الترجمة والصياغة القانونية وتحديات التخصص والخصوصية
14-12-2021

د. مروة المرابط
* دكتوراه فى القانون البحري، جامعة الإسكندرية، خبيرة الترجمة والصياغة القانونية، مدير مركز الدولية للترجمة والدراسات

 تعتبر علوم الصياغة والترجمة من العلوم القديمة، والتي عني بها الإنسان لتفسير الظواهر والتعامل مع المخلوقات، وذلك وفقا لما ورد في آيات الذكر الحكيم؛ بسم الله الرحمن الرحيم "وعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ" الآية (31) سورة البقرة ، صدق الله العظيم.

وتحتل علوم المترادفات والترجمة مجالا واسعا للتطبيق والدراسة، خاصة في المجال القانوني، والذي كثيرا ما تسوده الدراسات المقارنة بين الأنظمة القانونية والتشريعات وهو ما يستدعي التعمق في دراسات اللغات والمترادفات والترجمة القانونية المتخصصة، والتي أصبحت بلا شك من أساسيات وأدوات العمل القانوني الذي لا غنى عنها لمن يمارس عملا في مجال القانون، وصارت مسألة دراسة أصول الصياغة القانونية باللغتين العربية والإنجليزية من الأهمية بمكان في هذا العصر.

ولا شك فى أن الترجمة القانونية وما يترتب عليها من علوم الصياغة التشريعية في مجالات اللغة القانونية بين تشريعات ومواثيق دولية وعقود وقرارات ولوائح وعرائض وفتاوى قانونية لها أهميتها وتحدياتها حيث أنها تتراوح بين مواصفات المترجم القانوني كصفات خاصة لمن يمارس أعمال الترجمة من التعامل مع المعاجم وسياق العبارات والأفكار، بجانب التخصص اللازم والحرفية في اللغة القانونية على وجه الخصوص، وما في ذلك من التحديات التي يواجهها وإشكاليات الترجمة القانونية.

ومع اتساع اللغة العربية وكونها لغة متحركة ومتطورة تستوعب الكثير من الأفكار إلا أن اللغة القانونية كانت دائما مجالا متخصصا ومحط اهتمام الفقة والقضاء، ويتجلى ذلك من خلال العناية الفائقة التي خصها الباحثون لمجال لغة القانون، من أمثال مونتسيكيو في مؤلفه القيم (روح القوانين). فالمتتبع للتطور التاريخي سيتجلى له المراحل التي شهدتها الترجمة القانونية بدءا من القانون الروماني، وقانون الألواح الإثنى عشر.

وتعتبر اللغة القانونية عامة ومجردة، فهي تخاطب الصفات لا الذوات ويتم التعبير عن خاصية العموم والتجريد من خلال استعمال أدوات، مثل "كل من"، "كل شخص"، "متى".

كما تتميز اللغة القانونية بمقومات وأهمية خاصة وبكثرة استخدام الفعل المضارع في اللغة القانونية، واستخدام صيغة المبني للمعلوم (أي تحديد شخص الفاعل) المكلف بتنفيذ الحكم القانوني أوالشخص مرتكب المخالفة، كما تستعمل صيغة المذكر للدلالة على الذكر والأنثى.

بجانب أن الترجمة القانونية، تتركز على المستندات والمواضيع القانونية، مثل العقود، البنود، الوثائق، وأي أوراق لها علاقة بالقانون، وتتطلب الترجمة القانونية مهارة عالية وخبرة بمجال القانون بسبب صعوبتها ودقتها والمصطلحات الصعبة التي تملكها. ويجب على المترجم أن يمتلك الخبرات والمهارات اللازمة ليتخصص بمجال الترجمة القانونية، فيكون لديه إلمام شامل بالنظم القانونية لجميع دول العالم. وتعتبر الترجمة القانونية من أصعب أنواع الترجمة بسبب التحديات التي يوجهوها المترجمين القانونيين من مشاريع دولية قانونية، فيجب ألا يقترف المترجم أي خطأ فى مستندات المشاريع التي تكلف أموالا طائلة.

وتبرز أهمية دراسة الصياغة القانونية باللغتين العربية والإنجليزية في ضوء الاتجاه الدولي لتوحيد القوانين في مختلف أنحاء العالم ووضع الاتفاقات الدولية الملزمة، وقد ترتب على كل ذلك، أن أصبحت كل دولة لا تستطيع أن تسن قوانينها بمعزل عن قوانين والاتفاقيات الدولية. وعلى سبيل المثال، قانون التحكيم المصري، وقوانين الطفل، والإتجار في البشر أو تشريعات الاستثمار، وحماية البيانات الشخصية، والتي تتميز بتشابه وتوحيد على مستوى العالم على نحو حديث وتقني متقدم، والتي جاءت نتاج الترجمة والدراسات المقارنة مع الاتفاقيات الدولية وتشريعات الأنظمة القانوني الأخرى، إلى جانب أنه لا يخفى على المتخصصين في علوم الترجمة القانونية مراعاة أن معظم الاتفاقيات الدولية تصاغ أساسا باللغة الإنجليزية، فإن النص الانجليزي للاتفاقية يكون هو النص الملزم للدول الأعضاء الموقعة عليه، حتى لو كان مصحوبا بترجمة معتمدة باللغة العربية.

إلا أنه، ولما كانت الترجمة القانوني هي عمل بشري، فقد يشوبها دائما بعض القصور أو الأخطاء التى ليست هي عين المشكلة الا أن المشكلة هى تسرب ذلك الخطأ وانتقاله بالتأكيد إلى نصوص القانون المحلي، أو على الأقل التأثير فيه .

وعلى سبيل الخصوصية، والتي تؤكد أن ممارس للعمل القانوني يجب أن يتحلى ببعض المهارات بجانب العلم القانوني للقيام بأعمال الصياغة، ومن ذلك :

- الإتقان التام للغة المستخدمة وقواعدها: يجب على المترجم القانوني أن يمتلك مهارة اللغة الكاملة من قواعد وبلاغة وإملاء ومصطلحات لكلتا اللغتين: لغة المصدر واللغة المطلوبة.

- المعرفة الكاملة للنظم القانونية للبلدان العالم المختلفة: فكل دولة تحتوي على نظام قانوني خاص بها. فعلى المترجم أن يكون متمكن وذا معرفة شاملة بهذه النظم بلغة المصدر ولغة المطلوبة.

- أن يكون حاصلا على المؤهلات والدراسات العليا والتدريب اللازم: في اللغات وتخصصه القانوني ليمارس الترجمة القانونية باللغة المطلوبة.

- أن يمتلك الخبرات والمدد الكافية اللازمة بهذا المجال: على المترجم أن يكون لدي خبرة كافية، بمعنى أن يكون متمرس لهذه المهنة بعدد من سنوات العمل، لأن كلما عمل المترجم بهذا المجال أخذ خبرة كافية ليعد مترجما ماهرا ومحترفا فى مجال الترجمة القانونية. لذلك، صار من الضروري في الوقت الحالي، ليس فقط إجراء الترجمة بشكل سليم، وإنما تعليم وتدريب المتخصصين في مجال القانون على إجراء الترجمة ذاتها، وليس فقط فهم النصوص المترجمة.

ومما سبق، ننتهي إلى استنتاج ضروري هو أن عمل المترجم القانوني بكل هذا القدر من التخصص والخصوصية لا شك فى أنه يتفاعل مع تحديات مهمة، منها:

-  اختلاف في المصطلحات القانونية واللغوية: تتأثر المصطلحات القانونية بالسياسة وثقافات وأنظم دول العالم واختلاف اللغة، وتتغير هذه النظم من دول لأخرى، فيجب على المترجم القانوني مواكبة هذه التغيرات، ووجود أي خطأ أوفهم خاطئ لسياق هذه الأنظمة والسياسات في الترجمة للغة المطلوبة قد يؤثر فى معنى المستندات والنصوص المترجمة مما يؤدي إلى عواقب وآثار قانونية وخيمة.

- الأسلوب القانوني بين دول العالم: يختلف الأسلوب القانوني وطرق الترجمة والصياغة من دولة لأخرى مع اختلاف الثقافات والعادات والتقاليد لكل دولة، فكل أسلوب يتأثر باللغة والعادات والتقاليد، مثل ما قد يلاحظه القانونيون من اختلاف بين الصياغات والترجمة القانونية في دول القانون اللاتيني، ودول القانون الأنجلوسكسوني.

-  درجة الصعوبة والتخصص المطلوب في الترجمة القانونية: تتسم الترجمة القانونية بالصعوبة، فنجد هذه الصعوبة عند ترجمة نص قانوني، من خلال نظامين قانونيين مرتبطين بلغة المصدر ولغة الهدف، والترجمة القانونية بذاتها معقدة في كثير من الجوانب.

إن العمل القانوني عمل مستمر ومتطور يحتك بالكثير من المجالات، وإذا كانت مجالات التخصص القانوني تتطلب التعمق والدراسة بما قد يتاح للقاضي أو المحامي والباحث من الدراسات العليا ومجالات التدريب المتخصص في فروع القانون المختلفة، إلا أنه، في إطار تدويل وشمولية العمل القانوني، لابد أن يلتفت العاملون في المجال القانوني إلى علوم اللغة والترجمة وأصول الصياغة القانونية واتقان ما يسمى لغة القانون حيث أصبح ذلك من متطلبات ومؤهلات العمل القانوني في العصر الحديث.


رابط دائم: