كلوب هاوس .. إعادة بناء للنخب الافتراضية أم اختراق جديد للعقول؟
15-8-2021

د.أسامة السعيد
* كاتب ومحاضر إعلامي، نائب رئيس تحرير جريدة الأخبار

لا يحتل تطبيق كلوب هاوس Clubhouse قمة وسائط التواصل الاجتماعي الأكثر استخداما أو رواجا في العالم، فلا يزال "فيسبوك" قابضا بقوة على تلك القمة. لكن النمو السريع، والإقبال اللافت للتطبيق الصوتي الأبرز خلال العامين الماضيين، يكشف أن ثمة أمورا تبدو مختلفة في هذا الوافد الجديد إلى عالم عمالقة التكنولوجيا Tech Giants، التي تستحوذ على النصيب الأوفر من كعكة النمو الاقتصادي في عالم اليوم، ومؤهلة لمواصلة الصعود في عالم ما بعد كورونا، بل إن تلك الشركات العملاقة لم تعد مجرد محركات للبحث وتداول المعلومات وعرض الرؤى الشخصية فحسب، بل باتت تمثل محركات فكرية، ومنصات سياسية بامتياز، يتجاوز تأثيرها في معظم بلدان العالم ما تقوم به المؤسسات الإعلامية والثقافية التقليدية.

ويثير النمو السريع واللافت للتطبيق الأمريكي الجديد أسئلة متعددة حول الدور الذي سيلعبه، ويتشابه أو يختلف مع منافسيه من التطبيقات التواصلية الأخرى، فضلا عن توظيفه السياسي والثقافي في العديد من بلدان العالم، بفضل استخدامه لتقنيات الحوار الصوتي بديلا للكتابة التي تعتمد عليها معظم التطبيقات الأخرى، الأمر الذي يجعله منصة ذات تأثير أعمق، رغم كل ما يثار بشأن اختراقه أمنيا وتقنيا، أو أهدافه بالتركيز على النخب الاقتصادية والسياسية والفكرية، كمحرك للنقاشات التي تدور يوميا على منصة Clubhouse  في أكثر من 600 ألف غرفة حوار بكل لغات العالم.

استقطاب النخبة:

اتسمت تطبيقات التواصل الاجتماعي بشعبوية ظاهرة بحكم الأعداد الكبيرة لمستخدميها، ورغبتها المحمومة لضم أعداد أكبر من المتفاعلين والمتابعين. صحيح أن الكثير من أفراد النخب السياسية والاقتصادية والثقافية والفكرية استخدمت تلك الوسائط في مراحل متعددة كوسييلة للتفاعل مع قطاعات غير محدودة زمانيا ومكانيا من الجمهور، إلا أن الغالبية الكاسحة من وسائط التواصل الاجتماعي تبقى شعبوية الأداء بصورة واضحة.

ومن هنا ربما جاء الاختلاف المميز الأول لتطبيق Clubhouseكمحاولة للتغلب على تلك الصفة الشعبوية، وتكوين منصة جديدة تستقطب النخب من مختلف الأوساط إلى الواقع الافتراضي، ومنحها قدرا وافرا من الخصوصية، سواء في اختيار الموضوعات المطروحة أو دعوة من يرون أنه جدير بالدخول إلى غرفهم الافتراضية للحوار والنقاش وفق قواعد يحددونها هم.

حتى اختيار الاسم Clubhouse  لم يخلُ من رمزية واضحة، ودلالة لا تخطؤها عين التحليل الدلالي للكلمة، فاسم التطبيق الذي اقتصر عند بداية طرحه على مستخدمي أنظمة iOS، الخاصة بمنتجات شركة Apple، صاحبة المكانة الاجتماعية الرفيعة وسط شركات التكنولوجيا، يأتي مقتبسا من عالم أندية رياضة الجولف وسياحة اليخوت. فالنادي أو الـ Clubhouse  هو مكان لاجتماع أصحاب الياقات البيضاء لتبادل النقاش والحوار قبل وبعد ممارسة رياضاتهم الفارهة، فضل عن كونه مكانا مثاليا لعقد الصفقات التجارية بعيدا عن رتابة المكاتب التقليدية، وفي أجواء أكثر راحة وحميمية بالنسبة لصناع الصفقات ورموز عالم الأعمال.

ويبدو أن تلك الفكرة والمدلول لم يكونا بعيدين عن رؤية  مؤسسي تطبيق Clubhouse  "بول دافيسون Paul Davison  " و"روهان سيث Rohan Seth"، اللذين طرحت شركتهما “Alpha Exploration Co”، النسخة الأولى للتطبيق في الولايات المتحدة مع بداية جائحة كورونا في ربيع 2020، كما اعتمد في تسويقه الأول وظهوره إلى العالم على الترويج في أوساط النخب الاقتصادية والإعلامية والسياسية البارزة، فكان بدايته القوية مع احتضان كبار رجال الأعمال والمشاهير للوافد الجديد إلى ساحة التواصل الاجتماعي، مثل الملياردير الأمريكي ومؤسس شركة "تسلا" إيلون ماسك، والإعلامية الأمريكية أوبرا وينفري، بعدها بدأ التطبيق يلقى رواجاً أكبر مع ظهور شخصيات شهيرة على منصته، كمؤسس "فيسبوك" مارك زوكربرج، ومؤسس تويتر "جاك دورسي"، وغيرهم من الشخصيات الشهيرة المؤثرة. وسرعان ما توسعت قاعدة مستخدميه، لتشمل الشباب والسياسيين والموسيقيين وغيرهم، كما زادت عمليات تنزيل التطبيق وتجاوزت 13 مليون عملية حتى نهاية شهر فبراير2021 علي مستوي العالم، وتضاعفت تلك الأرقام مع إتاحة التطبيق لمستخدمي أنظمة تشغيل أندرويد الأكثر انتشارا عالميا.

وبحسب  مؤسسي Clubhouse، وكلاهما مرتبطان بمجال صناعة التكنولوجيا من أدوار سابقة في الشركات الكبرى، إن هدفهما مع التطبيق الجديد هو "بناء تجربة اجتماعية تبدو أكثر إنسانية، حيث يمكنك بدلاً من النشر، الاجتماع مع أشخاص آخرين والتحدث سويا".

صعود جماهيري واستثماري:

وتشير تقارير وأرقام حديثة إلى أن الصعود الكبير والانتشار اللافت للتطبيق في مختلف أنحاء العالم تثير حوله الكثير من علامات الاستفهام وربما التعجب، فإجمالي تنزيلات التطبيقات منذ  شهر مايو الماضي تضاعفت ثلاث مرات تقريبًا على أساس شهري، وفقًا للبيانات الحديثة التي أطللقتها مؤسسة Sensor Tower، المعنية بأنشطة الشركات التقنية، وقد تم تنزيل Clubhouseنحو 5.3 مليون مرة خلال أول 15 يوما من شهر يونيو الماضي، بزيادة 39.4٪ مقارنة بـ 3.8 مليون عملية تنزيل للتطبيق في مايو، الذي شهد إطلاق نسخة التطبيق لأجهزة الأندرويد، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 179٪ على أساس شهري.

ولا تقتصر الأرقام اللافتة التي يحققها الوافد الجديد من وادي السيليكون على مستوى المستخدمين، بل تصل أيضا إلى مستوى الاستثمارات، والقيمة السوقية التي باتت تشهد قفزات تبدو مدهشة أحيانا، في اقتصاد مأزوم بفعل جائحة كورونا، فقيمة التطبيق قفزت من 100 مليون دولار عند إطلاقه في ربيع  2020 إلى مليار دولار في  يناير من العام الجاري، أي أنه تضاعف عشر مرات في ثمانية أشهر تقريبا.

 وتُشكل هذه الانطلاقة القوية وضعًا غير مألوف بالنسبة لتطبيق تواصل اجتماعي في هذه المرحلة المبكرة من إطلاقه، كما أنها تعكس رهانًا على أن التطبيق الذي وفر منفذا اجتماعيا افتراضيا لبعض الأشخاص في أثناء جائحة كورونا، سيستمر في جذب مستخدمين جدد بعد استئناف الأنشطة الاجتماعية بشكل مباشر، وليس بشكل افتراضي.

وتتوقع بعض التقارير أن تتجاوز قيمة التطبيق 4 مليارات دولار، خلال أشهر معدودة أخرى، بفعل الإقبال القوي على الاستثمار بالتطبيق، الذي تساهم فيه حاليا 180 مؤسسة استثمارية وصندوق رأسمالي، وهناك لائحة طويلة من راغبي الاستثمار في التطبيق الصاعد بقوة، والذي بات يحتل حاليا المرتبة الخامسة بين التطبيقات الأكثر تحميلا في الولايات المتحدة، والأولى في دول أخرى مثل الهند، التي باتت السوق الرئيسي الذي دفع التحول الأخير الذي حققته Clubhouse، حيث تم تنزيل التطبيق 4.2 مليون مرة حتى يونيو الماضي في الهند ، وهو ما يمثل 79٪ من إجمالي التنزيلات ليرتفع عدد مرات تنزيل Clubhouseإلى ما يقرب من 26 مليون مرة منذ إطلاقه.

كما أن الأنباء المتواترة بشأن انتهاج التطبيق سياسة تحقيق الأرباح لمستخدميه وصُناع المحتوى على منصاته، يمكن أن تدفع به إلى آفاق جديدة باعتباره منصة تجارية مربحة، فالتطبيق حتى الآن مجاني، لكن بعض التقارير تشير إلى إمكانية تحوله خلال الآونة المقبلة إلى منصة ربحية على طريق يوتيوب وتيك توك.

تسييس التطبيق:

ورغم المزايا غير المسبوقة التي يوفرها التطبيق من حيث سهولة التواصل، والاستفادة للمستخدمين إلا أنه شأن باقي تطبيقات التواصل الاجتماعيي واجه تحديين رئيسيين: الأول له صلة بضمان مشروعية المحتوى، والآخر يتعلق بمراعاة الخصوصية في التعامل مع بيانات المستخدمين. فعلى عكس شبكات التواصل الاجتماعي الأخرى التي تعتمد بشكل كبير على الكتابة، فإن Clubhouseقائم على الصوت، وليس النص، مما يجعله يبدو وكأنه "بودكاست" تفاعلي أو مكالمة جماعية.

ووفقًا لمجلة “entrepreneur” الأمريكية، يُسهم التطبيق في توفير إمكانية وصول مباشر للمشاهير والأشخاص المتميزين وأصحاب الخبرات ورواد الأعمال على مستوى العالم، كما أنه يُحقق هذا التواصل دون أي متاعب بعكس غيره من التطبيقات، وهو ما جعل التطبيق في عدة دول أشبه ما يكون بملتقى الأثرياء وأصحاب المشاريع الكبرى، فالمحادثات داخله تحتفي بمجرد انتهائها، كما أنها لا تسلم لأي جهة مما يجعلها وجهة لإجراء نقاشات تتعلق بكافة الموضوعات دون القلق من مسائل التسريبات والاختراق وغيرها.

وبات تسييس تطبيقات التواصل الاجتماعي يمثل واحدا من الآفات سريعة الانتشار خلال السنوات الماضية، فسرعان ما تتحول الموضوعات الاجتماعية، ومحادثات تبادل الاهتمامات الشخصية إلى منصات سياسية، ولا يبدو الأمر مستغربا في ظل تحولات جوهرية يشهدها العالم، وتكرس لفكرة اختفاء الفاعلين الرسميين التقليديين، لمصلحة ظهور الفاعلين غير التقليديين، وينطبق الأمر هنا من ممارسة السياسة إلى ساحات الصراع والحروب غير التقليدية.

ولا يبدو تطبيق Clubhouseاستثناء من عدوى التسييس التي سرعان ما تصيب تطبيقات التواصل الاجتماعي، بل إن تنامي معدلات المحتوى السياسي على المنصة الجديدة بات يمثل واحدا من الظواهر اللافتة لأي مراقب. فبحسب الأرقام المعلنة رسميا من جانب التطبيق، فإنه يوجد حتى مطلع أغسطس الجاري نحو 600 ألف غرفة نشطة للحوار على التطبيق يوميا، وقد تضاعف هذا الرقم في أقل من ثلاثة أشهر إذا كان يقف عند عتبة 300 ألف غرفة فقط في مايو من العام الجاري.

 ورغم عدم وجود أرقام معلنة حول طبيعة التصنيفات لموضوعات النقاش داخل غرف الحوار الصوتي على المنصة، إلا أنه عبر العديد من الجولات لعينات عشوائية من الغرف، خاصة العربية منها، يبدو أن تسييس التطبيق، واستخدامه كمنصة لحوارات مفتوحة، وغير خاضعة للمراقبة يمثل اتجاها متناميا بقوة، لاسيما من تيارات سياسية ودينية ومذهبية غير حاضرة على ساحة النقاش الإعلامي والثقافي في العديد من المجتمعات العربية، وتجد في الفضاء الافتراضي غير المراقب ساحة مناسبة لمساحات من "التنفيس"، وأحيانا الصراع واجتذاب الأنصار والمؤيدين عبر تلك المنصات.

ويبدو أن تلك الصفة السياسية التي برزت سريعا مع انتشار التطبيق في العديد من البلدان، قد أثارت بشأنه الكثير من المخاوف، فسارعت الصين إلى حظره في شهر فبراير الماضي بعد أن بدأ Clubhouseفي اكتساب شعبية كبيرة، وذلك بعد عدة أشهر من مراقبتها لمعدلات عالية من جانب مواطنيها على تحميل التطبيق الجديد، الذي لم يكن مدرجا على لائحتها للتطبيقات الغربية الخاضعة للرقابة، ورصدها لنمو لافت، وربما مزعج، للسلطات الصينية لمناقشات عبر منصة التطبيق حول موضوعات من بينها معسكرات الاعتقال في شينجيانج، واستقلال تايوان وقانون الأمن القومي في هونج كونج.

وأعلنت عدة دول أخرى وقف استخدام التطبيق لديها، ومنها سلطنة عُمان، التي أمرت سلطاتها قبل شهرين تقريبا، بشطب تطبيق "Clubhouse" للتواصل الاجتماعي لعدم حصوله على الترخيص المطلوب في البلاد، وأوضحت هيئة تنظيم الاتصالات في السلطنة أن جميع التطبيقات المعنية بالاتصالات أو استخدامات الاتصال المرئي عبر الإنترنت تحتاج إلى تصريح منها، ولذلك تم وقف التطبيق لكونه غير مرخص به محليا، واستدعت تلك الإجراءات سجالات بشأن القرار، ومدى ارتباطه باعتبارات سياسية أو فنية.

ويتداول ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي بعدة دول عربية أخرى، معلومات بشأن وجود صعوبات فنية في الدخول إلى غرف الحوار الصوتي على "Clubhouse" ، ويربطون ذلك بتصاعد الاستخدام السياسي للتطبيق في مناقشة موضوعات وقضايا ذات حساسية لا يُسمح بمناقشتها على نطاق واسع في فضاءات الإعلام التقليدي. ويشير مراقبون، على سبيل المثال، إلى "قضية الفتنة"، التي شهدت الساحة الأردنية سجالات واسعة بشأنها خلال الأشهر الأخيرة، والتي ضجت غرف الحوار على "Clubhouse" بأحاديث حولها، وربط مراقبون وجود صعوبات فنية في الدخول لاحقا إلى التطبيق بتلك التطورات، وهو ما نفته السلطات الرسمية الأردنية.

هذه المناقشات بشأن الدور السياسي المتصاعد لتطبيق "Clubhouse" ربما تشير إلى أننا بصدد تطبيق جديد قد يفوق في تأثيره ما سبقه من منصات اجتماعية، فالتطبيق الصاعد بقوة يتمتع بميزة الحوار المباشر والآني بين المتحدثين، وعبر استخدام الصوت، الذي يوفر للقائمين بالاتصال عبر غرفه المتعددة قدرات تأثيرية أعلى، لا تتوافر غالبا للتطبيقات التي تعتمد بالأساس على الكتابة في إنتاج المحتوى، فضلا عن أن الحوار غير مراقب، ولا يمكن تسجيله، ويتم محو المحتوى بعد إغلاق غرفة الحوار، أي أن الأمر يعتمد على اللقاء المباشر بين المتحدث والمشاركين، وهو ما يمكن أن يكون أداة لتواصل مفتقد نتيجة عوامل قانونية أو سياسية أو مجتمعية، أو حتى أخلاقية، بين بعض الشخصيات المحسوبة على المعارضة السياسية أو الدينية أو غيرها عبر حوار مباشر مع فئة واسعة من الشباب (الأكثر إقبالا على استخدام منصات التواصل الاجتماعي وتجربة الجديد منها)، الأمر الذي يعيد إلى الأذهان إمكانية إعادة إنتاج تجربة "فيسبوك" و "تويتر" في سنوات ما قبل 2011، ودوره المحوري في أحداث ما يسمى بـ"الربيع العربي".

تحديات أمنية وأخلاقية:

التحديات التي تواجه "Clubhouse" لا تتوقف على المحتوى المسييس، ومسارعة بعض شخصيات وتنظيمات معارضة في العديد من البلدان إلى استغلاله، فالأمر يتعدى إلى وجود تحديات أمنية وأخلاقية لا تقل أهمية، فضلا عن تحديات تقنية يمكن أن تتماس مع بقية التحديات أيضا، فجميع منصات التواصل تعمل حاليا على مراقبة المحتوى على صفحاتها، سواء احتواء انتشار الأخبار المزيفة أو محاصرة خطاب الكراهية والممارسات  ذات الطبيعة العنفية أو التحرش، وذلك من خلال خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي باتت واحدة من أكثر التقنيات نموا في منصات التواصل الاجتماعي خلال السنوات الخمس الماضية.

لكن الأمر يبدو مختلفا في "Clubhouse" كونه يعتمد على المحادثات الصوتية الحية التي لا يمكن – بحسب خبراء تقنيين- لأي نظام حتى اليوم رصد ومتابعة ملايين النقاشات الحية التي تجري عليه، ولا مراقبة جميع لغات العالم، لذا فالتخوف من هذا التطبيق يكمن من عدة  نواحٍ، على سبيل المثال، في عدم القدرة على الحد من التحرشات اللفظية أو المعنوية أو التنمر، وعدم القدرة على مراقبة وتتبع الغرف التي تجري فيها نقاشات متطرفة أو إرهابية.

ويسوق المتخوفون من إمكانية استغلال التطبيق الجديد من جانب منظمات إرهابية تجيد استخدام مثل تلك الوسائط، حادثة حقيقية تتعلق بإحدى العمليات الإرهابية التي وقعت في الآونة الأخيرة في فرنسا،  وتم تدبيرها من خلال التواصل بين الإرهابين عبر الدردشة على منصة "بلايستيشن" ولم تتمكن السلطات الفرنسية من تعقب الجناة، فضلا عن استباق وقوع الجريمة، وهو ما يضاعف المخاوف من إمكانية استخدام المحادثات الصوتية الحية التي لا رقابة عليها ولا تسجيلات لها.

وإذا كان إنشاء غرف افتراضية يسمح فيها بإثارة الحوارات الصوتية المباشرة بين المستخدمين يمثل الميزة المركزية لهذا التطبيق، فإنه البعض الآخر يمكن أن يرى في الأمر نقيصة في الوقت ذاته، فتلك الغرف لا توجد أية معايير واضحة للانضمام إليها، ويمكن دخول أي مشترك إليها دون الالتفات إلى عمره أو جنسه أو أي أبعاد أخرى. وقد تتطرق تلك الغرف الافتراضية في مواضيعها إلى موضوعات ذات حساسية دينيا أو أخلاقيا، أو فتح المجال أمام المجال دون قيود أمام مجموعات منبوذة اجتماعيا كالمثليين وغيرهم، وصولا إلى إثارة النعرات والتحزبات السياسية والمذهبية والتمييز والتعصب بأشكاله المختلفة، وليس انتهاء بإمكانية استخدامها من جانب جماعات خارجة على القانون، وتنظيمات متطرفة وإرهابية بحثا عن تواصل من أنصارها، أو سعيا وراء تجنيد عناصر جدد، مستفيدة من ضعف آليات الرقابة على المحتوى بالتطبيق الجديد.

وهذه المثالب ليست مجرد مخاوف متوقعة، لكنها حقائق واقعة، فبعض مستخدمي "Clubhouse" اشتكوا من أن التطبيق لا يفعل الكثير لمنع انتشار خطاب الكراهية، أو حملات التنمر، لأن موضوعات النقاش غير خاضعة لأية رقابة من جانب إدارة المنصة، وكتب تايلور لورينز، الصحفي في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية كيف أن بعض غرف النوادي "تُعد حصونا لكراهية النساء وتشجيع العنصرية".

كما تم اتهام "Clubhouse" بأنه يفتقر إلى المساءلة، حيث تتم جميع محادثات الغرفة مباشرة، ولا يتم تسجيل أي شيء بشكل دائم، بمعنى عدم وجود أرشيف لحفظ الموضوعات التي نُوقشت. ويقول موقع "Clubhouse" الإلكتروني إنه يتم إجراء تسجيلات مؤقتة في أثناء وجود الغرفة، وإذا تم الإبلاغ عن “انتهاك للثقة والأمان” من قِبل أحد المشاركين خلال المناقشة، فيتم الاحتفاظ بالصوت، ولكن لا يُمكن لأي مستخدم الاحتفاظ بتسجيل ما دار في الغرفة، أو الإبلاغ عن حادثة خطاب كراهية، أو إساءة بعد انتهاء الجلسة.

ولأن الاعتبارات التقنية لا يمكن فصلها عن بقية الشواغل الأمنية والأخلاقية والثقافية، فإن  بعض التقنيين المتخصصين يثيرون العديد من القضايا الجديرة بالتأمل وتتعلق بالتحديات التقنية على "Clubhouse"، ومدى أمن العلومات الذي يوفره القائمون على التطبيق، في ظل أنباء تتحدث من جانب عن تسريب بيانات آلاف المستخدمين له نتيجة ثغرات أمن/معلوماتية، وأخرى تتعلق بالمصير النهائي لما يدور من محادثات عبر التطبيق.

وبحسب العديد من خبراء التقنية، كما أسلفنا، لا يمكن لأي قدرة بشرية أو نظام حتى الآن التنصت على مئات الملايين من المحادثات وفهم جميع اللغات في آنٍ، إلا إذا كانت هناك أهداف كبيرة خلف هذا التطبيق، أي أن تكون جميع المحادثات مسجلة بخوادم معينة خاضعة لجهات سرية (حكومية او غير حكومية) تحلل الأصوات وتتابع المواضيع، وبالتالي يكون التطبيق بصورة أو بأخرى أداة استخباراتية غير معلن عنها، تقدم فرصة غير مسبوقة للتنصت المباشر، وقياس اتجاهات الرأي العام.

كما يواجه التطبيق جملة من الانتقادات الحادة بشأن آلية تعاطيه مع بيانات المستخدمين، وسياسة الخصوصية التي ينتهجها، وهو ما دفع مسئولين بارزين في هذا المجال، مثل جوهانس كاسبار، مفوض أمن البيانات وحرية المعلومات في ولاية هامبورج الألمانية إلى توجيه انتقادات بشأن ارتكاب اختراقات عديدة لقوانين حماية المستهلكين والبيانات.

وتتركز أبرز الانتقادات التقنية، التي ترتبط بصورة مباشرة بأمن معلومات مستخدمي"Clubhouse" في عدة نقاط، من أبرزها:

-   إجبار المستخدمين على تحميل جهات الاتصال لديهم، وأن التطبيق قد يستخدمها لأغراضه بطرق مشكوك في قانونيتها.

-  من غير الواضح تماما ما يحدث لبيانات المستخدم (على سبيل المثال قوائم جهات الاتصال)، وما إذا كان يتم بيعها لأطراف ثالثة.

-  عدد من مستخدمي الإنترنت تقدموا بشكوى ضد حصول التطبيق على بيانات عنهم، من خلال البيانات والمعلومات المتوافرة لدى جهات اتصال المستخدمين.

-  في حال رفض مستخدم التطبيق منحه إمكانية الوصول إلى جهات الاتصال لديه، فإن التطبيق بإمكانه الحصول على معلومات عنه من قبل مستخدمين آخرين.

-  يمكن للتطبيق أن يسجل بعض المحادثات التي تتم في غرفه الافتراضية، مبررا ذلك بإمكانية استخدام التسجيلات لأجل إجراء تحقيقات في حال وقعت مشكلات وحوادث.

لا يبدو إذاً تطبيق "Clubhouse" بعيدا عن شبهات عدة تحوم حول توظيفه سياسيا وأمنيا، لكن التطبيق الصاعد بقوة استخداما واستثمارا، ربما سيمثل لاعبا كبيرا خلال الفترة المقبلة، وهو ما يتطلب اقترابا أدق ورصدا أوثق لدوره في عالم يتشكل في فضاء افتراضي، وتنفجر تداعياته على أرض الواقع.

 

 

 

 

 


 


رابط دائم: