من يساند فلسطين... في الأمم المتحدة؟
16-8-2011

حلمي شعراوي
* كاتب مصري

ها نحن نقترب من موعد انعقاد الجمعية العمومية للأمم المتحدة في سبتمبر 2011. ومن قبل ذلك يجتمع مجلس الأمن في أي وقت، ومن هنا لابد أن يحسم "العرب" موقفهم ووضعهم في هذه الساحة في وقت مبكر نسبياً مهما كانت ظروف وضعهم المحلي أو الإقليمي الخاص...

يراهن مثلي على قوة الدفع في العالم الثالث أو كتلة بلدان الجنوب إلى جانب الشعب الفلسطيني، في وقت تواجه فيه "قوى العناد" الكبرى مشاكل لا تخفى على العين المجردة في أوروبا والولايات المتحدة. وقد يدهش القارىء من طرحي "المبكر"في نظره لهذا الموضوع، ناهيك عن خبثاء يمكن أن يلمحوا لظروف شهر رمضان، أو الإجازات الصيفية! أو يلمح الأكثر خبثاً إلى "الثورات الممتدة " أو المستدامة - حسب تعبيرات الأمم المتحدة نفسها- على طول وعرض العالم العربي صاحب الشأن في الاقتراح... لكن القارىء لابد أنه يعرف أيضاً أن نصف الكرة الأرضية، والذي يضم معظم دول "الجنوب" أو العالم الثالث، هم الآن في موسم الشتاء تحت خط الاستواء! ومن ثم، فإن دولاً قوية في الساحة الدولية من أصدقائنا - فرضاً- هم في هذه المنطقة مثل جنوب أفريقيا، والبرازيل، والأرجنتين، وأجزاء من بلدان شرقي آسيا. إذن فالتكاسل عربي بالضرورة في هذه الحالة، لأن حرارة الصيف لم تمنع "مليونيات" عربية من التصدي لحكامها في "عز الصيف"، مما نراه أيضاً بالعين المجردة... يمكن أن نقول إذن إن حوار "الكسل السياسي"، سيبدو محصوراً في هيئة الساسة ودوائرهم وليس في دوائر شعوبنا الساخطة أو شعوب الجنوب المهيأة لتبني قضايانا...

قد أفاجئ القارئ أيضاً بأن السبب المباشر لحماسي الآن في هذا الموضوع هو قراءتي لمذكرة من إعداد منظمة التحرير الفلسطينية صادرة بتاريخ يوليو 2011 حول "الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية " تسجل فيها الآتي بدقة توحي بأن الهيئة المعدة لها، في طريقها فعلًا للجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ تتضمن المذكرة:-

1-إن القرار 181-2 (قرار التقسيم 1947) ينص على وجوب النظر بإيجابية لطلب الدولة الثانية المنصوص عليها في القرار، أي الانضمام كعضو في الأمم المتحدة.

2-إن فلسطين معترف بها فعلياً من 122 دولة، وأن لها سفارات، أو بعثات دبلوماسية في أكثر من مائة دولة.

3- إن الاعتراف الدولي في رأي التقرير"ليس بديلًا للمفاوضات، ويتماشى مع مبادرة السلام العربية التي تقر "الاعترافات" العربية بإسرائيل، وعلاقات عربية "طبيعية" معها.

4- إن عدد المستوطنين "على أرض مشروع الدولة " قد ارتفع بعد توقيع اتفاق أوسلو 1993 إلى الضعف، أي من236 ألف مستوطن إلى حوالي 500 ألف في الوقت الراهن، نتيجة خرق إسرائيل لعملية السلام!

إذن فقد استعان الرفاق الفلسطينيون بالقرارات الدولية السابقة التي لا تعيرها إسرائيل التفاتاً، كما استعدوا"بإشارات" لتسهيلات التفاوض، من اعترافات مسبقة أو الاستعداد للتفاوض على أن يشمل الحل التفاوضي قضايا، حق اللاجئين في العودة والأمن والمياه ...الخ

المثير هنا هو استعداد الإدارات المعنية في منظمة التحرير الفلسطينية بمثل هذا البيان دون إشارات لأثر التطورات الداخلية الفلسطينية على مثل هذا التحرك. وعلى رأس هذه التطورات مدى استقرار"الحكومة "على أرضها، بينما تكررت الزيارات إلى القاهرة بهذا الشأن دون قدرة على الاتفاق على شخص رئيس "الحكومة"، ناهيك عن أعضائها.

أما الموقف العربي المساند، فإنه فضلًا عن اهترائه العام، فإن المواقف الفردية أو الثنائية أو الثلاثية تطيح بإمكان وصوله متماسكاً إلى الجمعية العامة. وهنا تبدو السخرية إزاء موقف بهذا الشكل على المستوى الفلسطيني أو العربي في لحظة نتخيل فيها توفر الدفع من دول الجنوب العديدة للقضية بسبب المشاعر تجاه حالة الثورة أو الغليان في العالم العربي، ويمكنني القول إن مصر وتونس على وجه الخصوص يمكن أن تلعبا دوراً كبيراً الآن – رغم كل الظروف المحيطة بهما – بسبب سمعة مسيرتهما السلمية والثورية على السواء.

نقول إذن بضرورة دفع القضية في دوائر الأمم المتحدة تحدياً لنسيانها بالأساس، ولكي لا تتكرر ظروف 1947 من ناحية أخرى، حيث كان تحليل الموقف الدولي بالنسبة للعالم العربي يقترب من التحليلات السارية الآن، لكن التحدي هو الذي أدير بشكل سيئ لا نريد تكراره. ويكفي إمكانيات التحرك الهائلة الآن في دوائر العالم الثالث ومنظماته الشعبية والسياسية.

وقد لفت انتباهي قرار مجموعة عدم الانحياز القريب (أبريل 2011) في إندونيسيا احتفالًا بالذكرى الخمسين لقيام هذا التجمع، وإقرار المجتمعين بما يشبه الوعد الصريح بالاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة. أما على المستوى الشعبي، فلابد من استحضار مكاسب الثورات العربية التي بدأت آثارها منذ اجتماع المنتدى الاجتماعي العالمي في داكار 2011 بحضور آلاف الوطنيين والتقدميين. بالإضافة إلى ذلك فإنه يتوجب علينا أيضاً دراسة حالة التصويت في الجمعية العامة نفسها في الأعوام الأخيرة بالنسبة للقضية الفلسطينية، خوفاً من عدم اتساق الحالة التصويتية في نيويورك بتلك التي سعدنا بها في جاكرتا، خاصة أن إسرائيل تحركت مبكراً في هذا الشأن، وهي دائماً أكثر نجاحاً مع "الدبلوماسيين" من "حضور" نيويورك عنها مع "السياسيين" في العواصم أو المؤتمرات الدولية خارج نيويورك!

ويصبح التساؤل الأخطر عن مدى تكيف الموقف الأميركي مع هذا التحرك الكبير، خاصة إزاء الأزمة الأميركية الحادثة الآن مع دوائر المال المحلي والعالمي، ولابد أن نفهمها من متابعة طبيعة علاقتها بالمال الصهيوني من جهة، والآثار السلبية في اقتصاديات العالم الثالث من جهة أخرى، فهل تتوفر في الدوائر العلمية العربية ودوائر المتابعة الفلسطينية مثل هذه الدراسات؟

هل الدبلوماسية العربية جاهزة للتحرك بالموقف ابتداء من دوائر مجلس الأمن رغم "الفيتو" الأميركي الذي ارتفعت نبرة التهديد به لنحمله إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ليتصدر قرار بأغلبية الثلثين لصالح الدولة الفلسطينية، سواء مباشرة، أو في إطار حشد "أصوات" معاً من أجل السلام"؟ ولابد أن نملك شجاعة مواجهة الفشل في استصدار القرار لتبقى مناقشة القضية والحماس لها سنداً في حد ذاته في فترة نضال جديدة قادمة؟

إن جميع المنظمات العربية الثقافية والشعبية الديمقراطية مطالبة بالاستعداد لهذا الحدث، سواء في سبتمبر القادم أو ربيع 2012. ولا ننسى أن عنصر المفاجآت الإنسانية والدولية لن يكون أسوأ مما نحن فيه ما لم يكن لصالحنا. ولنذكر معركة قرار الصهيونية والعنصرية منذ صدر بمفاجأة قوة الموقف العربى1975رغم موقف القوى الكبرى، وألغي بمفاجأة 1991مع الكارثة الخليجية الكبرى! ومثله المعركة حول نفس القرار في ديربان 2001 حيث عُبئت دوائر عالمية وشعبية إلى جانب الشعب الفلسطيني في أول سبتمبر، وإذ بنا أمام أحداث 11سبتمبر والمآسي التي تبعتها.

في هذه الأجواء لابد أن نجيد الفرز والاستعداد المناسب دائماً لنعرف من يساند القضية الآن وكيف نزيح عقباتها.

----------------------------------

(*) نقلا عن صحيفة الاتحاد الإماراتية


رابط دائم: