دور "شباب المجاهدين" في إشعال الصراع الدولي على الصومال
5-10-2017

فادي عيد
* باحث في الشئون الإقليمية
في ظل ما تشهده خريطة التنظيمات الإرهابية من تطورات، خلال الفترة الأخيرة، يبرز دور حركة "شباب المجاهدين" الصومالية في تفاقم الأوضاع في منطقة شرق إفريقيا، التي تمتاز بأهميتها الاستراتيجية، مما جعل العديد من القوى الدولية تحرص على وجود قواعد عسكرية لها في تلك المنطقة المهمة في مفاصل الخريطة الدولية، لاسيما أن حركة "شباب المجاهدين" لم تعد تمثل تهديداً على الدولة الصومالية فحسب، بل على استقرار وأمن منطقة القرن الإفريقي، التي باتت تشهد صراعاً غير معلن.
 إذ باتت دول القرن الإفريقي (جيبوتي- إريتريا- الصومال- إثيوبيا- كينيا) مسرحاً لقوات وقواعد عسكرية من الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، والصين، وروسيا، وإسرائيل، وإيران، وتركيا، وغيرها من الدول. وبالتأكيد، فإن كل ذلك ليس من أجل حماية استقرار شعوب دول القرن الافريقي، ووحدة أراضيها، بقدر الحفاظ على مصالح تلك الدول التجارية والاقتصادية.
وتحمل تلك المنطقة، التي تشرف على خليج عدن ومضيق باب المندب، وتطل على مدخل البحر الأحمر، أهمية سياسية، وعسكرية، وأمنية، بعد أن شهدت حروباً بالوكالة بين الاتحاد السوفيتي السابق والولايات المتحدة. ثم اكتسبت أهمية خاصة بعد حرب أكتوبر 1973، حتى إن دولة الاحتلال الإسرائيلي تعدها جزءاً مهما في نطاق أمنها الحيوي. 
ازدادت أهمية المنطقة بعد أن أطلقت المملكة العربية السعودية عاصفة الحزم (25مارس2015) من أجل استعادة الشرعية، حيث تحولت العديد من أراضي دول القرن الإفريقي، وتحديدا جيبوتي، وإريتريا، ثم الصومال، إلى نقطة انطلاق للحرس الثوري الايراني تجاه اليمن لتدعيم الجانب الحوثي.
 وإذا كان القرن الإفريقي لا يهدأ من الصراعات الداخلية، والحروب الأهلية، فقد أصبحت جغرافيته جزءاً من صراعات دولية، ومنافسات إقليمية.
وبرغم تصاعد نشاط حركة "شباب المجاهدين" الصومالية الإرهابية بشكل ملحوظ، خلال الفترة الأخيرة، فإنها ليست السبب الوحيد للصداع المزمن برأس الحكومة الصومالية، حيث هناك أيضاً المعارك بين الصوماليين والأوروميين، التي تجددت للمرة الثالثة بمنتصف سبتمبر 2017، بعد أن سقط أكثر من 30 قتيلا، أغلبهم من الصوماليين.
يأتي الصراع بسبب رغبة كل من الصوماليين والأوروميين في السيطرة على أراض تقع بين حدود البلدين، تصل مساحتها إلى 1400 كم. وإذا كان هذا الصراع يمثل أزمة كبيرة للحكومة الصومال، فإنه يشكل بالمقابل فرصة للحكومة الإثيوبية، نظراً لأنها ترغب فى أن ينشغل الأوروميون في نزاعهم مع الصوماليين، بدلاً من أن يواجهوا الحكومة الإثيوبية نفسها، وتجديد رغبتهم في الانفصال عن هذا البلد.
بموازاة ذلك، فإن هناك دولاً خارجية تسعى من حين إلى آخر لإشعال تلك المنطقة بين حدود الصومال وإثيوبيا، رغبة منها في قطع الطريق على دول أخرى تحاول أن تضع قدميها بتلك المنطقة لما تمتلكه تلك المناطق من مصادر للطاقة كالنفط والغاز، وكي تتحول تلك النقطة فيما بعد لبؤرة تهديد للشركات الأجنبية العاملة بمجال استكشاف واستخراج للنفط والغاز بشرق إثيوبيا.
بالعودة إلى حركة "شباب المجاهدين"، التي يتزعمها حاليا أحمد ديري أبو عبيدة، الذى تولى قيادة الحركة بعد اغتيال أحمد عبدي غودني، منذ ثلاثة أعوام، فإنها تعانى تصدعات وانشقاقات متكررة، بسب الخلافات الفكرية تارة، والنزاع على القيادة تارة أخرى، والتي كان آخرها  انشقاق مختار على روبو (المتحدث السابق باسم حركة "شباب المجاهدين")، إضافة إلى انضمام مجموعات منها إلى تنظيم "داعش"، الأمر الذى يشير إلى أن الانقسامات أصبحت أخطر ما يهدد مستقبل الحركة خلال المرحلة القادمة.
وبرغم أن أهداف "شباب المجاهدين" في الأساس تنصب على الداخل الصومالي، إضافة إلى العداء تجاه الغرب، فإنه يبدو أنها أصبحت أداة لدول أخرى لإضعاف هذا البلد، حتى يصبح أرضا خصبة لأي دولة تبحث عن موطئ قدم لها فيه، أو في منطقة القرن الإفريقي، بعد أن باتت جغرافية القرن الإفريقي كلها ملعبا لصراع دولي غير مرئي بالعين المجردة.
ويبدو أن هذه الحركة الإرهابية أصبحت تستخدم في تصفية حسابات دولية في منطقة القرن الإفريقي، وهذا ما يشير اليه تصريح زعيم الحركة، أحمد ديري أبو عبيدة،  في تسجيل صوتي، بثته إذاعة الأندلس التابعة لها، والذى حمل عنوان "الشريعة أو الشهادة"، واصفا فيها الدولة التركية بعدوة الأمة، قائلا "إن تركيا غزت بلادنا اقتصادياً، ولا تغرنكم التنمية المزعومة التي تسوّق لها، فتذكروا أن الأتراك ينهبون موارد الصومال أكثر مما يساعدونه"، مختتما رسالته الصوتية، التي استمرت لمدة  44 دقيقة، بالتنديد بما سماه احتلال الغزاة الصليبين، في إشارة لجنود أوغندا، وكينيا، وبوروندي العاملين في إطار قوة الاتحاد الإفريقي لبلاده.
بالتالي، فإن حركة "شباب المجاهدين" - على ما يبدو- باتت تلعب دور حصان طروادة لبعض القوى الإقليمية والدولية لمد نفوذها إلى شرق إفريقيا، وترسيخ وجودها عسكرياً واقتصادياً في تلك المنطقة، مما يدل على أن الأزمة في الصومال أعمق بكثير من النزعات الداخلية، والنشاطات الإرهابية.

رابط دائم: