مقالات رأى

لماذا الحرب الأوكرانية؟!

طباعة

 يشكل التفكير فى جوانب الحرب الأوكرانية مجالا متسعا، ولكن قبل الإجابة بحسم عن السؤال: لماذا الحرب الأوكرانية؟! فلنُلقِ نظرة على الأحداث قبل وبعد بدء الحرب فى محاولة لفهم ماذا حدث ويحدث! وهل سارت الظروف حسب الخطة الموضوعة أم خابت الحسابات واختلفت النتائج عما كان مأمولا!

عند بداية الحرب، ربط الجميع بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية تحت مسمى الغرب فى إشارة إلى توحد المصالح والغرض من الحرب!

إلا أنه فى الحقيقة يُطرح تساؤل بالنسبة لتعميم مسمى الغرب ليشمل كلا من أمريكا وأوروبا! فالمصالح مختلفة إلى حد التضارب والكاسب الأوحد والمحرك الرئيسى لهذه المواجهة المخططة مسبقا هو الولايات المتحدة الأمريكية، فقد قادت أمريكا العملية من الأساس لتحصل على عدة مصالح منها:

1-  التأثير السلبى فى روسيا وضربها وإضعافها بزجها فى حرب طويلة الأجل لتكسير العظام والإضرار بروسيا اقتصاديا وعسكريا.

2- توقع استخدام روسيا بعضا من أسلحتها غير المعروفة لأمريكا فى سباق التسلح، ومن ثم لا مانع من الحصول على بعض هذه الأسلحة التى قد تقع فى قبضة القوات الأوكرانية، ومن ثم تمثل نصرا موازيا للترسانة الأمريكية تحصل عليه دون قتال ودون التضحية بأى من قواتها حيث إنها تحارب حتى آخر جندى أوكرانى.

3- تسليح أوكرانيا بكل ما لديها من مخزون سلاح قديم والتخلص منه فى محرقة الحرب الجديدة، ومن ثم تشغيل مصانعها لإنتاج أسلحة حديثة على حساب الحرب تحقق مكاسب مادية وتسليحية كبيرة.

4- التخلص من الأسلحة الروسية الموجودة لدى الدول الشرقية السابقة مثل بولندا والمجر والتشيك... إلخ، بإرسالها إلى أوكرانيا (وقد حدث فعلا) ومن ثم إحلالها بأسلحة أمريكية جديدة فى الأساس؛ حيث ستنشغل دول أوروبا بتشغيل مصانعها لإحلال ما تم إرساله لأوكرانيا من مخزون أسلحتها وهو ما يُحدِث نقلة نوعية فى تسليح الدول الشرقية سابقا من ناحية؛ حيث تستقبل أسلحة أكثر حداثة، إضافة إلى تحويل اعتمادها فى التسليح على أمريكا بديلا عن الروس لعقود مقبلة ما يمنح مصانع السلاح الأمريكية عقود إنتاج لا نهائية ومكاسب لا تحصى!

ثم، وهو الأكثر أهمية، تحجيم إنتاج مصانع السلاح الروسية نظرا لفقدها مصدر إحلال أسلحة الدول الشرقية السابقة التى أرسلت إلى أوكرانيا وتلاشت فى محرقة الحرب الأوكرانية! ومن ثم افتقاد روسيا التمويل اللازم لتطوير أسلحتها ومنافسة الولايات المتحدة فى سوق السلاح.

5- التأثير السلبى فى اقتصادات أوروبا؛ حيث كانت قد ظهرت فى الآونة الأخيرة مطالبات أوروبية شعبية بتشكيل جيش أوروبى والخروج من حلف الناتو بما لهذا من تأثير مباشر فى الهيمنة الأمريكية وفكرة القطب الأوحد!

6- فى الوقت ذاته محاولة جر الصين لمستنقع آخر شبيه بالسيناريو الأوكرانى (تايوان) إلا أن الصين لم تنسق للفخ واختارت أن تحدد هى وقت ومكان المواجهة المرتقبة.

وهنا يأتى السؤال هل حققت أمريكا أهدافها كما خططت لها؟

بدأت الشعوب الأوروبية الشعور بخطورة الولايات المتحدة على دولها واقتصاداتها وحياة شعوبها وظهرت نغمة جديدة، لم تكن موجودة من قبل، عبر عنها الرئيس الفرنسى ماكرون بعد زيارته الأخيرة للصين بالدعوة إلى اعتماد الدول الأوروبية على نفسها لتكون قطبا ثالثا بين الولايات المتحدة والصين مع الاستقلال عن أمريكا وتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكى وانتهاج استراتيجية مستقلة خاصة بأوروبا.

حصلت الولايات المتحدة على العديد من الفوائد من هذه الحرب على الرغم من أن الأمور لم تسر دائما فى مصلحتها كما أرادت! بدايةً، تعاظم دخلها من تصدير الغاز لدول أوروبا بعد العملية التى قامت فيها بتفجير خطى نورد ستريم بالاشتراك مع بريطانيا، ومن ثم حلت محل روسيا فى السيطرة على مقدرات أوروبا مع شديد الاختلاف بينهما حيث تعامل الروس مع ألمانيا حال إمدادهم بالغاز الرخيص عبر خط نورد ستريم من منطلق المصالح المشتركة، فيما تعاملت أمريكا مع أوروبا حال تصديرها الغاز بعد تخريب نورد ستريم من منطلق التاجر الجشع حيث ضاعفت السعر أربع مرات تقريبا؛ ما جعل فرنسا وإيطاليا تصرحان بالضجر من هذا علانية؛ على الرغم من العلاقة الوطيدة بين الولايات المتحدة وأوروبا كحلفاء يجمعهما حلف الناتو وما قد يسمى التكتل الأوروأمريكان! إضافة إلى هذا فقد تعاظمت مبيعات السلاح الأمريكى حتى إنه القطاع الوحيد فى الاقتصاد الأمريكى الذى حقق طفرة فى أرباحه كنتيجة للحرب الأوكرانية.

وعلى الرغم من مكاسب أمريكا المادية الآنية، فإنه توجد على الجانب الآخر مسالب استراتيجية عميقة منها التحالف القوى الذى بدأ ينمو بين روسيا والصين ودول عدة أخرى لإزاحة الولايات المتحدة عن مقعد القطب الأوحد والاتجاه إلى نظام عالمى جديد متعدد الأقطاب بدأ يتشكل.

ومنها كذلك ظهور مؤشرات لبداية تهاوى الدولار عن عرشه؛ حيث أجمعت العديد من دول العالم، بما فيها أوروبا الحليف، على التفكير في التعامل فيما بينها بالعملة المحلية والتخلى عن الدولار فى تعاملاتها، بالإضافة إلى صعود مؤشر ظهور عملة جديدة لدول البريكس التى تمثل مساحتها نحو ربع مساحة العالم وسكانها ما يقرب من 40% من سكان العالم. فضلا عن ضم روسيا لأربع جمهوريات جديدة لأراضيها كنتيجة للحرب بما يدفع روسيا فى طريقها لاستعادة مركزها كدولة عظمى كالسابق.

وعلى العكس مما أرادت الولايات المتحدة فقد تماسك الاقتصاد الروسى وتلقى الضربة المخططة له بثبات يحسد عليه وتعافت العملة الروسية (الروبل) لتحقق أفضل أداء مقابل الدولار خلال السنوات الأخيرة. هذا ويعد التقارب الواضح الذى تم بين الدب الروسى والتنين الصيني فى أثناء الحرب من مكاسب القطبين.

لذا، يمكننا ختاما أن نقول: إن الولايات المتحدة قد تنازلت عن أهداف استراتيجية، سواء كان بخطأ التقدير أو بسبب سوء أداء الإدارة الحالية، فى مقابل مكاسب مادية لدعم الاقتصاد الذى كان مقدرا له التباطؤ ومواجهة مشكلات ضخمة قبيل أزمة جائحة كورونا ما يقودنا إلى سؤال آخر عابر: هل كان للولايات المتحدة يد فى انتشار الجائحة!

 

طباعة

    تعريف الكاتب

    د. أحمد عرفان

    د. أحمد عرفان

    استشارى تكنولوجيا المعلومات