التعاون البيئى ومواجهة التغير المناخى فى الشرق الأوسط: آفاق وتحديات
7-2-2022

محمد عبد الهادى شنتير
* باحث فى العلوم السياسية

لم يعد تغير المناخ تحدياً بيئياً فحسب، بل تحدياً تنموياً أيضاً، ولقد تزايدت الحاجة الملحة للربط بين موضوعات تغير المناخ وصون التنوع البيولوجي، والحد من التصحر، لمواجهة التحديات البيئية العالمية والإقليمية التي تؤثر بشكل مباشر فى الاقتصاد والمجتمع وأداء الحكومات.

ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ليستا بعيدتين عن هذا الاهتمام العالمى وتخرج السياسات والاستراتيجيات والمبادرات الوطنية والإقليمية التى تتماشى مع المتطلبات الدولية، وتبحث فى كيفية مواجهة أزمة المناخ، سواء من خلال أعمال التخفيف والحد من مخاطر التغير المناخى، أو من خلال جهود التكيف مع هذه الأزمة.

فى ضوء ذلك، نحاول تقديم نظرة تحليلية حول فرص وآفاق التعاون الشرق أوسطى، لمواجهة الأزمات البيئية والتلوث على أساس المسئولية السياسية للحكومات والمجتمعات تجاه البيئة، وتسليط الضوء على أبرز المبادرات الإقليمية الأخيرة فى مجال التعاون البيئى ومواجهة ظاهرة التغير المناخى، ومن ثم كيفية التقليل من انعكاسات التحديات البيئية على دول المنطقة، وتعظيم أقصى الفوائد الممكنة من التعاون البيئى الإقليمى من منظور عربى.

أولا- التهديدات البيئية فى منطقة الشرق الأوسط.. مخاطر ومؤشرات:

اعتادت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منذ فجر التاريخ على مواجهة مظاهر التهديد البيئي الناجم عن شح الموارد المائية ومحدودية الأراضي القابلة للزراعة. إلا أن التحديات البيئية النوعية التي تواجهها بلدان المنطقة قد اشتدت في الأزمنة الحديثة والمعاصرة منطويةً على طائفة من المخاطر المهددة لمستويات معيشة الأجيال في المستقبل، وارتفاع تكاليف تخفيف الآثار البيئية السلبية. فعلى الرغم من الوعي الكبير المطرد، وأوجه التحسن المشهودة على مدار السنوات الماضية، إلا أن دول المنطقة تواجه تهديدات ناتجة عن انخفاض نصيب الفرد من الموارد المائية، وانحسار الرقعة الزراعية، والمشكلات الصحية المرتبطة بالتلوث البيئي، وتدهور المناطق الساحلية، والموارد البحرية الهشة.

وترتفع التكاليف الاقتصادية للتدهور البيئي بصورة ملحوظة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. إذ تتفاوت هذه التكاليف، طبقا لدراسات البنك الدولي، بين 2.1% من إجمالي الناتج المحلي في تونس إلى 7.1 % في إيران. وتنتقل آثار هذه التكاليف المرتفعة إلى منظومة المالية العامة، وميزانيات الأسر المعيشية، وقدرة اقتصادات المنطقة على المنافسة، بالإضافة إلى وطأتها على العدالة والإنصاف فيما بين الأجيال المتعاقبة. ففي ظل المعدلات الحالية للتعدين والتدهور المستشري، لن يكون العديد من الموارد الموجودة حاليا متاحاً للأجيال في المستقبل([1]).

ومن المتوقع أن يتفاقم التهديد البيئي بسبب تغير المناخ. فمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي إحدى المناطق الأكثر عرضة للتأثر والمعاناة نتيجة لظاهرة الاحترار العالمي، وتدني معدل سقوط الأمطار، وارتفاع منسوب مياه البحار. وسوف تزداد شحة المياه (وهي الأعلى من نوعها في العالم)، علاوة على تأثر النشاط الزراعي الحساس للمناخ، وزيادة تعرض المناطق الحضرية الساحلية للفيضانات، ناهيك عن إمكانية أن يؤدي التنافس على هذه الموارد الآخذة في التضاؤل إلى تفاقم أعمال العنف والاضطرابات السياسية التي يمكن أن تمتد آثارها إلى خارج حدود هذه المنطقة([2]).

ثانيا- مؤسسات التمويل الدولية والحد من التدهور البيئى:

 فى الواقع أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي الأكثر تضرراً، ليس فقط بسبب استخراج النفط بكثافة، إنما أيضا بسبب ندرة المياه والتصحر والفيضانات الدورية. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي الفساد، ونقص البنية التحتية، وسوء الإدارة السياسية، وانخفاض الحوكمة وأداء الحكم الجيد وانتشار الصراعات والنزاعات، وعدم الاستقرار فى العديد من دول المنطقة إلى تفاقم الأزمة البيئية.

لذا، هناك اهتمام عالمي لإيجاد سبل مواجهة الكوارث البيئية والحد من آثارها فى منطقة الشرق الأوسط، وفى هذا الصدد نجد توصيات البنك الدولي التى تؤكد على أهمية ثلاثة مسارات عمل مكملة في المساندة التي يقدمها البنك الدولي، لتحسين البيئة والحد من المخاطر المترتبة على استمرار التدهور، ويتمثل ذلك فيما يلى:

1- زيادة مستوى الوعي لدى صانعي القرارات والمواطنين بوجه عام إزاء درجة التدهور البيئي (في الحاضر والمستقبل) وآثاره وتداعياته. والواقع أن الدراسات المعنية بتكلفة التدهور البيئي التي تم إجراؤها بشأن معظم البلدان تحدد القيمة النقدية للخسائر التي يتكبدها البلد المعني مع إمكانية مقارنتها بمقاييس النشاط الاقتصادي، مثل مقدار النمو الضائع، وبالتالي تغذية السياسة الاقتصادية بالاستراتيجيات، ودعوة جميع الهيئات والمصالح إلى مشاركة الهيئة المعنية بالبيئة في تحمل المسئولية. ومن شأن أنظمة الرصد والتقييم أن تقدم معلومات للمواطنين حول مدى نضوب الموارد، ومعدلات التدهور والتلوث البيئي، ومن ثم تهيئة الأساس اللازم لانخراط المواطنين في منظومة العمل الجماعي لتحسين إدارة البيئة. وتتركز أقصى درجات الأولوية في رفع الوعي الإدراكي لدى أصحاب المصلحة الحقيقية المباشرة بقضايا تغير المناخ وآثاره المحتملة.

2- الوقاية من تدهور البيئة وتخفيف آثاره، من خلال تحسين الأطر التنظيمية، وتعزيز نشاط إنفاذ القوانين واللوائح التنظيمية ذات العلاقة. ويساعد تحسين نوعية التقييم البيئي وتعزيز فعالية البلدان في هذا الصدد على تخفيف الآثار السلبية لمشروعات التنمية وبرامجها، إذ إنه في مقدور مجموعة القواعد التنظيمية الملائمة المصحوبة بآليات الإنفاذ المناسبة أن تؤدي إلى إيجاد حوافز سلبية قوية لوقف استنفاد البيئة ونضوب مواردها. ففي حالات محددة، فإن الأنظمة النوعية المدفوعة باعتبارات المجتمعات المحلية تحمل بين ثناياها حوافز الإنفاذ الذاتي النابعة من رصد الأقران، ويمكنها أن تصبح نهجا متسما بفعالية التكاليف في مجالات الإدارة الذاتية للبيئة.

3- خلق حوافز إيجابية دافعة للممارسات البيئية السليمة، إذ تُفضي هذه الممارسات إلى إيجاد الفرص الاقتصادية والمالية. فبينما تزداد شحة موارد البيئة وطاقاتها، تعمل الأسواق أو الترتيبات المؤسسية الأخرى على تحديد قيمة للخدمات البيئية وتفسح المجال لتحقيق تلك القيمة. فآلية التنمية النظيفة، التي تم إنشاؤها بموجب بروتوكول كيوتو واتفاقية باريس، تقوم -على سبيل المثال- بتمويل مشروعات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للحد من انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري كالمشروعات المنفذة في قطاع النفايات الصلبة على سبيل المثال([3]).

ثالثا- مواجهة التحديات البيئية فى الشرق الأوسط: نماذج من الجهود والمبادرات:

تتسم منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بوجود نهج إقليمي بغرض إدارة الموارد البيئية بفعالية، وإعداد مجموعة مشتركة من المبادئ وإطار للتعاون من أجل الحوار والعمل العابر للحدود. ونجحت في هذا الصدد في تنفيذ عدد من المشاريع، من قبيل: برنامج العمل الاستراتيجي من أجل البحر الأحمر، وبرنامج المساعدة التقنية في منطقة البحر الأبيض المتوسط، ومؤخراً الشراكة الاستراتيجية المعنية بالنظام الإيكولوجي البحري الكبير في منطقة البحر المتوسط. كما تعاونت مع إدارة منطقة إفريقيا في تنفيذ مبادرة حوض النيل ومشروع المخزونات الإفريقية.

 

فقد باتت الاضطرابات المناخية المستمرة تثير وعيا متزايدا في هذه المنطقة المضطربة من العالم، حيث اعتادت الصراعات المتعددة والتوترات الجيو-إستراتيجية المستمرة على ترحيل القضايا البيئية إلى المستوى الثاني من الأولويات الحكومية. وأصبحت فيها انبعاثات غاز الدفيئة المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري أعلى من الانبعاثات المماثلة في الاتحاد الأوروبي.

فى إطار ذلك، تعززت أوجه التعاون فيما بين البلدان الواقعة على حوض البحر المتوسط بعد إطلاق مبادرة "الاتحاد من أجل المتوسط" في يوليو 2008، مع التركيز بشكل خاص على إزالة التلوث في البحر المتوسط في سياق برنامج "آفاق سنة 2020". وهناك شراكات بين المانحيين الدوليين والمؤسسات الإقليمية في إدارة وتنفيذ هذا البرنامج.

كذلك، هناك برامج تعاونية ثنائية أو متعددة بين بعض دول المنطقة بموجب برنامج المساعدة الفنية المستردّة التكاليف، التابع للبنك الدولى، بهدف رئيسي لتمكين البلد المتعامل من تنفيذ إصلاحات تدعيم المؤسسات في قطاع البيئة. وقد تم إحراز تقدم بالنسبة للجزائر ومصر فى إدارة النفايات الصلبة وآلية التنمية النظيفة([4]).

ومن بين المبادرات أيضاً، برنامج العمل والشراكة البيئية لمنطقة الخليج (GEPAP)، الذي يهدف إلى الحفاظ على التنمية المستدامة للممرات المائية بمنطقة الخليج على الأمد الطويل، وحمايتها والترويج لها. وسيعزز هذا البرنامج أواصر التعاون فيما بين الحكومات، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني بشأن البيئة من خلال تنمية المعارف وتشجيع الاستثمارات. وهذا البرنامج يكمل عمل المبادرات والأنشطة الإقليمية الأخرى ويتعاون معها.

كما أطلقت المملكة العربية السعودية منتدى "السعودية الخضراء"، وقمة "مبادرة الشرق الأوسط الأخضر"، فى أكتوبر فى 2021، بمشاركة عالمية وإقليمية، وتعد هذه المبادرة بداية جديدة لتوجه موحد للحفاظ على البيئة على أساس تشاركى وتعاونى إقليمى-عالمى، كما تهدف إلى تشكيل أول تحالف لمكافحة التغير المناخي، في الشرق الأوسط،ووضع أسس دبلوماسية المناخ وتعزيز الإرادة السياسية لإحداث تغيير جذري([5]).

ختاماً،عادة يولى الشرق الأوسط للقضايا الجيو-استراتيجية الأولوية على القضايا البيئية، ويبدو أن الاضطرابات المناخية قد باتت لها اليد العليا على مسار العلاقات بين دوله، ورسم قواعد اللعبة إلى التغير بدورها. فها هي دول المنطقة أمست تسعى إلى التعاون، بعضها بعضا من أجل مكافحة تلك الظاهرة التي تضعضع بنيانها جميعا بصورة غير مسبوقة.

إذ يتمثّل التحدّي الأكبر الذي يواجه الشرق الأوسط، مثل سائر مناطق العالم، في إعادة إرساء السلامة البيئية فى ظل حدود تكاد محدودة، واسترجاع التوازنات التي تسهم في رسم مسار اجتماعي-اقتصادي مختلف، والتكيّف مع التغيُّر المناخي وعكس مفاعيله مع مرور الوقت.

لكن تأثير التغير المناخي على النزاعات المستقبلية سيظل ضربا من التخمين إلى حد ما، ومع ذلك، تُظهر الأحداث التاريخية الأخيرة إمكانية أن يؤدي تغير المناخ الملحوظ والسريع إلى تفاقم عدم الاستقرار السياسي والهشاشة في أفقر المناطق في حوض البحر الأبيض المتوسط، وهو ما يمثل عاملا إضافيا في زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، وليست دول المنطقة في استعداد لتحمل تكلفته المتزايدة. ويتفق قادة دول وحكومات المنطقة على أهمية العمل لوضع خريطة طريق إقليمية لمواجهة التحديات البيئية.

تتطلّب السياسات البيئية نمطين من التدخلات وإحداث التغيير، وهما التكيّف والتحوّل. فمن ناحية التكيّف، باتت الكوارث المرتبطة بالمناخ جزءاً من نظام الأرض بسبب الانبعاثات السابقة والتدهور البيئي، وتتطلّب مرحلة التكيف ضمان القدرة على احتواء الصدمات بصورة مستمرة في المستقبل، وبالتالي تكاتف الجهود والموارد على الصعيديْن الدولي والإقليمي، إضافةً إلى إعادة تصميم المساحات الطبيعية لتخفيف حدة الكوارث، وتخزين أكبر كميات ممكنة من مياه الفيضانات. بينما مرحلة التحوّل، فهي صعبة ومحفوفة بالتحديات، فالتغيّر المناخي يستدعي إعادة نظر جذرية للأنظمة السياسية والاجتماعية-الاقتصادية فى سياساتها الاستخراجية والتوزيعية، مما يعني تغيير آليات عمل قطاعات الزراعة، والطاقة، والبنى التحتية، وسائر الأنظمة الاقتصادية وعلاقاتها بالبيئة. ويشمل ذلك أيضاً، التفكير في أنظمة حكم قادرة على توفير مساحة آمنة للسكان وبيئة صالحة للعيش.فلا مناص على العمل الجماعي الإقليمى والعالمى، والتعاون والشراكة من أجل مواجهة المخاطر البيئية في منطقة الشرق الأوسط.

الهوامش:


[1]البيئة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا،  Fanack، 17 أغسطس 2021، في: https://fanack.com/ar/environment-in-the-middle-east-and-north-africa

[2]هل ستبقى منطقة الشرق الأوسط صالحة للعيش؟، مركز كارنيجي للشرق الأوسط، مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، 26 نوفمبر 2020، فى: https://carnegie-mec.org/diwan/83256

[3]البيئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، البنك الدولى، سبتمبر 2008، فى: http://web.worldbank.org/archive/website01016/WEB/IMAGES/ENVIRO-2.PDF

[4]رب ضارة نافعة... عندما يدفع التغير المناخي دول الشرق الأوسط إلى التقارب، france24، 4 نوفمبر 2021، فى: https://www.france24.com/ar/%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9

[5]خبراء عن «مبادرة الشرق الأوسط الأخضر»: بداية لتوجه عربي موحد للحفاظ على البيئة، صحيفة الرؤية، 23 أكتوبر 2021، في: https://www.alroeya.com/


رابط دائم: