دلالات النتائج وتشكيل المشهد الإسرائيلى بعد الانتخابات
31-3-2021

د. حنان أبوسكين
* أستاذ العلوم السياسية المساعد بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية

أجريت انتخابات الكنيست الـرابع والعشرون فى 23 مارس الجارى، وتشير النتائج النهائية غير الرسمية إلى تقدم حزب الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو، أطول رؤساء الحكومات الإسرائيلية بقاء في منصبه. وذلك على خلفية الأزمة السياسية والاستقطاب واختلال فى قدرة الحكومة على القيام بمهامها، حيث لم تستطع الاتفاق على ميزانية الدولة لمدة عامين متتاليين، ولا تعيين كبار المسئولين في الدولة، بما في ذلك المدعى العام وكبار المسئولين فى الحكومة، ووزارتى العدل والمالية. وتعتبر تلك الانتخابات بمثابة استفتاء على بقاء نتنياهو فى السلطة، ولم يتمكن أى من قادة الأحزاب من تشكيل ائتلاف مستقر بعد الانتخابات الثلاثة السابقة، فقد انهارت حكومة الوحدة الوطنية فى ديسمبر 2020 بعد سبعة أشهر فقط من تشكيلها، والتى كانت نتيجة اتفاق لتقاسم السلطة مع وزير الدفاع بينى غانتس. بلغ عدد الأشخاص الذين أدلوا بأصواتهم 4 ملايين و435 ألفا و805 ناخبين بنسبة المشاركة 67.2%، وهى أقل بـنسبة 4,3% مقارنة بانتخابات مارس 2020. وعدد النساء المنتخبات 29 سيدة، وهو أقل مما كان عليه فى الكنيست السابق وهو 30 سيدة، وذلك من إجمالى أعضاء الكنيست البالغ 120 عضواً.

أولاً- دلالات نتائج الانتخابات

تميزت تلك الانتخابات بانخفاض نسبة الإقبال على التصويت، فقد شعر الناخبون بالإرهاق والملل من تكرار الانتخابات ومشهد الاستقطاب السياسى. ولم تكن النتائج حاسمة. فقد حصلت كتلة نتنياهو اليمينية على 59 مقعداً، أى على بعد مقعدين فقط من تشكيل الحكومة (30 الليكود، 9 شاس،7 يهودوت هتوراه، 7 يمينا، 6 الصهيونية الدينية) ورغم أن نفتالى بينت زعيم حزب يمينا لم يعلن بعد لأى معسكر سينضم، بل صرح عقب انتهاء التصويت "سأفعل ما أراه خيرًا لدولة إسرائيل" إلا أن الاحتمال الأكبر هو الالتحاق بتحالف نتنياهو، ويفسر ذلك رغبته فى المساومة لأقصى درجة ممكنة للحصول على أعلى قدر من المكاسب السياسية. وعملياً، هو يتفق من الناحية الأيديولوجية مع اليمين علاوة على أنه حليف سابق لنتنياهو وتولى وزارة الدفاع فى حكومته فى 2019، بينما فازت كتلة "لا نتنياهو" المتنوعة أيديولوجياًما بين اليمين ويمين الوسط واليساربعدد 57 مقعداً (17 يش عتيد، 6 تكفاه حدشاه، 8 أزرق - أبيض، 7 اسرائيل بيتنا، 7 العمل، 6 ميرتس، 6 القائمة العربية المشتركة)، أما حزب راعم (القائمة العربية الموحدة) حصل على 4 مقاعد ويعول عليه فى ترجيح كفة أحد الفريقين. ولم يعلن ما إذا كان سيدعم جهود نتنياهو لتشكيل ائتلاف حاكم أو يتحالف مع الأحزاب المعارضة لبقائه فى السلطة. وصرح رئيسه منصور عباس "نحن مستعدون للتعامل مع الجانبين". وتدل تلك النتائج على ما يلى:

  • تخطى 13 حزبًا نسبة الحسم، وهى 3.25%من الأصوات الصحيحة وحصلوا على أصوات كافية لدخول الكنيست –وهو أكبر عدد منذ انتخابات عام 2003- ويمثلون مجموعة متنوعة من الفصائل القومية، والليبرالية، الأرثوذكسية المتطرفة، والعربية.
  • تقدم الليكود وحظى بربع الأصوات مما يجعله أكبر حزب فى البرلمان، ورأى نتنياهو أن تلك النتائج تعد انتصاراً كبيراً لليمين والليكود حيث فاز بفارق كبير عن أقرب منافسيه، وسائر الأحزاب باستثناء "يش عتيد" لم تتجاوز الـعشرة مقاعد. وذلك على الرغم من تهم الفساد الموجهة إلى نتنياهو. وقد يرجع تفضيل الناخبين له إلى تركيز حملته الانتخابية على توزيع لقاح كورونا وتحقيق نجاح ملموس فى معدلات التطعيم ضد الفيروس، وتلقاه بالفعل ما يقرب من نصف سكان إسرائيل، بالإضافة إلى التأكيد على نجاحه الدبلوماسي في تطبيع العلاقات مع بعض الدول العربية، فقد أظهر نجاحاته فى السياسة الخارجية وقدم نفسه كصانع سلام مع دول عربية دون تقديم تنازلات حقيقية للفلسطينيين بمساعدة الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب.
  • تراجع ملحوظ لخصم نتنياهو فى اليمين جدعون ساعر الذى قطع علاقته مع نتنياهو بسبب رفضه التنحى بعد اتهامه بالفساد، وانشق عن الليكود وأسس حزب الأمل الجديد "تكفاه حدشاه" نهاية 2020. وفاز بستة مقاعد فقط مما يعنى تلاشى فرصته كمنافس يستطيع تشكيل الحكومة. وقد تعهد بألا ينضم لائتلاف بقيادة نتنياهو. وتتسق تلك النتيجة مع توقعات استطلاعات الرأى قبل الانتخابات التى أكدت تراجع ساعر، ربما السبب أنه مع دخول المرشحين الواعدين إلى الميدان بدأ ساعر يخسر الأصوات فى تراجع بطىء لكنه نجح فى منع نتنياهو من الفوز بمزيد من المقاعد.
  • لم يعد حزب "أزرق – أبيض" الذى كان شريك الليكود فى حكومة الوحدة التى انهارت منافساً متكافئاً، فقد كان قرار جانتس بتشكيل حكومة مع نتنياهو انتحاراً سياسيًا وأدى إلى تمزق حزب "أزرق-أبيض" قبل توقيع اتفاق الائتلاف وانسحاب يائير لبيد رئيس حزب يش عتيد، وموشيه يعلون رئيس حزب تيلم منه.
  • انخفاض التمثيل العربى فى الكنيست لعدة أسباب، منها فقدان ثقة الجمهور بعد تفكك القائمة المشتركة وانشقاق منصور عباس رئيس راعم الذى أعلن أنه منفتح على العمل مع نتنياهو لتلبية احتياجات المواطنين العرب، علاوة على ضم الأحزاب اليسارية، مثل حزب العمل وميرتس مرشحين عرب في قوائمهم لجذب الناخبين العرب مما أدى لتشتيت الأصوات.
  • يدل تخطى  راعم نسبة الحسم على حدوث تحول. فهناك قطاع من عرب الداخل  يصوتون لقيمهم الاجتماعية والاقتصادية، بدلاً من التصويت فقط على خلفية هويتهم العربية. يُحتمل أن يكون لحزب راعم دور فى تحديد طبيعة حكومة إسرائيل المقبلة. ولم يحدث أبداً أن شارك حزب عربى فى حكومة بإسرائيل، وكانت الأحزاب العربية بشكل عام أكثر ارتياحًا للمعارضة ولم تقدم سوى دعم نادر لأحزاب يسار الوسط التى يتضاءل نفوذها، لكن ثمة إدراك متزايد بأن المشاكل التى يواجهها المجتمع العربى، خاصة عنف العصابات والفقر والتمييز فى الحصول على السكن والأرض لن يتم حلها دون مشاركة السياسيين العرب. ومن أجل تحسين حياة العرب فى إسرائيل، عليهم السعى وراء السلطة داخل النظام بدلاً من ممارسة الضغط من الخارج بشكل منفصل. وعلى الجانب الآخر، تدرك الأحزاب الإسرائيلية الرئيسية أنها بحاجة إلى جذب الناخبين العرب للفوز والبعض على استعداد للعمل مع الأحزاب العربية كشركاء محتملين لتشكيل الحكومة، وينبع كلا الاتجاهين من البراجماتية السياسية.

جدير بالذكر أن نتنياهو أشار عام 2015 إلى التهديد بإقبال عربى مرتفع نسبيًا بأعداد هائلة على مراكز الاقتراع، لإخافة قاعدته الانتخابية ودفعهم إلى التصويت. وفى عام 2018، أقرت حكومته قانون القومية الذى همش مكانة اللغة العربية ووصف إسرائيل رسميًا بأنها الدولة القومية للشعب اليهودي فقط. وفى عام 2020، رفض حتى منافسه الوسطى  بينى غانتس  تشكيل حكومة على أساس دعم الأحزاب العربية، لكن بعد عام  فى الانتخابات الراهنة  تحول هذا النموذج بسرعة، وللمرة الأولى فى تاريخه السياسى غير نتنياهو إستراتيجيته تجاه المواطنين العرب، وسعى مع بدء حملته الانتخابية الى كسب أصواتهم، فقد أراد إحداث بلبلة وإرباكاً لهم، ليس بالضرورة عبر كسب أصواتهم إنما عبر ثنيهم عن التصويت.

  • سعى نتنياهو للحفاظ على حلفائه للاستعانة بهم فى تشكيل الحكومة الجديدة، ودعم "الصهيونية الدينية" والأحزاب الحريدية، من خلال توقيع اتفاقية تقاسم أصوات فائضة مع حزب "الصهيونية الدينية" بزعامة بتسلئيل سموتريش، والذي يضم حزب “عوتسما يهوديت” برئاسة إيتمار بن غفير الذى يتبع فكر الحاخام  اليمينى المتطرف مئير كهانا. تسمح الاتفاقية للأحزاب بضمان عدم إهدار الأصوات الإضافية التى يفوز بها، والتى لا تكفى للفوز بمقعد فى الكنيست. بدلاً من ذلك، تذهب الأصوات المتبقية إلى الحزب الأقرب للفوز بمقعد آخر وغالبًا ما تكون كافية لإضافة هذا المقعد إلى حصيلته، مما يجعل الأصوات حاسمة فى السباق المتقارب.

ثانياً- سيناريوهات تشكيل الحكومة

تمهد تلك النتائج الطريق لأسابيع أو حتى أشهر من المفاوضات الائتلافية المطولة والتودد إلى الأحزاب الهامشية أو حتى تلك الموجودة على الجانب الآخر من الطيف السياسى لعرض الوزارات، أو المناصب الرسمية، أو الميزانيات، أو غيرها من الخدمات مقابل دعمها. لا يتعلق الأمر بعدد المقاعد لكل حزب فحسب، بل الشروط التى يضعها كل طرف للموافقة على الانضمام لأى ائتلاف. وفقاً للقانون يجرى رئيس الدوله رؤوفين ريفلين مشاورات مع جميع الكتل البرلمانيه لتحديد المرشح الأكثر قدرة على تأليف الحكومة خلال سبعة أيام من تاريخ نشر النتائج الرسمية، ومن ثم أمامه حتى 7 أبريل ليقرر من سيحصل على الفرصة الأولى لتشكيل الحكومة. فيقوم بتكليفه وعادة ما يتم تكليف رئيس الحزب الحاصل على العدد الأكبر من المقاعد فى الكنيست ويمنحه 28 يوماً لاتمام مهمته ويجوز تمديدها بما لا يتجاوز 14 يوماً، وبعدها يعرض برنامج حكومته وتوزيع الحقائب الوزارية على الكنيست للحصول على الثقه بأغلبية 61 عضواً على الأقل.

  • تشكيل حكومة برئاسة نتنياهو

يشارك فيها حزب الليكود والحلفاء التقليديون له وهم وشاس، ويهدوت هتوراه، ويمينا، وحزب الصهيونية الدينية إضافة إلى عضوين يسعى نتنياهو لاستقطابهما من الأحزاب المنافسة حتى يحصل على 61 مقعداً. وبالفعل حدثت اتصالات مع نائبتين من "تكفاه حدشاه" لإقناعهما بالانشقاق وإذا لم ينجح سيحاول الحصول على دعم منصور عباس (راعم)، مما يعنى أن أحزاب تعتمد برامجها وهويتها على العنصرية المعادية للعرب تتعاون مع طرف عربى. وفى تلك الحالة، يحتاج نتنياهو أولاً لإقناع نفتالى بينت زعيم حزب يمينا ذو الروابط الأيديولوجية المتشددة الذى يعارض إقامة دولة فلسطينية، ويدعو إلى ضم مساحات شاسعة من أراضى الضفة الغربية  وسياسات أكثر صرامة فى التعامل مع حماس بالانضمام له والموافقة على دعم راعم.

 ويتطلب أيضاً موافقة سميورتش رئيس حزب الصهيونية الدينية الذى صرح بأنه "لن يتم تشكيل حكومة يمينية بدعم من عباس" على المشاركة فى ائتلاف يدعمه  راعم فى التصويت لنيل الثقة، ربما يحدث ذلك دون المشاركة فى الحكومة، لكن مقابل بعض الامتيازات لمنصور عباس فقط. وبالرغم من وعود نتنياهو بأنه لن يعتمد على الحزب الإسلامى فى تشكيل ائتلاف، لكنه قد يتراجع إذا لم يوجد خيار وأصبح دعم راعم مطلوب. لقد أكد نتنياهو عقب الانتخابات "أن إسرائيل بحاجة إلى حكومة مستقرة، وأى خيار آخر سيقود عاجلاً أم آجلاً إلى انتخابات خامسة، ويجب ألا ننجر إلى ذلك".

من جانب آخر، هذا يعنى التحالف مع  حزب الصهيونية الدينية ويشمل أتباع الحاخام مئير كاهانا، ولم يكتف الحزب بالتعبير عن دعمه لحصانة رئيس الوزراء، بل ذهب إلى حد المطالبة بها خلال الحملة الانتخابية كشرط للانضمام إلى الحكومة. وقد يؤدى السير في هذا الطريق إلى حصول نتنياهو على ما يريد، ولكنه أيضًا يصبح رهينة لأهواء أكثر الأحزاب تشدداً فى الكنيست والتعامل مع التداعيات المحلية والدولية للتحالف مع ورثة مئير كهانا مؤسس حركة كاخ العنصرية.

  • تشكيل حكومة برئاسة يائير لابيد

تشمل أحزاب يوجد مسقبل، أزرق-أبيض، يمينا، العمل، إسرائيل بيتنا، أمل جديد، ميرتس، وبدعم من القائمة الموحدة راعم، وبذلك يحصلون على 62 مقعداً. يشير إلى ذلك لقاء رئيس حزب يش عتيد يائير لابيد مع رئيسة حزب العمل ميراف ميخائيلى التى أكدت أنها "ستبذل قصارى جهدها من أجل استبدال نتنياهو"، فى إطار المساعى الهادفة الى تشكيل كتلة مانعة لإقامة حكومة برئاسة نتنياهو. يتوقف نجاح هذا السيناريو بشكل كبير على قدرة لبيد على إقناع حزب يمينا للانضمام إلى معسكره، وربما إمكانية إعداد مقترح بإعطاء نفتالى بينت رئاسة الحكومة لمدة عام. فى هذا السيناريو، يمكن للبيد تشكيل حكومة، ومن المتوقع أن يتقدموا بمشروع قانون لحرمان السياسى الذى يواجه لائحة الاتهام من تكليفه بتشكيل حكومة، وهو إجراء يهدف إلى منع نتنياهو من المنصب. لكن التناقضات الأيديولوجية والصراعات الشخصية ستظهر بسرعة بمجرد تحقيق هدف التخلص من حكم نتنياهو. سيتطلب هذا السيناريو موافقة ليبرمان رئيس حزب إسرائيل بيتنا على انضمام راعم، وهو أمر بالغ الصعوبة، فهو يمينى متطرف ويحمل آراءً معادية للعرب ويدعو باستمرار إلى تنفيذ ترحيل (ترانسفير) للعرب، ومن زاوية أخرى، سيتطلب الأمر من لابيد وغانتس التصالح بعد الانقسام  فى حزب أزرق – أبيض عندما دخل غانتس فى مفاوضات مع نتنياهو والاتفاق على التناوب فى رئاسة الوزراء، وبعد أن أمضى غانتس شهورًا ينتقد لبيد علنًا.

  • التوجه لانــتــخــــابــــــات خــــامـــســــة

هو سيناريو غير مستبعد إذا فشلت مساعى تشكيل الحكومة فى غضون المدة القانونية المحددة، أو تشكلت حكومة هشة لن تصمد طويلاً إزاء تعقيدات المشهد السياسى وتحديات الاقتصاد المتضرر من الوباء، ومحاولة منع إحياء الاتفاقية النووية لعام 2015 مع إيران، وضرورة اعتماد موازنة جديدة لعام 2021.

فى الأخير، قد تؤدى النتيجة غير الحاسمة للانتخابات إلى إطالة فترة عدم اليقين السياسى والاستقطاب الذى دفع إسرائيل إلى الترنح من انتخابات إلى أخرى، والفشل فى كل مرة فى تشكيل حكومة مستقرة. وبغض النظر عن مدى تعقيد عملية تشكيل الحكومة، فإن نتنياهو لن يغادر قريباً، فمن المقرر أن يتم هذا الصيف اختيار رئيس إسرائيل من قبل الكنيست وهذا المنصب محصن من الملاحقة الجنائية، أثناء خدمته مما قد يدفع نتنياهو للقيام بذلك الدور، حيث تتوقف محاكمته لفترة الرئاسة ومدتها سبع سنوات وتمنحه طريقا آمنا للخروج.

 

 

 

 

 

 

 


رابط دائم: