الولايات المتحدة وتشكيل تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي " MESA" ؟!
30-10-2018

د. إيمان زهران
* متخصصة في العلاقات الدولية والأمن الإقليمي
ثمة تغيرات متجددة تحيط بتفاعلات الشرق الأوسط، وتفرض على الإدارة الأمريكية الحالية ضرورة إعادة التقييم والتحديث لاستراتيجياتها الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط. ومن ذلك المنطلق ،جاءت تصريحات ترامب الرامية إلى ضرورة التوافق مع الحلفاء فى المنطقة، من أجل إيجاد مساحة مشتركة للخروج من الأزمة الخليجية، وإعادة الحديث عن ترتيبات تشكيل تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي "MESA" المُقرر الإعلان عن تدشينه فى يناير المقبل  2019 لمواجهة خطط التموضع الإيرانية، وتصاعد موجات الإرهاب بالمنطقة، لينقلنا بذلك إلى عدد من التساؤلات يتمثل أهمها فى: ماهية ذلك التحالف الشرق أوسطى، وكذلك سياقات النجاح والإخفاق لذلك التحالف، وما قد يفرضه التحالف المأمول من ترتيبات أمنية وسياسية واقتصادية للمنطقة الشرق أوسطية. 
ماهية التحالف:   
عقب الانتهاء من قمة الدول العربية والإسلامية بمشاركة الولايات المتحدة الأمريكية فى مايو 2017، تمت الإشارة إلى إعلان الرياض الصادر عن القمة بتأييد الدول الـ 55 المشاركة  لفكرة تدشين تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي(Middle East strategic alliance) (MESA)، والذى تم وصفه بـالناتو العربي على غرار حلف شمال الأطلنطي.
وعلى الرغم من الصمت الأمريكي حول تدشين "الناتو العربى" منذ 2017، فإنه سرعان ما أُعيد طرحه مجددًا وبكثافة فى الأيام الماضية، وذلك لرغبة الرئيس دونالد ترامب بتقويض نظام روحانى فى طهران، وكذلك إصراره على تقليل تكاليف أعباء حماية الحلفاء، فمثلما طالب أعضاء حلف الناتو "حلف شمال الأطلسى" بزيادة الإنفاق الدفاعي، طالب كذلك حلفاءه الخليجيين أيضًا بالأمر نفسه، وهو الأمر الذى ظهر أخيرا مع عدد من الدول العربية والخليجية على وجه الخصوص، ليُعيد بذلك إعادة تعريف للرسائل الأمريكية حول ماهية تحالف "الناتو العربى"، والتى ظهرت من خلال:  
فى عام 2017: تمثلت الرسالة الأولي  فى تدشين تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي "الناتو العربى"، وذلك استنادا لفكرة الصراع السني - الشيعي، وبهدف التدخل الأمريكي بجانب الدول السنية لعرقلة تمدد النفوذ الايراني في الخليج والمنطقة العربية، مع احتمالات المواجهة العسكرية التي ستشارك فيها أمريكا بجانب العرب.
فى عام 2018 : تمثلت الرسالة الثانية فى تأكيد ترامب على أن الهدف من التحالف المأمول هو إنشاء "قوة عسكرية عربية مشتركة" على غرار حلف الناتو، ولكنه هذه المرة يسعي إلى التخلص من جزء من عبء مواجهة التهديدات الأمنية الإقليمية وإلقائها على عاتق حلفاء الولايات المتحدة في أنحاء العالم، وإنهاء التدخلات الأمريكية العسكرية التي تكلف أمريكا نفقات باهظة، وترتيبات لوجيستية وفنية مختلفة.
 
توظيف مُتعدد:
ثمة جدل حول طبيعة الأهداف المنوط بها التحالف الاسترتيجي الشرق أوسطى، ولعل الإرتكاز على الأهداف السياسية والأمنية فى المقام الأول يليها الاقتصادية والتجارية، يحمل فى طياته أهدافا مرحلية مفادها إعادة التقييم لثقل الحلفاء بالمنطقة، وذلك على النحو التالى:  
سياسيا: وذلك من خلال صياغة أطر ومحددات مؤسسة لهذا التحالف، ومحددة  للإجراءات الخاصة بالـ (MESA)، وأسس الحوكمة والتمويل، وحل النزاعات، وإجراءات العضوية لأعضاء جدد في المستقبل أو شركاء للاتحاد، فضلا عما تذهب إليه واشنطن بذلك التحالف المأمول لإنهاء المقاطعة العربية لقطر، وتشكيل جبهة عربية أو ما تسميه بـ "محور الاعتدال" ضد إيران، وخطوة تمهيدية لتسهيل انضمام إسرائيل لهذا التكتل ضمن ما عُرف إعلاميا بـ "صفقة القرن".
اقتصاديا: وذلك بتدشين شبكة إقليمية للطاقة تهدف إلى تنويع مصادر الطاقة وتوفيرها وفقا لمعدلات الطلب الإقليمي، وتحقيق الاستقرار والتعاون الإقليمي، وخلق شبكة تهدف إلى بناء القدرات، وإبرام اتفاقات للتجارة الحرة بين الولايات المتحدة والدول الراغبة، فضلا عن الحديث حول توفير تمويل للاستثمارات، من خلال مؤسسة الاستثمار الخاص الخارجي  (Overseas Private Investment Corporation (OPIC، وبحث إمكانية إلغاء التعريفات الجمركية الإضافية، مثل تلك المفروضة في إطار البند "232" على الحديد والألومنيوم.
أمنيا : من المقرر أن تكون "مسارح العمليات" الخاصة بـ "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي" في مناطق الخليج العربي، وبحر العرب، والبحرين الأحمر والمتوسط، مع التركيز على تأمين المعابر المائية الاستراتيجية "مضيقى هرمز وباب المندب"، وقناة السويس. وإلى جانب هذه المهام، سيتولى التحالف مكافحة عمليات نقل الأسلحة إلى إيران وميليشياتها في المنطقة.
كذلك خلق وجود بري لقوات عسكرية مشتركة بالمنطقة، وهو النقطة المُرجح حدوثها والخاصة بمناقشة خريطة التطويق الأمنى لمثلث الحدود الاستراتيجي "الأردن وسوريا والعراق"، وذلك بالنظر للحديث حول تفكك قاعدة "التنف" الأمريكية على أثر "اتفاق الجنوب" الذى يجرى الحديث حوله مقابل تراجع ميلشيات إيران وحزب الله لمسافة 25 كيلو مترا عن الجنوب، وهي المنطقة التي ستحسم مستقبل سوريا، ومساومة روسيا، في ظل إصرار واشنطن على حماية الأكراد السوريين، الذين يسيطرون على نحو 25% من الأراضي السورية. وذلك دون إغفال تأمين المجال الجوى للمنطقة، وذلك بأن يتم فتح أجواء الدول المشاركة للتحليق العسكري لطيران MESA، مع التعاون مخابراتيا في مكافحة الإرهاب بجميع أنواعه. 
 
فرص النجاح وسياقات الإخفاق: 
على الرغم من الترتيبات السياسية والدبلوماسية بين فواعل منطقة الشرق الأوسط والولايات المتحدة فى ظل ترتيبات ثنائية واجتماعية عربية - أمريكية لخلق تفاهمات مشتركة ولحلحلة الأزمة الخليجية ، فإن تجربة التحالف المأمول تحيط بها عدد من السياقات الداعمة لسيناريو الإخفاق، مقابل عدد من الأطروحات المؤكدة على فرص النجاح لهذا الكيان التنظيمى "MESA"، هى: 
فرص النجاح: أول تلك الفرص ما يتمثل فى "السياق الإقليمي الجيوستراتيجي" الذي سينشأ في إطارة الـ"MESA"، والمتمثل في تشعب النفوذ الإيران في المنطقة، وهو ما سيكون بمنزلة دافع قوى لإعادة دمج الدول العربية فى مواجهة خريطة التشعب الإيرانى بالإقليم الشرق أوسطى.
ثانى تلك الفرص ما يتعلق بتحقيق "الاستقلال الاستراتيجي"، وفك الارتباط عن الشركاء الدوليين، والاتجاه نحو تفعيل "التعاون العسكري"، وهو ما يعكس تفاهما للحقائق الجيوسياسية الإقليمية الجديدة والمتمثلة فى إدراك القادة العرب بضرورة  المواجهة الذاتية لمهددات الأمن الإقليمى دون الاعتماد فقط على المظلة العسكرية الأمريكية.
بينما الثالث، فهو ما يتمثل فى ما قد يسهم فى نشأته ذلك التحالف المأمول من "قوة ناعمة عربية". فكما كان الحال في أوروبا خلال القرن الماضي، فإن تشكيل تحالف عسكري قوي وفعال بين الدول التي تجمعها نفس الهوية غالبا ما يجنب تلك البلدان الدخول في عداءات مع بعضها بعضا. وفي الحالة العربية، ستُمنح دول، مثل اليمن والعراق ولبنان وسوريا، المتوافقة حاليا مع إيران، حافزا للابتعاد عن القوة الأضعف، من أجل الانضمام إلى قوة المتجانسة إقليميا مثل "MESA"؛ لجمع المزيد من قوى الدول، والبحث عن تأمين حماية لها، وهو ما يُقلص من القوة الإيرانية، وقدرتها في الحفاظ على تراكم تأثيرها المُتمثل في كل من القوتين الصلبة والناعمة في الشرق الأوسط والحفاظ عليها.
سياقات الإخفاق: أول تلك السياقات ما يتعلق بالخبرة التاريخية السيئة لمحاولات تشكيل تحالف للأمن الجماعي العربي، والتى فشلت سابقا؛ لأن التهديدات والمخاوف الأمنية لدول الخليج العربية ليست متجانسة، وسريعة التغير، فضلا عن وجود اختلافات استراتيجية بين الدول الأعضاء ، تتعلق بتصورات مختلفة حول طبيعة التهديدات الإيرانية. 
ثانى تلك السياقات والداعمة لاحتمالية إخفاق التحالف المأمول، هو ما يتمثل فى أولوية الأجندات الخاصة بالدول المشاركة بتحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي، فنجد أن عُمان والكويت تعانيان مشكلات داخلية، على الرغم من ممارستها لدور الوسيط في الخلافات بين دول مجلس التعاون الخليجي. أما الأردن، فإنه منشغل بمشكلاته الداخلية، وفي البحرين هناك خلافات طائفية بين الشيعة والسنة. وذلك دون إغفال إشكالية إستمرار الأزمة الخليجية - الخليجية وفشل مختلف السيناريوهات فى حلحلة تلك الأزمة حتى الآن. 
الجدير بالذكر أن أحد جدالات الإخفاق المطروحة حاليا للتحليل تتمثل فى أن احتمالات السيطرة الإيرانية على منطقة الشرق الأوسط أصبحت إحتمالات ضئيلة ومتفاوتة، استنادا لما تواجه طهران من أزمات محلية، فالنخبة الحاكمة تتحلحل شرعيتها، خاصة بين الشباب، الذي خرج فى مظاهرات احتجاجية منددة بنظام روحانى، كما أن الاقتصاد انتكس مرة أخرى بعد فرض العقوبات الأمريكية والدخول فى مأزق العزلة.
فى النهاية ... الحديث عن هيكلة تحالف "الشرق الأوسط الاستراتيجي" لا يزال لم يجد له حتى الأن أرضية صلبة خاصة فى ظل تباين الأجندات العربية - العربية، فضلا عن تفاقم حدة الأوضاع بالداخل الإيرانى بما قد يُنذر بإنحسار دورها فى الإقليم. 
وقد سبق "ترامب" في تلك الرؤية الأمنية الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى فى 29 مارس 2015، حينما قرر مجلس جامعة الدول العربية الموافقة على الفكرة التى طرحها السيسى بإنشاء قوة عربية مشتركة، هدفها حفظ وصيانة الأمن القومى العربى، ولكن الخلافات البينية العربية - العربية حالت دون إستكمال المشروع المصرى، ومن المرجح أن استمرار هذه الخلافات سيحول دون استكمال تلك الرؤية الأمريكية لتحالف الـ " MESA".  
 

رابط دائم: