من المجلة - الافتتاحية

السيسي رئيسًا: سمات المحفزات والاستجابة للمشاركة السياسية الأكبر للمصريين

طباعة

 جاءت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية 2024 والتي بلغت 66.8%«44٫777٫668 مليون ناخب» لتمثل نقلة غير مسبوقة في المشاركة السياسية للمصريين والتي ميزتها عن الانتخابات الرئاسية عام 2014، والتي بلغت 47% وعام 2018 والتي بلغت 41%، بل حتى الانتخابات الرئاسية عام 2012 والتي بلغت في جولتها الأولى 46%، وفي جولة الإعادة 52% تقريبًا، وقد ذهب البعض لتفسير ذلك بمشروطية التهديدات التي أصبحت تهدد الأمن القومي المصري مؤخرًا، وهو أمر إن كان يمثل أحد العوامل المحفزة بدرجة كبيرة على هذه المشاركة، إلا أنه ينطوي على إغفال الكثير من المتغيرات والإنجازات التي تحققت على مدار فترتي رئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسي. وهذه المتغيرات والإنجازات مضافة إلى النسق القيمي للمصريين، هي التي تدحض عبارة يرددها البعض بأن الشعب المصري لا يوجد له «دليل استرشادي» يحدد توجهاته وسياقاته الفكرية، ومن ثم السلوك السياسي المتوقع منه في كثير من الأحيان.

 فهذا الشعب المصري يمتلك في جيناته غريزة فطرية هي حب الوطن، والتي تتطابق مع نسقه القيمي الذي تشكل عبر هويته المتميزة على مدار التاريخ تلك التي تجعل للشخصية المصرية سمات لا يمكن مضاهاتها، بما يشكل الصورة الذهنية للحاكم الذي يفضلونه. والأحداث على مدار التاريخ الحديث ومع كل الثورات المصرية -منذ ثورة عرابي وحتى ثورة 30 يونيو الشعبية العظيمة-، تبرهن وتدلل على ذلك. لذا، لم يكن غريبًا أن يختار المصريون الرئيس عبدالفتاح السيسي لفترة رئاسية ثالثة ويفضلونه على ثلاثة مرشحين حزبيين خاضوا الانتخابات الأخيرة وذلك بنسبة بلغت 89٫6٪ «39٫702٫451 مليون صوت»، فى حين جاء تاليا المرشح حازم عمر حيث حصل على نسبة 4٫5٪ «1٫986٫352 مليون صوت» ثم المرشح فريد زهران بنسبة 4٪ «1٫776٫952 مليون صوت»، وأخيرا المرشح عبدالسند يمامة بنسبة 1٫9٪ «822٫606 ألف صوت»، وهذه النسبة  التي حصل عليها الرئيس عبدالفتاح السيسى تعكس إلى قدر كبير تمسك المصريين بالصورة الذهنية التي رسموها لمن اختارونه لقيادة البلاد منذ أن كان وزيرًا للدفاع، مطالبينه بالتخلي عن منصبه والترشح في الانتخابات الرئاسية، واستجاب لمطلبهم، مؤسسًا ولايتيه الأولى والثانية على عقد اجتماعي قوامه الأمل والعمل. ولعل هذه الصورة الذهنية هي العامل الأهم في تمسك المصريين بقائدهم، بالإضافة إلى مجموعة من المتغيرات التي شكلت النسق الحاكم لهم في هذا الاختيار، تلك التي سنحاول أن نجملها فيما يلي:ــ

1ــ النسق القيمي لثورة 30 يونيو.

بداية، تعتبر ثورة 30 يونيو 2013 نقطة مفصلية في التاريخ المعاصر المصري والعربي والإقليمي والدولي، وثورة بهذا التأثير الذي أحدثته في السياق الداخلي والإقليمي والدولي، لا يمكن الكتابة عنها بدقة بعد عشرة أعوام فقط من اندلاعها، وذلك في ظل تعقد وتشابك تداعياتها على كافة الأصعدة السابقة، ولكن ما يمكن لنا أن نتوقف عنده هي دلالات مهمة تعد بمثابة فلسفة وعقيدة خاصة تعبر عن الشخصية المصرية الفريدة والمتميزة، عن مثيلاتها في أية بقعة من أرجاء المعمورة، والمستمدة من هوية حضارية عميقة، هذه الشخصية لم تعرف اللين ولم تضعف ولم تنكسر أمام أضخم الإمبراطوريات الاستعمارية على مر التاريخ، وحتى لو كان قدرها أن تدخل في صراع مع هذه الإمبراطوريات، فسريعًا ما تستعيد هذه الشخصية عافيتها وتهزم ذيول المؤامرات التي تحاك ضدها، وتكسر قيود المتغطرس الاستعماري الذي لطالما بدل وغير أساليبه على مدار التاريخ، أملًا وطمعًا في السيطرة على مصر وإخضاع الشخصية المصرية.

في النظريات السياسية، تعد الثورة الطريقة الشائعة التي تعبر بها الشعوب المقهورة عن مشاعرها وتطلعاتها، وعبرها ينفض الشعب غبار الذل والاستكانة عن نفسه، ويدحر المحتل أو المستبد بحراكه وبنضاله وبعزيمته الثورية،  وترتبط أحداث الثورات غالبا بمدلولاتها الثقافية والسياسية وتأثيرها وتأثّرها بطبيعة أنظمة الحكم وبالزخم السياسي والمعالجة الإعلامية والإنتاج الثقافي في المرحلة التي تسبق الحراك الشعبي، أما نجاحها فيرتبط باللحمة والتماسك حول فلسفتها ومبادئها والقدرة على تحدي المصاعب والإشكاليات التي يمكن أن تعترضها، كما يرتبط كذلك بالأساليب المتبعة لتحقيق أهدافها.

عادة ما تولد الثورات من خضم المعاناة ولا تقوم مرة واحدة ولا تنشأ من العدم، بل تمر بمراحل كثيرة وأطوار متعددة، أبرزها التذمر، وتعالي أصوات الشكاوي، ومرحلة الغليان، والسخط الشعبي، والامتعاض من الواقع، والمقارنة الدائمة ما بين الواقع والمأمول.

ما سبق، كان جزءا من كل نُذكر به للضرورة، حتى نتبين الأسباب وراء تحرك الشعب المصري، وكله قناعة بأن كل يوم تأخير سيدفع ثمنه أبناؤه وأحفاده في المستقبل من أمنهم، واستقرارهم، ومستوى معيشتهم، وبنية مجتمعهم، وطبيعة ثقافهم، والتمتع بكامل حقوقهم الإنسانية وفقًا للمفهوم الشامل له.

تحرك المصريون لكي يصيغوا عقدًا اجتماعيًا يريدون من مؤسستهم العسكرية التي هي دائمًا العامود الحامل لدولتهم أن تتبنى مطالبهم، والتي قوامها ما يلي:

• التخلص من تنظيم الإخوان ووقف تمكنه من مفاصل ومؤسسات الدولة.

• وقف حالة الفوضى التي قوضت الأمن والاستقرار المجتمعيين.

• إعادة بناء مؤسسات الدولة التي شارفت على الانهيار بفعل الأخونة.

• استعادة الهوية الوطنية للدولة، تلك الهوية الوطنية الوسطية المعتدلة التي تتسم بها الشخصية المصرية، والتي تبتعد كثيرًا عن هذا النموذج المتطرف الذي حاولوا فرضه علينا ثقافيا وفنيا وإعلاميا ودينيا على مدار سنوات عديدة.

• البناء للمستقبل والاهتمام بالإنسان، وتحقيق المفاهيم الحقيقية لحقوق الإنسان الشاملة في العيش والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، تلك القيم النبيلة وليست القيم الزائفة كما تمت المتاجرة بها، لكي يحيا المواطن حياة كريمة.

• استعادة هيبة الدولة والعودة للعب الأدوار المؤثرة في الدوائر ذات الأولوية الاستراتيجية للسياسة الخارجية المصرية، بما يمكننا من تحقيق المصلحة الوطنية والأهداف القومية للدولة.

• بدء عملية إصلاح وتنمية حقيقية لتحقيق آمال وطموحات المصريين في مستقبل مختلف.

وصدر بيان 3 يوليو متضمنًا الانتصار لمطالب شعب 30 يونيو، ولتبدأ الدولة على الأرض بعد ذلك في التطبيق العملي لفلسفة 30 يونيو من خلال:

• إعادة بناء مؤسسات الدولة المصرية وفقًا لبيان 3 يوليو.

• الشروع في أكبر عملية إصلاح إداري واقتصادي مصاحبة لأكبر عملية تنمية اقتصادية وفقًا لخطة مصر 2030، وهي الاستراتيجية التي شرعت مؤسسات الدولة في تنفيذها بعد انتهاء المرحلة الانتقالية، وفقًا لرؤية الرئيس السيسي الذي بدأت فترته الرئاسية الأولى في يونيو 2014.

• الاهتمام الحقيقي بالفئات التي كانت بينها وبين الدولة سوء فهم وعدم قدرة على الاستيعاب للأدوار على مدى فترات زمنية طويلة، خصوصًا الشباب. هذا بالإضافة، إلى الاهتمام بالمرأة وذوي الهمم، في ضوء تبني الدولة لسياسات تعلي من شأنهم وترد لهم حقوقًا لطالما تم التجاوز عنها.

• مواجهة المشكلات المجتمعية العصية على مدار العقود الأخيرة لتوفير ما يليق بحياة كريمة للمواطن، وما يليق بمستقبل أفضل له، خاصة ما يتعلق بمجالات الصحة، والإسكان، والتعليم، والنقل والمواصلات، وذلك عبر قرارات إصلاحية جريئة يتفهمها كل مخلص لمبادئ ثورة 30 يونيو.

•  استعادة الهوية الوطنية الوسطية للدولة، وإعادة العلاقة الطبيعية وفقًا لمفهوم المواطنة المصرية، بعد عقود طويلة حاولوا فيها النيل منا وتقسيمنا والتفرقة بيننا. وبعد أن كنا قد اقتربنا من أن يكون الدين مهددًا للأمن القومي المصري على يد مجموعة تاجرت به أكثر مما كانت تعمل بتعاليمه.

•  استعادة الدور الفاعل للسياسة الخارجية المصرية وفقًا لقاعدة استقلال القرار والإرادة الوطنيين، وهو الأمر الذي ترجم فيما يلي:

ــ القضية الفلسطينية هي جوهر الصراع العربي – الإسرائيلي، وحل الدولتين مع إعلان القدس الشرقية عاصمة لفلسطين وفقًا لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن هي الحلول المقبولة وأساس أي تسوية مستقبلية. وهو الطرح الذي طورته الدولة المصرية مؤخرًا على لسان الرئيس السيسي في ضوء تصاعد الأحداث في فلسطين، من خلال مطالبة المجتمع الدولي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية جنبًا إلى جنب مع حتمية حصول الفلسطينيين على كامل حقوقهم.

ــ تدير مصر علاقتها بالخارج وفقا لمبادئ الشراكة والعلاقات المتوازنة وليس التبعية، مع الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية، والانفتاح والتوازن مع الجميع، وتبادل المصالح والآراء والاحترام.

ــ  دعم قضايا السلام الإقليمي والعالمي، وفقًا لقواعد القانون الدولي والقرارات الصادرة عن الجمعية العامة ومجلس الأمن للأمم المتحدة.

ــ دعم هوية الدولة الوطنية في أي مكان في العالم خاصة في الدائرة العربية والإفريقية الأقرب للتأثير على الأمن القومي المصري، ومنع انهيار مؤسساتها حتى لا تدخل في دائرة الدول الفاشلة.

ــ  محورية العلاقات المصرية – الإفريقية وحتمية العمل على تنمية قدرات وإمكانيات دول القارة، وفقًا لقواعد العدالة الدولية وبما يعطي لسكان القارة حقهم الكامل في التنمية المستدامة بأبعادها المختلفة، وفقًا لمبدأ «المكسب للجميع» الذي أرسته مصر عبر سياستها الخارجية وأصبح سمتًا لها.

ــ مصر دولة شريفة، لا تدير سياستها الخارجية ولا تتبنى التدخل في شئون الدول الأخرى، وفقًا لمبدأ «عدم التدخل في شئون الدول الأخرى».

هذه هي 30 يونيو، وهذا هو ما صنعه الشعب المصري لمن ليست لديهم القدرة على الاستيعاب، هذه هي 30 يونيو التي حلت ذكراها العاشرة هذا العام، ومصر تقدم للإنسانية أكبر مشروع تنموي «حياة كريمة» لتنمية قرى الريف المصري وتحديثها بما يتوافق مع كل متطلبات الزراعة والري والصناعة والتجارة، لكي تكون قاطرة التنمية الشعبية، نموذجًا نقدم من خلاله للعالم تطبيقًا عمليًا لكل من يبحث عن المفهوم الشامل لحقوق الإنسان. كذلك حلت علينا ومصر تقدم لشعبها أكبر منصة حوارية تحت مبادرة «الحوار الوطني» الذي دعا إليه الرئيس السيسي لكي يكون ملتقى للتباحث حول مستقبل مصر والمصريين في إقليم وعالم تتعاظم فيه التحديات، عبر خلق مساحات مشتركة بين مختلف التيارات الفكرية والأيديولوجية. وذلك بعد أن قضت مصر في الجمهورية الجديدة على أخطر التحديات ممثلة في الإرهاب مع حتمية الإسراع في وتيرة عملية التنمية، وهو الأمر الذي فرض على القيادة ترتيب أولويات الدولة لمواجهتها، حيث كان الهم الأول للرئيس السيسي بعد توليه الحكم في يونيو عام 2014 استعادة مؤسسات الدولة، لتمكين الدولة المصرية من التعاطي الفعال مع هذه التحديات، وأيضًا لتوفير الإطار الوطني الداعم لتنمية الدولة المصرية وفقًا لاستراتيجية مصر 2030.

ولعل ذلك ما فرض على القيادة السياسية –كما أوضحنا- مواجهة تحديين رئيسيين؛ أولهما يتعلق بمجابهة التطرف ومواجهة الإرهاب، والآخر يتعلق بتحدي التنمية والإصلاح الاقتصادي والإداري.

وهو ما جعل القيادة تلتزم ببرنامج  سريع للإصلاح الاقتصادي، تضمن من خلاله تحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية من خلال ضمان وصول الدعم لمستحقيه، مع الإسراع بتطوير البنية الأساسية للدولة المصرية خاصة في قطاع الإنشاءات والنقل والطرق، وتزامن ذلك مع البدء في سلسلة من المشروعات القومية الكبرى في كافة القطاعات الخدمية، والصناعية، والزراعية موزعة على كافة الأقاليم والمحافظات المصرية. وإدراكًا من القيادة السياسية لتبعات عملية الإصلاح الاقتصادي ولضمان عدم تضرر الفئات الأقل دخلًا في المجتمع، فقد تم توفير برامج الحماية والضمان الاجتماعي –والتي تجلت أبرزها في مبادرة تكافل وكرامة-. ومن جهة أخرى، حرصت الدولة على مواجهة العديد من الأزمات في قطاعات حيوية كالصحة عبر مجموعة من المبادرات الرئاسية الصحية، قضت خلالها على فيروس سي وغيره من الأمراض التي هددت صحة المصريين باعتبار أن صحة المواطن هي من مكونات المفهوم الشامل للأمن القومي، كما قضت على قوائم الانتظار، ودشنت مشروع التأمين الصحي. كذلك، توجهت الدولة نحو محو صور سلبية استغلها البعض لسمت المجتمع المصري، وعلى رأس ذلك المناطق العشوائية، التي تم القضاء عليها بالكامل مع توفير السكن الملائم لاحتياجات الإنسان المصري. أي إن المواطن المصري الذي حُرم لسنوات طويلة قاربت الخمسين عامًا من حقوقه الإنسانية، نتيجة لعدم القدرة وانعدام الإرادة عن مواجهاتها لدى متخذ القرار، قد شاهدها تتحقق على أرض الواقع، إضافة إلى تراجع معدلات البطالة وزيادة نسبة التشغيل نتيجة لانخراط العديد من قطاعات المجتمع في العمل في المشروعات القومية المختلفة.

ولعل الأبرز في كل ما سبق، تمثل في توجه الدولة نحو الاهتمام بالصناعة وتقديم الدعم اللازم لها عبر العديد من المبادرات وعلى رأسها مبادرة «ابدأ»، وكذلك توجه الدولة نحو الاهتمام بالريف المصري عبر مبادرة «حياة كريمة» التي تأسست عام 2019، وتحولت إلى مشروع قومي عام 2021، وذلك بعد أن توفر اليقين لدى القيادة السياسية بنجاح ثمار المرحلة الأولى للمبادرة، وبالقدرة على إعادة تطوير الريف المصري الذي أُهمل طويلًا أيضًا، ووفقًا لمعايير التنمية البشرية المستدامة الـ 17 للأمم المتحدة، بما يقدم الكثير من الحقوق ويفعل دور الريف المصري في عملية التنمية المصرية، وهو المشروع الذي عَده الكثير من الخبراء قاطرة التنمية المصرية مستقبلًا، جنبًا إلى جنب مع القطاع الصناعي والاستثماري.

2 ــ شرعية الإنجاز:

تطورات وإنجازات تتحقق على الأرض، فيما الدولة المصرية تستمر عبر جهود مؤسساتها الأمنية والمعلوماتية في مجابهة تحدي التطرف والإرهاب، هذا الذي كان البعض يرغب أن يفعل أدواته لكي يتمكن من إعاقة الدولة المصرية عن تحقيق هذا الكم من الإنجازات.

أ ــ  سيناء:

كان التحدي الأهم متمثلًا في التعامل مع سيناء، تلك البقعة الغالية الطاهرة من الأراضي المصرية، والتي تم التخطيط لها لكي تكون وطنًا للتنظيمات الإرهابية، إلا أن متخذ القرار كانت له فلسفة واضحة في التعامل معها منذ أن كان وزيرًا للدفاع بقراره الشهير في ديسمبر  2012 بحظر تملك غير المصريين أراض في سيناء. حيث نجده لم يكتف بتفعيل الأدوات والآليات الأمنية لمجابهة ما تم التخطيط له، وإنما تم التوجه إليها بمخطط تنموي شامل لم يسبق أن تم تخصيصه لها، مخطط يعكس الرؤية والاستراتيجية التي تم تطبيقها وفقًا للأولويات وللأهداف قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى، وبما يضمن في النهاية تحقيق الأمن القومي المصري بمفهومه الشامل وعبر تطبيق وتفعيل كل أدوات القوة الشاملة للدولة.

فالجهود الكبيرة التي قامت بها الدولة تعتبر بمثابة عبور جديد لسيناء، فإذا كان العبور الأول في أكتوبر 1973 بغرض تحرير الأرض، فالعبور الثاني بغرض التنمية الشاملة. حيث كان أهم تحد في سيناء أنها كانت ساحة للعمليات الإرهابية، وتفجير خطوط الغاز التي تربط سيناء بمصر، مثل سقوط الطائرة الروسية في أكتوبر 2015، وكذلك الحادثة الأليمة بمسجد الروضة فى نوفمبر 2017، بما أثر بالسلب على السياحة.

الدولة المصرية كان أمامها خياران، إما التركيز فقط على دحر الإرهاب في سيناء وبعدها التنمية، أو  رؤية مغايرة تبنتها القيادة السياسية، حيث تم العمل بالتوازي، في القضاء على الإرهاب بالتزامن مع دفع عجلة التنمية بأقصى سرعة. حيث ضخت الدولة المصرية استثمارات داخل شبه جزيرة سيناء فقط بتكلفة قاربت الـ 650 مليار جنيه، من أجل التنمية المتكاملة لسيناء، كما تم إضافة 5 أنفاق جديدة تحت قناة السويس أضيفت للنفق الوحيد القائم من قبل وهو نفق الشهيد أحمد حمدي بالسويس، وتم إضافة 7 كبارٍ عائمة، ومجموعة هائلة من شبكات الطرق التي تم تنميتها في سيناء. الإعجاز أنه تم تمهيد أكثر من 3000 كيلو متر من شبكات الطرق داخل سيناء، بالتزامن مع حفر الأنفاق، تلك التي تم إنشاؤها بأيد مصرية في زمن قياسي بتكلفة 35 مليار جنية فقط، لأن الشركات الأجنبية كانت تريد تنفيذ هذه الأنفاق تباعاً وهذا يعني أنه سيتم بناؤها خلال 15 عاما على الأقل.

ومن المخطط ربط سيناء ليس بمصر فقط بل وبالعالم، وهذا ما تم العمل عليه من خلال ازدواج الممر الملاحي لقناة السويس، بالإضافة إلى الموانئ البحرية الجافة التي تم تطويرها، وتنمية المطارات التي شهدت طفرة هائلة في سيناء. وهنا يأتي دور قناة السويس الجديدة، والفرق الذي أحدثته ما بين 2014 و2023، وهذا يظهر من خلال فارق الإيرادات من 2014 إلى 2023، والذي أكدته الأرقام، فكانت الأرقام نحو  5 مليارات دولار، والآن تجاوزت الـ 8 مليارات، وهذا دليل على أن قناة السويس ممر ملاحي دولي لا يقبل المنافسة، وذلك لأن حركة الملاحة في قناة السويس اختلفت، فبعد أن كانت أياما، أصبحت لا تتجاوز 10 ساعات للسفن.

وعلى صعيد الرعاية الصحية، نجد أن أرقى ما وصل إليه العلم في بناء المستشفيات والمنظومة الصحية، موجود في سيناء، مشيرا إلى أن هناك مستشفى شرم الشيخ الدولي، والذي أصبح أول مستشفى أخضر على مستوى الجمهورية. كذلك، هناك العديد من الخدمات الاجتماعية والثقافية، ومنافذ السلع التموينية، وقصور الثقافة والمراكز الشبابية، بجانب أن هناك العديد من المساحات الصالحة للزراعة في سيناء، ولكن هناك تحدي وجود المياه، ورغم ذلك تم إضافة 450 ألف فدان للزراعة في سيناء، وهو ما يمثل معجزة بكل المقاييس، خاصة مع تنفيذ مشروع تنمية 109 آلاف فدان.

كما يوجد في سيناء كنز الرمال السوداء الموجود في عدد من المناطق، بوجود 13 مليون طن من أنفس المعادن، والدولة تعمل على استخلاص تلك المعادن لتصبح قيمة مضافة، ورؤية الدولة المصرية تكمن في أن تتمكن بالجهد الذي يتم من ربط أرض الفيروز بالوادي بصورة أبدية.

من هنا نفذت مصر برنامجًا متكاملًا لتنمية شبه جزيرة سيناء، وحظي بأولوية لدى القيادة السياسية، ودعم من قبل الصناديق العربية، ومؤسسات التمويل الدولية، قوامه تنمية الإنسان، وتطوير مستوى الخدمات المقدمة للمواطن، مع الاستعادة السريعة لمعدلات الأمن والاستقرار لتحقيق الغاية من جذب الاستثمارات. ووصل حجم التكاليف المخططة والمخصصة في ميزانية الدولة لتنمية سيناء والتي تمتد من عام 2014 إلى عام 2022، لنحو 275 مليار جنيه، تم تدبير جزء منها من صناديق عربية شقيقة كقروض، والجزء الباقي تتحمله الحكومة والقوات المسلحة والشعب المصري.

وتتمثل أهداف التنمية في تعزيز دمج سيناء في النسيج القومي المصري وإدخالها في مجال اهتمام المستثمرين، وزيادة جاذبية سيناء للاستثمار الوطني والأجنبي من خلال وضع خريطة للاستثمارات المتكاملة، ودعم البعد الأمني والسياسي للحدود الشرقية للدولة، وإعادة توزيع خريطة مصر السكانية، مع إقامة مجتمعات عمرانية جديدة ببنية أساسية متطورة، فالقضاء على الإرهاب بشكل نهائي لن يتحقق إلا من خلال تنمية متكاملة في مختلف المجالات الاقتصادية والصناعية والعمرانية.

ب ــ صعيد مصر:

بعد سنوات من المعاناة والتهميش وندرة الخدمات والمشروعات التنموية، والافتقار للرؤية المتكاملة لتنمية صعيد مصر، الذي يعد من ضمن المناطق الغنية بالثروات، حرصت الدولة المصرية بعد تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي على أن يكون الاهتمام بالصعيد وشبابه على رأس أجندة العمل الوطني، فشهدنا افتتاح عدد من المشروعات التنموية في محافظات الصعيد المختلفة، ومن خلال هذه المشروعات تم التأكيد على أن مصر تتوجه نحو عصر جديد وجمهورية جديدة تنتصر للعمل والبناء للأمل والمستقبل، وتؤكد من قلب الصعيد ومن كل مكان على أرض مصر أن المواطن المصري دائمًا يستحق حياة أفضل وحياة كريمة.

صعيد مصر عاني قبل عام 2014، لعقود طويلة من مشكلات وتحديات تحول دون الاهتمام بهذه المنطقة، مما ترتب عليه تدني مستوى الخدمات الأساسية والاجتماعية والتنموية والصحية، إلا أن الدولة المصرية بمفهوم الجمهورية الجديدة قررت وضع صعيد مصر على قمة أولوياتها للتنمية.

 حيث حظيت محافظات الصعيد باستثمارات حكومية قدرها 1.8 تريليون جنيه من إجمالي 7 تريليونات جنيه، من الاستثمارات التي تم تنفيذها أو يتم استكمال تنفيذها على مستوى الجمهورية على مدار السنوات الثمانى السابقة، مما يعني أن ربع الاستثمارات الكلية التي أنفقتها الدولة تم تخصيصها لمحافظات الصعيد، مع العلم أن هذه الاستثمارات ساهمت بصورة مباشرة في خلق مئات الآلاف من فرص العمل للشباب في محافظة الصعيد.

 وبإطلاق الرئيس «المشروع القومي لتنمية الصعيد»، تنوعت المشروعات التنموية العملاقة منذ ذلك الحين بمختلف محافظات صعيد مصر، وذلك بهدف تطوير البنية التحتية ومد جسور التنمية، حيث أنشأت الدولة وطورت 6600 كم من الطرق، من بينها 2600 كم إنشاءً جديدًا، و4 آلاف كم رفع كفاءة وتطوير بما يمكن عدّها إنشاءً جديدًا في ظل الحالة المتهالكة التي كانت عليها قبل التطوير، حيث كان معظمها لا يتجاوز حارتين ذهابًا وإيابًا وتحولت إلى 4 حارات على الأقل في كل اتجاه، بالإضافة إلى 365 كوبري ونفقًا بتكلفة تجاوزت 50 مليار جنيه في كل مدن ومحافظات الصعيد. ومن بين الطرق التي تم تنفيذها، طريق الصعيد الصحراوي الغربي، وطريق محور ديروط ــ الفرافرة، وطريق هضبة أسيوط الغربية الذي أصبح محورًا تنمويًا مهمًا يربط مدينة ناصر بغرب أسيوط بمدينة أسيوط نفسها.

 ذلك بالإضافة إلى إنشاء محاور التنمية على النيل في صعيد مصر، لربط القطاع الغربي بالشرقي على نهر النيل، ليصلوا إلى ٢٢محورًا، وذلك بتكلفة ٤٥ مليار جنيه، على ألا تتجاوز المسافة بين كل محور والآخر 25 كم، وتم الانتهاء من 8 محاور منها، وهناك ١٤ محورًا آخر تحت التنفيذ، ومن المخطط الانتهاء من أعمال هذه المحاور خلال العام الجاري أو العام المقبل.

 كذلك، تم تطوير منظومة السكك الحديد باستثمارات تبلغ 32 مليار جنيه، حيث تم تطوير 46 محطة للسكك الحديد في محافظات الصعيد، بالإضافة إلى تطوير الموانئ البرية والبحرية. ومن المشاريع المنتظرة «محطة قطارات سكك حديد صعيد مصر» المنشأة على مساحة 31 ألف متر مربع، وتشمل 4 أرصفة لخدمة ركاب الوجه القبلي بعدد 6 خطوط منها خطان لأسوان/ إسكندرية، وعدد خطين للمناورة لخطوط أسوان/ إسكندرية، وعدد خطين للقطارات المنتهية في المحطة والقادمة من الوجه القبلي.

تبذل الدولة المصرية، جهودًا عديدة في تطوير صعيد مصر، وذلك من خلال تنفيذ العديد من المشروعات التنموية في مختلف المجالات، بهدف تحسين جودة حياة السكان في هذه المنطقة، وتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة. حيث يساهم تطوير صعيد مصر، في تحسين مستوى معيشة السكان وتعزيز التنمية الاقتصادية والمجتمعية في المنطقة، وقد تمثلت جهود الدولة المصرية في كثير من مناحي الحياة مثل التنمية الاقتصادية والزراعية، والطرق والكباري، والإسكان، وتطوير معيشة الفرد، حيث استطاعت الدولة في وقت قصير تنفيذ عدد من المشروعات المهمة التي ساهمت في تطوير الصعيد بشكل غير مسبوق.

• حيث نفذت عددًا من المشروعات الاقتصادية بهدف زيادة فرص العمل، وتحسين مستوى المعيشة للسكان، ومن أهم هذه المشروعات:

- إنشاء مجمع الصناعات الصغيرة والمتوسطة في مدينة أسيوط الجديدة.

- إقامة المنطقة الصناعية بمدينة الغردقة.

- إنشاء مدينة الأثاث في مدينة أسيوط الجديدة.

- إقامة مدينة التكنولوجيا في مدينة أسيوط الجديدة.

- إقامة مدينة الطاقة الشمسية في محافظة أسوان.

• أما عن جهود الدولة في التنمية الاجتماعية، فتمثلت في تنفيذ عدد من المشروعات الاجتماعية في صعيد مصر، بهدف تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين، ومن هذه المشروعات:

- إنشاء المدارس والمستشفيات والمراكز الصحية في مختلف محافظات الصعيد.

- توفير مياه الشرب النقية للمواطنين، من خلال تطوير وإنشاء محطات جديدة.

- توفير الكهرباء للمناطق المحرومة من خلال إنشاء وتطوير محطات الكهرباء.

- إنشاء عدد من المشروعات السكنية للمواطنين.

• أما عن التنمية الثقافية، جاء ذلك من خلال تنفيذ عدد من المشروعات بهدف الحفاظ على التراث الثقافي المصري، منها:

- تطوير المواقع الأثرية في محافظات الصعيد.

- إنشاء المتاحف في مختلف محافظات الصعيد.

- إقامة المهرجانات الثقافية في مختلف محافظات الصعيد.

وقد ساهم كل ما سبق في زيادة فرص العمل في صعيد مصر، حيث زاد عدد العاملين في صعيد مصر من 11.5 مليون عامل في عام 2014 إلى 13.5 مليون عامل في عام 2023. مما ساهم في تحسين مستوى المعيشة، والتي تمثلت في ارتفاع متوسط الدخل الشهري للأسرة في صعيد مصر من 2000 جنيه في عام 2014 إلى 3000 جنيه في عام 2023.

• أما عن «حياة كريمة» والتي تحولت من مبادرة رئاسية إلى مشروع قومي، فهي تستهدف تنمية الريف المصري، وتحسين مستوى معيشة سكانه، وتستهدف المبادرة 1522 قرية في 46 محافظة، منها 459 قرية في صعيد مصر. وحققت حياة كريمة، عددا من الإنجازات في صعيد مصر، ومن أهمها:

• الارتقاء بمستوى الخدمات الأساسية، من خلال تنفيذ مشروعات في مجال البنية التحتية، مثل الصرف الصحي، والمياه، والطرق، والإنارة، والكهرباء، والاتصالات.

• يأتي ذلك إلى جانب تحسين مستوى الخدمات الصحية والتعليمية، حيث أنشأت المبادرة وتطورت عددا من الوحدات الصحية والمراكز الطبية والمدارس، بالإضافة إلى تحسين مرافقها.

• كما استطاعت المبادرة تعزيز التنمية الاقتصادية، من خلال إنشاء العديد من مشروعات التنمية الاقتصادية، مثل المشروعات الزراعية، والحرفية، والسياحية، والتصنيعية.

• بالإضافة إلى تحسين مستوى معيشة السكان، من خلال مشروعات التدريب والتأهيل لزيادة فرص العمل.

ففي مجال الصرف الصحي، تم إنشاء وتطوير أكثر من 4600 محطة صرف صحي، وأكثر من 1600 كيلومتر من شبكات الصرف الصحي، وأكثر من 1500 محطة رفع. وفي مجال المياه، تم إنشاء وتطوير أكثر من 1300 محطة مياه، وأكثر من 1600 كيلومتر من شبكات مياه الشرب، وأكثر من 600 خزان مياه. أما في مجال الكهرباء، تم توصيل الكهرباء إلى أكثر من 100 ألف منزل. وفي مجال الاتصالات، تم توصيل خدمة الإنترنت إلى أكثر من 100 ألف منزل. أما في مجال الخدمات الصحية، تم إنشاء وتطوير أكثر من 1000 وحدة صحية، و100 مركز طبي، و100 نقطة إسعاف. وفي مجال التعليم، إنشاء وتطوير 1000 مدرسة، وأكثر من 100 حضانة. وفي مجال التنمية الاقتصادية، إنشاء أكثر من 1000 مشروع زراعي، و1000 مشروع حرفي، و100 مشروع سياحي، و100 مشروع تصنيعي.

جــ - الزراعة في مصر:

بلغ إجمالي مساحة مصر الزراعية حتى الآن نحو 9.6 مليون فدان، فيما يبلغ إجمالي المساحة المحصولية لمصر نحو 17 مليون فدان، وذلك على مدار المواسم الزراعية في العام. وقد أسهم قطاع الزراعة بنسبة 17% من الصادرات السلعية، وبنسبة 15% في الناتج المحلى الإجمالي، وأسهم بنسبة 25% من إجمالي القوى العاملة، وتمثلت أبرز المشروعات القومية الزراعية، فيما يلي:

1-  مشروع المليون ونصف المليون فدان: تم إطلاق المشروع في ديسمبر 2015 ليمثل حجر الأساس نحو توفير مصر لاحتياجاتها من الطعام، ويعد أحد أعمدة المشروعات القومية الزراعية، ويشمل 13 منطقة في 8 محافظات، تقع في صعيد مصر وسيناء، طبقًا لحالة المناخ وتحليل التربة ودرجة ملوحة المياه وهي: قنا، وأسوان، والمنيا، والوادي الجديد، ومطروح، وجنوب سيناء، والإسماعيلية، والجيزة.

ويضم المشروع 3 مراحل: المرحلة الأولى، تبلغ مساحتها 500 ألف فدان في مناطق: الفرافرة القديمة والجديدة، ومنطقة المغرة، وامتداد الداخلة، وقرية الأمل، وتوشكى، ومنطقة غرب المراشدة؛ والمرحلة الثانية، تبلغ مساحتها 490 ألف فدان في مناطق: الفرافرة الجديدة والقديمة، وغرب كوم أمبو، والمغرة، وغرب المنيا، وشرق سيوة، وجنوب شرق المنخفض؛ أما المرحلة الثالثة، فتبلغ مساحتها 510 آلاف فدان في مناطق: الفرافرة القديمة، والطور بجنوب سيناء، وامتداد جنوب شرق المنخفض، وغرب المنيا، ومنطقة غرب.

2-  مشروع الـ 100 ألف فدان من الصوب الزراعية: تم تدشين مشروع الـ 100 ألف فدان صوب زراعية عام 2018، لإنشاء وزراعة أكثر من 10 آلاف صوبة زراعية لتأمين غذاء المصريين بشكل صحي وآمن، وتوفير زراعات عالية الجودة في غير موسمها الزراعي. وبانتهاء مراحل هذا المشروع سيتحقق أكثر من 1.5 مليون طن من الخضراوات سنويًا؛ للإسهام في تقليل الفجوة الغذائية في مصر. ويتميز مشروع الصوب الزراعية بميزة تسويقية من حيث قربه من موانئ الإسكندرية ومطار برج العرب، ويتكامل المشروع مع شبكة الطرق القومية الجديدة.

3- مشروع شرق العوينات: يقع المشروع على بعد 450 كم جنوب مدينة الخارجة بالوادي الجديد، ويعد ثاني أكبر مشروعات التنمية الزراعية المنفذة في جنوب الوادي في جنوب غرب مصر (بعد مشروع توشكى). ويوجد به نحو 560 ألف فدان، تقع أغلبها ضمن الأراضي الرملية والرملية الطينية التي تعد من أفضل الأراضي الصالحة للزراعة، وقد تمت زراعة 166 ألف فدان حتى الآن.

4-  مشروع توشكى الخير: يقع المشروع في منطقة توشكى جنوب أسوان، وكانت فكرة إنشاء المشروع بهدف خلق وادٍ جديد في الصحراء الغربية على مساحة 540 ألف فدان، وتصل في المستقبل إلى مليون فدان موازٍ لوادي النيل. وبلغت تكلفة المشروع 6.4 مليار جنيه، وتم البدء فيه في أكتوبر 2020، وقد تمت زراعة ٣٠ ألف فدان قمح خلال أول ٣ أشهر من بداية المرحلة الأولى، إضافة إلى إنهاء تجهيز نحو ١٠٠ ألف فدان قابلة للزراعة، وجارٍ تجهيز ١٠٠ ألف فدان أخرى بنهاية العام الجاري.

5- مشروع الدلتا الجديدة: في بداية عام 2021، أعلنت الدولة عن المشروع القومي «الدلتا الجديدة»، الذي يعد أحد المشروعات الضخمة بالمجال الزراعي، حيث سيتم زراعة أكثر من مليون فدان خلال عامين في إطار هذا المشروع. ويدخل مشروع «مستقبل مصر» ضمن نطاق مشروع الدلتا الجديدة، حيث يقع على امتداد طريق محور «روض الفرج –الضبعة الجديد» وهو الطريق الذي أنشئ ضمن المشروع القومي للطرق، ويبعد ٣٠ دقيقة عن مدينة السادس من أكتوبر، وتبلغ مساحته ٥٠٠ ألف فدان. وقد تم الانتهاء من استزراع مساحة ٢٠٠ ألف فدان باستغلال المياه الجوفية المتاحة بالمنطقة، ويتوقع أن تصل إلى ٣٥٠ ألف فدان مع بداية عام ٢٠٢٢، باستخدام ١٦٠٠ جهاز ري محوري مطور، على أن يتم زراعتها مرتين سنويًا؛ حيث تنتج أجود المحاصيل الزراعية بإجمالي استثمارات ٥ مليارات جنيه. وكذلك يدخل مشروع «جنوب محور الضبعة» ضمن نطاق مشروع الدلتا الجديدة؛ ويقع غرب مشروع مستقبل مصر على مساحة ٥٠٠ ألف فدان، بالقرب من الدلتا القديمة وشبكة الطرق والموانئ سواء البحرية أو البرية أو الجوية، ويربط بين الحدود الإدارية لمحافظات: مطروح، والبحيرة، والجيزة. ويتكلف استصلاح الفدان الواحد نحو 250 ألف جنيه.

6- مشروع تنمية شمال سيناء: يهدف هذا المشروع إلى إضافة مساحة قدرها 620 ألف فدان إلى الرقعة الزراعية. حيث يشمل مرحلتين: المرحلة الأولى تشمل إنشاء ترعة السلام أمام سد وهويس دمياط لاستصلاح 220 ألف فدان غرب قناة السويس، والمرحلة الثانية تشمل إنشاء سحارة أسفل قناة السويس وإنشاء ترعة الشيخ جابر الصباح لاستصلاح 400 ألف فدان شرق قناة السويس.

7- مشروع تنمية الريف المصري الجديد: شركة تنمية الريف المصري الجديد هي شركة معنية باستصلاح وتنمية المليون ونصف المليون فدان كمرحلة أولى من أربعة ملايين فدان. وهي شركة مساهمة مصرية 100%، تضم ثلاثة مساهمين حكوميين هم: وزارة المالية، والهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بوزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية. ويشتهر المشروع بزراعة بعض المحاصيل منها: الشعير، وبنجر السكر، والزيتون، والفول، والرمان، وبعض المحاصيل العطرية والطبية، إضافة إلى زراعة نحو 1500 فدان قمح في عام 2021 ومن المتوقع تهيئة التربة لزراعة مساحة أكبر من القمح في السنوات المقبلة.

8- المشروع القومي لإنتاج الشتلات: حيث تم إنشاء محطة كوم أمبو على مساحة 26 فدانًا، بتكلفة 360 مليون جنيه، وتستوعب 15 مليون شتلة / موسم. ومحطة وادي الصعايدة لإنتاج شتلات قصب السكر، على مساحة 80 فدان بتكلفة 1.8 مليار جنيه، وتستوعب 80 مليون شتلة / موسم.

9- جهود تحسين أصناف المحاصيل: عملت وزارة الزراعة كذلك على التوسع الرأسي في المحاصيل من خلال التوسع في الأصناف المحسنة للمحاصيل حيث تم إنتاج 26 صنفًا لـ 10 محاصيل خضر رئيسية، وتغطية ولأول مرة 100% من مساحة القمح مع وجود فائض للتصدير، والتوسع في إنتاج التقاوي المعتمدة للمحاصيل الأخرى، وأكثر من 150 صنفًا للمحاصيل الاستراتيجية مبكرة النضج – قليلة الاحتياج المائي، وتسجيل 900 صنف نباتي محلي ومستورد، وإصدار 160 شهادة حماية نباتية، وإنشاء محطتي كوم أمبو ووادي الصعايدة لإنتاج شتلات قصب السكر بطاقة 200 مليون شتلة وبتكلفة ملياري جنيه، وتنفيذ أكثر من 7000 حقل إرشادي للقمح و650 حقلًا للذرة، والتوسع في المدارس الحقلية لباقي للمحاصيل.

10- دعم المزارعين: لم تكن جهود الدولة لدعم الفلاح غائبة في مبادرة «حياة كريمة»؛ فقد تم دعم الأنشطة الزراعية، فاستهدفت المبادرة إنشاء أكثر من 332 مجمع خدمات زراعية، بالإضافة إلى 41 مركز تجميع ألبان، و 329 جمعية زراعية، و 316 وحدة بيطرية، و 305 مراكز إرشادية تقدم خدماتها لأكثر من 1500 قرية خلال المرحلة الأولى للمشروع.

لا شك أن تحديات ارتفاع أسعار الغذاء العالمية وتغير المناخ ومحدودية المياه والأراضى الزراعية وتفتت الحيازات، تفرض حاجة ملحة لإحداث طفرة ونهضة فى حياة الفلاح المصرى، ووسائل الزراعة، وتوظيف تكنولوجيا المعلومات، وتقنيات الروبوتات، وأجهزة استشعار درجة الحرارة والرطوبة، والصور الجوية وتقنية GPS، ورفع مستوى وعي وثقافة المزارع، والاهتمام بتمويل التكنولوجيا والمعدات الحديثة, فكل ذلك مما أحدثته استراتيجية الدولة المصرية من محفزات سيمكن قطاع الزراعة من أن تلعب دورًا رئيسيًا فى حل مشكلة ندرة الغذاء. ويمكن الحكومة من الاضطلاع بدور أوسع وأكثر بروزًا، في دورها التنظيمى والتسهيلى التقليدى الموروث في هذا القطاع الاستراتيجي، الذي تهيمن عليه المزارع الصغيرة التى تستخدم ممارسات تقليدية, ويمكن من خلال تطويره ضمان الأمن الغذائى وتقليل الاعتماد على الواردات, بل ويمكن اعتبار قطاع الزراعة مُصدرًا صافيًا ليس فقط للمنتجات والصادرات ولكن أيضًا للملكية الفكرية والحلول الجديدة وزيادة الإنتاجية، ودعم التحول نحو اقتصاد قائم على الابتكار والمعرفة.

د. الصناعة فى الجمهورية الجديدة:

يُشكِّل قطاع الصناعة بتنوعاته المختلفة أهمية كبرى في دعم الاقتصاد الوطني، والسبيل لتوفير فرص العمل لأبنائه، ورفع مستوى معيشتهم، وتحقيق رفاهيتهم، وكسب احترام دول العالم، وحجز مكان بين مصافّ الدول المتقدمة، وغيرها من العوامل التي دعت المسئولين في الدولة إلى الاهتمام بهذا القطاع، وتطويره، وإدخال المستحدثات التقنية فيه، والحرص على صبغ مخرجاته بمعايير الجودة العالمية.  ولعل ذلك ما دفعنا لتخصيص ملف هذا العدد لتناول وعرض جهود الدولة لتحقيق النهضة الصناعية.

ويعتمد قطاع الصناعة في تقدمه على درجة الابتكار التي يمتلكها أصحاب القرار، ومن يمتلكون مهارات وفنيات العمل بهذا القطاع، بما يُسهم بصورة فاعلة في زيادة الربحية والقدرة على التنافسية، ويقوم ذلك على التنظيم الفعال، الذي يصعب أن ينفك عن المناخ الإداري الإيجابي والداعم للعمل الجماعي المتمثل في العلاقة الداعمة للروح المعنوية في بيئة العمل.

 وتحرص القيادة السياسية على دعم قطاع الصناعة باعتباره بوابة النهضة لجمهوريتنا الجديدة؛ حيث الحث على نشر ودعم ثقافة التطوير التي دعت إليها التقنية والتكنولوجيا الحديثة، كما وجهت القيادة السياسية إلى ضرورة توفير المناخ الداعم للاستثمار في قطاع الصناعة بشكل متكرر وصريح، كي يحدث التطوير وفق رؤية مسببة تقوم على فلسفة وأهداف ملموسة، يتمخض عنها معايير تشكل الإطار الذي يعتمد عليه التطوير بما يحقق رفع الإنتاجية وزيادة معدل النمو.

 وبما لا يدع مجالًا للشك، فإن نجاح أداء المؤسسات الصناعية يقوم على المتابعة والتقييم في ضوء استراتيجية واضحة، تتجنب إخفاقات الماضي، وتفي باحتياجات الحاضر، وتراعي تطلعات المستقبل مقرونًا بالتنبؤ المبني على سيناريوهات علمية للكشف عن التغيرات المستقبلية، بما يمكن تلك المؤسسات من الريادة والقدرة التنافسية على المستوى المحلي والعالمي.

 وتحث الدولة المصرية، متمثلة في قيادتها السياسية الرشيدة، على تعميق الصناعة المحلية وتوطينها، والتوسع في مساراتها واكتمال مراحلها؛ بداية من المورد الخام، ونهاية بتصدير المنتج في صورة لا يقابلها مثيل، وتمدد الشراكات مع دول العالم في مجالات الصناعة، لتحدث طفرة النهضة وتتحقق القيمة المضافة للمنتج المحلي، ويصل لمستوى العالمية والتنافسية تواكبًا مع الازدهار التقني المتسارع، بما يحقق النمو المأمول والتنمية المستدامة في هذا القطاع المهم بالجمهورية الجديدة.

 وحري بالذكر أن جمهورية مصر العربية -بموقعها الفريد ومناخها المواتي، وما بها من مقومات صناعية مرتبطة بالمهارة البشرية والموارد والثروات الطبيعية، بالإضافة لمصادر الطاقة المتعددة بها- تُعدّ مؤهلة لأن تكون رائدة في هذا القطاع على المستوى الإقليمي والعالمي، وشهادة حق فقد فطنت القيادة السياسية لذلك، وبادرت بتهيئة البيئة الجاذبة لقطاع الصناعة والاستثمار، بعد تحقيق معادلة الأمن والأمان والاستقرار المجتمعي؛ إذ أكدت على تفعيل حزمة التشريعات والقوانين المنظمة والميسرة والمحفزة للاستثمار في قطاع الصناعة على مستوى المستثمر المصري والعربي والأجنبي، ومن ثم وجهت القيادة السياسية لاتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لدعم قطاع الصناعة المصرية.

 وجهود الدولة المصرية لا تتوقف عند حد الإنتاج والتصدير، بل أضحت متطلعة لتدشين أسواق ذات طابع عالمي بما يسهم في ريادة الدولة عبر صادراتها ذات الصبغة التنافسية والمواصفات القياسية، متبعة في ذلك الأسلوب العلمي وفق خطة منهجية تحرص على جذب العميل وتلبي احتياجات ومتطلبات وتطلعات الأسواق العالمية، ومن ثم تساعد في جذب المزيد من الاستثمارات العالمية على أرض المحروسة التي تزخر بمقدرات لا يناظرها مكان في العالم بأسره.

 ولتحقيق مجمل ما سبق فقد تمت تهيئة شبكة مواصلات متنوعة تسهل وتيسر النقل للسلع والمنتجات لتداولها في الأسواق المحلية والعالمية، وتوفر عنصر الأمن والأمان لتصل إلى مبتغاها، كما أوجدت فرصًا متوالية ومتتالية وفق خطط التوسع والتطوير في هذا القطاع المتمدد بفضل الرؤية السديدة لقيادتنا السياسية الحبيبة.

 والدارس لثروات مصر يعلم أن بها العديد من المواد والموارد الخام اللازمة للصناعة؛ فمنها النباتية بتنوعاتها؛ كالخضر والفاكهة والأقطان والكتان وقصب السكر، وغير ذلك، مما يصعب حصره في هذا المقام. كما يتوافر فيها المعادن بصورها المتعددة والتي تعد لبنة الصناعات التعدينية ومنها، الفوسفات والبازلت والكوارتز والحديد والنيكل والكروم والبوتاس والتيتانيوم وغيرها أيضًا، مما يصعب ذكره. وعلى مستوى الموارد الحيوانية فهناك وفرة في مدخلات الصناعات الجلدية والألبان، والأمر ليس من قبيل السرد بل إشارة إلى أن هناك من المقومات ما يحتم نهضة الصناعة المصرية؛ لتصبح من الدول المنتجة والمصدرة في ضوء تعظيم القيمة المضافة لمقدراتها الصناعية.

 لقد أضحت التنمية المستدامة، في البُعد الاقتصادي، مرهونة بالشمولية والتي تعني توفير مقومات النهوض بالصناعة الوطنية من خلال توفير الأراضي والمدن والمجمعات الصناعية المدعومة بالمرافق من بنية تحتية متكاملة وشبكة طرق لوجستية قوية، بالإضافة إلى توفير برامج تمويلية مرنة للمستثمرين، وبالطبع لا ينفك ذلك عن آليات تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص؛ حيث يُعدّ ذلك محركًا رئيسيًا لنهضة وازدهار الاقتصاد في مصرنا العزيزة؛ فقد ساهمت الشراكة في طمأنة المستثمر الأجنبي، وساعدت في نفاذ مصر إلى الأسواق العالمية بكامل طاقتها.

 ويتسق مع شراكة القطاع الخاص في مجال الصناعة، شراكة الجامعات بما تحمله من خبرات علمية ومهنية في هذا المضمار؛ فالعمل اللصيق مع الجامعات يؤدي حتمًا إلى فوائد متعددة؛ منها تحسين وتطوير البرامج الجامعية لمواكبة التطلعات، وتحقيق الآمال والطموحات الخاصة بالمستهلك، ويعود بتطوير المهارات الفنية والأكاديمية للخبراء في التعليم الجامعي، وبالطبع ينعكس المجال البحثي بالجامعات على ما يطور المنشآت الصناعية ويزيدها خبرات عملية وتقنية، كما يسهم في تمكين تأهيل الخريج الذي يطلبه سوق العمل، نظرًا لما يمتلكه من مهارات ابتكارية تُثري المجال.

 وتتميز الشراكة القائمة بين المؤسسة الجامعية والمؤسسات الصناعية بتعدد أنماطها؛ ليتحقق من خلالها التنمية المستدامة في الاتجاهين الأكاديمي والمهني، فهنالك شراكة تقوم على دور المؤسسة الجامعية في تدريب وتعليم الفرد وتقديمه في صورة مؤهلة لقطاع الأعمال، وهنالك شراكة تقوم على نتاج البحث العلمي الذي يتم توظيفه أو تطبيقه في المؤسسة الصناعية وفق بروتوكولات مبرمة سلفًا؛ وهنالك شراكة تقوم على تقديم الدعم الفني والتقني والعلمي لمواجهة التحديات والصعوبات والمشكلات التي قد تواجهها المؤسسة الصناعية؛ وهنالك شراكة متمثلة في التبادل الخبراتي بين المؤسستين، حيث التكامل بين النظرية والتطبيق، بما يعود بالنفع على كليهما.

 وفي خِضَم النهضة الصناعية الرائدة بالجمهورية الجديدة، وفي ضوء الرعاية الرئاسية الجلية لهذا القطاع، يتوجب على المؤسسة الجامعية أن تشارك بفعالية من خلال الدراسات العلمية لتعضيد المشروعات الصناعية القومية بصورها المتعددة؛ لتضع من الابتكارات ما يثري هذا القطاع الوطني المهم؛ لذا بات من الضرورى إعادة النظر في الخريطة البحثية الجامعية لتواكب النهضة الصناعية المصرية الكبرى، وبما يلبي احتياجات المؤسسات الصناعية المصرية لتحل الريادة وتمتلك الميزة التنافسية وتحقق الاستدامة، وفي الجانب الموازي يتوجب الاستفادة من نتائج البحوث المتميزة، ومن ثم ضرورة زيادة التمويل البحثي من جانب القطاع الصناعي بتنوعاته وروافده المتعددة.

لذا، نجد في خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للعام المالى 2023/2024 عددًا من الأرقام والتوصيات المهمة بشأن قطاع الصناعة فى مصر، وأكدت لجنة الصناعة فى تقريرها أن القطاع الصناعي يعد من القطاعات الرائدة في ارتفاع الإنتاجية والطاقة الاستيعابية للعمالة، وتنامي القدرات التصديرية؛ فيحتل المرتبة الأولى من حيث مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة لا تقل عن 16% وتوظيفه نحو 3.5 مليون عامل بنسبة نحو 13% من إجمالي القوى العاملة في مصر، ومساهمته بنسبة تصل إلى 85% من إجمالي الصادرات السلمية غير البترولية.

 وأكدت اللجنة أن الدولة تحرص في خطتها للعام المالي الحالي فيما يخص التوجهات الاستثمارية التركيز على قطاع الصناعة، بهدف العمل على ملاحقة التطورات المعرفية والتكنولوجية العالمية لتعزيز التنافسية للاقتصاد المصري، وتسعى الدولة فى خطة التنمية الصناعية لعام 2023/2024 إلى تحفيز الاستثمار الصناعي وتعميق التصنيع المحلي، وتحسين تنافسية القطاع الصناعي، والذي يركز على تطوير المنظومة الشاملة للمواصفات والجودة والرقابة،  هذا إلى جانب برنامج تنمية الصادرات الصناعية الكبيرة لتلبية الاحتياجات المحلية وزيادة الصادرات والتوسع في إنشاء المجتمعات الصناعية بالمحافظات الأقل حظا في الاستثمارات وإعطاء حوافز إضافية لتشجيع الاستثمار لتحقيق التوازن الجغرافي في التنمية الصناعية وعدم إغفال المناطق الحدودية والمحافظات الأكثر احتياجاً، بالإضافة إلى تعزيز مكون الابتكار بتشجيع الأفكار الجديدة وتقديم حزم تحفيزية وتمويلية لدعم الكفاءات، والربط بين احتياجات القطاع وإيجاد حلول مبتكرة وخلاقة لمشكلات القطاع الصناعي.

 كما تستهدف الدولة تشجيع توطين وتطوير الصناعات الواعدة، مثل تطوير صناعة الدواء وتحديثها، وإنتاج اللقاحات وتيسير إجراءات تسجيل الأدوية، مع وضع المحفزات للمصانع لتطوير صناعتها والتوسع فيها والإسراع بتنفيذها، كذلك تنمية التكتلات الاقتصادية بالتركيز على عدد من الصناعات الواعدة ذات الميزة التنافسية.

3ــ  سياق العملية الانتخابية.

جرت الانتخابات الرئاسية داخل البلاد لمدة ثلاثة أيام في الفترة من 10 إلى 12 ديسمبر الماضي، وذلك بعد أن سبقها تصويت المصريين في الخارج لمدة ثلاثة أيام في الفترة من الأول إلى الثالث من ديسمبر الماضي، وبلغ عدد لجان الاقتراع الفرعية التي أدلي أمامها المواطنون بأصواتهم 11 ألفا و 631 لجنة بداخل 9376 مركزا انتخابيا، وبدأ التصويت من الساعة التاسعة صباحًا حتى التاسعة مساءً. وأكدت الهيئة الوطنية للانتخابات أن نحو  15 ألف قاض من مختلف الجهات والهيئات القضائية، يتولون الإشراف على الانتخابات الرئاسية، وأن هناك 14 منظمة دولية تشارك في أعمال متابعة الانتخابات الرئاسية، وعدد المتابعين الذين صدرت لهم تصاريح المتابعة بلغ 220 متابعًا، إلى جانب تسجيل 62 منظمة مجتمع مدني محلية، وقد صدرت التصاريح لـ 22 ألفًا و 340 متابعاً لها. وأوضحت الهيئة أن المتابعة الإعلامية للانتخابات الرئاسية تضم 528 متابعا دوليا عن 115 وسيلة إعلامية وصحفية، إلى جانب 70 وسيلة إعلامية وصحفية محلية صدرت تصاريح لـ 4218 صحفيًا وإعلاميًا لها.

ونقلًا عن دراسة قيمة للدكتور حسن سلامة، فقد أُجريت انتخابات 2024 وفقًا لسياق دستوري وقانوني، يُنظم العملية الإجرائية بشكل واضح ومحدد، فالدستور المصري قد أشار في المادة (87) إلى أن لكل مواطن حق الانتخاب والترشح وإبداء الرأي فى الاستفتاء، وتلتزم الدولة بإدراج اسم كل مواطن بقاعدة بيانات الناخبين، كما ينص قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية رقم (45) لسنة 2014 على مجموعة من الحقوق السياسية التي يتمتع بها المواطن المصري، أبرزها حقه في انتخاب رئيس الجمهورية، إلى جانب انتخاب أعضاء البرلمان والمجالس المحلية، كما يُقيد تلقائيًا بقاعدة بيانات الناخبين أسماء من تتوفر فيه شروط الناخب، دون أن يلحق به أي مانع، مع إعفاء أفراد محددين من ممارسة هذا الحق، نظرًا لطبيعة عملهم، وهم ضباط وأفراد القوات المسلحة الرئيسية والفرعية والإضافية وضباط وأفراد هيئة الشرطة، وذلك طوال مدة خدمتهم.

إن استقراء تلك النصوص الدستورية والقانونية يضعنا أمام عدد من الحقائق، أبرزها: أن الممارسة السياسية – والقائمين عليها في مصر – تنظر إلى أن إبداء الرأي والانتخاب في الاستفتاءات والاستحقاقات الانتخابية كافة باعتباره حقا أصيلا يجب أن يمارسه أي مواطن مقيد بقاعدة بيانات الناخبين، وأن هذا الأمر يعد أيضًا واجبًا من منطلق ضرورة المشاركة فى العمل العام، والتي من أبرز جوانبها المشاركة السياسية، وكذا تطبيق نظام القيد التلقائي بقاعدة بيانات الناخبين دون الحاجة لإبداء المواطن لرغبته فى القيد، كما هو متبع فى العديد من دول العالم.

ولقد أجريت انتخابات الرئاسة في ضوء مجموعة من المحددات الرئيسية، والتي أظهرت حرص الدولة على تنظيمها وإخراجها بطريقة «حرة» و«نزيهة» و«ميسرة»، ومن أبرز هذه المحددات ما يلي:ــ

• التعددية بين المرشحين المتنافسين على منصب رئيس الجمهورية، حيث شهدنا منافسة بين أربعة مرشحين، من بينهم ثلاثة من زعماء الأحزاب، وهو الأمر الذي يعكس تطورًا إيجابيًا في فهم الأحزاب لأدوارها ووظائفها بصورة تتجاوز مجرد الوجود الشكلي أو الوجاهة الاجتماعية، إلى بناء الكوادر القادرة على التنافس السلمي، وبذل الجهد لإقناع الناخبين واستقطاب الأصوات وتنفيذ التعهدات في حال الفوز، كما عكست تعددية المرشحين حالة الحراك السياسي التي تشهدها الدولة المصرية، والتي بدأت عبر الحوار الوطني الذي دعا إليه رئيس الجمهورية، وجاء مساندًا للعملية الانتخابية، لا سيما أن الأحزاب هي الكيانات  السياسية المنوط بها تنشئة المواطنين على كيفية ممارسة السياسة بمستوياتها المختلفة وتنفيذ وظيفة التجنيد السياسي المتمثلة في كوادر مؤهلة للتنافس السلمي.

• الظرف الاستثنائي الذي أجريت فيه الانتخابات في ضوء وجود مهددات حقيقية للأمن القومي المصري، حيث نشهد توترات متصاعدة على حدود الدولة المصرية كافة، في الشرق والغرب والجنوب وهي التوترات التي تستدعي حالة من اليقظة التامة من كافة أجهزة ومؤسسات الدولة وفي مقدمتها «رئيس الدولة»، للحفاظ على أمن الوطن والمواطن، وتوفير البيئة الداعمة للسلام والبناء والتنمية، ولعل هذه التوترات قد فرضت نفسها على الناخب، حيث أسهمت في تحديد بوصلته في الاختيار وكذا تحديد أولوياته خلال المرحلة المقبلة.

• طبيعة المرحلة التي تمر بها الدولة المصرية، حيث حققت على مدار ثمانية أعوام مجموعة من الإنجازات، والتي أوجدت حاجة ماسة للحفاظ عليها، وهو ما يتحقق عبر تفاعلات جديدة بين المواطن والدولة، ويستدعى معايير مختلفة في التقييم والاختيار، لا تستند إلى برنامج انتخابي تقليدي بقدر ما تستند إلى رؤية متكاملة حول مكانة ودور وأهداف الدولة المصرية في المرحلة المقبلة، وحجم التشابك والتداخل بين قضايا الإقليم وقضايا الداخل. وهو ما سبق أن استعرضناه تحت عنوان «شرعية الإنجاز».

• مأسسة العملية الانتخابية وانتظامها، عبر إشراف وإدارة احترافية من قبل الهيئة الوطنية للانتخابات المنوط بها إجراءات العملية الانتخابية كافة، وهو ما تحقق من خلال الإشراف القضائي الكامل، عبر أكثر من خمسة عشر ألف قاضٍ جرى توزيعهم على نحو 11 ألف لجنة انتخابية، وقد مثل ذلك ضمانة جوهرية لنزاهة العملية الانتخابية.

• متابعة منظمات المجتمع المدني الوطنية والدولية –كما أشرنا-، وكان ذلك واحدًا من أهم محددات العملية الانتخابية، حيث أسهمت في توفير بيئة داعمة لنزاهة الانتخاب وشهادة تقدير للإجراءات المتبعة لتوفير بيئة ضامنة لانتخابات حرة ونزيهة، وعكست قوة الدولة المصرية وإرادتها الحقيقية، على أن تخرج العملية الانتخابية في أبهى صورها.

• الاهتمام الكبير بأصحاب الهمم وكبار السن، والحرص على توفير كافة السبل التي تتيح لهم مشاركة حرة ونزيهة وميسرة، حيث تم توفير بطاقات إبداء الرأي بطريقة «برايل» للمكفوفين، مع توفير فيديوهات تعريفية بإجراءات العملية الانتخابية لفاقدي السمع والكلام، ليتسنى لهم معرفة كيفية الإدلاء بالصوت منعا لبطلانه، وتوزيع اللجان الانتخابية لذوي الإعاقة الحركية وكبار السن في الأدوار الأرضية.

نخلص مما سبق، أن الانتخابات الرئاسية كانت بمثابة العملية الجامعة لكل من له حق الانتخاب من المواطنين المصريين، في الداخل والخارج، وأكدت على حقيقة أن الانتماء للوطن والمشاركة في بنائه هو التزام على الجميع مهما تباعدت المسافات، ولعل هذه الحقيقة ترتبط بحقيقة أخرى، وهي أن الانتخابات الرئاسية قد مثلت نقطة فارقة في تاريخ تطور النظام السياسي المصري، نحو مزيد من المؤسسية والحوكمة الرشيدة لصالح مواطن أكثر وعيًا ومجتمع أكثر استقرارًا وأمنًا وتطورًا.

فالشعب المصري يؤكد بوصول نسبة التصويت إلى 66٫8٪ من مجموع من لهم حق التصويت.. إلى أننا أمام مجموعة من الحقائق المهمة:

• أعلى معدل تصويت في انتخابات رئاسية تعددية مصرية بإرادة حرة ودون أي تدخلات حكومية وعبر تنظيم اتسم بالشفافية والنزاهة والحيادية والوقوف على مسافة واحدة من جميع المرشحين.

• تجاوز أعلى معدلات المشاركة في الانتخابات الرئاسية التعددية التي جرت في العالم مؤخرا، حيث بلغت تقريبا ٦٢% في فرنسا و٦٥ % في الولايات المتحدة.

• توفير الشرعية اللازمة والتحصين الكامل للرئيس عبدالفتاح السيسي لاتخاذ ما يراه من استراتيجيات وتطبيق السياسات اللازمة لمواجهة التحديات التي تواجهنا على الصعيد الاقتصادي داخليًا، وفي مجال تأمين المجال الحيوي للأمن القومي المصري في جميع الاتجاهات وبشأن جميع القضايا، وأيضًا استكمال ما بدأته الدولة من خطط التنمية والعمران والبحث عن الآليات اللازمة لمواجهة القصور الذي اعترض مجهودات الدولة في قطاعات التنمية المستدامة المختلفة.

• المصريون أصبح لديهم قدر كبير من الوعي والرؤية اللذين لم يتأثرا بجميع حملات التشكيك، ومحاولة إجبارهم على اتخاذ قرار بعدم التصويت، وأعلنوا أن صوتهم عالٍ، وأنهم قادرون على التمييز بين الغث والسمين من معالجات إعلامية ودعاوى من الإعلام الموجه لقوى أهل الشر، حاولت تشكيكهم في قيمة صوتهم وفي جدوى العملية الانتخابية ككل.

• النصر الكبير لمأسسة الدولة المصرية وتثبيت أركان الجمهورية الجديدة، تلك التي أوضحت مدى عمق هذه المؤسسات وما تملكه من قدرات وإمكانيات قادت إلى الخروج بهذا المشهد على نحو يشرف كل مواطن مصري محب وغيور على وطنه ويقدر ذرات ترابه الوطني.

• النجاح الكبير للإعلام المصري بكافة مؤسساته ووسائله في التصدي لأكبر حملة شائعات ممنهجة مستمرة منذ عام ٢٠١٣، للتشكيك في الدولة وقدراتها، ووجود قوي للمؤثرين المصريين على مواقع التواصل الاجتماعي ولكل الشعب المصري، ما قاد عملية بناء الوعي إلى درجة مميزة من الانتشار بين جميع طبقات وأطياف المجتمع المصري.

• تمسُّك المصريين بمشروعهم الوطني الذي خطوا ملامحه عبر نضالهم المستمر من ٢٠١١  للتخلص من التنظيم الإرهابي ومخططات أهل الشر ما كللوه في النهاية بثورتهم العظيمة في ٣٠ يونيو، والتأكيد على أن لديهم من الحس الوطني المتوافر في چيناتهم، الذي يمكنهم من التحرك وفقا لمؤشراته للتصدي لكل ما يحاك ضد أمن وطنهم بليل ومجابهة المخططات التي تستهدفه داخليًا وخارجيًا وإقليميًا بكل ثبات ورشادة في اختيار وتحديد مستقبلهم، وهو ما يعني أن هذه النسبة تكمن في إدراكهم لحجم الإنجاز الذي تحقق على مدار عشرة أعوام من العمل المتواصل

• قيمة عملية التصويت في الخارج، وإقبال المصريين على التصويت في مقار السفارات والقنصليات، شكل عاملًا كبيرًا لتحفيز المصريين في الداخل على التصويت.

• الرغبة في توفير الأمن والاستقرار اللازمين بهدف جذب المزيد من الاستثمارات التي لا يمكن أن تأتي دون وجودهما، بما يمكن الدولة من استكمال خططها التنموية وتحقيق ما نصبو إليه جميعا من توفير حياة كريمة لأجيال قادمة من المصريين في وطن يليق بهم وبمكانة وطنهم الحضارية

• يتوجب على الرئيس السيسي استكمال ما طرحه من فكرة تأسيس الحوار الوطني بهدف خلق مساحات مشتركة بين جميع المصريين على تعدداتهم المجتمعية والحزبية والثقافية والسياسية والأيديولوجية، والدعوة لتحويله إلى مؤسسة دائمة تعمل على خلق توافق وطني على أولويات ومستقبل الدولة المصرية في عالم شديد الاضطراب، يعّد ذلك فرصة ذهبية لبناء تلاحم مجتمعي لمواجهة الأزمات المختلفة التي تواجهها الدولة المصرية ومؤسساتها، ولعل ذلك ما أكد عليه الرئيس السيسى فى كلمته التى وجهها للشعب المصرى عقب إعلان فوزه فى الانتخابات، وهو الأمر الذي شجع ثلاثة من الأحزاب المشاركة في الحوار على الدفع برؤسائها إلى خوض المنافسة في الانتخابات الرئاسية كما أشرنا سابقا، ولهم فى ذلك كل التقدير والاحترام، وهو الأمر الذى لم يغب عن الكلمة  ذاتها التى وجهها الرئيس للشعب وذكر فيها نصا: «ومن كل قلبى.. أتوجه لكل المرشحين المنافسين .. بتحية واجبة على ما قاموا به من عمل عظيم وأداء سياسى راق يمهد الطريق أمام حالة سياسية مفعمة بالحيوية والتنوع».

• وهو الأمر كذلك الذي يجب أن تستغله هذه الأحزاب وباقي الأحزاب المصرية، للبناء عليه من أجل تعميق المشاركة السياسية بالتضافر مع باقي المؤسسات المحفزة على ذلك، بما يليق ومستقبل الأجيال القادمة من المصريين في الجمهورية الجديدة والتي ستجني ثمار ما يتم زرعه الآن.

طباعة

    تعريف الكاتب

    أحمد ناجي قمحة

    أحمد ناجي قمحة

    رئيس تحرير مجلتى السياسة الدولية والديمقراطية