مقالات رأى

لجنة الخمسين فى الميزان

طباعة
لم يتوقع أحد أن يرضى تشكيل لجنة الخمسين كل الأطراف، سواء لأنه لا توجد ظاهرة محل اتفاق الجميع، أو لخصوصية الظرف الثورى الذى انبثقت عنه اللجنة. وفى هذا المقال مناقشة لبعض أبرز ما وجه لتشكيل اللجنة من انتقادات.
 
مبدئيا هناك من يطعن فى شرعية اللجنة كونها غير منتخبة والذين شكلوها غير منتخبين، وممن عبروا عن هذا الرأى المهندس حاتم عزام القيادى بحزب الوسط وهو يستند إلى المقارنة بين كل من لجنة الخمسين التى أنشأتها المادة 28 من الإعلان الدستورى لعام 2013، وبين جمعية المائة التى أنشأتها المادة 60 من الإعلان الدستورى الصادر فى مارس 2011، وهى مقارنة غير دقيقة لأن المهمة الموكولة للجنة الخمسين هى تعديل دستور 2012 المعطل أما مهمة جمعية المائة فهى وضع دستور جديد للبلاد بدلا من دستور 1971، والتعديل غير الإنشاء.
 
فى التجارب الدولية تتولى البرلمانات إدخال التعديلات الضرورية على دساتيرها، ويتم النص على الإجراءات المطلوبة لهذه التعديلات من أغلبية تصويتية وخلافه فى متون الدساتير نفسها. هذا بالنسبة للتعديلات المحدودة، أما حين تكثر التعديلات فإنه عادة ما يتم تشكيل لجنة خاصة لهذا الغرض خشية التعارض بين مصالح نواب البرلمان وبين مضمون التعديلات المطلوبة. مثل هذه اللجنة قد تكون معينة أو منتخبة انتخابا مباشرا أو غير مباشر وقد تجمع بين الانتخاب والتعيين، وفى هذا الإطار فإن الرئيس المعزول عندما دعا فى خطابه قبل الأخير لتشكيل لجنة لاقتراح تعديلات الدستور لم يتكلم عن انتخاب لكن عن ممثلين للأحزاب والقوى السياسية المختلفة. وفيما يخص لجنة الخمسين فإنها تجمع بين أسلوبى الانتخاب غير المباشر والتعيين، فهى من جهة تتكون من 40 عضوا رشحتهم أحزابهم ونقاباتهم واتحاداتهم وأكثر تلك الهيئات منتخبة أو ممثلة لفئات ومصالح متعددة، وهى من جهة أخرى تتكون من 10 أعضاء من الشخصيات العامة اختارهم مجلس الوزراء. وهكذا فمع أن وضع دستور جديد لمصر بعد الموجة الثورية الثانية فى 30 يونيو كان هو المطلب الملح لمعظم القوى الثورية، إلا أن الأمر صار إلى ترميم دستور 2012، صحيح بتوسع ظاهر لكننا فى النهاية لسنا إزاء دستور جديد لواقع جديد.
 
الانتقاد الثانى هو ضعف تمثيل الإسلاميين، وكان أول المسارعين لتسجيل هذا الانتقاد د. ياسر برهامى نائب رئيس الدعوة السلفية الذى تحدث عن أن الأحزاب الإسلامية لم تمثل إلا بشخص واحد هو د. بسام الزرقا نائب رئيس حزب النور أما د. كمال الهلباوى فهو لا يمثل أى حزب إسلامى. وأضاف أن هذا حدث فيما تم تمثيل الاتجاه اليسارى والناصرى ب 11 عضوا، وأنه تم اختيار الشخصيات التى تعادى المشروع الإسلامى والشريعة الإسلامية. وهنا سوف آخذ من تعليق د. برهامى وأرد عليه، فقد اعتبر شيخنا أن من لا ينتمى للأحزاب الإسلامية ليس معبرا بدقة عن المشروع الإسلامى، لكنه فى الوقت نفسه اعتبر أن حاملى الفكر اليسارى والناصرى هم بالضرورة معبرون عن المشروعين اليسارى والناصرى حتى ولو كانوا غير أعضاء فى الأحزاب اليسارية والناصرية، وبالتالى فإنه عد 11 شخصا ممن يعبرون عن هذين المشروعين. ومثل هذا الطرح ينطوى على ازدواجية لأننا إما أن نعتد بالمعيار الحزبى فى تحديد مرجعية الأعضاء فيكون الإسلاميون واليسار والناصريون كلهم ممثلون بعضو واحد لأن اللجنة تضم ممثلا واحدا لليسار هو أ. حسين عبدالرازق عن حزب التجمع وممثلا واحدا للناصريين هو أ. محمد سامى عن حزب الكرامة، أو نعتد بالمعيار الفكرى فندخل د. الهلباوى فى حسباننا هذا طبعا وقبل الجميع إضافة إلى ممثلى الأزهر الشريف الثلاثة. أما كلام د. برهامى عن أعداء الشريعة داخل اللجنة فإنه لا يستحق التعليق.
 
مرة أخرى لا يجوز قياس لجنة الخمسين على جمعية المائة ولا مقارنة تمثيل الإسلاميين فى الحالتين، فقد كانت لجنة المائة تكاد تكون إسلامية التمثيل حزبيا وفكريا على سبيل الحصر خاصة بعد انسحاب ممثلى القوى المدنية وتصعيد من يحل محلهم من المنتسبين للتيار الإسلامى بأطيافه المختلفة.
 
الانتقاد الثالث يدور حول ما وصفه تكتل القوى الثورية بمجاملة حركة تمرد عبر ضم اثنين من أعضائها هما محمود بدر ومحمد عبدالعزيز فى تشكيل اللجنة. ويتصل ذلك بما ذكره رامز صبحى المتحدث باسم حركة كلنا مينا دانيال عن تهميش تمثيل الحركات القبطية فى اللجنة رغم دورها الفاعل سواء فى 25 يناير أو فى 30 يونيو. ومن المعلوم أن تمثيل شباب الثورة ضم إلى جوار عضوى تمرد اثنين من جبهة 30 يونيو هما أحمد عيد وعمرو صلاح، وحول هذا الانتقاد يهمنى إبراز عدة نقاط، الأولى أننى على المستوى الشخصى كنت أفضل لو تم توسيع عضوية شباب الثورة لتضم رموزا مثل أحمد حرارة موضع اتفاق الجميع على إخلاصه الثورى. الثانية أننا لا ينبغى أن ننساق إلى افتعال الخصومة بين تاريخى 25 يناير و30 يونيو، فمعظم نشطاء حركة تمرد كانوا حضورا ليس فقط فى أحداث يناير ولكن أيضا فى كل ما تلاها من فعاليات أما دورهم الأبرز فكان مع حركة جمع التوقيعات المليونية. الثالثة أن كل الذين التفوا حول مينا دانيال مسيحيين ومسلمين إنما التفوا حول الفكرة التى آمن بها واستشهد لأجلها، فثورة يناير وموجة يونيو حدثان وطنيان ليس من مصلحة أحد تديينهما.
 
الانتقاد الرابع هو افتقاد لجنة الخمسين التوافق الذى تحقق «إلى أقصى مدى» فى جمعية المائة على حد تعبير أشرف ثابت نائب رئيس حزب النور، والذى أضاف أن الجمعية كانت أكثر تنظيما وبها آلية واضحة لاتخاذ القرار. وفى تفنيد هذا النقد أحيل ثابت إلى الكتاب الوثائقى لد. وحيد عبدالمجيد عن أزمة دستور 2012، ففيه أبلغ رد على ادعاء التوافق المزعوم. أما مسألة التنظيم وآلية اتخاذ القرار فلا أعلم كيف يحكم ثابت عليها بالسلب بينما لم تجتمع اللجنة أصلا لتحدد طريقة عملها وآلية اتخاذ قراراتها.
 
إن لجنة الخمسين ليست مثالية بالطبع، ففيها عوار شديد يتمثل فى ضعف مشاركة النساء، وتغيب عنها قامات قانونية رفيعة، لذلك قد يكون تفعيل الاستعانة الحقيقية بالخبراء سبيلا لضم من يجب أن يذيل اسمه قائمة التوقيعات على دستور مصر.
 
-----------------------
* نقلا عن الشروق المصرية، الخميس 5/9/2013
 
طباعة

تعريف الكاتب

نيفين مسعد