ميناء مبارك والتنافس الاستراتيجي بين العراق والكويت
19-8-2011


*

جاءت ذكري الغزو العراقي للكويت هذا العام مصحوبة بصخب إعلامي بسبب الخلاف بين الجارتين العراق والكويت حول إنشاء ميناء مبارك الكبير علي الحدود الكويتية، وعلي الرغم من وجود ملفات أخري عالقة كقضية العلامات الحدودية وملف الأسري والمفقودين فإن تلك القضية قد حازت اهتماما خاصا من البلدين لما لها من أبعاد اقتصادية وتجارية وكونها تحمل في طياتها تنافسا استراتيجيا حول دور كل منهما في المستقبل كممر للنقل البحري والبري ليس فقط في الخليج العربي بل في التجارة الإقليمية والدولية.

وأعادت القضية للأذهان ما يمكن أن يطلق عليه بـالمعضلة الإستراتيجية للعراق التي يعاني منها منذ الاستقلال والتي ارتبطت بوجوده كدولة شبه حبيسة تبلغ مساحتها ما يزيد علي نصف مليون كم2 ولا يزيد ساحلها البحري عن50 كم, بينما تبلغ مساحة الكويت ما يقارب18 الف كم2 ولديها ساحل بحري بامتداد500 كم, وكان ذلك الوضع دافعا لخوض العراق حربا مع إيران حول شط العرب عام1980 وغزو الكويت في عام1990, وعلي الرغم من ذلك لم تحسم قضية شط العرب وتم فرض تسوية حدوده مع الكويت بدعم دولي, وفي ظل ذلك الوضع بدأت القيادة العراقية الجديدة تصطدم بتلك الملفات وهي تحاول بلورة طبيعة علاقاتها الخارجية مع جيرانها, وبدأت تدافع عن طموح العراق الخارجي في مواجهة طموحات الدول المتشاطئة مع العراق أما لاعتبارات تتعلق بالسياق السياسي الداخلي او بالرغبة في بلورة سياسة خارجية جديدة مع الجيران خاصة في الملف البحري في ظل الأهمية الاقتصادية ومعاناة العراق من زحف شرقي من الحدود البحرية الإيرانية وانحراف مسار شط العرب باتجاه الغرب, وهو ما يقلص مساحة الساحل العراقي علي حساب تمدد الساحل الإيراني. وإما من ناحية الغرب فجاء سعي الكويت لإنشاء ميناء مبارك الكبير علي جزيرة بوبيان التي تقع في أقصي شمال غرب الخليج العربي وبدأ تنفيذ المرحلة الأولي منه وسيضع ذلك للكويت مكانة في قطاع النقل البحري وهو من أهم روافد التقدم والتطور الاقتصادي من خلال العمل علي تقليل تكلفة نقل السلع والبضائع ودعم الروابط التجارية والاقتصادية مع دول الجوار والعالم الخارجي.

ومن ناحية أخري يري العراق في المشروع انه يحمل تأثيرا سلبيا علي المواني العراقية التي تعد رئة العراق وأحد المنافذ البحرية الهامة. وانه سيشل عمل ثلاث مواني عراقية هي ميناء أم قصر الشمالي والجنوبي وخور الزبير, بالإضافة للتأثير في التيارات البحرية وفي عملية المد والجزر وكمية المياه المتحركة داخل قناة خور عبد الله التي تستخدمها السفن التجارية للوصول من والي المواني العراقية, والتي يمر من خلالها نحو75% من تجارة النفط.

ويطمح العراق في إقامة مشروع ميناء الفاو الكبير الذي أعلن عن إنشائه قبل عام من إعلان الكويت وضع حجر الأساس لميناء مبارك الكبير في ابريل.2010 ويهدف هذا المشروع إلي تطوير مركز العراق التجاري والملاحي وليكون حلقة وصل للتجارة العالمية ومصدرا للدخل الوطني والاقتصاد العراقي من خلال دوره في تغيير خارطة النقل البحري العالمية كونه سينقل البضائع من اليابان والصين وجنوب شرق آسيا إلي أوروبا عبر العراق. وهو الأمر الذي يعني في نهاية الأمر وجود تنافسا بين المشروعين لكلا البلدين حول المكانة وهو ما دفع العراق لان يتخذ موقفا تراوح ما بين الاعتراض الكامل علي المشروع والمطالبة بوقف تنفيذه, وما بين اعتراض جزئي علي المشروع والمطالبة بتغيير موقعه.

وعلي الرغم من قيام الكويت بإنشاء لجان فنية واستقبال وفود عراقية للمشروع فإن الكويت استمرت في عملية البناء من منطلق قيام المشروع ضمن حدودها الدولية ومياهها الإقليمية المعترف بها دوليا ووفق القرار833 لمجلس الأمن الخاص بترسيم الحدود بين البلدين عام1993, وهو القرار الذي هددت العراق بدورها بتجميد العمل به علي أساس إضراره البالغ بالحقوق العراقية, وقيام لجنة التحكيم الدولية عامي1991 و1992 باستقطاع أراض عراقية وحقول نفطية كثيرة من ناحية صفوان وأم قصر وتقليص مساحة المياه الإقليمية العراقية لصالح الكويت. ومن جانبها تحتفظ الكويت بوثيقة عراقية تقر بوقوع الميناء ضمن حدود الكويت وانه تمت مناقشة عملية تشييده في2007 وهو ما ينفيه المسئولون العراقيون.

وزاد التصعيد العراقي ضد المشروع بعد توالي الضغوط النيابية والشعبية عن طريق المظاهرات, وإعلان جماعة حزب الله العراقية عن نيتها شن هجمات انتقامية ضد المشروع, وأخذ الاعتراض شكله الرسمي بطلب الحكومة العراقية من الكويت وقف بناء الميناء لحين تأكد الجانب العراقي من خلو المشروع من أي أضرار ملاحية علي العراق. وأعلنت الكويت تمسكها بالقرارات الدولية وحرصها في ذات الوقت علي الحفاظ علي حقوق العراق في المياه المشتركة وحرية وسلامة مرور السفن العراقية وأنها لن تتراجع عنه لكونه يقام علي أرض كويتية, وكونه يبعد كيلو ونصف الكيلو عن الحدود العراقية.

ومن زاوية القانون الدولي فان الكويت عليها التزام بعدم إعاقة الملاحة البحرية حيث يقضي القانون الدولي للبحار1982 بعدم إعطاء الحق لأي بلد بتشييد ميناء دون أخذ موافقة الدولة المتشاطئة معها في المياه وحماية حق الدول في المرور البري عبر المياه الإقليمية للدولة.

وبالنسبة لردود الأفعال الدولية والخليجية من تلك القضية فقد وضح أن ثمة تفضيلا لإعطاء المزيد من الوقت للبلدين للتحاور حول تلك القضية بين البلدين. ودعا الأمين العام للأمم المتحدة لحل الأزمة دبلوماسيا بين الطرفين وإعطاء فرصة لمعالجتها ضمن اللجان الثنائية وقامت الولايات المتحدة برعاية محادثات ثنائية بين البلدين بضغوط عراقية, والتي استغلت الأزمة في تعزيز المخاوف الأمنية من قيام حرب جديدة في الخليج للعمل علي تسويغ من شرعية وجودها عسكريا في الخليج خاصة مع انتهاء فترة وجود قواتها في العراق نهاية هذا العام ومطالبات بتمديد بقائها.

وقد برزت العديد من الطروحات للخروج من دائرة الخلاف فبادرت الكويت بإعلانها إعادة النظر في المرحلة الرابعة من المشروع وبتخفيض عدد المراسي المزمع إقامتها وتم طرح أن يكون العراق شريكا في ميناء مبارك بنسبة50%, وهو ما اعترضت عليه الكويت علي اعتبار انه يقام علي ارض كويتية, وتقدمت باقتراح آخر بحفر قناة في الخط الوسطي الذي يقسم الحدود البحرية في خور عبد الله وتكون القناة باتساع400 م,200 م من كل جانب, وتخدم هذه القناة ميناء مبارك وميناء الفاو الضخم المزمع إنشاؤه علي الجانب العراقي والمواني العراقية الأخري. وعلي الرغم من الطابع الفني للقضية فقد سيطرت عليه المعالجة السياسية سواء من الكتل السياسية في العراق او من جانب النواب في مجلس الأمة الكويتي.
ومن ثم يصبح الحل الأمثل الأكثر واقعية هو ما يتعلق بتكوين تحالف اقتصادي بين البلدين فيما يتعلق بتنمية المنطقة بشكل مشترك وتعظيم الاستفادة لكلا البلدين وهو ما يصب في النهاية في صالح قوتهما وجعلهما مركزا إقليميا ودوليا للنقل البحري والبري, وكيانا اقتصاديا قادرا علي التعامل مع المتغيرات والتحديات, عن طريق تحويل المشروع من مجرد ميناء موضع تنافس حول المكانة إلي حلقة هامة في سبيل التكامل الاقتصادي وتعزيز التنمية في البلدين والمكانة الإقليمية والدولية لكليهما.

-----------------------------

(*) نقلا عن صحيفة الأهرام


رابط دائم: