الرئيس السيسي .. الرجل الاستثناء
20-10-2017

د. إلهــام سيــف الدولــة حمــدان
* أستاذ العلوم اللغوية بأكاديمية الفنون وعضو اتحاد كتاب مصر
هل نحن في حاجة إلى التذكير بأن أول جيش نظامي في العالم؛ كان جيش مصر الذي تم تأسيسه بعد توحيد "الملك مينا" للقطرين في مصرالعام 3200 قبل الميلاد، فقد شهد التاريخ المصري القديم؛ الكثير من الحروب التي خاضتها لصد هجمات الغزاة والمعتدين؛ ودفعت الثمن غاليًا من دماء أبنائها دفاعًا عن نفسها للحفاظ على وحدة وتماسك أراضيها؛ وسجلت جدران المعابد الانتصارات تلو الانتصارات لهذا الجيش العظيم . وفي عصر الدولة الحديثة والعصر الذهبي للجيش المصري؛ قام الملك "أحمس" بتأسيس الجيش النظامي المدرب المحترف؛ وبفضله نشأت أول امبراطورية في العالم من خيرة الأبناء المخلصين؛ الذين يدينون بالولاء والانتماء لتراب هذا الوطن؛ دون الاعتماد على جيوش المرتزقة من الأجانب؛ فحافظت مصرعلى عقيدتها القتالية باستخدام الجيوش في الدفاع عن حدودها شرقًا وغربًا وشمالاً وجنوبًا؛ ولم تستخدمها في الهجوم أو الاعتداء أو الاستعمار للبلدان المستضعفة على طول أحقابها الضاربة في جذور التاريخ .
 
وعلى نهج تلك العقيدة القتالية؛ جاءت السلسلة العظيمة من الملوك الذين تتابعوا على الجلوس على سدة عرش مصر؛ من "أحمس" و "رمسيس" و "تحتمس" وكانوا جميعهم من القادة العسكريين؛ وصولاً إلى قمة الانتصارات والعطاء تحت قيادة جيش مصر الباسل في عصرنا الحديث؛ بداية من ثورة يوليو المجيدة 1952، إلى الانتصارالعسكري والسياسي في العام 1956؛ إلى حرب 1967؛  إلى حرب الاستنزاف في أعوام 1969/1970؛ إلى الانتصار الساحق على العدو الإسرائيلي في أكتوبر 1973،  فلقد كان للجيش المصري دائمًا بقيادة أبنائه العظماء؛ اليد الطولى في حماية حدود الوطن والإنسان على أرضه؛ من كل الطامعين والخونة وعصابات الخوارج في الداخل والخارج . وكان الجيش هو السند الوحيد لثورة الشعب على الفساد والسلطة الجائرة  وانهيار البنية التحتية في يناير 2011؛ بل قام بخلع السلطة والسلطان في مشهد تاريخي قلَّما يتكرر في تاريخ الشعوب، وعاد الشعب بقوته الضاربة وبمساندة الجيش لتصحيح المسار في يونيو 2013 ؛ ليأتي على رأس المشهد الجنرال /عبد الفتاح السيسي؛ هذا الرجل الذي حمل رأسه على كفيه ليحمي الوطن من عصابات الغدر الإرهابية؛ التي تسعى للعودة بنا إلى عصور التخلف والعبودية؛ وتدين بالولاء لمجموعة من "الخوارج" الذين لايدينون بالولاء والانتماء لتراب الوطن؛ تنفيذًا للمخططات الخارجية التى تهدف إلى تقسيم البلاد وشرذمتها؛ لتحقيق حلم الخلافة الوهمية؛ التي لم يستطع ـ حتى ـ الخلفاء الراشدين تحقيقها في أي عصرٍ من العصور .
 
فما أجدر بمصرنا اليوم ـ وهي تواجه أعتى المؤامرات والمكائد ـ  بأن يكون على رأس قيادتها رجالات من أبنائها العظام؛ يشرفون بالانتماء والولاء لهذا الجيش العظيم .. الذي وصفه الزعيم عبد الناصر بأنه الجيش "الذي يحمي ولا يهدِّد، يصون ولا يبدِّد، يرد كيد العدو؛ يشد أزر الصديق"، ويالها من كلماتٍ خالدة تلخص في وضوح مقاصد وتوجهات هذا البلد الذي أجبر التاريخ على أن ينحني ليفرد له في كتابه أروع الصفحات .
 
 ****
 
تخيَّل أنك تجلس فى قاعة العرض السينمائى لتشاهد فيلمًا للفنان المحبب لديك ، لكنك تفاجأ أن المخرج وفقًا للسيناريو وضع له نهاية مأساوية بالموت ، فإنك بالتأكيد ستخرج إلى الشارع حانقًا على المخرج والدنيا والحياة والفن وتوابعه ، لأن "البطل" فى المفهوم الجمعى لايمكن أن يُهزم أو يموت ! وهذا ماتواتر إلينا من السيرة الشعبية للبطل كأبى زيد الهلالى الذى يُصاب فى المعركة بألف طعنة سيف طوال النهار ، ثم يدخل إلى خيمته فى استراحة المحارب ، ليقوموا بتطبيبه ومعافاته ؛ ليخرج فى الصباح الجديد شاهرًا سيفه البتَّار ليقاتل بكل القوة والشجاعة ، لأن الموت ـ فى عرفنا ـ لايَطول الأبطال !
 
والأعمال الفنية دائماً ما تقوم على عاتق البطل بالطريقة نفسها التى تبحث بها الشعوب عن البطل القائد المخلِّص ؛ الذى ينجيها من المشكلات داخل المجتمع وخارجه ، وغالبًا ما تكون الأساطير والسير الشعبية هي الوسيلة التي تنبع من وجدان الشعب في أوقات الشدة أو الضعف وتكون الأسطورة هى الملجأ والملاذ ، ليُرفع على الأكتاف من يتوسمون فيه البطل المخلِّص الذى يخرج من قلب الجماهير ليتقدم الصفوف حاملاً أحلام مجتمعه ليحققها بحد السيف أو القوة المتاحة لديه مستندًا إلى تعضيد الجماعة التى اختارته ليتصدر الصفوف ويتحدث باسمها .
 
ومفهوم البطل Hero في الحياة وفي الأعمال الأدبية والفنية واسع يشمل أنماطاً منوعة من الشخصيات الإستثنائية. فقد نقلت إلينا الحضارة الفرعونية المصرية من كانوا يعدونه "نصف إله" وهو "أوزوريس" الذي يعود للحياة بعد أن تجمع "إيزيس" رفاته فى تابوت كبير من على ضفتى النيل العظيم ،وقرأنا فى الأدب العراقى خلال حضاراته المتعددة عن " آنكيدو" فى ملحمة "جلجامش" الذى يبسط سيطرته على الحيوانات الوحشية . وفي الحضارة اليونانية، امتزج الخارق بالإنساني في صورة البطل، فكان "أخيل" الذي يموت من سهم يصيب كعبه برغم كل قدراته الخارقة، وهو المنقذ الذي يؤسس المدن أو يحميها بذكائه كـ "أوديب" الذي ينقذ مدينة طيبة بإجابته عن أحجية " الهولة " بعد تمرده على والده لتحقيق حلم العرَّافة ، ولنعرف من التاريخ اليونانى عن "عقدة أوديب" و"عقدة ألكترا" ، ولكن الدخول إلى هذه المنطقة سيبتعد بنا عن حديثنا عن "البطل" ومقوماته ؛ولماذا يختاره شعبه ليعمل على إنقاذه ببطولاته الخارقة حتى لو كانت من وحى خيالهم .
 
وفى العصر الحديث اختلفت المعايير على منطوق البطولة والبطل ، وتنوع الإعجاب إلى جوانب عديدة كالإعجاب بالقادة العسكريين ورجال الحكم ، وهناك من أعد البطولة قاصرة على الذكاء والعبقرية للمخترعين والعلماء ، ومنهم من اتخذ منحى آخر بعيدًا تمثل فى الاهتمام بأبطال الرياضة والرشاقة الجسدية من مفتولى العضلات التى تبهر الشباب فى مقتبل العمر ، فأصبح كل فريق يناصر نوعية خاصة يمنحونها لقب " البطل " ويتعصبون لمفهومهم الخاص .
 
ودعونا نترك التاريخ وسطوره وأساطيره الخارقة ، لنهبط إلى أرض الواقع المصرى الذى يجتاز فى هذه الآونة مانعده فترة من أهم وأعقد فترات تاريخه الطويل ، ومن الطبيعى أن يكون الاحساس الجمعى فى حاجة ماسة إلى ظهور "الرجل الاستثناء"سواء بمقوماته الشخصية أو بمنجزاته المتفردة الصادقة التوجه والهدف التى تصب فى صالح مجتمعه ، والتى يعدها من الخوارق لتحقيق حلم الشعب فى الانتصار على قوى الشر التى تحاول فرض سيطرتها عليه سواء بالقهر أو بقوة السلاح ، أو بالأفكار الهدّامة والمتطرفة التى لاتتفق مع دينه ومعتقداته السامية ، وهذا "الرجل الاستثناء" الذى اختاره ـ بكل الطواعية ـ الاحساس الجمعى فى الواقع المصرى ؛ خرج من بين صفوفهم ووجدوا فيه من يجسد منظومة رائعة من القيم والأخلاق لحماية الوطن من التردى فى مساقات لاتتفق وتوجهاته السياسية والعقائدية التى جُبل عليها المجتمع ، فأغلب الثورات البشرية مهَّد لها فرد ؛ كسر قيود الأغلال فتبعته الجموع ، وجاءت كلمة جمال عبد الناصر لتؤكد هذا المعنى والذى طرحه أيضًا أديبنا توفيق الحكيم فى روايته عودة الروح "الكل فى واحد" ، بقوله : "لقد رفعت صوتى أكثر من مرة محذراً من الاعتماد على الفرد لأن كل فرد له دور يؤديه ويمضى الشعب وحده من الأزل إلى الأبد " محفزًا الجماهير بتمثُّل دور القائد كلٌ فى مكانه .
فهل نحن الآن نعيش هذه الفترة التى ستكون كالأسطورة بعد مئات الأعوام ؟
وها أنا أنحت مقالي هنا بحد السكين برغم محاذير البعض من الدخول فى تلك المنطقة الحساسة خوفًا من  الاتهام بالتملق فكل ما أردته أن أسوق وقائع التاريخ القديم والحديث للتدليل على أن إرادة الجماهير وحدها هى من تقرر من تمنحه شرف تقدم الصفوف وحمل لواء البطولة ، بغيةتجسيد الواقع المصرى بحرفية شديدة لنقول لمن لايعى جادة الأمور : أفِـق ! وهى كلمة حق أجسدها  تعبيرًا صادقًا عن الاحساس الجمعى المصرى الذى لايخشى فى الحق لومة لائم ، ويستطبع فى كل زمان أن يختار أبطاله.

رابط دائم: