مقالات رأى

أسبوع القاهرة للمياه ومتطلبات الأمن القومي المصري

طباعة

انعقد تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسى أسبوع القاهرة السادس للمياه تحت عنوان "العمل على التكيف فى قطاع المياه من أجل الاستدامة"، وذلك من الفترة 29 أكتوبر إلى الثانى من نوفمبر بحضور 40 منظمة دولية ودول إفريقية لمواجهة التحديات المائية والوصول إلى أفضل الممارسات الدولية من خلال الأبحاث للتحديات التى تواجه المياه  وجهود التكيف مع التغيرات المناخية، وينعقد أسبوع القاهرة للمياه بشكل سنوى منذ عام 2018 حتى أصبح واحدا من أبرز الفعاليات الدولية فى مجال المياه، ويضم الأسبوع العديد من الجلسات الرفيعة المستوى والجلسات الفنية وورش العمل وتقديم عروض ومشاركات من متحدثيين دوليين بارزين.

وقد أصبح أسبوع القاهرة للمياه منصة دولية للحوار لعرض قضايا المياه على المستوى العالمى، مع العمل على عرض قضايا وتحديات المياه بالدول الإفريقية على وجه الخصوص، مع التأكيد على دور هذا الأسبوع فى بحث التاثيرات السلبية للتغيرات المناخية على قطاع المياه. واشتملت فعاليات الأسبوع على عقد (8) فعاليات رفيعة المستوى و(5) جلسات عامة و(36) جلسة فنية وعلمية و(13) حدث جانبى و(7) ورش عمل و(5) مسابقات و(٢) زيارة ميدانية، وذلك بحضور (1500) مشارك و (800) ضيف من 62 دولة ومشاركة (64) منظمة دولية وإقليمية ووطنية و (450) متحدث و (23) عارض بالمعرض المقام على هامش الأسبوع ، مع تنوع المشاركين بين الوزراء والسياسيين والعلماء والباحثين والطلاب وغيرهم بالشكل الذى ساهم فى تنوع الخبرات وإثراء النقاشات بمختلف الجلسات.

وتمثلت أهم محاور الأسبوع فى الإدارة التعاونية لأحواض الأنهار، ودعم إجراءات التكيف فى مجال المياه، والنموذج الاقتصادى والمياه الخضراء والأنظمة الاقتصادية، والتكيف مع تغير المناخ، وزيادة أنظمة الإنذار المبكر للتعامل مع الظواهر المناخية المتطرفة، ودمج سياسات المياه والمناخ مع الخطط الوطنية للدول.

وتم عقد أسبوع القاهرة الخامس للمياه فى قلب العمل المناخى كحدث تحضيرى لفعاليات المناخ التى عقدت فى مؤتمر المناح الماضىcop27 ، ويعقد هذا المؤتمر الحالى قبيل عقد مؤتمر المناخcop28  بدولة الإمارات العربية المتحدة؛ حيث من المقرر أن يتم رفع نتائج وتوصيات أسبوع القاهرة السادس للمياه للعرض والمناقشة خلال فعاليات مؤتمر التغير المناخى القادم بالإمارات بحسب وزارة الموارد المالية التى ذكرت أيضا أن الأسبوع يهدف لدمج قضايا المياه ضمن العمل المناخى ومناقشة آثار التغيرات المناخية فى قطاع المياه وتعزيز الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة والابتكارات لمواجهة التحديات المائية بأساليب غير تقليدية؛ حيث يتم تلقى بحوث علمية من الباحثين بالجامعات لعرضها فى الجلسات الخمس، وستكون هناك جلسات فنية متخصصة فى محاور المياه الخضراء لاستعادة النظم الإيكولوجية للمياه العذبة والتكيف مع التغيرات المناخية.

 إثيوبيا تنتهى من الملء الرابع:

انتهت إثيوبيا من الملء الرابع فى سبتمبر الماضى، ورغم محاولة التوصل إلى اتفاق من المفاوضات بين مصر وإثيوبيا حول أزمة سد النهضة منذ يوليو الماضى فإن الجهود باءت بالفشل، أو بالمعنى الأدق لم تشهد تغيرا من قبل إثيوبيا وهو ما أدى إلى قيام مصر بالتقدم قدما فى جهودها للتوصل إلى اتفاق قانونى ملزم بشأن قواعد الملء والتشغيل للحفاظ على أمن مصر المائى مع حرص مصر على مراعاة  مصالح السودان وإثيوبيا أيضا، خاصة بعد استمرار إثيوبيا فى عملية الملء، بل تمادت فيها بشكل أحادى حتى الآن، ولم يحدث أى تغيير من الجانب الإثيوبى، لكن يظل تعنته واضحا بعدم احترام القانون الدولى واتفاق إعلان المبادئ 2015 باستمرارها فى الإجراءات الأحادية  الجانب فى إدارة ملف المياه فى ظل ندرة  المياه التى تواجهها مصر مع الزيادة السكانية التى تشهدها مصر التى تصل إلى مليونين كل عام فى مقابل عجز مائى يصل إلى 50%، واعتماد مصر بشكل أساسى على مياه نهر النيل، وتتحرك مصر وفق ما سبق من هذا الموقف المتعنت وفق الدبلوماسية المصرية التي تمضى وفق الاستناد إلى قواعد القانون الدولى سواء مع قيام إثيوبيا بإجراءات أحادية، بالتحكم فى المياه العابرة للحدود والملء والتشغيل الذى يعد انتهاكا لاتفاق إعلان المبادئ ما من شأنه التأثير غير الإيجابى للعملية التفاوضية التى تمتد منذ عام 2011 دون التوصل إلى اتفاق يذكر.

 إجهاض إثيوبيا لجهود الوسطاء:

وقد سبق لمصر والسودان بعد هذا التعنت التقدم بطلب إلى مجلس الأمن الدولى 2020 لإيجاد الحلول لضمان حصتهما المائية، وقد ذكر الرئيس عبد الفتاح السيسى أن مصر تتفهم متطلبات التنمية الإثيوبية، لكن لا يجوز أن تكون على حساب مصر والسودان، ولا يجوز استمرار التفاوض إلى ما لا نهاية وخاصة بعد تصريحات وزير الخارجية الإثيوبى اعتزام اثيوبيا استكمال الملء حتى إن لم تصل الدول الثلاث إلى اتفاق حول ملء وتشغيل سد النهضة،  تصريحات لها دلالاتها الواضحة والصريحة لإجهاض إثيوبيا لكل الجهود التى قامت بها مصر وتقوم بها، أيضا إجهاض جهود الوسطاء لها أيضا دلالتها فى قيام إثيوبيا لتطبيق سياسة  فرض الأمر الواقع على دول المصب، وهو الأمر الذى ترفضه مصر التى دائما وأبدا كان نهجها التصرف وفق المسئولية والحكمة والصبر حتى النهاية، خاصة أن الجانب الإثيوبى ما يزال حتى الآن يقوم بالتسويف ما يؤدى إلى فشل المفاوضات.

أيضا من دلالات الموقف الإثيوبى هو تعنت من شأنه قيام إثيوبيا بتكريس الهيمنة الإثيوبية  على فروع النيل (النيل الأزرق والسوباط وعطبرة) أيضا من الدلالات الواضحة رغبة إثيوبيا فى إنشاء سدود أخرى دون اتفاق أو احترام القوانين مع مع دول المصب.

المياه أمن قومى لمصر:

مصر وفق سياسة أمنها القومي تعمل على حماية أمنها المائى بعد الوساطة التى قام بها الاتحاد الإفريقى وباءت بالفشل، ومن قبلها فشل مجلس الأمن الدولى بحل أزمة سد النهضة الذى دعم الوساطة الإفريقية لحل الأزمة وخاصة بعد توافق العديد من الدول الأعضاء فى المجلس على دعم الوساطة الإفريقية لحل الخلافات، وكان لدى مجلس الأمن الحل إذا أراد! وحذر الرئيس عبد الفتاح السيسى بأن المياه هى خط أحمر لمصر، وسيكون لها التأثير فى استقرار المنطقة بأكملها؛ حيث إن السد يمثل تهديدا وجوديا فى ظل ندرة  المياه وحصتها من إثيوبيا 55 مليارا ونصف مليار متر مكعب، وتحترم مصر ذلك ولم تطالب يوما بزيادة  حصتها مع زيادة  السكان رغم تراجع نصيب الفرد من المياه.

 تصرف أحادى الجانب:

رغم أن إثيوبيا أنشأت سد النهضة لتوليد الكهرباء كما أعلنت أنه المحطة الكبرى على مستوى القارة الإفريقية لتوليد الطاقة الإفريقية، ولكن فى المقابل سيضر حقوق دولتى المصب؛ حيث إن السد يحتاج إلى 74 مليار متر مكعب لملئه بعد أن كان الحديث عن 14 مليار متر مكعب لملء السد فى البداية، وهو ما غيرته إثيوبيا فى تصرف أحادى الجانب أيضا، ولم تحترم مبادئ الاتفاق الإطارى عام 2015، فمصر التى ليس لها أى مصدر آخر للمياه سوى نهر النيل؛ فالسودان لديه موارد أخرى للمياه من خلال كمية المياه المتساقطة عليه إلى جوار أنهار أخرى، وهذا ما يفسر موقف السودان من السد الذى سيمده بالطاقة الكهربائية التى يحتاج إليها؛ حيث إنه كما ذكر الخبراء سيغطى 40% من الكهرباء للسودان، ويمنع الفيضان الذى يتعرض له، ويؤثر على الزراعة لديه، وبهذا يتضح الموقف السودانى المتأرجح بين مصر وإثيوبيا، ثمة سبب آخر وهو الدور الذى أدته إثيوبيا تجاه السودان منذ تسوية الخلافات بين شمال السودان وجنوبه، والصراعات من دارفور وشرق السودان، أيضا يحرص السودان على التوازن، فتنظر السودان إلى مصر على أنها حليفة لها، وهو ما وضح جليا فى التغير فى الموقف السودانى وحذا حذو مصر.

المفاوضات التى جرت منذ قيام سد النهضة ومناداة مصر بأن يكون هناك الاتفاق القانونى الملزم الذى يؤكد قواعد الملء شريطة الحفاظ على حقوق مصر والسودان المائية والملء فى أوقات الجفاف، وأن يكون هناك الاتفاق الملزم الذى يحدد تطلعات الدول الثلاث فى ظل ما تقوم به إثيوبيا من عدم الاحترام للقوانين، فقد تقدم فى أى وقت على أى خطوة أحادية الجانب وتكتفى فقط بمجرد إخطار مصر والسودان دون الانتظار إلى موافقتهما، أيضا رغبة إثيوبيا فى عدم الالتزام بمرور الحصة المحددة لمصر بعد الانتهاء من ملء السد وتشغيله، ورغم ذلك التعنت حرصت مصر على أن يكون للشعب الإثيوبى حقوقه فى التنمية، ولكن فى المقابل الحرص على حقوق مصر التى تسانده فى هذا الحق، فكان لا بد من تلبية متطلبات مصر بالحرص على أن تكون مدة ملء السد سبع سنوات، وأن تحرص إثيوبيا على ملء السد فى فترة الفيضانات فقط، وهو ما عارضته إثيوبيا لكنها تتعنت باستمرار الملء طوال العام، وفى خلال أربع سنوات وليس سبع سنوات.

عدم احترام إثيوبيا للقانون الدولى:

منذ أربع جولات بوساطة أمريكية وإفريقية لم تنصع إثيوبيا إلى صوت العقل، ولم يتم التوصل إلى اتفاق شامل وملزم بشأن قواعد الملء والتشغيل، فعلى الاتحاد الإفريقى والمجتمع العربى التوصل إلى إنقاذ ما ستتعرض له مصر من كارثة مائية بشح المياه، والعمل الجاد على إحياء المفاوضات وخاصة بعد أن أصبح هناك توافق بين مصر والسودان، ورفض السودان أى  توقيع دون مصر، بعد أن أدرك السودان أن قصر مدة ملء سد النهضة سيكون له التأثير الضار عليه كما على مصر أيضا بانخفاض حصته من المياه التى ستقل بنسبة 10% ومصر بنسبة 12% مليار متر مكعب، وتتحرك مصر وفق احترامها للقانون الدولى الملزم بالاتفاقية  التى وقعتها بريطانيا عام 1929 التى أعطت لمصر حق الاعتراض على أى مشروع يقام على النيل، وأيضا ما نصت عليه الاتفاقية بحق مصر فى مياه النيل، واتفاقية 1959 التى وقعت بين مصر والسودان لتحديد حصة كل منهما، ولكن تحاول إثيوبيا جاهدة عدم الاعتراف بهذه الاتفاقات أو الاتفاقات والمفاوضات التالية حتى اللحظة.

ختاما، لا بد من التحرك الجاد من قبل الدول الإفريقية الفاعلة، والتحرك الجاد من لجنة الحكماء بالاتحاد الإفريقى بعدم المماطلة فى الحل، فلا يعول على المجتمع الدولى ومجلس الأمن بل حتى المحكمة الجنائية بعدما أثبتت التسييس الواضح من خلال الصراع الإسرائيلى الفلسطيني الدائر، وخاصة مع صعوبة قيام مصر والسودان بحشد الدول فى مجلس الأمن. ولم يتبق لمصر الآن سوى التحلى بالصبر حتى النهاية، وتلجأ إلى حلول لتعويض نقص المياه مثلتبنيها استراتيجية لمواجهة شح المياه بتحديد مساحات المحاصيل المستهلكة للمياه ونوعيتها، وأيضا المضى قدما فى مشروع تبطين الترع، ومشروع تحلية المياه. فهل تنصاع إثيوبيا لصوت العقل أم تكون هناك أيضا الخطوات المفاجئة التى اعتادت مصر عليها؟ هل نشهد موقفا مغايرا من الاتحاد الإفريقى أو المجتمع الدولى حتى لا تفتح جبهة  صراع أخرى لمصر بعد فتح جبهة صراع غربى وجنوبى واليوم جبهة صراع شرقى والتى تنذر بحرب إقليمية لا تحمد عقباها حذر منها الرئيس عبد الفتاح السيسى، فنرجو أن يتجه المجتمع الدولى لاحترام حقوق الدول.

طباعة

    تعريف الكاتب

    كاترين فرج الله

    كاترين فرج الله

    باحثة دكتوراه فى الاتصال السياسي