كتب - كتب أجنبية

مستقبل البرنامج النووي التركي

طباعة
Sinan Ülgen, George Perkovich (Editor),Turkey's Nuclear Future (Washington D.C Carnegie endowment for international  peace , 2015
 
عرض : طارق راشد عليان - باحث في العلوم السياسية
 
تسعي تركيا،‮ ‬في ظل احتياجاتها المتصاعدة من الطاقة،‮ ‬إلي التحول تدريجيا إلي الطاقة النووية،‮ ‬لكن هذا التحول يحدث في بيئتين دولية وإقليمية حافلتين بالتحديات الأمنية الجسيمة‮. ‬ويثير الحراك التركي النووي تساؤلات حول إمكانية تحول تركيا من المسار النووي المدني لتطوير أسلحة نووية‮. ‬وهو الأمر الذي أثار نقاشا محتدما حول المستقبل النووي لتركيا، سواء داخل الدولة نفسها،‮ ‬أو في المجتمع الدولي‮.‬
 
وفي هذا الإطار، يطرح كتاب‮ "‬مستقبل تركيا النووي‮" -‬الذي شاركت فيه مجموعة من الكتاب والمتخصصين الأتراك، والذي حرره نائب الرئيس للدراسات بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي،‮ ‬جورج بيركوفيتش، ورئيس مركز دراسات السياسة الخارجية في تركيا،‮ ‬سنان أولجن‮-‬ الجوانب المهمة ووجهات النظر المختلفة حول البرنامج النووي التركي‮. ‬وما يميز هذا الكتاب أنه يحوي الكثير من المعلومات والتحليلات التي تساعد صناع القرار والخبراء في العالم العربي علي فهم سياسات الطاقة والأمن القومي لتركيا،‮ ‬وتطوير استراتيجيات لدعم نظام الحد من انتشار الأسلحة النووية‮.‬
 
الطاقة النووية وأمن الطاقة التركي‮:‬
 
يتناول الكتاب الآليات المختلفة والمستقلة لصناعة السياسة النووية التركية، والدور الناشئ لتركيا في توجيه النظام الدولي للحد من انتشار الأسلحة النووية‮. ‬فينوه سينان أولجين إلي أن الدول في المناطق الجاري فيها نشر الأسلحة النووية، وتشيع فيها المعضلات الأمنية الملحة،‮ ‬تكون لديها برامج نووية مدنية لتوفير الطاقة أو النظائر لأغراض طبية وزراعية‮. ‬وقد تكون هذه البرامج المدنية نشطة وطموحا،‮ ‬أو ناشئة ومنصبة على الأبحاث والتطوير‮.‬
 
وأوضح أن الدول التي تعيش في بيئات أمنية ذات تحديات كبيرة قد تسعي أيضا إلي وضع سياسات نووية لردع خصومها المرتقبين وتحجيمهم‮. ‬وقد ينصب تركيز هذه السياسات على علاقات التحالف التي تستطيع من خلالها بعض الدول إنتاج أسلحة نووية،‮ ‬والسيطرة عليها، ومن ثم تعزيز قدرتها على الرد بالنيابة عن حلفائها الذين ربما يشاركونها أيضا تلك المسئولية‮. ‬ويشير إلي أن السياسة التركية الخاصة بالطاقة النووية من الممكن أن تبقي بأكملها في الإطار المدني، لكن من الطبيعي أن يضع المراقبون الأتراك والدوليون في حسبانهم أن أنقرة يمكن أن تغير سياستها بين ليلة وضحاها في مواجهة البيئة الأمنية المحيطة بها،‮ ‬والشكوك الخاصة بتطور ضمانات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي‮.‬
 
ويشير رئيس الجمعية الدولية لاقتصادات الطاقة في تركيا‮ ‬غوركان كومبار أوغلو،‮ ‬في الفصل الأول من الكتاب بعنوان‮ "‬تركيا والطاقة النووية‮"‬،‮ ‬إلي أنه يمكن اقتفاء أثر مسعي تركيا للحصول على الطاقة النووية إلي فترة عضويتها ببرنامج‮ "‬الذرة من أجل السلام‮" ‬عام‮ ‬‭.‬1955‮ ‬ففي العام التالي لمشاركتها في هذا البرنامج، تأسست لجنة الطاقة الذرية لتركيا تحت رعاية رئاسة الوزراء‮. ‬وبدأ تشغيل مفاعل أبحاث بقدر‮ ‬1‮ ‬ميجاواط عام‮ ‬‭.‬1962‮ ‬وتأسست وزارة الطاقة والموارد الطبيعية في العام التالي‮.‬ ودشنت إدارة دراسة الأشغال الكهربائية، وهي عبارة عن قسم ملحق بالوزارة، دراسات الجدوي بغية إنشاء محطة طاقة نووية تتراوح قدرتها ما بين‮ ‬300‮ ‬و400‮ ‬ميجاواط،‮ ‬ومفاعل يعمل بالمياه الثقيلة المضغوطة‮.‬
 
ويوضح الخبير الاقتصادي إيزاك أتياس،‮ ‬في الفصل الثاني، أن مفتاح الأمن النووي هو وضع إطار عمل تنظيمي فعال، مؤكدا ضرورة النظر إلي أطر العمل التنظيمية للأمن النووي،‮ ‬والاتفاقيات،‮ ‬والقوانين،‮ ‬والتنظيمات،‮ ‬والمقاييس،‮ ‬والتوجيهات الدولية التي أقرتها المنظمات الدولية النشطة في مجال الطاقة النووية‮. ‬وعلى ذلك، يخلص أتياس إلي أن المشاركة كطرف في الاتفاقيات أو العهود الدولية تبرز كمكون أساسي من مكونات ضمان أمن الطاقة النووية‮.‬
 
وفي الوقت الذي تواجه فيه تركيا العديد من التحديات الأمنية، يتجلي دور الأسلحة النووية كأداة لرد الفعل على التهديدات الإقليمية التي تواجهها، وهو الجانب الذي يركز عليه دوروك إيرجون في الفصل الثالث من الكتاب،‮ ‬حيث أشار إلي أن البيئة الأمنية التركية تغيرت تغيرا جذريا على مر السنين، وكان لهذا التغير آثار جسيمة على منظور أنقرة لانتشار الأسلحة النووية كتهديد، ومواقفها من الأسلحة النووية كعنصر ردع‮.‬
 

النووي-التركي---داخلي
ويشير الخبير النووي في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، مارك هيبس،‮ ‬في الفصل الثالث من الكتاب، إلي أن تركيا عضو في اتفاقيتين تحددان إلي حد كبير سياساتها الخارجية في مجال الطاقة النووية، هما‮: ‬معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، ومجموعة موردي المواد النووية‮. ‬وقد انضمت تركيا إلي كل من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية،‮ ‬ومجموعة موردي المواد النووية،‮ ‬بعد أن أدركت أن عضويتها ستتسق مع قيم الدولة وطموحاتها المستقبلية،‮ ‬والتزاماتها الدولية‮. ‬ولم تثر تلك القرارات،‮ ‬عندما اتخذتها الدولة،‮ ‬نقاشا أو جدلا عاما، ولم يكن لدي القادة الأتراك إلا القليل ليدلوا به لتفسير أفعالهم‮.‬
 
هل تسعي تركيا لامتلاك أسلحة نووية؟
 
منذ الاكتشافات الدراماتيكية للأنشطة النووية‮ ‬غير المشروعة عام‮ ‬2002،‮ ‬تنبأت كتابات‮ ‬غربية بأن تركيا ستسير على الدرب نفسه الذي سارت عليه إيران، وستسعي إلي الحصول على قدرات نووية لموازنة التحديات المحتملة لتداعيات انتشار الأسلحة النووية في منطقة الشرق الأوسط‮. ‬وقد محَّص الأكاديميون والمثقفون اهتمام تركيا بمشروعات الطاقة النووية بغية‮ "‬اكتشاف النيات الحقيقية‮" ‬وراء المبادرات الماضية والحالية‮. ‬ويتناول الفصل السابع من الكتاب احتمالات تبني تركيا للأسلحة النووية في السنوات المقبلة،‮ ‬رغم أدائها البارز تحت مظلة منظومة الحد من انتشار الأسلحة النووية‮.‬
 
وقد تناول الكتاب موقع القوة النووية في استراتيجية الأمن القومي التركي، حيث أشار آرون شتاين في الفصل الخامس إلي سعي تركيا، في ضوء تحول المعطيات الجيوسياسية منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، للحصول على صواريخ باليستية،‮ ‬وصواريخ كروز،‮ ‬وتعزيز تلك القدرات بقدرات استخباراتية قوية من أجل توفير قدرات دفاعية أفضل،‮ ‬مقابل انتشار الصواريخ الإقليمية،‮ ‬لا ترتبط بالجهود النووية المدنية التركية على الإطلاق، بل تنفصل عنها‮.‬
 
ويخلص جورج بيركوفيتش في خاتمة الكتاب إلي أن تركيا نجم صاعد على المستويات الاقتصادية،‮ ‬والسياسية،‮ ‬والاستراتيجية في المنظومة الدولية‮. ‬ورغم الاضطرابات الداخلية الأخيرة التي شهدتها،‮ ‬والأزمات المتجلية في الدول المتاخمة لها، ستظل تركيا تلفت الانتباه الدولي الذي سينصب على اقتصادها،‮ ‬وقدرتها على التأثير في آليات الشرق الأوسط،‮ ‬ومنطقة القوقاز،‮ ‬وآسيا الوسطي‮. ‬وستظل تركيا أيضا طرفا مهما في المنظومة النووية الدولية‮. ‬فحجمها ونموها الاقتصادي يجعلانها سوقا كبيرة مستقبلا لتكنولوجيا الطاقة النووية،‮ ‬سواء التي يوردها الشركاء الدوليون،‮ ‬أو الجاري تطويرها محليا‮.‬
 
وقد خلص بيركوفيتش في ضوء التحليلات الواردة في هذا الكتاب إلي أن الزعماء الأتراك سيتجنبون امتلاك قوة نووية مستقلة في أي مستقبل منظور، وأن توجه تركيا إلي السعي لامتلاك أسلحة نووية يمكن أن يحدث فقط في حال انهيار العلاقات الأمنية مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي‮ "‬الناتو‮".‬
طباعة