الحادى عشر من سبتمبر مرة أخرى
26-9-2016


*
لم يمض أسبوع على الذكرى الأمريكية بمرور خمسة عشر عاماً على أحداث الحادى عشر من سبتمبر الدامية، حتى كانت أجواء الإرهاب تخيم بقسوة على الساحة السياسية الأمريكية، بحيث تخطف الأضواء من حملات الانتخابات الرئاسية لكى تستعيد ذلك المناخ الكئيب من التعامل مع قضية صعبة لا يبدو لها حل فى المستقبل المنظور. فجأة بدأت الأحداث يوم السبت ١٧ سبتمبر بانفجار جرى فى أحد صناديق القمامة فى مدينة نيويورك، نتج عنه إصابة ٢٩ جريحاً، ونتيجة البحث فى كل صناديق القمامة وجد عدد من القنابل لم تنفجر بعد فى أماكن أخرى، وبعدها سرعان ما انفجرت قنبلة أخرى فى مدينة إليزابيث فى ولاية نيوجيرسى. وما بين هذا الانفجار وذاك جرى فى ولاية منيسوتا حادث إرهابى آخر وهو أن شخصاً قام بتسديد الطعنات القاتلة فى إحدى الأسواق نتج عنها عشرة من الجرحى ومقتل الإرهابى طاهر آدم. الحوادث الثلاث جرت بطريقة متسارعة، ومع يوم الإثنين بات معلوماً أن من قام بحوادث نيويورك ونيوجيرسى هو شخصية واحدة أحمد خان رحامى، جرى القبض عليه، ولم تكن مفاجأة أن من فعلها كان مواطناً أمريكياً من أصل أفغانى. أما من قام بالطعن فى منيسوتا فقد كان هو الآخر شخصا مسلما سرعان ما أعلنت «داعش» أنه من جنودها «الأبرار».
 
الأحداث كلها تنبئ بأن الحرب ضد الإرهاب سوف تكون طويلة، وأن نجاح الولايات المتحدة وروسيا، إذا ما قدر له الحدوث فى القضاء على «دولة الخلافة» الداعشية فى سوريا والعراق، لن يعنى نهاية الحرب. والمسألة ببساطة أن تنظيمى «داعش» و«القاعدة» نجحا فى اختراق مجتمعات كثيرة، بما فيها المجتمعات الغربية المتقدمة عبر الأقليات الإسلامية، وهو اختراق أخذ أشكالاً فكرية وعقيدية أحيانا، كما أخذ أشكالاً تنظيمية أحياناً أخرى. ولمن يعيش فى الغرب، أو أتيحت له الفرصة لمراقبته، سوف يجد أنماطاً متكررة تبدأ دوما بنشر نوع من الإسلام «المحافظ» الذى يركز على الطقوس والمظهر أكثر من المضمون، وعلى الموت أكثر من الحياة، وبعد ذلك يأتى فكر الإخوان المسلمين لكى يعطى كل ذلك معانى سياسية يعيش فيها المسلم حياة متناقضة فيها الكثير من الكراهية لطريقة الحياة فى الغرب، مع إصرار فى نفس الوقت على البقاء فيه. عند هذه المرحلة يصبح الفرد، وأحيانا الأسرة، جاهزاً لكى يتلقى ويقبل أنواعا من الفكر الإرهابى الذى يدفعه إلى الإرهاب، إما بالعودة إلى الدول الإسلامية حيث توجد تنظيمات الشباب فى الصومال، وداعش فى سوريا والعراق، والقاعدة وطالبان فى باكستان وأفغانستان، أو البقاء حيث يقيم وارتجال عمليات إرهابية وفقاً لوصايا ونصائح تأتى من خلال شبكة الإنترنت.
 
هذا النمط من أسر الإنسان المسلم من حالته الطبيعية الإنسانية وتحويله إلى شخصية إرهابية بات متكرراً فى المجتمعات الغربية، ونتج عنه عمليات إرهابية كان آخرها تلك الموجة التى جرت فى الولايات المتحدة. المعضلة هنا فى المجتمعات الغربية أن الأفكار والمثل التى قامت عليها تجعل معادلة الأمن والحرية أكثر تعقيداً مما تبدو عليه فى مجتمعات أخرى. وظهر ذلك فوراً فى تأثيرات الأحداث على الحملة الانتخابية الرئاسية الأمريكية، حيث استخدمها فوراً دونالد ترامب فى الهجوم على الرئيس الأمريكى، باراك أوباما، ومنافسته هيلارى كلينتون، باعتبارها المرشح الديمقراطى من ناحية، كما كانت شريكته فى إدارة السياسة الخارجية مرة أخرى. وبينما فسر ترامب الإرهاب على أنه نتيجة ضعف القيادة الديمقراطية للبلاد سواء فيما تعلق بالحرب ضد الإرهاب أو الموقف من المهاجرين والحاصلين على الجنسية الأمريكية. الحل لدى ترامب بات ضرورة اعتبار الإرهابيين على أنهم «مقاتلون أعداء» أو Enemy Combatants أى أنهم ليسوا مواطنين أمريكيين لهم حقوق حددها القانون والدستور تتعلق بالتحقيق والمحاكمة. كلينتون من جانبها وجدت فى الأحداث فرصة لتبيان فداحة التحدى الإرهابى من ناحية، وضرورة الحكمة فى التعامل معه من ناحية أخرى. هى لحظة تحتاج القيادة القادرة على الثبات وقت الأزمات، وعدم اتخاذ قرارات متعجلة، أو مناسبة للحظة.
 
ولكن بغض النظر عن نتائج عمليات سبتمبر الجارى الإرهابية، وما بعثته من ذكريات لا يستطيع أحد نسيانها، أو أثرت به على الانتخابات الرئاسية، فإن الخاسر الأكبر كان أولاً المسلمون الأمريكيون، وثانياً المسلمون فى العالم بشكل عام، رغم أنهم يعانون من نفس الخطر الذى يعانى منه بقية العالم. فالمسألة هى أن الحوادث الإرهابية الأخيرة لا يمكن النظر إليها بمعزل عن تتالى أحداث أخرى جرت فى بوسطن بولاية ماساتشوستس، أو سانت برناردينو فى كاليفورنيا أو أورلاندو فى فلوريدا. فالقانون العام لكل هذه الأحداث الإرهابية فى غرب وشرق وشمال وجنوب الولايات المتحدة، والتى تراوحت ما بين تفجير قنابل أو استخدام أسلحة نارية أو أسلحة بيضاء أو حتى تحويل إناء الطهى البخارى إلى وسيلة تفجيرية تقتل وتجرح عدداً كبيراً من البشر، هو أنها تتم من قبل أفراد أمريكيين يعيشون داخل الولايات المتحدة ويستغلون نمط الحياة الأمريكية فى إيقاع أكبر قدر ممكن من الأذى. كيف نتعامل مع هذه الكارثة، قضية تحتاج نقاشاً آخر.
 
-------------------------------
* نقلا عن المصري اليوم، 24-9-2016.

رابط دائم: