مقالات رأى

دلالات الأرقام فى الاستفتاء على الدستور

طباعة
أصبح لنا بموجب استفتاء 14 و15 يناير دستور جديد يضع اللبنة الأولى لبناء نظام سياسى يطوى صفحة حكم الإخوان. دستور شارك فى التصويت عليه 38.6 % ممن لهم حق التصويت، وحظى بموافقة 98% منهم، وعلى الرغم من أن بعض التقديرات قد ذهبت إلى أن نسبة المشاركة ستتخطى حاجز الـ50%، إلا أن هذه النسبة كانت بالغة الطموح بالنظر إلى أن الدستور ليس من القضايا ذات الشعبية بعكس قضية الانتخابات الرئاسية والبرلمانية مثلا. بل إن الزخم الكبير الذى أحاط بثورة 25 يناير وشعور المصريين بالاقتدار السياسى لم يؤد إلا إلى مشاركة 41% فقط ممن لهم حق التصويت، علما بأن بعض التقديرات تخفض هذه النسبة إلى 37% فقط.
 
أن يذهب 38.6% من المصريين إلى صناديق الاقتراع فى وسط أجواء سياسية وأمنية بالغة التعقيد، فهذا فى حد ذاته إنجاز لا ينبغى التقليل منه. ويلاحظ فى هذا السياق أن رهان الإخوان كان على أن تقل نسبة التصويت عن تلك التى تم تمرير دستور 2012 بها مما يعنى تآكل شرعية 30 يونيو. واستخلصت بعض المراكز البحثية المتعاطفة مع الإخوان من انخفاض نسبة تصويت المصريين بالخارج مؤشرا على أنه سيحدث انخفاض مماثل فى تصويتهم بالداخل، وفى هذا السياق ذهبت دراسة بعنوان «دستور بالغلبة: نظرة مقارنة بين دستور 2012 ومشروع دستور 2014 فى مصر» أصدرها المركز العربى للبحوث والدراسات بالدوحة فى 15/1/2014، إلى أن تصويت 15% من المصريين بالخارج فى 2014 مقارنة بـ 42% فى 2012 يكشف عن عزوف الناخبين عن الاقتراع بما سيلقى بظلال شك على شرعية الدستور الجديد، لا سيما أن نسب الاقتراع أصبحت مبرر المعارضة للتشكيك فى شرعية دستور 2012. لكن نسبة التصويت جاءت بما لا تشتهى السفن وفاقت نظيرتها فى عام 2012 بنحو 6%. ووضعت حدا لتصارع الشرعيات.
 
إذا انتقلنا إلى تحليل خريطة توزيع الأصوات فسوف نجد أن معاقل تأييد الإخوان بشكل عام لم تتغير، لكن التدقيق فى تفاصيل الصورة يؤشر لبعض الحراك فى اتجاه تراجع شعبيتهم داخل معاقلهم. فلو أخذنا محافظة مرسى مطروح الأقل مشاركة فى استفتاء 2014 وقارنا معطياتها مقارنة بعام 2012 فسوف نجد أنه فى عام 2012 صوت 77493 بنسبة 36.5 %. وبلغ إجمالى المؤيدين للدستور 70230 بينما بلغ إجمالى الرافضين 6393. وبالتالى كان المفترض أن من رفضوا دستور 2012 هم من سيؤيدون دستور 2014، لكن النتيجة المعلنة كشفت عن أن عدد مؤيدى هذا الدستور بلغ 42.242 من إجمالى 44.725، وهذا يعنى أن نسبة رافضى الاخوان ودستورهم تضاعفت ما يزيد على ست مرات. ويمكن إجراء هذا التمرين الرياضى نفسه بالتطبيق على محافظة الفيوم وهى التالية مباشرة على محافظة مرسى مطروح فى نسبة التصويت بواقع 23.7%.
 
من المفارقات الواضحة فى تحليل خريطة المقترعين الاتجاه إلى المقابلة بين تزايد إقبال الوافدين والنساء على التصويت من جهة وعزوف الشباب عن التصويت من جهة أخرى. مثل هذا الاتجاه يفترض أن الوافدين هم من كبار السن بالضرورة وذلك فى إغفال لقطاع عريض من الوافدين يقصدون المدينة بحثا عن فرصة عمل، ولعل نظرة واحدة على مهنة حراس العقارات تكفى للتدليل على ذلك. تبدأ الهجرة من الريف إلى المدينة بفرد واحد يتولى مهمة الحراسة، ثم يزيد عدد المهاجرين من الأسرة نفسها فى كل العقارات المجاورة. على صعيد آخر فإن الاتجاه نفسه يفترض أن النساء اللائى وقفن فى طوابير الاستفتاء تجاوزن جميعا سن الشباب وهذا غير صحيح، فلا تخلو أى لجنة سيدات من أمهات يحملن أطفالهن أو يمسكن أياديهم. نعم كان هناك غضب من شريحة واسعة من الشباب لاسيما شباب الجامعات، لكن الظاهرة يجب أن توضح فى حجمها وتُعالج بمقدارها.
 
نأتى بعد ذلك لنتيجة الاستفتاء، فكون الموافقين على الدستور هم أساسا من ذهبوا للتصويت بينما آثر المعترضون المقاطعة فقد أدى هذا إلى ارتفاع نسبة التصويت بنعم إلى 98.1 %. وأنا لست ممن يعتبرون أن المدفعية الإعلامية الثقيلة التى صوبت على مدار الأسبوعين السابقين فى اتجاه نعم، هى المسئولة عن تعبئة المواطنين فى اتجاه التأييد. أولا لأنه مع التسليم بأهمية دور الإعلام فى تشكيل الوعى إلا أن السؤال هو لماذا لم ينجح هذا الإعلام فى حشد الناخبين للتصويت فى انتخابات مجلس الشورى فى فبراير 2012؟ بل لماذا تدنت نسب التصويت فى كل التجارب الانتخابية أثناء حكم مبارك؟ الإجابة تكمن فى أن الناخبين لم يقتنعوا بجدوى مجلس الشورى فى الحالة الأولى ولم يصدقوا العملية الانتخابية فى الحالة الثانية.
 
أما السبب الآخر لعدم الانسياق وراء الربط الميكانيكى بين التوجيه للتصويت بنعم وارتفاع نسبة تأييد الدستور فهو أن هذا الدور للإعلام لعب أثرا عسكريا حيث أدى الإلحاح على تمرير الدستور فى كثير من الأحيان إلى الامتناع الانتقامى عن التصويت تمردا وعنادا أو عقابا، وربما تكون هذه النتيجة، أى الأثر الضار للتوجيه الإعلامى، فرصة لتعارك الوضع قبل انطلاق سباق التنافس على منصب رئيس الجمهورية. إن حملات كمل جميلك والشعب يأمر وبأمر الشعب وكل الحملات التى تمضى فى هذا الاتجاه تسىء إلى الفريق أول عبد الفتاح السيسى ولا تضيف له شيئا. إن للرجل تقديرا كبيرا عند قطاعات واسعة من المواطنين. ودوره فى تخليص مصر من حكم الجماعة الذى لو استمر فإن الله وحده يعلم بالمصير الذى كان سيأخذ إليه مصر والمصريون. ومن يقدر للرجل دوره لا يحتاج كل هذا الضجيج والتنافس فى الدعاية له، ولو استمر هذا النهج وترشح السيسى وفاز فسوف تظل دوائر كثيرة تنسب نجاحه إلى دور الآلية الإعلامية إما بذاتها وإما بتغطيتها حملات السيسى رئيسى. ومن يرد أن يتعظ فعليه قراءة صحف لوموند والواشنطن بوست والتايمز فى تغطيتها الاستفتاء على الدستور ونتائجه. تقول وكالة الأنباء الفرنسية فى هذا الشأن إن انتصارهم (أى المؤيدين) كان مؤكدا طالما أن قطاعا واسعا من المصريين يصطف خلف الإعلام الذى يحتشد بدوره خلف السلطة. فهل هذا ما نريد؟
 
إنها لحظة تحول مهمة تلك التى انتقلنا فيها من حكم الجماعة ومرشدها ودستورها إلى حكم يؤسس له دستور صنعته مجموعة متميزة من أبناء هذا الوطن مستلهمة روحه وتاريخه وتنوعه ودينه السمح، فلنحتفل فى هذه اللحظة بما يستحق الاحتفال به ولنعتبر منها بما يستحق العبرة.
 
--------------------------
* نقلا عن الشروق المصرية، الخميس، 23/1/2014
طباعة

تعريف الكاتب

نيفين مسعد