هذا الموقع وهذه المجلة وذاك الرجل وتلك القصة !
27-8-2017

أحمد رفعت
* كاتب وصحفي مصري
في منتصف التسعينيات، اصطحبني الدكتور أحمد ثابت، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة-رحمه الله- إلى مبنى الأهرام الشهير بشارع الجلاء. أنهينا إجراءات العبور من بوابة المؤسسة، ومنها إلى المصعد، لنكون بعد دقائق وجها لوجه مع الدكتور أسامة الغزالي حرب، وقد كان وقتها رئيسا لتحرير مجلة السياسة الدولية، وأحد خبراء مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.
 
رحب الدكتور أسامة بنا، وبدا ودودا مع الدكتور أحمد ثابت. وبطريقته، أشعرنا الدكتور أسامة بأن ما جئنا من أجله منقض دون جهد.
 
قال الدكتور ثابت : هذا الشاب حصل بتفوق على بكالوريوس التجارة، قسم العلوم السياسية بجامعة أسيوط، وأنه كان من المفترض أن يعمل معيدا، لكننا
نريده هنا معكم. وكما توقعنا من الاستقبال، وافق الدكتور أسامة علي الفور، على أن أمر عليه بمفردي فيما بعد لبدء التدريب.
 
كان هدف أي صحفي وقتها، بل وحتى الآن، هو الحصول على عضوية نقابة الصحفيين. وكثيرون كانوا يروون روايات عن صعوبة التعيين في الأهرام، وأنه يتأخر كثيرا، وبالتالي فعضوية النقابه ستتأخر كثيرا، وهي التي تمنح صاحبها الرخصة الحقيقية، ليس للعمل الصحفي فحسب، وإنما رخصة حمل اللقب نفسه كصحفي.
 
وما هي إلا أيام، وكانت دعوة العمل في جريدة الأحرار، التي كنت في أول قائمة للتعيين بها، وكنت في أول دفعة من الصحفيين ترسل للنقابة للحصول على عضويتها، وخطفتني الدعوة والتجربة، والتسرع في الاعتذار عن فرصة العمل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، وبالسياسة الدولية تحديدا. 
 
وتمر الأيام، ويرحل الدكتور أحمد ثابت شابا في متصف العمر، وهو لمن لا يعرف أحد الكوادر الناصرية المثقفة والشريفة، وكان ابن بلد شهما، يسعي من تلقاء نفسه للوقوف مع تلاميذه بأي طريقة ممكنة، حتي دون طلب، ما دام يرى في نفسه القدرة على تقديم العون. بالفعل، قدم لنا -رحمه الله- خدمات لا تنسى، حيث كان هو أيضا من عرفني على اللواء محمود خليل، أحد أبرز أبطال حرب أكتوبر، إلا أن إصابته جعلته يتقاعد، رغم صغر سنه، ويتفرغ للدراسة، والبحث بأكاديمية ناصر العسكرية، وهناك قضيت الجزء الأكبر من الخدمة العسكرية، أساعده في أبحاثه عن أزمة المياه في الشرق الأوسط، وكان سباقا في طرح الأزمة.
 
وتمر الأيام، وتتحول الزمالة، والاحترام المتبادل، وود على البعد إلى صداقة قوية مع الأستاذ أحمد ناجي قمحة، الكاتب الصحفي، والباحث المتميز، نجل الكاتب الصحفي الكبير الرائع الذي قرأنا له، ونحن نفتش عن كتاب محترمين بين كل من يكتبون في مصر وكانوا أقلية، وكان منهم، إن لم يكن أبرزهم.
وقد دارت حول هذه الأمور حوارات طويلة في الصداقة، التي دعمها الاجتماع على حب الوطن. وتمر الأيام من جديد، ويصدر قرار تعيين الزميل الحبيب  أحمد ناجي قمحة رئيسا لتحرير السياسة الدولية، ويسألنا بلا تكبر، ويستشير، مشركا الجميع في رؤيتهم حول مستقبل المجلة. هو يمتلك الرؤية، بالطبع، لكنه لا يستنكف أن يفعل ذلك. وقلنا، ومن بين ما قلناه كان عن موقع المجلة، تلك التي كانت مرشدا لكل الباحثين في العلوم السياسية، وهاديا لكل الدارسين لها.
 
وكانت، ولم تزل، مجلة السياسة الدولية متخصصة في الشئون السياسية، بجميع أفرع العلوم السياسية من العلاقات الدولية إلي النظرية السياسية، ومن المنظمات الدولية إلى الاجتماع السياسي، ومن الجغرافيا السياسية إلى القانون الدولي. وبالتالي، فأغلب ما ينشر فيها ليست مقالات رأي، وإنما دراسات، وأبحاث وأوراق عمل تعتمد كلها على دقة المعلومة، وعلى مناهج البحث المختلفة، وعلى أسس في القياس، والفهم، والتحليل المنطقي. وبالتالي، فأغلبها تحليل علمي، يبنى بالكامل على أسس علمية، وهذا أجمل ما فيها، إلا أنها تكتمل ببعث الروح إلى موقعها الإلكتروني، ليتسع لمقالات الرأي، ليستوعب، في كرم بالغ من المجلة وموقعها، ورئيس تحريرها، وهيئتها العلمية، للمقال الذي يحمل القصة السابقة، والذي انتهيتم منه حضرات القراء الأعزاء الآن.
 
 
 

رابط دائم: