نحو مسار حقوقي لردع النظام القطري
27-6-2017

د. ولاء جادالكريم
* باحث وكاتب في قضايا التنمية وحقوق الإنسان، الأمين العام لمؤسسة شركاء من أجل الشفافية.
منذ سنوات أتقنت النخبة الحاكمة في الدوحة لعبة توظيف القوى الناعمة في التمدد السياسي على حساب شعوب المنطقة واستقرارها وأنظمتها الشرعية الحاكمة. وعلى مدار الأسابيع الماضية، أفاض الكثيرون في كشف بعضا من جوانب اللعبة، خاصة ما يتعلق باستثمار النظام القطري في الإعلام الموجه سواء بتمويله، وصناعة محتواه بشكل كامل، أو تمويله جزئيا، وامتلاك أسهم حاكمة بهدف التأثير على المحتوى الإعلامي، بما يخدم أجندة محددة تتبناها الدوحة، وكذلك استخدام قطر للجماعات والتنظيمات الدينية ومؤسسات العمل الخيري، كغطاء لدعم جماعات إرهابية، ودمجها في العملية السياسية، مستغلة "الثغرات" التي شهدتها مرحلة ما يعرف بـ"الربيع العربي"، وعمليات الحراك السياسي التي شهدتها بعض دول المنطقة.
 
لكن ما لم يحظ بحقه في الكشف والتحليل هو توظيف النظام القطري للأدوات الحقوقية في معاركه "غير الأخلاقية" من خلال نسج علاقة مبهمة مع صناع المحتوى الحقوقي، والمنظمات الدولية غير الحكومية. وربما تكون الأحداث الأخيرة قد أتاحت فرصة مناسبة لتسليط الضوء على هذا البعد المهم من أبعاد النفوذ القطرى، بعد أن بادرت منظمة العفو الدولية - وهي واحدة من أهم المنصات الحقوقية في العالم – بمحاولة إلقاء طوق نجاة للنظام القطرى، حيث حاولت من خلاله " تلبيس" توجهاتها السياسية رداءا حقوقيا زائفا، وهو المسلك نفسه الذي انتهجته اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر.
 
ففي التاسع من يونيو الجاري، أصدرت منظمة العفو الدولية - التي تتخذ من لندن مقرا لها - تقريرا سرعان ما انتشر كالنار في الهشيم على وسائل الإعلام المدعومة - كليا أو جزئيا- من النظام القطرى، جعلت عنوانه " أسر تتمزق وحرية التعبير تتعرض للهجوم وسط الصراع السياسي في الخليج". ويعج التقرير بالمغالطات المهنية والمنهجية، والتي قد يكون مرجعها إلى أن التقرير تم إعداده على عجل، كاستجابة لضغوط " طرف ما". ومن ثم، لم تأخذ المنظمة وقتها في "تسبيك طبختها" لتكون أكثر إقناعا للقارئ، وأكثر التزاما بالقواعد المنهجية الحاكمة - على مستوى الشكل على الأقل – لتحصينه من النقد المهني الذي يفقد تقرير المنظمة تماسكه ويكشف تهافته.
 
وكرد فعل على المحاولات القطرية، يبقي السؤال الآن مطروحا عن المسار الحقوقي الذي يجب أن تسلكه القوى العربية المتضررة من جرائم النظام القطري لوضع حد لها، وإجبار النخبة الحاكمة في الدوحة على تغيير سلوكها واحترام خيارات شعوب المنطقة. 
 
وبرغم أن البعض طرح فكرة اللجوء للعدالة الجنائية الدولية، فإن التعمق في هذا الخيار يجعلنا نكتشف بسهولة أنه لن يكون ناجحا لسببين: الأول، أن غالبية الدول العربية لم تصدق على نظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة. وبالتالي، فلا يمكن الاستفادة من هذه الآلية في ردع النظام القطري. فضلا عن أن استثمار قطر لسنوات في شراء الولاءات الحقوقية سيقف حائلا دون حشد الدعم اللازم لهذه الخطوة، وبالتالي، يبقي أمامنا بديلين يجب السير فيهما. 
 
البديل الأول، هو قيام المنظمات الحقوقية العربية بدورها في رصد وتوثيق جرائم النظام القطرى التي تتعارض بشكل واضح مع حزمة من الصكوك الدولية ذات الصلة بالشأن الحقوقي، والعمل على طرحها في صورة إفادات وتقارير أمام الآليات والمنتديات الأممية الحقوقية، وإبراز تناقض تصرفات النظام القطرى مع الصكوك المشار إليها.
 
فعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن ما قدمه النظام القطرى على مدى السنوات الماضية من دعم للتنظيمات الإرهابية يتناقض جذريا مع قرار مجلس الأمن رقم 1373 الذي تبنى خطابا متشددا إزاء المنظمات والدول التي تدعم الإرهاب، وهو القرار الذي تضمن حظرا صريحا يجبر الدول على عدم تقديم أي نوع من الدعم الصريح أو الضمني إلى الأشخاص الضالعين في ارتكاب الجرائم الإرهابية، أو تقديم ملاذت آمنة لمن يرتكبون أو يمولون أو يدعمون العمليات الإرهابية.
 
كما أن سلوك حكام الدوحة يتعارض مع الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب التي اعتمدتها الأمم المتحدة وعرضتها للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرارها رقم 54 /‎109، المؤرخ في 9 ديسمبر 1999، وهي الإتفاقية التي تجرم كل أشكال تمويل الإرهاب، وتدعو الدول لتغيير إجراءاتها التشريعية بما يتناسب مع أحكامها. 
 
أضف إلى ذلك، فإن ما يقوم به نظام قطر يتعارض مع قرارات صادرة عن مجلس حقوق الإنسان خلال السنوات الأخيرة ، ربما يكون من أشهرها القرار الصادر في الدورة العادية رقم 28 للمجلس تحت عنوان " أثر الإرهاب في التمتع بحقوق الإنسان"، وهو القرار الذي يحث صراحة جميع الدولة على رفض كافة أشكال الدعم التي تقدم للإرهابيين، ورفض توفير ملاذ آمن لهم، أو لمن يحرضون على ارتكاب جرائم إرهابية. 
 
وهنا، يجب أن نشير إلى أن آليات الأمم المتحدة لحماية حقوق الإنسان تسمح للمنظمات العربية المستقلة، وحتى للوفود الرسمية الحكومية في مجلس حقوق الإنسان بإبراز انتهاكات النظام القطرى لحقوق الإنسان ومطالبتها بوقفها، وربما تكون آلية المراجعة الدورية الشاملة UPR  واحدة من الفرص المهمة التى يجب استغلالها.
 
فبموجب هذه الآلية التى ستخضع لها قطر في أبريل 2019، يحق للمنظمات غير الحكومية والمنظمات الوطنية العربية أن تقدم للمفوضية السامية لحقوق الإنسان إفادات تبرز انتهاكات النظام القطرى لحقوق الإنسان خارج أراضيه من خلال دعم وتمويل الجماعات الإرهابية التى تقوض الحق في الحياة والأمن والتنمية، وتقضي على حق الشعوب في تقرير مصيرها. كما يحق للوفود العربية الرسمية أن تقدم توصيات محددة للحكومة القطرية لإلزامها بوقف ممارستها المناهضة لقيم حقوق الإنسان، وهو ما سيسهم بفاعلية في فضح وكشف جرائم حكام الدوحة أمام العالم والشعوب العربية وكذلك الشعب القطري الشقيق.
 
أما البديل الثاني، فيتمثل في "إحياء" الآليات الحقوقية العربية المتمثلة في الميثاق العربي لحقوق الإنسان، ولجنة حقوق الإنسان العربية المعنية بمتابعة مدى التزام الدول بالميثاق، خاصة أن ذلك الأخير يشتمل في مادته الثانية على الحق في تقرير المصير، حيث يشير بوضوح إلى الحق في العيش تحت السيادة الوطنية والوحدة الترابية، وهي الجوانب التى سعي نظام قطر إلى تفكيكها في عدة دول عربية من خلال دعمه للجماعات الإرهابية والميليشيات المسلحة. 
 
كما أن سلوك الدوحة يتعارض مع أحكام المادة 37 من الميثاق التي تؤكد على أهمية التعاون والتضامن بين الدول في إعمال الحق في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وذلك من خلال دعمه وتمويله الجماعات التى تقوض كل هذه الحقوق مجتمعة.  من هنا، فإن التحرك من خلال الآليات العربية الحقوقية تحت مظلة الجامعة العربية يبدو أمرا منطقيا ومطلوبا لردع النظام القطرى 
 
إن المعركة مع النظام القطرى التى تستهدف وقف ممارساته غير الأخلاقية يجب أن تستخدم فيها كافة الأدوات والآليات التى تتيحها المنظومة الأممية والإقليمية لحماية حقوق الإنسان. تلك المنظومة التى يبقي هدفها النهائي هو الدفاع عن القيم الإنسانية الشاملة التى دفع العالم ثمنا كبيرا من أجل التواصل إليها، وليس من المقبول أن يسمح لنظام مراهق سياسيا أن يستخدم فوائضه المالية الضخمة في دهسها وإنتهاكها كل يوم.
 
--------------------------
 (*) مقال رأي – موقع السياسة الدولية

رابط دائم: