حسابات متداخلة:|صفقات السلاح الرئيسية بعد الثورات العربية
31-8-2011

د. قدري سعيد
* المشرف على الوحدة العسكرية بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالاهرام.

من منتصف القرن الماضي، خضعت سياسات التسليح في الشرق الأوسط لمقتضيات الصراع العربي - الإسرائيلي، بشكل أساسي، وكذلك لطبيعة النظام العالمي ثنائي القطبية. وبعد أن أحدثت حرب أكتوبر نقلة في سياسات التسلح بإبراز أهمية الأسلحة الموجهة، جاءت حرب الخليج 1991 لتشكل نقطة تحول تاريخية في نوعية الأسلحة المستخدمة في الشرق الأوسط، وبعضها كان يخدم في الميدان لأول مرة.

تركز التحول الذي نجم عن حرب الخليج حجم ودور "المعلومات" في الحرب بما أضافته إلي خصائص السلاح من دقة وتأثير، وأيضا بما قدمته من انقلاب في أسلوب إدارة المعركة والحرب بعموم مراحلها. فبدأ الحديث يتردد عن منظومة "القيادة" و"السيطرة" و"الاتصال" في حزمة واحدة، ساعد عليها دور الحاسب الآلي وقدرته علي التعامل مع كم هائل من المعلومات. وبرز مفهوم ثوري آخر، جوهره العمل في "الزمن الحقيقي"، فكل المشاركين في العملية العسكرية يرون ويسمعون ويفكرون في الزمن نفسه، بدون انتظار لتقارير استطلاع، أو وصول مندوب من القيادة، أو انتظار لمكالمة هاتفية مشفرة. ومن بين نجوم أسلحة حرب الخليج 1991 التي استخدمت لأول مرة في مسرح العمليات: الصواريخ الكروز، والطائرات الشبح، والصواريخ جو-أرض الموجهة بالليزر والأشعة تحت الحمراء.

ولم تدخل هذه الأسلحة إلي سوق السلاح إلا أخيرا. وبدأت الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي والصين في إمداد الدول العربية ببعض هذه الأسلحة المتقدمة تكنولوجيا ولكن بأعداد قليلة. أما إسرائيل، فقد نجحت في نقل هذه التكنولوجيا من الولايات المتحدة أو من خلال بحوثها العلمية الداخلية. وعلي عكس ما يعتقد البعض، فإن الثورة التكنولوجية لم تفض إلي أسلحة عالية الثمن إلا في البداية. فالتكنولوجيات الجديدة تؤدي إلي أسلحة أقل وزنا وأعلي دقة عند الهدف، فلا تحتاج إلي ذخيرة بأعداد كثيرة، وستكون أرخص ثمنا، إذا تم إنتاجها بكميات كبيرة. وهناك دائما من ينتقد الأجيال الجديدة من الأسلحة، ويحض علي العودة إلي الوراء، لكن التجربة أثبتت أن الرجوع إلي الخلف لن يؤدي إلي تكلفة أقل علي المدي الطويل.

وهناك محاولات قليلة بذلت لخفض مستوي التسلح في الشرق الأوسط، لكنها لم تصل إلي نتيجة جيدة علي أرض الواقع، علي عكس ما حدث في أوروبا مع نهاية الحرب الباردة، وتوقيع معاهدة الحد من الأسلحة التقليدية. ومن أهم هذه المحاولات ما تفرع من عملية مدريد في بداية التسعينيات من مفاوضات متعددة الأطراف في صورة لجان إقليمية، واحدة منها كانت مختصة بضبط التسلح والأمن الإقليمي.(ACRS) لكن المفاوضات توقفت في 1995 بسبب الخلاف بين العرب وإسرائيل حول الموضوع النووي، وأيضا علي أولوية القيام ببناء الثقة بين الأطراف. وسكنت الرغبة بعد ذلك في إثارة الموضوع مرة أخري بسبب تلبد المناخ الأمني، في ظل الحرب علي الإرهاب، وأحداث 11 سبتمبر، ثم اندلاع الحرب ضد العراق وأفغانستان، والحرب بين إسرائيل من جهة وحزب الله وحماس من جهة أخري. وبدون حدوث تقدم في المفاوضات الأمريكية - الإيرانية، والفلسطينية - الإسرائيلية، وغير ذلك من المواجهات الثنائية والجماعية، فلن تتحقق السيطرة علي انتشار السلاح والعنف في الشرق الأوسط إلا بعد أمد بعيد.

تتمثل المعضلة الحالية التي تواجه الشرق الأوسط في البرنامج النووي الإيراني، وتهديده للمملكة العربية السعودية ودول الخليج، وضرورة حماية حقول البترول في هذه المنطقة، باعتبارها شريان الحياة لمعظم الدول الصناعية علي مستوي العالم. ومنذ عام 2008، زادت احتمالات تعرض إيران لضربة عسكرية من إسرائيل أو الولايات المتحدة أو من الاثنتين معا. وتراهن إيران الآن علي حجم المخزون لديها من اليورانيوم المخصب، ودرجة تخصيبه، والوقت الذي يمكنها فيه الانتقال بسهولة من البرنامج السلمي إلي البرنامج العسكري، إذا قررت ذلك في ظروف معينة. وفيما يتعلق بضبط التسلح وبناء الثقة، فلابد من تبني سياسات تسليح شفافة وتحت رقابة دولية وإقليمية. وحتي 1998، لم تقم دولة في المنطقة -ما عدا إسرائيل والأردن وتركيا - بإبلاغ سجل الأمم المتحدة للأسلحة التقليدية بما تمتلكه من أسلحة. وكذلك، لا توجد دولة واحدة في الشرق الأوسط أقدمت علي إبلاغ الأمم المتحدة بما تصدره من أسلحة إلي دول أخري. وتتقدم إسرائيل كل دول الشرق الأوسط في تصدير السلاح إلي الخارج. وفي ديسمبر 2008، صوتت أربع دول فقط من المنطقة -الأردن ولبنان وعمان وتركيا- من أجل إبرام معاهدة لتجارة السلاح يمكن من خلالها التحكم والسيطرة علي تجارة السلاح، وإخضاعها لقواعد صارمة يمكن من خلالها خفض التوتر ودعم الثقة بين دول المنطقة.

السلاح في زمن الثورة :

تثير الأحداث الحالية وتفجرها في العالم العربي بدون سابق إنذار تداعيات كثيرة علي أصعدة لم يكن أحد يتوقعها من قبل، ومن بينها تأثير الثورات التي اندلعت في صفقات السلاح للدول العربية. ومن المعروف أن منطقة الشرق الأوسط من بين أكثر الأقاليم شراء للسلاح علي مستوي العالم. فما تفجر من ثورات حتي الآن، ونجاحها في خلع نظم سياسية عتيقة، قد يتطلب من دول العالم المصدرة للسلاح أن تتأني قبل إمداد الدول العربية بأسلحة حديثة، قد تقع بعد ذلك في أيدي ثوار لا يعرف العالم لهم تاريخا سياسيا سابقا، أو في أيدي قوي متطرفة غير معروفة للمجتمع الدولي. وعلي سبيل المثال، حذر الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف من أن الموجة الثورية في العالم العربي قد تتصاعد وتستمر لأكثر من عشر سنوات قادمة علي الأقل، قبل أن تهدأ وتستقر. والأرجح من وجهة نظره أن هذه الموجة قد تفتح الطريق لقادة متطرفين في هذه البلاد يرغبون في الوصول إلي سدة الحكم. وحتي الآن، وفي إطار ما جري، لم تلغ صفقة سلاح قد اتفق عليها بين روسيا والدول العربية. إلا أن الهواجس لاتزال تتضخم، وقد تؤدي في النهاية إلي توقف روسيا عن إمداد العالم العربي بالسلاح إلا بعد فحص لكل حالة، والتأكد من أن الدولة المستقبلة للسلاح مستقرة، ولن يتسرب هذا السلاح إلي أيد غير معروفة(1).

وبرغم التوتر الحالي المنتشر في أكثر من دولة عربية والمخاوف الناتجة من ذلك، أعلن وزير الدفاع الروسي أن سوريا سوف تحصل علي الصاروخ الكروز "ياخونت" Yakhont، ويتميز بمداه الذي يصل إلي 300 كيلومتر، كما أن مساره مستقيم ومنخفض في الارتفاع إلي مستوي سطح الماء الذي يطير فوقه، مما يجعل اعتراضه ورصده وكشفه بالرادار صعبا للغاية. ومثل هذه الحالة قد تقلق إسرائيل، خوفا من أن تقع هذه الصواريخ في أيدي حزب الله في لبنان أو الفلسطينيين في غزة. وقد أعلن ميخائيل دميترييف، رئيس إدارة التعاون الفني والعسكري في الحكومة الروسية، أن حجم صفقات الأسلحة التي أبرمت في 2011 قد وصلت إلي نحو 48 مليار دولار بزيادة 9.5 مليار دولار عن العام الماضي 2010 ومن المعروف أن روسيا قد ألغت صفقة النظام الصاروخي إس-300 المضاد للصواريخ إلي إيران تحت ضغط من إسرائيل والدول الغربية، واستبدلته بنظام صاروخي أقل تميزا في خصائصه الفنية والتكتيكية.

كندا أيضا، وفي مجال تصدير السلاح، قد باعت إلي دول الشرق الأوسط خلال الفترة من 2006 إلي 2010 صفقات سلاح وصلت قيمتها إلي 21.3 مليون دولار، ويمثل ذلك 1.6% فقط من مجمل تصدير كندا للسلاح خلال تلك الفترة الزمنية، ونسبة كبيرة من هذه الأسلحة قد بيعت إلي ليبيا. وقد أثارت حالة ليبيا خاصة سؤالا مهما في ضوء الأحداث الجارية: هل تقدم ليبيا علي استخدام الأسلحة التي تشتريها من الخارج ضد عدو خارجي أو سوف تستخدمه ضد الشعب الليبي؟ ومن زاوية كمية السلاح المصدر ومجمل تكلفته، تأتي المملكة العربية السعودية علي قمة مجموعة الدول التي استوردت من كندا بما قيمته 9 ملايين دولار خلال الفترة من 2006 إلي 2010 وتأتي بعدها عمان، والإمارات، وإسرائيل، ومصر، والكويت، والعراق، والأردن، ولبنان، وقطر، وتركيا، وتونس، والبحرين، وإيران، وليبيا، واليمن، وإثيوبيا بإجمالي قدره 21 مليون دولار خلال تلك الفترة. ويبدو من طبيعة المواد المصدرة أنها تستخدم لأغراض الدفاع الداخلية والتعامل مع القوي المعارضة للدولة(2).

وأخيرا، أصبحت تركيا من بين الدول المصدرة للسلاح إلي الشرق الأوسط، ومصر من الدولة المستوردة لبعض أنواع السلاح من تركيا، وكذلك ليبيا وتونس. ويتوقع الخبراء أن عقودا كثيرة سوف توقع مع تركيا بعد استقرار الأحوال الداخلية في دول الشرق الأوسط، وأن يصل حجم التصدير التركي من الأسلحة خلال 2011 إلي نحو 1.5 مليار دولار.

وتعتمد تركيا علي جهودها الدبلوماسية في بناء علاقات سياسية طيبة مع دول الإقليم، حيث تقدم نفسها كدولة معتدلة، ولها علاقات قوية مع معظم الدول المؤثرة في المنطقة، مثل إسرائيل وإيران ومصر ودول الخليج. وبطبيعة الحال، لا يوجد تنافس حقيقي بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية في تصدير السلاح إلي المنطقة، فالأخيرة نجحت في إبرام أكبر تعاقد لتوريد السلاح مع دول الخليج، وقد وصلت قيمة الصفقة إلي نحو 60 مليار دولار(3).

وفي مثل هذه الصفقات الكبري، يكون التركيز علي نظم الأسلحة الأساسية، مثل الدبابات والطائرات والصواريخ والسفن الحربية، لكن سوق السلاح لا يقتصر علي ذلك فقط، بل يغطي احتياجات أخري كمالية، بدونها لا يمكن استكمال منظومة التسليح وتحقيق مستوي أدائها الكامل. وتحتاج سوق السلاح الكبيرة -مثل كل السلع - إلي عملية تسويق واسعة تعتمد علي معارض عملاقة يتقابل فيها البائعون والمشترون. وبجانب التسويق، يوجد بالتوازي عملية رقابة وسيطرة داخلية وخارجية علي بيع السلاح.

فلابد من الحصول علي الموافقة الرسمية للدولة المصدرة، خاصة إذا كانت الأسلحة ذات طابع استراتيجي خاص. والمملكة المتحدة -علي سبيل المثال- يوجد بها منظمة داخلية للسيطرة علي تصدير السلاح إلي الخارج، وهي المسئولة عن الجانب القانوني في العملية كلها، ومدي اتساقه مع القوانين الداخلية في هذا المجال، وكذلك إصدار رخص التصدير اللازمة، إذا كانت الصفقة من الأنواع ذات الطابع الخاص، مثل المواد ثنائية الاستخدام (أي يمكن استخدامها عسكريا ومدنيا) أي وذلك ينطبق أيضا علي بيع أجهزة التعذيب والمواد الإشعاعية.

صفقات السلاح الأوروبية :

وخلال الفترة من 2009 إلي 2010، قامت المملكة المتحدة بتصدير مواد ومعدات عسكرية إلي دول الشرق الأوسط بما قيمته 1.8 مليار جنيه إسترليني، وأصدرت 749 رخصة تصدير لمواد ومعدات اشتملت علي طائرات هليكوبتر، وقوارب مراقبة للسواحل، وقطع غيار للطائرات، وأسلحة نارية، وذخيرة، وغازات مسيلة للدموع، وصواريخ، وقطع لهياكل المدرعات، وفلاتر لأجهزة الحماية من هذه الغازات، ودروع حماية للتعامل مع المتظاهرين وغير ذلك من معدات التعامل مع حشود الجماهير وأجهزة تصوير. الخ. وأكثر الدول استيرادا من المملكة المتحدة خلال الفترة المذكورة كانت الجزائر بما قيمته 270 مليون جنيه إسترليني. أما مصر، فقد استوردت بما قيمته نحو 16.8 مليون جنيه إسترليني (ج إ) وشمل ذلك قنابل وصواريخ وأجزاء هياكل مدرعات. وتشتمل القائمة بجانب الجزائر ومصر علي البحرين (6.3 مليون ج إ)، وإيران (424.2 مليون ج إ)، والعراق (476.5 مليون ج إ)، وإسرائيل (26.7 مليون ج إ)، والأردن (20.9 مليون ج إ)، والكويت (14.5 مليون ج إ)، ولبنان (6.2 مليون ج إ)، وليبيا (214.8 مليون ج إ)، والمغرب (2.1 مليون ج إ)، وعمان (13.9 مليون ج إ)، وقطر (13.1 مليون ج إ)، والسعودية (139.7 مليون ج إ)، وسوريا (2.7 مليون ج إ)، وتونس (4.5 مليون ج إ)، والإمارات (210.4 مليون ج إ)، واليمن (285 ألف ج إ).

أما هولندا، فتنظر إلي الدول العربية علي أنها من الزبائن المهمين في سوق السلاح، وتلاحظ اهتمامها أخيرا بالأسلحة اللازمة للحفاظ علي الأمن الداخلي. ولم يتوقع أحد أن مثل هذه الأسلحة سوف تستخدم علي نطاق واسع في قمع مواطني الدولة والمحتجين والمقاومين فيها ضد نظم الحكم الديكتاتورية، كما جري أخيرا في مصر والبحرين وليبيا واليمن. وخلال السنوات العشر الماضية، باعت هولندا سلاحا بما قيمته 730 مليون يورو إلي كل من المغرب وقطر وعمان والأردن والإمارات. وتتضمن نوعية الأسلحة عربات مصفحة لحمل الجنود ، وفرقاطات بحرية، وطائرات مقاتلة، وصواريخ مضادة للدبابات، ونظم رادار، ومدافع هاوتزر. ويعتقد أن مصر والبحرين قد اشترتا من هولندا 1042 و63 عربة مصفحة بالترتيب. وتمنع القواعد الدولية استيراد مثل هذه المعدات من أجل استخدامها ضد الشعوب. والمناخ الحالي المتوتر في الدول العربية، وحالة عدم الاستقرار داخلها، يجعلان الدول الغربية لا تستجيب إلي طلبات السلاح العربية، إلا إذا التزمت بعدم استخدامها ضد شعوبها. وهذا الشرط سوف يفرض علي دولة مثل ليبيا والدول الأخري المماثلة. وخلال الأسابيع الماضية، صاحب رئيس الوزراء البريطاني دافيد كاميرون ثمانية من موردي السلاح البريطانيين في زيارة إلي الشرق الأوسط في التوقيت نفسه الذي استخدمت فيه الغازات المسيلة للدموع ضد المحتجين الليبيين وقبلهم من المصريين(4).

وتعتمد معظم الدول العربية علي الأسلحة الأمريكية، خاصة الحديثة منها، مع الأخذ في الاعتبار الحفاظ علي توازن القوي بين دول المنطقة ونوعية التهديدات الخارجية المعرضة لها. وطبقا لتقرير ظهر حديثا في صحيفة وول ستريت الشهيرة، بعنوان "الولايات المتحدة تراجع مبيعات إنفاقها علي شراء الأسلحة وتأثيرات ذلك في اقتصادها"، وافقت الولايات المتحدة في 2009 علي إمداد كل من مصر وليبيا والبحرين بصفقة أسلحة قيمتها 40 مليار دولار. واحتوت هذه الصفقة علي نظم صواريخ وذخيرة(5)، ومن بين المواد التي حصلت عليها مصر في هذه الصفقة عبوات لغازات مسيلة للدموع. وهناك تقارير تشير إلي أن الولايات المتحدة أمدت مصر بغازات لتفريق التجمعات . وقد وافقت الولايات المتحدة أيضا علي إمداد مصر بأسلحة نارية وبنادق ذات مدي قصير .وبالنسبة لليبيا، وافقت الولايات المتحدة في 2009 علي تصدير أسلحة لا يكون لها تأثير ضار أو عنيف ضد البشر، واقتصرت علي توريد قطع غيار للطائرات، مخالفة لما تم الاتفاق عليه في 2008 لتوريد متفجرات وأسلحة حارقة. وهناك جدل دائر حول موقف الولايات المتحدة من تصدير هذه المواد ذات الطابع غير الإنساني، إلا أن توقف الولايات المتحدة عن بيعها سوف يدفع من يريد شراءها إلي طلبها من دول أخري مستعدة لتصدير هذه المواد، مثل روسيا والصين. ولاشك في أن استخدام الحكومات العربية لهذه النوعية من الأسلحة الأمريكية الموجهة ضد الجماهير، كما حدث أخيرا في مصر، سوف يعقد علاقات شعوب هذه الدول مع الولايات المتحدة في المستقبل(6).

صفقات السلاح الأمريكية :

وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية المورد الرئيسي للسلاح للمملكة العربية السعودية. وخلال الفترة من 1950 إلي 2006، اشترت السعودية سلاحا ومعدات من الولايات المتحدة بما قيمته 79.8 مليار دولار، بما يساوي تقريبا خمس ما تصدره الولايات المتحدة لباقي دول العالم. ويتبين من ذلك أهمية السعودية لصناعة الدفاع الأمريكية. وبالمقارنة، حصلت إسرائيل علي معونات عسكرية أمريكية بمقدار 53.6 مليار دولار خلال الفترة من 1949 إلي 7002. ويعني ذلك أن إسرائيل تحصل علي معونات عسكرية من الولايات المتحدة تصل إلي خمس ميزانية الدفاع الإسرائيلية. ومن المتوقع أن ترتفع المعونة الأمريكية لإسرائيل من 2.4 مليار دولار في 2008 إلي 3.1 مليار دولار في 8102. (احتلت إسرائيل في 2006 موقع الدولة رقم 9 في قائمة الدول المصدرة للسلاح علي مستوي العالم). وعلي المدي البعيد، تخطط المملكة العربية السعودية إنفاق ما قيمته 50-60 مليار دولار لرفع كفاءة نظم السلاح الموجودة في الخدمة، وتحسين نظم القيادة والسيطرة، وزيادة حجم وقدرات وتدريب القوات المسلحة السعودية لرفع قدراتها العسكرية في مواجهة الإرهاب، وحماية الداخل والخارج السعودي.

وبداية من يناير 2010، ركزت الإدارة الأمريكية مع كل من المملكة العربية السعودية ودول الخليج علي تقوية دفاعات هذه المنطقة الحساسة عالميا، وتحديث قدراتها الدفاعية من خلال إمدادها بنظم أسلحة حديثة، ومراجعة التخطيط الدفاعي بما يؤدي إلي إعطاء أولوية خاصة لحماية حقول النفط من أي هجوم خارجي، خاصة من إيران. ومن أجل الوفاء بأهمية التخطيط الدفاعي القوي والفعال لتلك المنطقة الحساسة، تقرر زيادة قوة الدفاع البشرية إلي 30 ألف جندي، وتسليحها وحمايتها بنظم دفاع جوي مضاد للصواريخ، متصلة بمنظومة الدفاع الصاروخي الأمريكي داخل المنطقة وخارجها، والاهتمام بالتدريب المشترك بين القوات السعودية والخليجية، مع التركيز علي وسائل التعامل مع القدرات الهجومية الإيرانية.

ويحيط بذلك تخوفات من السعودية ودول الخليج من احتمالات تعرضها لهجوم ليس فقط من إيران، ولكن أيضا من حلفاء إيران في المنطقة مثل حزب الله في لبنان وسوريا، وذلك في حالة إقدام الولايات المتحدة وإسرائيل علي تدمير القدرات النووية الإيرانية. وهناك شواهد واضحة تعكس حقيقة أن منطقة الشرق الأوسط ومنطقة الخليج علي وجه الخصوص سوف تدخل سباق تسلح في مجالات جديدة، مثل الغواصات، والصواريخ الكروز بعيدة المدي، وتقوية قدرات الدفاع ليس فقط في البر، ولكن أيضا في البحر. وبداية من 2008، أقدمت دولة الإمارات الخليجية علي شراء نظم دفاعية صاروخية بما مقداره 17 مليار دولار، من بينها بطاريات باتريوت المضادة للصواريخ، وأخري من نظام "ثاد" بعيد المدي (THAAD). وكانت دولة الإمارات قد أبرمت صفقة طائرات إف-16 أمريكية، كما دعت لأول مرة إلي الاشتراك مع الولايات المتحدة في تدريبات "العلم الأحمر" Red Flagالجوية في منطقة نيفادا(7).

وفي 20 أكتوبر 2010، أبلغت وكالة التعاون الأمني والدفاعي الأمريكية The Defense Security Cooperation (DSCA) الكونجرس بعرض من المملكة العربية السعودية لتزويدها بما قيمته 60.5 مليار دولار، يشتمل علي 84 طائرة مقاتلة طراز إف-15، و150 طائرة هليكوبتر هجومية من أنواع مختلفة. وكان من الواضح أن هذه الصفقة تحمل رسالة إلي إيران وعلامة تعكس استعداد دول الخليج لمواجهة أية تهديدات في المستقبل من خلال امتلاك نظم سلاح حديثة وذات طابع هجومي مؤثر. وعلي الجانب الإسرائيلي، يتكرر - كما هي العادة مع كل صفقة سلاح عربية مع الولايات المتحدة- إظهار إسرائيل لقلقها من امتلاك الدول العربية لأسلحة متقدمة، واحتمالات استخدامها ضد إسرائيل في المستقبل. وبرغم أن الولايات المتحدة قد أبلغت إسرائيل بالصفقة قبل الإعلان عنها، فإن إسرائيل حرصت علي إظهار خوفها من وجود هذه الطائرات في السلاح الجوي السعودي، ولعلها قد أخذت المقابل بحصولها في المستقبل علي الطائرة إف-35، أحدث ما أنتجته الصناعات الحربية في الولايات المتحدة.

وفي حقيقة الأمر، فإن إمداد الولايات المتحدة لإسرائيل بالطائرة إف-35 هو تصديق لموقفها بالنسبة لها، وما عقدته من ضمانات تجعل من إسرائيل أقوي في أي وقت من كل جيرانها مجتمعة. وقد رفعت الولايات المتحدة قيمة المعونة العسكرية لإسرائيل من 2.5 مليار دولار إلي 3 مليارات دولار. وفي الوقت نفسه، طلبت الحكومة الأمريكية الموافقة علي منح مصر 1.3 مليار دولار كمساعدة عسكرية و682.7 مليون للأردن. وتتلقي دول أخري في الشرق الأوسط معونات عسكرية من الولايات المتحدة، ومن بينها السلطة الفلسطينية، وبعض دول الخليج والمغرب(8).

ولاشك في أن الانتفاضات الشعبية في العالم العربي قد دفعت الولايات المتحدة إلي مراجعة خططها في إمداد الدول العربية بالسلاح. ليبيا، علي سبيل المثال، تحسنت علاقاتها بالولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، الأمر الذي مهد الطريق لإمدادها ببعض المواد والنظم الدفاعية في صورة مكافأة للقذافي علي قطع علاقاته مع الإرهاب العالمي، وإيقافه لبرامجه النووية. ونتيجة لذلك، وافقت الولايات المتحدة علي إمداد ليبيا بقطع غيار لطائرات النقل سي-130، وأجهزة تصوير بالأشعة الحمراء لأمن الحدود، وعبوات متفجرة للتنقيب عن البترول(9). وقد حرصت الإدارة الأمريكية علي عدم إمداد ليبيا بأسلحة ومواد لها تأثيرات خطيرة علي البشر، حتي تحسن ملفها في احترام حقوق الإنسان. وما حدث في المنطقة العربية من أحداث في الشهور القليلة السابقة لم يكن أحد يتوقعه. والنتيجة أن كثيرا من الدول قد بدأت في مراجعة سياساتها في تصدير السلاح إلي تلك المنطقة، علي أساس أن الاستقرار لن يتحقق بمزيد من السلاح يقدم لها، بل ربما تكون هذه الدول في حاجة إلي شئ آخر مختلف لتحقيق الاستقرار المأمول.

الهوامش :

1- Amiel Unger، Analysis: Russian Arms Sale to Middle East، Method or Madness? Artuz Sheva، Israel National News.com، 27 February 2011.

2- David McKioe، Canada's arms sales to the Middle East، cbcnews، http://www.cbc.ca/ ، March 4، 2011.

3- Middle East: Turkey's arms exports not affected by unrest، Carnegie Middle East Center، March 7، 2011.

4- Arms Sale to the Middle East Backfire. Defense Talk، Global Defense & Military Portal، http://www.defensetalk.com/، February 28، 2011.

5- Kaslin،  Time to Rethink Arab Arms sales، www.Townhall.com ، March 8، 2011.

6- Obama administration approved $40 billion in private arms sales to countries including Libya and Egypt، mail Online، March 12، 2011. http://www.dailymail.co.uk/

7- Joby Warrick، US steps up arms sales to Persian Gulf allies، The Washington post، January 31، 2010.

8- Gildon Belmaker، US Arms Sales to Middle East Send Signal to Iran، The EpochTimes، November 19، .2010 See: http://www.theepochtimes.com/

9- Tom Gjelten، Urest Makes US Rethink Arms Trade in the Arab World، npr، http://www.npr.org/، March 9، 2011.

    التحليل نشر في عدد مجلة السياسة الدولية - 184- إبريل 2011(*)


رابط دائم: