مقالات رأى

نموذج الكونفدرالية وتسوية القضية الفلسطينية

طباعة

بات من الصعب التوصل إلى تسويات متزنة أو مقاربات فاعلة لحل الصراع الإسرائيلى - الفلسطينى، لا سيما عقب تعدد جبهات القتال بالمنطقة، وضلوع الولايات المتحدة كطرف أصيل فى حلقة الصراع المكتملة، حتى مع استمرار المساعى من أجل التوصل إلى هدنة، بمقتضاها يتم وقف إطلاق النيران وعمليات تبادل الأسرى، غير أن تصريحات قادة إسرائيل بمواصلة الاجتياح البرى إلى غزة، وبالتوسع فى الهجمات على الشمال والجنوب حيث خان يونس، وفى المقابل تمسك حماس بالإفراج عن كبار أسراها الذين تتهمهم إسرائيل بالضلوع فى عمليات إرهابية، أضف صعوبة الإمساك بنقاط إتفاق تمثل أرضية لمصالح مشتركة، جميعها عوامل أسهمت فى تعقيد المشهد، على الرغم من التحركات المصرية فى هذا الصدد، التى برزت من خلال عدة استراتيجيات واضحة ومتوازية، تمثلت فى تقديم المساعدات الإنسانية، مع سرعة التوصل إلى وقف إطلاق النيران، والأهم التصور الجذرى للتعاطى مع الإشكالية المتعلق بحل الدولتين وإقامة فلسطين على حدود ما قبل 1967.

 من ثم، فإن الوصول إلى حل جذرى بشأن هذه القضية الجوهرية، يتمثل فى إقامة فلسطين على حدود 67، عُدَّ إطارا غير منطقي فى إطار الأسباب المذكورة أعلاه،ومنه يستوجب حتمية البحث عن حل جوهرى آخر، يكون قابلا للتطبيق وفى ضوء الحقائق السياسية سواء المتعلقة بالاعتراف بسيادتها وأحقيتها فى أراضيها وحدودها، أو القانونية وما صدر عن مجلس الأمن من قرارات لاسيما القرار 242، وينص على انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضى الفلسطينية.

وربما تعكف معظم التحليلات والدراسات على بحث كيفية إيجاد مخرج من شأنه خدمة القضية الفلسطينية، وبما يضمن إقامة فلسطين كدولة ذات سيادة، تملك جميع مقومات إنشاء وإقامة الدول، بدءا من دستور يتيح لها سلطات ثلاث تنفيذية وتشريعية وأيضا قضائية، مرورا بما يحفظ سيادتها واستقلالها، وحتى حدودها البرية والجوية ومواردها الطبيعية، وربما بدأت بعض الاتجاهات الفكرية فى الاستعانة بالنظام الكونفدرالى، لعله يسهم فى الوقوف على حل جذرى للقضية وصراعها الأزلى.

نظريا تقتضى طبيعة النظم الكونفدرالية، إقامة اتحاد بين دولتين أو أكثر، بموجب هذا الاتحاد يتم التنسيق بين هذه الدول على عدة مستويات سياسية واقتصادية، لكن فى حدود بحيث يكون لكل دولة سيادتها وتمثيلها الخارجى الخاص بها، أيضا يجوز لها عقد الاتفاقات وخوض الحروب، على أن تحفظ كل دولة ما يؤمن ثقافتها وهويتها وولاء رعاياها، وهو ما يشبه إلى حد كبير النظام المعمول به فى الاتحاد الأوروبى، كونه يعد ضمن أبرز الاتحادات الكونفدرالية التى عُدت ناجحة إلى وقت قريب، وقبيل تواتر التخوفات من انفراط عقده.

وربما محاولات بحث إقامة اتحاد كونفدرالى يجمع الدولتين الإسرائيلية والفلسلطينية، من الممكن أن تجد طريقها للتطبيق، وفى ضوء صعوبة الأوضاع وتطوراتها كما تم توضيحها، غير أن مجموعة من التحديات يفترض مواجهتها، قبيل الدفع بمحاولات الكونفدرالية، وإن شكلت التحديات فى الوقت نفسه، مقومات هذه النوعية من الاتحادات أو الدوافع فى اتجاه تبنى النموذج الكونفدرالى:

أولا: التباين القومى والثقافى، مع الخلفيات للشعبين، أيضا اختلاف الهويات والأعراق، ما يصعب من عملية الاتحاد، وإن تقاطعت بشكل واضح المساحات الجغرافية بين الشعبين، خصوصا تمدد المستوطنين بين الفلسطينيين فى الضفة الغربية ورام الله، أيضا عرب 48 واستمرارية وجودهم داخل الحدود الإسرائيلية.

ثانيا: تاريخ العداء مع كم الحروب. القناعة العربية عامة والفلسطينية خاصة، ترى فى إسرائيل المعتدية، ولا تملك أى أحقية حتى فى حدودها ما قبل 1967، والأهم حجم المجازر والإبادات الجماعية التى خاضتها تجاه الفلسطينيين، وأقربها ما يحدث فى غزة، وفى ظل عجز واضح للمجتمع الدولى، واستبداد الكبار أصحاب الفيتو.  

ثالثا: فشل النظام الفيدرالى الذى تحاول دولة الكيان إخضاع الفلسطينيين له، ومنذ اتفاقية أوسلو، حينما تم الاعتراف بها منتصف التسعينيات، وعليه أقيمت السلطة الفلسطينية على البقية من الأراضى الفلسطينية، فيما برزت إسرائيل متسلطة على المصالح الاستراتيجية الكبرى سواء المتعلقة بالسياسات الخارجية أو حتى الاقتصاد وشئونه، وإن برز المجلس الفلسطينى المنتخب على الضفة وغزة، وهو ما تم وصفه آنذاك بالسجن الكبير. وبحسب وصف بعض الفلسطينيين فإن إسرائيل تمكنت من حبس الفلسطينيين وإخضاعهم، ومع ذلك تركت لهم تحمل أعباء إدارة أوضاعهم اقتصاديا ولوجستيا بموجب هذه الاتفاقية.

رابعا: المعطيات والثوابت، تلك التى تبرز فى احتمالية عدم قبول قطاع كبير من الفلسطينيين، أيضا الجانب العربى بعضا منه قد لا يقبل، إلى جانب الأوضاع الداخلية على حدود فلسطين، خصوصا غزة وما وصلت إليه عقب الحرب، وضرورة إخضاعها لعمليات إعادة إعمار قد تستلزم المليارات، أيضا بعض الموارد الطبيعية وكيفية تقسيمها مع قطاعات الصادرات.

خامسا: الإشكالية الأساسية بل المعضلة التى تبرز فى الحدود وتقسيماتها، والأهم القدس الشرقية، خصوصا عقب بدء بعض الدول الغربية فى نقل سفاراتها، على غرار الولايات المتحدة، وحيث أعلنت الأرجنتين نقل سفارتها إلى القدس.

سادسا: موقف حماس والفصائل المسلحة سواء جماعات مقاومة أو متطرفة، ومدى قبولها لتبنى هذه النوعية من النماذج، أو حتى التزامها بمعايير الاتحاد. فى المقابل أيضا تبرز الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، والداخل الإسرائيلى ككل، وإن كان قد يقبل كونه الأكثر استفادة، وقد يجرى اعتماده عربيا وإقليميا على نحو يضمن تعايشه واستقراره.

سابعا: المتغيرات الجيوسياسية على المستويين الإقليمى والدولى، ومواقف الدول الكبرى سواء الولايات المتحدة وفي أوروبا، أو روسيا والصين والاتجاه الآسيوى. وإن لم يخدم على القضية على النحو المرغوب لكنه يعترف بفلسطين ويدعم القضية ولو نوعا، على النقيض من الغرب، فإن موقف القوى الإقليمية الداعمة يظل عاملا مهما فى مدى اعتماد هذا النموذج من عدمه.

ثامنا: تحذيرات واردة، لا بد من وضعها فى الحسبان أهمها أن يجرى اعتماد إسرائيل، ومن ثم التوسع فى عمليات الاستيطان، مع صعوبة عودة اللاجئين، ومنه الإبقاء على الحدود الفلسطينية منعزلة ومتباعدة بين الضفة وشريط غزة، وعليه بروز الإشكالية وعودتها من جديد.

تاسعا: موقف دولة الأردن الجارة الحدودية، التى جرت المفاوضات كثيرا فى سياق ما عرف بصفقة القرن، من أجل بحث كيفية دمج الأردن مع طرفى الصراع أو حتى الفلسطينى فى اتحاد كونفدرالى، وهو ما قبل به وقتها، الرئيس الفلسطينى عباس، وكما هو متوقع لم يقبل الأردن، متمسكا بالحل التقليدى أى إقامة فلسطين على حدود 1967 .

طباعة

    تعريف الكاتب

    إيرينى سعيد

    إيرينى سعيد

    صحفية وكاتبة مصرية - ماجستير العلوم السياسية