التنافُـسُ الرُّوسيُّ الإيـرانيُّ في الشـرق الأوسـط
11-3-2021

خالد خميس السحاتي
* كاتب وباحث ليبي

تُعتبرُ منطقة "الشرق الأوسط" ذات أهمية استراتيجيَّة للقوى الكُبرى والقوى الإقليميَّة على حدٍّ سـواء، ومن مؤشرات اهتمام تلك القوى بهذه المنطقة التنافس الروسي-الإيـراني فيها، حيثُ إنَّ منْ ركائز سياسة روسيا الاتحاديَّة في الشرق الأوسط: ملف مُكافحة الإرهـاب، والملف النووي الإيراني، والصراع على خُطُوط إمداد البترُول والغـاز، والمُشاركة في تسوية أزمـات المنطقة كالأزمة السورية والليبية وغيرهما.. في ظل التنافس المحموم مع الولايات المتحدة الأمريكية وإيران.. في المقابل، نجد أن سياسة هذه الأخيرة في المنطقة ترتكز على: الأهمية الاستراتيجية للخليج العربي والشرق الأوسط؛ بحُكم طبيعة الفُـرص والمصالح والأدوات الفـاعـلة في استراتيجيتها الإقليمية، باعتبار أنها قوة إقليمية لا يستهان بها، وثمة أبعاد دينية ومذهبية في سياستها الخارجية؛ بسبب طبيعة المشروع السياسي الإيراني الديني "المذهبي"، والنظام السياسي الثيوقراطي "المُعقـد"، منذ تأسيس الجمهورية الإيرانية الإسلامية في عام 1979م.

خلفيَّةٌ مُـوجـزةٌ حـول العـلاقـات الرُّوسيـَّة - الإيرانيـَّة:

 كانت إيرانُ طوال فترة القرن التاسع عشر، وبعضًا من القرن العشرين، تحت ضغط من الإمبراطورية الروسية، ثم الاتحاد السوفيتي (السابق) اللذين وضعا إيران تحت الرقابة، وكانا مُؤثِّرَيْنِ على السِّياسة الإيرانيِّة، التي تمَّ توجيهُها منْ قبل أباطرتها نحو الارتباط بالغرب، والقبُول بحمايته.. وأصبحت استعادة السِّيادة الوطنيَّة منْ مخالب الهيمنة الأميركية والبريطانية، ومُواجهة الاتحاد السُّوفياتي واحدًا من أبرز أسباب الثورة الإيرانية عام 1979م.  

بعدانهيارالاتحادالسوفيتي،وانفصالالجمهورياتالمسلمةعنروسيا،لميتبددالقلقروسيامناحتمالدعم إيرانالإسلاميةلهذهالجمهوريات.ورغمأنملامحشكلجديدمنالعلاقاتالثنائيةبينموسكووطهرانلاحتفيالأفق عام 1989م، معزيارةلروسياقامبهارئيسمجلسالشورىالإسلاميآنذاكهاشميرفسنجاني،ولكنكانليلتسن،الرئيس الروسيالأولبعدانهيارالاتحادالسوفيتي،رؤيةمتقاربةمعالغرب؛وهذاكانيعنيالابتعادعنإيرانخلالتلك الفترة.وقدانتظرتطهرانحتىعام1992 لتخطُوخُطْوةًنحوالأمامفيعلاقتهامع روسيا،بتوقيعالبلديناتفاقيَّةتعاوُنٍ مُشتركٍلبناءمُفاعلبُوشهرالنَّوويِّكجُزْءٍمناتفاقيَّةٍطويلة الأمد.ومُنذُذلكالتاريخساهمتعواملُعديدةٌفيخلقتقارُبٍ تدريجيٍّبينالجانبين،ومنها مثلاً:القُــرْبُالجُغـــرافيُّ،والمصالحُالاقتصاديَّةُالمُشتركةُ،ومُعادلاتُالتَّنافُسالإقليميِّ.

ومع عام 2000 أخذت العلاقات الروسية - الإيرانية منحًى جديدًا مضمُونُهُ دُخُولُ روسيا على خطِّ تطوير قُدرات إيران الشَّاملة، ولمْ تنظُر روسيا إلى إيران بوصفها مُنافسًا لها، وأن تطوير قدرات إيران يمكن أن ينعكس على إيجاد منافس استراتيجي لها في وسط آسيا مستقبلًا؛ بسبب التباين المذهبي.. بل اختارت روسيا السير قدما في التعاون العسكري مع إيران..

ويحكم علاقات روسيا مع إيران، في مسألة الملف النووي الإيراني اعتباران أساسيان كما يرى البعض: الأول: حاجة روسيا لإيران كحليف وشريك استراتيجي في مواجهة الغرب، وتحديدا الولايات المتحدة. الثاني: خوف روسيا من تمرد طهران، خاصة إذا تمكنت من الحصول على السلاح النووي. ولذلك، كانت موسكو دائما تنظر إلى طهران كشريك لا يوثق فيه..

وفي عام 2011، انفتحت العلاقات الروسية - الإيرانية على تعزيز التعاون الأمني والعسكري والسياسي، في حين أنّ التعاون الاقتصادي بقي هامشيًّا ومحدودًا جدًّا، بلغ أقصى مُستوياته-كما تُشيرُ بعضُ الدِّراسـات- (3.1 مليار دولار عام 2014، ثُمَّ تراجع إلى: 1.7 مليار دولار عام 2015.(

أسباب التنافس الروسي - الإيراني في المنطقة:

- الأهمية الاستراتيجية الكبيرة للمنطقة بالنسبة للدولتين، اقتصاديا وسياسيا وعسكريا أيضاً.

- تبعات التغيرات السياسية التي حدثت في المنطقة عام 2011، فيما عرف بالربيع العربي.

- اهتمام الدولتين بالملف السوري لحساسيته بالنسبة لكلتيهما، فسوريا هي آخر حلقات النفوذ الروسي في المنطقة، لذلك تحافظ روسيا على الإبقـاء على النظام السوري كحليف مهم بالمنطقة. يشير الخبراء إلى أن: ثمة هـدفان استراتيجيان للتدخل الروسي في الصراع السوري هما: "تحـدي الهيمنة الأمريكية في الشئون العالمية، ومساعدة النظام السوري في حربه ضد المتطرفين".

- محاولة روسيا العودة إلى نفوذها السابق في المنطقة، فخلال سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على أجزاء من العراق، لجأت الحكومة العراقية إلى روسيا، التي زودت العراق بمختلف الأسلحة والطائرات المقاتلة، مما ساعد العراق على صد هجمات التنظيم.  

- إن روسيا عادت إلى سوق تصدير السلاح في الشرق الأوسط بكل قوة، وأصبحت مُنافسا قويا لأمريكا في المنطقة، وهي ترغبُ في استمرار نشاطها في هذا المجال بعد تأثُّره بالأزمة الليبيَّة.

- سعي إيران إلى توسيع نفــوذهــا في المنطقــة، وتحسيــن وضعــــــهـــا الاقـتصـــــادي..

المصـالحُ المُشتركة للدولتين في الشـرق الأوسـط:

تنظُـرُ روسيا إلى إيران كامتدادٍ جُغـــرافيٍّ حيويٍّ، يُشكِّلُ أحد المعابر البرِّيِّة باتِّجاه المياه الدَّافئة في الخليج والمُحيط الهنديِّ، ولإيران مخارج على كل نقاط أوراسيا الاستراتيجية.. وهذا التواصل الجغرافي يفرض تواصلا جيوسياسيا بين روسيا وإيران.. وقد استفادت إيران من علاقاتها الجيوسياسية مع روسيا، لاسيما بعد أن أصبحت قوة إقليمية مهمة في الشرق الأوسط ووسط آسيا. (تشكل مساحتها ما يزيدُ على مليُون وستمئةٍ ألف كم مُربَّع، ويتجاوزُ سُكَّانُها ثمانين مليُون نسمة، ويبلُغُ ناتجُها الإجماليًّ نحو تريليون دولار).

وتنظُرُ قيادة الجُمهُوريَّة الإسلاميَّة الإيرانيَّة والقيادة في روسيا بصُورةٍ سلبيَّةٍ إلى سياسة الولايات المُتحدة الأميركيَّة، التي فرضت عُقُوباتٍ على كلا البلدين. ويحتلُّ رفضُ الهيمنة الأميركيَّة موقعًا أساسيًّا في مبادئ السِّياسة الخارجيَّة لإيران ولروسيا على السَّاحة الدَّوليَّة. ففي حين تُجابه روسيا الهيمنة على المُستوى العالميِّ، فإنَّ إيران تُحاولُ الحدَّ من النُّفُوذ الأميركيِّ على المُستوى الإقليميِّ. ومن هذا المنظُور يُمكنُ عدُّ موسكو وطهران شريكين استراتيجيين.فللمرَّة الأولىمُنذُ عام 1979، تسمحُ إيران لقُوَّاتٍ عسكريَّةٍ أجنبيَّةٍ الانتشار على أراضيها.. حيثُ وفَّرتْ روسيا الغطاء الجوي وقدَّمتْ إيرانُ القُوَّات الأرضيَّة، ونتج عن هذه الجُهُود، وأخرى، هـزيمة تنظيم "داعش" الإرهابي في سوريا. ومُنذُ أنْ أعلن مبعُوثُ الرَّئيس الروسي، الخاص إلى سوريا (ألكسندر لافرينتيف) ضرُورةُ انسحاب القُوَّات الأجنبيَّة من سوريا، وأنْ يتمَّ ذلك بشكلٍ شاملٍ، ثارت في طهران موجةٌ من التَّصريحات التي ترفُضُ هذه السِّياسة الروسيَّة الجديدة.

إنَّ الوجود الإيراني في سوريا يهدفُ إلى إحداث توازُنٍ في السُّلطة مع جهاتٍ إقليميَّةٍ ودوليَّةٍ أُخْرَى لها مصالحٌ في سوريا، فضلًا عن سعيِّ إيران إلى توسيع نُفُوذها في المنطقة، وتحسين وضعها الاقتصاديِّ. المُتغيِّرُ الآخرُ: يتعلَّقُ بطبيعة الدَّور الإيرانيِّ، وهُو مُهمٌّ بالنِّسْبَةِ للولايات المُتحدة، وهي تدعُو إلى ضرُورة تحديد الدَّور الإيرانيِّ في المنطقة، رغم أن هذا الأمر تمَّ في عام (2015) بالتَّوافُق مع إيران، وهُو الذي مهَّدَ للاتِّفاق النَّوويِّ الإيرانيِّ.ومنْجانبٍآخر،نجدُ الاستراتيجيَّةالإقليميَّةالإيرانيَّة،قدأولتالتَّحالُفأوالتَّشارُكمعالقوىالكُبرىأهمِّيَّةً كبيرةً،حيثُ الهيمنةالأمريكيَّةعلىمُجملالتفاعُلاتالإقليميَّةوالدَّوليَّة،إذْنجدُ أنَّالاستراتيجيَّةالإيرانيَّةقد وجدتضالَّتهافيالتَّحالُفمعروسيا،منْخلالاتِّفاقياتالشَّراكة الاقتصاديَّةوالتَّعاوُنالأمنيِّ والطاقويِّ،فالأزمةالسُّوريَّةُكشفتالمــدىالذيوصلتإليهالعلاقاتالتَّحالُفيَّةبينإيران وروسيا، ليسأقلهاسماحُإيرانللطَّائراتالحربيَّةالرُّوسيَّةبالانطلاقمنالأراضيالإيرانيَّةلقصفأهــدافٍ داخــلسُــوريا..

ولا ننسى أنَّ روسيا تُحاولُ تمتين العلاقات الاقتصاديَّة مع دُول الشرق الأوسط، شمال أفريقيا وجنُوب آسيا منْ خلال محور شمال- جنُوب، وهُنا تلعبُ إيران دور "الدَّولة الترانزيت" ذات الأهمِّيَّة المحوريَّة بالنِّسبة إلى روسيا.. وذلك في ظلِّ إعلان النِّظام الإيرانيِّ، على لسان الجنرال رحيم صفوي، المُستشار العسكريِّ لمُرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي، إن: "القرن الحالي سيشهد تشكل حكومة إسلامية عالمية ستكون إيران مركزاً لها". ومن قبله قال رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الإيرانية، محمد حسين باقري: "إن إيران تسعى لإقامة قواعد بحرية في اليمن وسُوريا مُستقبلاً".

إنَّ التَّدخُّـل العسكريَّ الرُّوسيَّ حال دُون هزيمة القُـوَّات المُسلَّحة السُّـوريَّة، وأدَّى في الوقت نَفْسِهِ إلى تقليل النُّفُوذ الإيرانيِّ في دمشق.ويجبُ أن نأخُـذ في الحُسبان أيضًا، أنَّ روسيا في سياستها تأخُـذُ أمْنَ "إسرائيل" في الحُسبان -وليس سُوريا وَحْدَهَا- وهذا غير مقبُول منْ جانب طهران، التي تستخدمُ حليفها "حزب الله" كسلاح ضغطٍ جيُو-سياسيٍّ على حُدُود "إسـرائيـل". فوق ذلك، فإنَّ موسكو تُصرُّ على أنْ تُسدِّدَ طهــران قيمة السِّــلاح الذي تشتريه منْ روسيا.وهناك من يرى أنه يجري تفاهم روسي-أمريكي-إيراني-إسرائيلي على صُنع شرقٍ أوسطٍ جديدٍ، تُؤدِّي فيه روسيا مع هذه القـوى –الدَّوليَّة والإقليميَّة-دَوْراً مُهمّاً.

جديرٌ بالذِّكر أنَّ الرئيس بوتين بعث رسالة خطِّيَّة –بداية الشهر الحالي-إلى المُرشد الأعلى للثورة الإيرانيَّة علي خامنئي.تتناولُ تعزيز العلاقات الثنائيَّة، إضافةً إلى قضايا دوليَّة.وجاءت الرسالة، حسبما نقلتهُ وسائل إعلام إيرانيَّة، ردّاً على رسالةٍ منْ خامنئي إلى بوتين.وأفادت طهران بأنَّ رئيس البرلمان الإيراني نقل إلى بوتين "مواقف إيران الصَّريحة" حول موضُوع "الاتفاق النووي"، وبحث معهُ بيع النفط الإيرانيِّ، والعلاقات الاقتصاديَّة بين البلدين.

مما سبق، نخلص إلى أنَّ التَّنافُـس الرُّوسيَّ-الإيـرانيَّ عـلى أُشدِّهِ في منطقة "الشَّرق الأوسط" حاليّاً، من مُنطلق تحقيق المصالح الاستراتيجيَّة لكلتا الدَّولتين، وخُصُوصاً من ناحية الاستفادة الاقتصاديَّة من المنطقـة، وسياسيّاً: منْ خلال المُشاركة في إيجاد تسوياتٍ مُلائمةٍ للأزمـات التي تعيشُها الدُّولُ الموجُودةُ في دوَّامـة الصِّراعات المُسلَّحة، وعسكريّاً: منْ خلال مبيعات السِّلاح، والجوانب العسكريَّة واللوجستيَّة الأُخْـرَى، مثل: الجوانب التنظيميَّة والخبرات التَّدريبيَّة وغيرها.. ومع الإدراك الرُّوسيِّ-الإيـرانيِّ المُتزايد لأهمِّيَّة "الشَّـرق الأوسـط"، من الجـوانب المُشار إليها سلفاً، سـوف يتواصـلُ التَّنافُس مُستقبلاً، والسباق نحو تحقيق المصالح الاستراتيجيَّة المتقاطعة.


رابط دائم: