاقات الفلسطينية- الفلسطينية، والفلسطينية- الإسرائيلية كما هو الوضع بالنسبة لمصر، وعلى صعيد القدس والمقدسات الإسلامية كما هو الوضع بالنسبة للأردن.  وعلى الصعيد الأوروبي تجمع صيغة ميونيخ في عضويتها دولا تمثل قاطرة الاتحاد الأوروبي، كما أنها أطراف مؤثرة في عملية التمويل والتنمية ودعم المؤسسات في الأراضي الفلسطينية بشكل مباشر وعبر الاتحاد الأوروبي والمعونات المقدمة للمؤسسات الدولية والمحلية، وجهود الوساطة والتحركات المختلفة في أوقات التصعيد والتهدئة. كما تكتسب عضوية فرنسا وألمانيا أهميتها في ظل العلاقات التي تجمع بينهما وبين أطراف الصراع/ التسوية، والدول العربية عموما ومصر والأردن خصوصا في ظل إدراك أهميتها للقضية الفلسطينية وفرص التسوية، إلى جانب تأثيرها في سياسات الاتحاد الأوروبي وما تتميز به تلك الدول من سياسات استقلالية.

وبالإضافة إلى مجموعة الدول الأعضاء يتم حضور اللقاءات من قبل ممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، كما تناقش الدول الأعضاء في صيغة ميونخ القضايا الأساسية مع الطرف الإسرائيلي والفلسطيني من أجل استبعاد التحركات الفردية ومحاولة إحياء مسار التسوية السياسية. وساهمت تلك التحركات بدورها في كسر حالة العزلة التي شهدتها السلطة الفلسطينية خلال فترة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، كما ظهر في التعامل الفلسطيني مع الحديث بين المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل والرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) في ٢٣نوفمبر ٢٠٢٠عبر الفيديو كونفرانس، والحرص على تأكيد موقف ألمانيا ورباعية ميونخ الهادف إلى عقد مؤتمر على مستوى وزراء الخارجية بين مجموعة ميونخ ووزراء خارجية فلسطين وإسرائيل لدفع جهود السلام. ومثل الحديث وما جاء فيه من مواقف حدثا مهما للسلطة التي أعلنت عن ترحيبها بالموقف الألماني وجهود صيغة ميونخ ومواقفها الساعية إلى إحياء مسار التسوية وإعلان الدولة الفلسطينية المستقلة.

بدوره ظهر الإعلان عن صيغة ميونخ بوصفه موقفا سياسيا مهما يعبر عن الأفكار الأساسية الحاكمة لعملية السلام رغم كل ما مر بها من تطورات وما شهدته من تغيرات في المواقف والوقائع. وظهرت تلك المواقف واضحة في البيان الصادر عن وزراء خارجية أطراف صيغة ميونخ بتاريخ ٧يوليو ٢٠٢٠في ظل الحديث عن خطة إسرائيلية محتملة لضم أراضٍ فلسطينية، وضمن السياق المحيط بالجدل خلال فترة ترامب عن صفقة القرن، ومحاولة إسرائيل ترسيخ حل قائم على صيغة ترامب للتسوية على حساب الحقوق الفلسطينية وجوهر التسوية السياسية المتفق عليه منذ أوسلو. وجاء البيان في ظل حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو عن الأول من يوليو بوصفه الموعد المحدد لبدء ضم مساحات واسعة من الضفة الغربية تشمل غور الأردن وشمال البحر الميت وجميع المستوطنات الإسرائيلية في خطوة تمثل حال حدوثها إنهاء مسار أوسلو وفكرة الدولة الفلسطينية القائمة على حدود ١٩٦٧.

واعتبر البيان المشترك الذي وزعته ألمانيا عقب اجتماع عبر الفيديو كونفرانس لوزراء خارجية مجموعة ميونخ، أن القيام بخطوة مماثلة يعد انتهاكا للقانون الدولي ويعرض “القواعد الأساسية لعملية السلام للخطر”، كما جاء في البيان. وأعلن البيان رفض الدول المشاركة الاعتراف بأى تغييرات في حدود ١٩٦٧تتم بدون موافقة أطراف الصراع في إشارة إلى رفض التحركات الأحادية، مؤكدا أن القيام بخطوة مماثلة من شأنه التأثير على أمن واستقرار المنطقة وتقويض جهود تحقيق السلام الشامل. ودعا البيان إلى الالتزام بحل الدوليتن من خلال المفاوضات استنادا للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وألمح إلى إمكانية اتخاذ إجراءات ضد إسرائيل في حال أصرت على خطوة الضم. وفي النهاية ورغم تأجيل خطة الضم في ظل المعارضة الواسعة فلسطينيا، وعربيا، ودوليا، وعدم موافقة الإدارة الأمريكية على تمرير الخطوة، والاختلاف حول التفاصيل بين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي بيني جانتس، حرصت مجموعة صيغة ميونخ على تأكيد الموقف الأساسي الرافض للتحركات الإسرائيلية التي يمكن أن تقوض حل الدولتين وطالبت بإلغاء خطة الضم وليس تأجيلها فقط.

وعلى  مستوى الأفكار، يمكن القول إن البيان الصادر في يوليو ٢٠٢٠رسخ القواعد الأساسية الحاكمة لصيغة ميونخ والتي تمثل في جوهرها المبادئ الأساسية الحاكمة للتسوية السياسية منذ أوسلو، بوصفها الإطار الفكري لرباعية ميونخ الذي يتم التأكيد عليه في اللقاءات المختلفة بما فيها اللقاء الأخير الذي عقد في فبراير ٢٠٢٢. وبشكل عام، تزداد أهمية الأفكار التي تتبناها وتدافع عنها صيغة ميونخ في ظل الظروف التي أحاطت بالقضية الفلسطينية منذ الإعلان عن رباعية ميونخ وما شهدته على مستوى السياق والتطورات.

وعلى مستوي الصراع/ التسوية، ارتبط الإعلان عن صيغة ميونخ بتراجع المسار السياسي ومحاولة إنهاء الحل القائم على الدولتين من قبل إسرائيل عبر الضم الأحادي وإعلان القدس الموحدة بوصفها عاصمة إسرائيل. وعلى الصعيد الإسرائيلي شهدت التطورات بعد حرب غزة الرابعة في مايو الماضي وتشكيل الحكومة برئاسة نفتالي بينيت في يونيو المزيد من التهميش للقضية، عبر التركيز على التعاون والتنسيق الاقتصادي والأمني ورفض التسوية السياسية وفكرة الدولة الفلسطينية المستقلة مع دعم الاستيطان والاستيلاء على منازل الفلسطينين في القدس الشرقية والضفة الغربية.

وعلى الصعيد الإقليمي والدولي زادت أهمية ملفات إقليمية على حساب القضية الفلسطينية، وخاصة الملف النووي الإيراني في ظل محوريته للسياسة الإسرائيلية، وملف الصين وتزايد أهميتها في السياسة الخارجية الأمريكية مع الرغبة في تهميش مساحة الوجود الأمريكي في قضايا الشرق الأوسط، وصولا إلى تصاعد فرص التصعيد في أوروبا في ظل أزمة أوكرانيا وهي الأوضاع التي تساهم في تهميش القضية الفلسطينية والتأثير سلبا على فرص إحياء المسار السياسي وإعلان الدولة الفلسطينية. وفي حين تظل الفرص محدودة ضمن الأوضاع القائمة، تمثل صيغة ميونخ عنصرا محوريا في إبقاء القضايا الأساسية على الأجندة الإقليمية والدولية وخاصة مع غياب التحركات الفعلية خلال فترة حكم ترامب، والحاجة إلى إعادة تموضع القضية الفلسطينية على أجندة الاهتمام الدولي من أجل التوصل إلى حل دائم وعادل يتجاوز الاهتمام المرحلي في أوقات الصراع والحرب وما يرتبط بها من خسائر بشرية ومادية إلى صيغة الحل القابل للاستدامة والقائم على القانون والحقوق.

المبادئ الأساسية والأهداف الحاكمة:

تنطلق رباعية ميونخ من جوهر مسار التسوية السياسية، وتقوم على المطالبة بالسير وفقا لنهج أوسلو من أجل الوصول إلى حل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي على أساس خيار الدولتين. وتؤكد مجموعة ميونخ أن الدولة الفلسطينية المستقلة والقابلة للحياة على خطوط الرابع من يونيو ١٩٦٧هي أساس تحقيق السلام الشامل والدائم في الإقليم، كما جاء في بيان قمة عمان في سبتمبر ٢٠٢٠. ومن أجل الوصول إلى تلك النتيجة ترفض الرباعية خطط إسرائيل الأحادية لضم أراضي ١٩٦٧، كما ترفض الاستيطان وبناء المستوطنات وتوسعتها ومصادرة الممتلكات الفلسطينية، وتعتبر كل تلك التحركات خرقا للقانون وتقويضا لفرص إعلان الدولة الفلسطينية.

وبشكل عام، يقوم تجمع صيغة ميونخ على أساس التفاوض المستمر بين دول المجموعة وبذل الجهد من أجل إحياء عملية السلام والوصول إلى  تسوية عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية- الإسرائيلية، وفقا لما تم التأكيد عليه في اللقاء الأخير الذي عقد في فبراير ٢٠٢٢على هامش مؤتمر ميونخ للأمن. وفي ظل أهمية التوصيات الصادرة عن اللقاء الأخير ودورها في توضيح الأهداف الثابتة والقدرة على قراءة التحديات، نستعرض أهم ما جاء فيها من نقاط والتي تضمنت دعم المجموعة لجهود التوصل إلى سلام دائم وعادل يحفظ الحقوق المشروعة لكل الأطراف على أساس حل الدولتين، وبما يتفق مع القانون الدولي، وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وما اتفق عليه من قواعد بما فيها مبادرة السلام العربية.

وفي ظل التصعيد المستمر في الأوضاع على الأرض، والأسباب التي تقف وراء هذا التصعيد وإدراك ما يمكن أن تقود إليه التطورات من حرب جديدة كما حدث في مايو ٢٠٢١،  طالب وزراء الخارجية بضرورة العودة إلى مفاوضات بناءة وفعالة بشكل مباشر بين الأطراف المعنية تحت مظلة الأمم المتحدة ومشاركة الرباعية الدولية، مع التأكيد على أهمية إيجاد أفق سياسي واقتصادي في ظل غياب مثل تلك المفاوضات. كما طالب الوزراء بالمزيد من إجراءات بناء الثقة مع تحسين ظروف المعيشة للشعب الفلسطيني، واستعادة المفاوضات البناءة.

وفي ظل قراءة ما مر بالقضية من تطورات والتصعيد الذي تشهده الأوضاع في الشيخ جراح وغيرها من الأحياء والمدن في القدس الشرقية والضفة الغربية حرص الأعضاء على تأكيد موقف رباعية ميونخ الرافض للتحركات الأحادية التي تقوض فرص حل الدولتين والسلام العادل والدائم وخاصة ما يتعلق ببناء وتوسيع المستوطنات، والاستيلاء على الأراضي وإخلاء منازل الفلسطينيين وخاصة في القدس الشرقية مع التأكيد على حق سكان الشيخ جراح وسلوان في منازلهم وضرورة احترام هذا الحق،  والمطالبة بالابتعاد عن العنف والتصعيد. وإلى جانب ما سبق طالب البيان باحترام الوضع التاريخي والقانوني القائم للأماكن المقدسة في القدس والوصاية الهاشمية على المقدسات فيها.

وفي ظل التحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني أكدت التوصيات على أهمية دور الأونروا والحاجة إلى دعمها سياسيا وماليا من أجل استمرار تقديم الخدمات الضرورية للاجئين. وتعاملت التوصيات مع التقارب بين إسرائيل وبعض الدول العربية بوصفها إضافة وإسهاما في سبيل التوصل إلى حل للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وهو الأمر الذي يعود بدوره إلى تأكيد صيغة ميونخ على أهمية مبادرة السلام العربية وموقف عربي جماعي في التأثير على السياسات الإسرائيلية والدفع في سبيل التوقف عن التحركات الإسرائيلية الأحادية بكل ما لها من انعكاسات سلبية على فرص التسوية الدائمة وعلى الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.

وتشير التوصيات الصادرة عن اللقاء إلى استمرار العمل والتنسيق مع كافة الأطراف من أجل استعادة العملية السياسية ومركزية الهدف الاستراتيجي للمجموعة والممثل في السلام الدائم، وبهذا تمثل صيغة ميونخ إضافة مهمة وخطوة أساسية في صالح القضية الفلسطينية. وتساهم الأطراف العربية المشاركة في مراعاة المصالح الفلسطينية، وضرورة التعامل مع الأوضاع القابلة للتصعيد وخاصة المقدسات التي تؤكد صيغة ميونخ على أهمية احترام الوصاية الهاشمية عليها، وضرورة الحفاظ على أوضاع الأحياء والسكان ومنازلهم في القدس الشرقية دون تغيير. بالإضافة إلى الحضور المستمر في لقاءات رباعية ميونخ للإشارة إلى خطورة الاستيطان وضرورة التوقف عن البناء والتوسع في المستوطنات القائمة، وهي قضية تمثل تحديا أساسيا في سبيل إعلان دولة فلسطينية مستقلة ومتصلة وقابلة للحياة.

مصر ودعم الحقوق الفلسطينية:

جاءت مشاركة مصر في صيغة ميونخ وخاصة اللقاءات المختلفة التي عقدت في الدول الأعضاء مع نهاية عام ٢٠٢٠وبداية عام ٢٠٢١في عواصم الدول الأعضاء بما فيها القاهرة لتمثل خطوة إضافية في الخطوات المصرية التي تم التحرك في إطارها من أجل الاستعداد لمرحلة ما بعد ترامب، وجهود مصر لتوفير الشروط الضرورية على الصعيد الفلسطيني من أجل تحريك المسار السياسي في فترة الرئيس الأمريكي جو بايدن. وإلى جانب صيغة ميونخ استمر التنسيق المصري مع السلطة الفلسطينية من أجل دفع جهود التسوية السياسية، ودفع جهود المصالحة الفلسطينية- الفلسطينية، ومحاولة إجراء الانتخابات البرلمانية ودفع التوصل إلى اتفاق في إطار صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وهي التحركات التي تأثرت بالتطورات على الصعيد الفلسطيني- الإسرائيلي، وغيرها من التطورات على الصعيد الإسرائيلي والأوضاع الإقليمية والدولية المحيطة التي ساهمت في تعقيد المشهد الفلسطيني على صعيد العلاقات الداخلية والعلاقات مع إسرائيل.

وفي إطار الأفكار التي تدافع عنها صيغة ميونخ حرصت مصر والأردن على الربط بين مسار ميونخ ومبادرة السلام العربية- ٢٠٠٢، والتي تربط بين الاعتراف العربي بإسرائيل والتسوية السياسية القائمة على حل الدولتين. وبالإضافة إلى عقد لقاء صيغة ميونخ ٢٤سبتمبر ٢٠٢٠في الأردن و١١يناير ٢٠٢١في مصر، ثم عقد مجلس جامعة الدول العربية في ٨فبراير اجتماعا طارئا على مستوى وزراء الخارجية بمبادرة مصرية- أردنية. وناقش الاجتماع القرار المقدم من مصر والأردن والخاص بتمسك الدول العربية بحل الدولتين ومبادرة السلام العربية بكامل عناصرها، ومطالبة إسرائيل باستئناف المفاوضات بناء على المرجعيات الدولية. واجتمع وزراء خارجية مصر، والأردن، وفلسطين في القاهرة في ٣مارس ضمن جهود تكثيف المشاورات من أجل إحياء المسار السياسي، قبل أن تعود مصر وتشارك في لقاء صيغة رباعية ميونخ الذي عقد في فرنسا في ١١مارس ٢٠٢١. وإن كانت تلك الجهود قد تمت في مرحلة تهيئة الأجواء من أجل دفع جهود السلام مع نهاية فترة ترامب، إلا أن الأوضاع تغيرت مع التصعيد الذي شهدته الأراضي الفلسطينية في أبريل ٢٠٢١وصولا إلى حرب غزة الرابعة في مايو الماضي.

بدورها تنوعت الجهود المصرية خلال وبعد حرب غزة الرابعة من التوصل إلى اتفاق وقف الحرب، إلى الجهود المستمرة للحفاظ على التهدئة الهشة القائمة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، ومحاولة توفير الظروف الضرورية للتوصل إلى هدنة أو اتفاق تهدئة طويل الأجل بما في ذلك استئناف جهود التوسط من أجل التوصل إلى صفقة تبادل للأسرى. وعلى الصعيد الفلسطيني- الفلسطيني، تستمر الجهود المصرية من أجل المصالحة وإجراء الانتخابات. كما تدعم المواقف الفلسطينية الداعية إلى التحرك على مسار التسوية السياسية، وتحسين الظروف المعيشية للشعب الفلسطيني بشكل عام وفي قطاع غزة بشكل خاص بعد معاناة الحرب من خلال الإعلان عن المشاركة في إعمار القطاع بمنحة بقيمة ٥٠٠مليون دولار، ومشاركة الشركات المصرية في جهود الإعمار التي دخلت مرحلتها الثانية في ديسمبر ٢٠٢١.

وبشكل عام، ظل الموقف المصري من القضية الفلسطينية محافظا على جوهره الممثل في الحفاظ على الحقوق الفلسطينية وتقليل المعاناة عن الشعب الفلسطيني ومساندة كل ما يصب في صالح إحياء التسوية السياسية وإعلان الدولة الفلسطينية المستقلة والقابلة للحياة وعاصمتها القدس الشرقية. وفي هذا السياق أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي في الحديث الأول بينه وبين بينيت بعد توليه مهام منصبه على دعم مصر لجهود التوصل إلى حل عادل وشامل، وطالب بمنع التصعيد، وهي المواقف التي تتسق مع مواقف مصر ضمن صيغة ميونخ.

ختاما، تمثل صيغة رباعية ميونخ إضافة مهمة بشكل عام وفي الظروف التي أعلنت فيها والأوضاع الحالية بشكل خاص. وفي حين تضيف كل التطورات المزيد من التحديات للقضية الفلسطينية، وتساهم في تهميش مكانة القضية وتؤدي إلى تراجع أولوية تسوية الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي لمصلحة قضايا إقليمية ودولية أخرى، تمثل صيغة ميونخ فرصة للحفاظ على القضايا المهمة على أجندة الاهتمام الدولي والإقليمي في أوروبا والمنطقة العربية، وتساهم في الحفاظ على جوهر قضايا الحل والتسوية وأسباب الصراع دون تغيير رغم التحديات. وبسبب تلك الإضافة المهمة التي تقدمها صيغة ميونخ، وفي ظل الجمود الذي أحاط بالقضية والتمهيش الذي شهدته السلطة الفلسطينية سواء من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة الأمريكية وأطراف أخرى، يمكن فهم الاهتمام والترحيب الفلسطيني باللقاءات وما ينتج عنها من توصيات وخاصة اللقاء الأخير الذي عقد وسط ظروف شديدة التعقيد وعلى هامش التحديات التي يفرضها إعلان بينيت رفضه إعلان دولة فلسطينية والقبول بكيان ما من شأنه استقطاع الكثير من الحقوق الفلسطينية. كما يساهم التأكيد على مبادرة السلام العربية والعلاقات العربية - الإسرائيلية في الربط بين كل التطورات التي تشهدها المنطقة ومستقبل التسوية بهدف استراتيجي، كما تؤكد صيغة رباعية ميونخ، وهو الوصول إلى السلام العادل والدائم بوصفه السلام المستدام والقادر على حماية الأمن والاستقرار في الإقليم والعالم.

 


رابط دائم: