العاجل والآجل فى الشأن الطائفى
28-2-2017

زياد بهاء الدين
*
ليس غريبا أن تثير الاعتداءات الإرهابية على الأسر المسيحية فى مدينة العريش هذا القدر من الغضب بين الناس وأن تستدعى كل هذا التعاطف والتضامن مع ضحايا العنف الطائفى. فالوضع خطير والإرهاب لا يستهدف فقط ترويع الأسر المسيحية، بل شق المجتمع وتعميق الفتنة وتصعيد الحرب الدائرة فى شمال سيناء إلى مستوى جديد من العنف. 
 
ولكن على الرغم من نبل المشاعر التى أبداها من توجهوا إلى الإسماعيلية لاستقبال الأسر المهاجرة ومساندتها ماديا ومعنويا، وأهمية ما أعلنه السياسيون والحزبيون من رفض للإرهاب وتمسك بالوحدة الوطنية، وعلى الرغم من قيام الدولة بتقديم العون للعائلات المهاجرة ــ وإن كان هذه المرة جاء متأخرا وعلى استحياء وبما لا يليق بخطورة الموقف ــ إلا أن هذه الإجراءات العاجلة غير كافية فى حد ذاتها للتعامل مع الملف الطائفى بل يجب أن تلحقها تدخلات أكثر عمقا فى الأجل الأطول. 
 
فالحقيقة المؤسفة أن هذه الحالة العاطفية والإعلامية تتكرر فى كل مرة يقع فيها اعتداء طائفى أو إرهاب يستهدف المسيحيين أو يثير فتنة بين الناس: حماس شديد، ومقالات نارية، وبيانات من القوى السياسية تشجب وتدين، وتبرعات سخية، وتدخل من الدولة لإصلاح بعض ما انهدم، ثم ما يلبث الموضوع أن يتراجع من اهتمام الإعلام والرأى العام، وتعود الأمور إلى سيرتها الأولى، ويظل المهجرون بعيدا عن منازلهم، والمجرمون بلا عقاب، والتوتر الطائفى مستمرا. ولذلك فإن التفرقة ضرورية بين ما هو عاجل وما هو آجل فى التعامل مع الملف الطائفى ومع الإرهاب الذى يسعى لاستغلاله من أجل شق صف المجتمع وتعميق الفجوة بين أبنائه. 
 
هذه الإجراءات الآجلة التى يلزم علينا جميعا أن نتمسك بها تبدأ بأن تتجاوز الدولة الحديث المتكرر عن تجديد الخطاب الدينى وتتخذ إجراءات حقيقية نحو التصدى لخطاب التحريض والتمييز السائد فى المناهج الدراسية وفى وسائل الإعلام بل وعلى لسان بعض المسئولين. تأجيل النظر فى هذا الموضوع بحجة الملاءمة السياسية ليس مقبولا لأن أولوية الحفاظ على الوحدة الوطنية تتجاوز كل الحسابات والمواءمات. 
 
كذلك فقد حان الوقت للعمل وبجدية على إصدار قانون شامل لمنع التمييز بكل أشكاله وكفالة المساواة بين المواطنين. وإن كانت الدولة والبرلمان متقاعسين عن تنفيذ هذا الاستحقاق الدستورى فيلزم علينا جميعا بذل كل الجهد الممكن من أجل المطالبة به والضغط لصدوره وألا ظل مفهوم المواطنة منقوصا وغير مستند إلى حماية قانونية إلزامية. 
 
من جهة أخرى فإن الدولة أخطأت من قبل وتخطئ مرة أخرى حينما تستمر فى سياستها الرافضة لتمكين منظمات المجتمع المدنى من القيام بدور أكثر فاعلية فى التوعية بالحقوق والتواصل مع المناطق التى يسودها توتر طائفى والعمل على التهدئة واستخدام آليات الإنذار المبكر التى تساعد على تحقيق السلم الوطنى. وطالما ظلت الدولة تنظر لكل نشاط أهلى بتوجس وعداوة فسوف تظل تتعامل بمفردها مع قضايا اجتماعية بالغة التعقيد ولا تصلح معها أدوات السلطة التقليدية وحدها. 
 
ثم إن هناك أيضا ضرورة ملحة لحسم موقف الدولة من التجاوزات التى تتم فى حق المواطنين المسيحيين فى ظل الاعتراف الضمنى بآليات الصلح العرفى والتهجير والمنع من ممارسة الشعائر الدينية تحت شعار التهدئة والاستقرار وكسب ود التيارات المتشددة. إما أن يكون هناك قانون واحد يطبق على الجميع دون استثناء، ولا يفرق بين مسلم ومسيحى، وألا فالبديل هو الفوضى وشريعة الغاب. 
 
وأخيرا فإن التعامل مع الملف الطائفى لا يكون أبدا بحلول طائفية. المهجرون من العريش مسئولية ورعايا الدولة وعليها أن تتصدر صفوف حمايتهم ورعاية مصالحهم وليسوا رعايا الكنيسة كى تكون المظلة التى يجتمع حولها ممثلو الدولة المدنية. وهذا ليس انتقاصا من دور الكنيسة ولا لوما لمن لجئوا إليها فى محنتهم، بل تاكيد على خطورة الاعتماد على حلول ترسخ الطائفية بدلا من أن تقاومها. 
 
الاعتداء الإرهابى على مواطنى العريش المسالمين ليس عملا طائفيا عاديا بل جريمة إرهابية خطيرة تأتى فى وسط معركة دائرة بالفعل وسقط فيها عشرات الشهداء. وعلينا ألا نستدرج وراء المسار الذى تسعى له الجماعات الإرهابية المسئولة عن تلك الجرائم. ولذلك فإن الإجراءات العاجلة لمساندة ودعم الضحايا كلها يجب أن تكون محل تقدير. ولكن دعونا لا نتوقف عندها هذه المرة كما حدث من قبل.
 
---------------
* نقلا عن الشروق المصرية، 27-2-2017م.

رابط دائم: