بعد إجراء الانتخابات التشريعية في ألمانيا في 23 فبراير 2025، والتي أسفرت عن فوز حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي(CDU) بقيادة "فريدريش ميرتس" بنسبة 28.5% من الأصوات، لا تزال قضايا اللجوء والهجرة تتصدر المشهد السياسي. فقد شهدت مدينة ميونخ في ١٣ فبراير حادثة دهس استهدفت مجموعة من المتظاهرين، نفذها طالب لجوء أفغاني، ما أسفر عن إصابة ٣٦ شخصًا بجروح بالغة، وذلك قبيل مؤتمر "ميونيخ للأمن العالمي" بعدة أيام.ولم تكن هذه العملية الأولى من نوعها، حيث شهدت مدينة ماغدبورغ في ٢٠ ديسمبر ٢٠٢٤ حادثة دهس في سوق عيد الميلاد من قبل طالب لجوء سعودي وصف بأنه معادٍ للإسلام، وأدت إلى مقتل خمسة أفراد وإصابة أكثر من ٢٠٠ آخرين. لم تقتصر العمليات الإرهابية في ألمانيا على حوادث الدهس فقط، بل شهدت مدينة بافاريا الألمانية في ٢٢ يناير ٢٠٢٥ عملية طعن من قبل لاجئ أفغاني تسببت في وفاة شخصين.
علاوة على ذلك، استغل اليمين المتطرف في ألمانيا تكرار تلك الاعتداءات في زيادة شعبيته في الانتخابات، حيث حصل حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف على المرتبة الثانية بنسبة 20.8% في الانتخابات، متقدما على الحزب "الاشتراكي الديمقراطي" الذي حصل على 16.4٪، بينما تصدر الحزب "المسيحي الديمقراطي" المرتبة الأولي بنسبة 28.5%.
أولًا- أسباب تكرار الحركات الإرهابية:
شهدت ألمانيا هجمات إرهابية متعددة الدوافع، من حركات مختلفة الاتجاهات سواء إسلامية، أو يمينية متطرفة، أو إرهاب دولي، أو من أشخاص تحركهم دوافع شخصية، وتعد أبرز هذه الدوافع:
١- ترحيل اللاجئين الأفغان والسوريين: أعلنت الحكومة الألمانية في أغسطس ٢٠٢٤ عن عملية ترحيل للاجئين الأفغان والسوريين المدانين بجرائم إلى بلادهم من دون توضيح مدي قانونية ذلك، وعلى الرغم من أن هذه العملية جاءت بعد أسبوع من هجوم "زولينغن" الذي نفذه لاجئ سوري وأسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة ثمانية آخرين، فإن الحكومة الألمانية كانت قد شرعت في التحضير لعملية الترحيل قبل عدة أشهر. وبدأت بترحيل ٢٨ لاجئا افغانيا إلى أفغانستان عن طريق مفاوضات عبر دولة قطر مع "حكومة طالبان" لاستلام اللاجئين، وشددت الحكومة الألمانية على ترحيل باقي اللاجئين المدانين بجرائم، مع وقف الإعانات المالية عن اللاجئين غير الشرعيين والمرفوضة طلبات لجوئهم، وصدرت قرارات ترحيل بحقهم. ولكن لم تقتصر عمليات الترحيل على اللاجئين المدانين فقط، حيث قامت ولاية شمال الراين – وستفاليا بترحيل سبعة من طالبي اللجوء من أصحاب الجنسية الأفغانية والسورية إلى بلغاريا في 11 فبراير 2025، ووفقًا لوزارة اللجوء الألمانية، لم يكن هؤلاء الأفراد مدانين بأي جرائم أو يشكلون أي تهديدات أمنية داخل ألمانيا. ويعكس ذلك تركز الهجمات الإرهابية وعمليات الدهس في الفترة الأخيرة على جنسيات محددة، لاسيما الأفغانية والسورية وكان من أبرزها الهجوم الذي وقع في 13 فبراير 2025 في ميونخ، وعلى الرغم من أن منفذ العملية كان من اللاجئين الأفغان المدانين والصادر بحقه قرار ترحيل، إلا أن الهجوم لا يزال يثير تساؤلات حول الدوافع الأمنية والإجراءات المتبعة.
٢-تزايد دوافع الكراهية اليمينية ضد اللاجئين: ازدادت الهجمات الإرهابية اليمينية ضد اللاجئين في ألمانيا في الفترة الأخيرة، حيث سجلت الشرطة الألمانية عام ٢٠٢٤ نحو ٢١٨ هجومًا إرهابيًا يمينيًا بدوافع سياسية ضد مراكز إيواء اللاجئين وطالبي اللجوء، وذلك وفقًا للتقرير الصادر عن وزارة الداخلية، أما تقرير وكالة الأنباء البروتستانتية الألمانية فأشار إلى وصول عدد الهجمات الإرهابية ذات الدوافع السياسية ضد اللاجئين والمهاجرين وطالبي اللجوء خارج مراكز الإيواء نحو ١٩٠٥ هجومًا خلال العام نفسه.
كما شهدت ألمانيا تصاعدًا في جرائم الكراهية ضد المساجد، حيث أفادت وكالة الأنباء الكاثوليكية بزيادة التهديدات بوجود قنابل وأعمال تخريب في المساجد حتي يناير ٢٠٢٥، وبحسب وكالة الأنباء الفرنسية، بلغ عدد الجرائم المرتكبة من قبل المتطرفين اليمينيين نحو ٩٦٣ جريمة ذات طابع يميني متطرف حتي ٣٠ نوفمبر ٢٠٢٤. من بينها ما يقرب من ١٣٦ جريمة عنف، شملت ١٠ جرائم قتل ومحاولات قتل، و١٧ هجومًا بالحرق العمد، كما صُنفت معظم هذه الجرائم ضمن فئة الدعاية السياسية وخطابات الكراهية، بالإضافة إلى تسجيل نحو ٩٤٢ حالة إلحاق أضرار بالممتلكات، و٦٠٨ حوادث تهديد وابتزاز استهدفت اللاجئين والمهاجرين.
٣ـ تزايد نشاط تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في ألمانيا: شهدت ألمانيا تزايدا في هجمات تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في الفترة الأخيرة، حيث تمثل برلين بيئة خصبة للتنظيم لتنفيذ هجماته الإرهابية، وذلك لأن ألمانيا تعد الوجهة الرئيسية للاجئين في أوروبا. ويعد تنظيم الدولة الإسلامية المصدر الرئيسي للتهديد الأمني في ألمانيا، حيث تبنى التنظيم استراتيجية جديدة بعد أحداث ٧ أكتوبر، مستغلًا تزايد المشاعر العدائية الناجمة عن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ونجح التنظيم في توظيف ذلك لتنفيذ عمليات إرهابية متعددة في أوروبا عمومًا وألمانيا على وجه الخصوص. ومن أبرز تلك الهجمات، الهجوم الذي وقع في مدينة زولينغن الألمانية في أغسطس ٢٠٢٤، والذي أعلن تنظيم "داعش" مسئوليته عن الهجوم فور وقوعه. وتعكس هذه العمليات نمط الهجمات الإرهابية المرتبطة بالتنظيم، والتي تعتمد على ولاءات الأفراد المنفذين، ما يفسر استمرار التهديدات الإرهابية في ألمانيا.
ثانيًا- تداعيات العمليات الإرهابية:
تشكل الهجمات الإرهابية وعمليات الدهس في ألمانيا تداعيات سلبية تنقسم إلى جانبين:
أولهما:اللاجئين، نتيجة للهجمات التي نفذها تنظيم "داعش" أو بعض اللاجئين في الفترة الأخيرة، فرضت الحكومة الألمانية لوائح أكثر صرامة لاستقبال المهاجرين، إلى جانب تشديد الإجراءات على اللاجئين والمهاجرين المقيمين داخل الأراضي الألمانية، حيث أكدت وزيرة الداخلية "نانسي فايزر" على وضع الحكومة الألمانية تصنيفات جديدة لتحديد الإرهابيين، كما عملت الحكومة على إلغاء المزايا لطالبي اللجوء، وإزالة وضع الحماية الذي يتمتع به اللاجئون عند زيارة بلدانهم الأصلية، وازدادت عمليات التفتيش والإجراءات الأمنية على الحدود مما جعل دخول المهاجرين إلى ألمانيا أكثر تعقيدًا، وأدي ذلك إلى انخفاض أعدادهم.
وعلى جانب آخر، زادت هجمات اليمين المتطرف للاجئين في ألمانيا، ما أدي إلى مقتل عشرات اللاجئين وإصابة المئات إضافة إلى استهداف الممتلكات. وعلى الرغم من ذلك، تزايد تهميش الإعلام لقضايا اللاجئين، ما يعكس حجم الاضطرابات الاجتماعية والسياسية المرتبطة بملف الهجرة واللجوء، وقد أسهم هذا في فوز حزب البديل من أجل ألمانيا بثلاث ولايات خلال الانتخابات الإقليمية التي جرت في أغسطس ٢٠٢٤.
الآخر: التماسك الألماني، حيث أدت الهجمات الإرهابية التي قام بها تنظيم "داعش" عن طريق بعض اللاجئين، إلى زيادة شعبية حزب البديل في ألمانيا بسبب عدائه اللاجئين والمهاجرين ورغبته في الحد من الهجرة والعمل على ترحيل اللاجئين الموجودين حاليًا في ألمانيا والعمل أيضًا على التعاون مع أحزاب الدول الأوروبية لترحيل اللاجئين والحد من وجودهم في دول الاتحاد الأوروبي، وساعد هذا التوجه في فوز الحزب بثلاث ولايات في الانتخابات الإقليمية، كما حصل على المركز الثاني في الانتخابات التشريعية التي عقدت في ٢٣ فبراير 2025، وازداد الوضع سوءًا بعدما بدأ تقارب بين حزب البديل وحزب الاتحاد المسيحي قبيل الانتخابات. الأمر الذي أثار مخاوف الشعب الألماني وأدي إلى احتجاجات شعبية عارمة وصلت عددها أكثر من ٢٠٠ ألف متظاهر في ٢ فبراير 2025، رافضة تعاون حزب اليمين متمثلا في الاتحاد المسيحي مع أقصي اليمين متمثلا في حزب البديل، حيث يرون حدوث ذلك كسرا لأحد المحرمات السياسية في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، ما جعل رئيس حزب الاتحاد المسيحي، يتراجع عن قرار التقارب مع حزب البديل.
وبسبب حالة الرفض التي ظهرت ضد حزب البديل بعد احتجاجات ٢ فبراير، عملت زعيمة الحزب أليس فايدل على جعل نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس كوسيط لها للاندماج والتعاون مع الأحزاب السياسية الألمانية، وذلك ما وضحه نائب الرئيس الأمريكي خلال مؤتمر ميونخ للأمن في ١٤ فبراير، حيث أكد على العمل الديمقراطي وحث الأحزاب السياسية الألمانية على ضرورة التخلي عن رفضها التعاون مع اليمين المتطرف، وخلال المؤتمر نفسه في ١٥ فبراير أكد المستشار الألماني السابق، أولاف شولتس، رفضه أي تدخل أجنبي في الانتخابات الألمانية مشيرا إلى تصريحات نائب الرئيس.
تغير المشهد السياسي بعد فوز الاتحاد الديمقراطي المسيحي في الانتخابات التشريعية، وتشكيله حكومة جديدة. وقد تم الاتفاق على تشكيل "ائتلاف كبير" بين الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD)، والاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ، بقيادة فريدريش ميرتس، وهو ما مهد له الطريق لتولي منصب المستشار بعد فوزه في الجولة الثانية من التصويت داخل البرلمان الألماني.
ثالثًا- تغيير سياسات الأحزاب الألمانية:
تشكل قضية الهجرة واللجوء المحور الرئيسي لسياسات الأحزاب السياسية في ألمانيا، حيث يتعاطف حزب "الخضر الألماني" مع اللاجئين وظهر ذلك جليًا من خلال مطالبته في برامجه الانتخابية بزيادة المساعدات الإنسانية للاجئين في مناطق الأزمات، ووضع سياسة لجوء أوروبية شاملة ومنظمة؛ تهدف إلى حماية حقوق اللاجئين وتعزيز الإطار القانوني لهم، كما تهدف إلى منع عمليات الترحيل القسرية. بالإضافة إلى ذلك، يدعم حزب الاتحاد المسيحي سياسة اللجوء والهجرة القانونية، ويدعو إلى وقف الهجرة غير النظامية، كما يلتزم بالواجبات الإنسانية لمساعدة المضطهدين من اللاجئين والمهاجرين. ومن ناحية أخرى، يدعو الحزب الاشتراكي الديمقراطي لسياسة لجوء أوروبية تضامنية للاجئين والمهاجرين تلتزم بها كل الدول الأوروبية.
بينما تعد سياسة حزب "البديل من أجل ألمانيا" معادية بشكل كبير ضد اللاجئين والمهاجرين حيث تدعم برنامج إعادة اللاجئين إلى بلادهم بدلًا من إعادة التوطين، ويري الحزب أن السيطرة على سياسات اللجوء الحل الأمثل.
وعلى الرغم من الطابع العدائي المباشر لسياسة حزب "البديل من أجل ألمانيا" فإن الفترة الأخيرة شهدت تحولًا في سياسات الأحزاب في ألمانيا بشكل خاص وفي أوروبا بشكل عام نحو تبنى مواقف يمينية متطرفة تجاه اللاجئين، وظهر ذلك في سياسات الحزب "الاشتراكي الألماني" في عمليات الترحيل القسرية والتي استمرت حتى خروجه من السلطة، كما ظهر أيضًا في اتجاهات حزب "الاتحاد المسيحي" خلال الحملات الانتخابية، والتي وضحت خلال محاولة التقارب بينه وبين حزب البديل لتمرير مشروع مناهض للجوء والهجرة. ومن خلال ذلك ظهر تبني أغلبية الأحزاب مفاهيم كانت حتى وقت قريب متعارضة مع القيم الأوروبية، حيث يعد حزب الاتحاد المسيحي حزب المستشارة أنجيلا ميركل الذي رحب باستقبال اللاجئين في عام ٢٠١٥، يشير ذلك إلى بدء حدوث تغييرات جذرية في سياسات الأحزاب والرأي العام في ألمانيا.
ختامًا، يمكن القول إن الهجمات الإرهابية وعمليات الدهس في ألمانيا لم تقتصر على اللاجئين الرافضين للترحيل فحسب، بل شملت جهات متعددة، من بينها جماعات إسلامية وحركات يمينية متطرفة. ومع ذلك، فإن هذه الهجمات تؤثر سلبًا على أوضاع اللاجئين بأشكال مختلفة؛ إذ إن استهداف المدنيين الألمان من قبل تنظيم "داعش" أو بعض اللاجئين يسهم في تهديد وجود بقية اللاجئين، بينما تؤدي الهجمات اليمينية المتطرفة ضد اللاجئين إلى تعريضهم للاضطهاد والاستهداف والقتل.
الهوامش:
1- Chris Horwoo,Germany: populist far right strengthened by terror acts, Mixed Migration Center,21,October,2024. Available at:
https://mixedmigration.org/germany-populist-far-right-strengthened-by-terror-acts/
2- Germany in the Jihadists’ Crosshairs as Islamic State Ramps UpAttacks, The Soufan Center, September, 12, 2024.Available at: https://thesoufancenter.org/intelbrief-2024-september-12/
3- ألمانيا: احتجاج وغضب على "التقارب" بين اليمين واليمين المتطرف، فرانس 24، 3 فبراير 2025، متاح على: https://2u.pw/lA3yA2Dk
4- ميركل تدعو السياسيين الألمان للحوار وتجاوز الجدل حول الهجرة،مهاجر نيوز، 6 فبراير 2025، متاح على : https://2u.pw/dz2xXvGX
5- أحمد محمد نورالدين، مخاوف من تداعيات هجوم زولينغن على اللاجئين في ألمانيا،الجزيرة نت، 27 أغسطس 2024، متاح على: https://2u.pw/HXs8d5W1
6- راغدة بهنام، عملية إرهابية للاجئ أفغاني تسبق انطلاق أعمال «مؤتمر ميونيخ»، الشرق الأوسط، 13 فبراير 2024، متاح على: https://2u.pw/5viDe6hC
7- الرئيس الألماني يدعو إلى"الوحدة والتماسك "بعد هجوم ماغديبورغ، فرانس 24، 24 ديسمبر 2024، متاح على: https://2u.pw/UcVmKYNh
8- راغدة بهنام، ألمانيا تفتح باب الترحيل إلى أفغانستان وسوريا وتبعِد 28 مخالفا إلى كابل، الشرق الأوسط، 30. أغسطس. 2024، متاح على: https://2u.pw/KDEgLV2I
9- ينس توراو، تشديد سياسة اللجوء- هل يقع الاتحاد المسيحي في فخ حزب البديل؟، DW، 19 يناير 2025، متاح على: https://2u.pw/u7cNiSg9
10- الداخلية الألمانية ترفض تصريحات ميرتس بشأن عمليات الإعادة على الحدود، مهاجر نيوز، 11.2.2025، متاح على: https://2u.pw/VhnZfcRE
11- ألمانيا: ارتفاع ملحوظ في حالات الاعتداء على مراكز إيواء طالبي اللجوء، مهاجر نيوز، 11 فبراير 2025، متاح على: https://2u.pw/EchBe9aU
12- أول رحلة ترحيل بطائرة مستأجرة...ولاية ألمانية ترحل سوريين وأفغان إلى بلغاريا، مهاجر نيوز، 14 فبراير 2025، متاح على: https://2u.pw/ugm9oyIy
13- Cadena SER, Friedrich Merz, elegido nuevo canciller de Alemania en segunda votación tras un fracaso inédito en la primera, SE12, 6 may, 2025, Available at: https://cadenaser.com/nacional/2025/05/06/segunda-votacion-en-alemania-para-elegir-a-friedrich-merz-nuevo-canciller-tras-un-fracaso-inedito-en-la-primera-en-directo-cadena-ser/