تحليلات - قضايا أفريقية

العلاقات المصرية-التنزانية كنموذج للتعاون بين دول حوض النيل

طباعة

تولي القيادة السياسية في مصر اهتماما كبيرا بالعلاقات مع الدول الإفريقية وفتح آفاق تعاون جديدة معهم بعد سنوات من تراجع الدور المصري الإفريقي واهتزاز الريادة المصرية المعتادة. في هذا الإطار، استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي، فى الآونة الأخيرة، وزيرة خارجية جمهورية تنزانيا "ليبراتا مولا" وأعرب الرئيس السيسي عن اعتزاز مصر بالعلاقات التاريخية المتميزة مع تنزانيا، ومشيداً بقوة الدفع التي تشهدها تلك العلاقات بين البلدين خلال السنوات الأخيرة، وما شهدته من تفعيل آليات التعاون المشترك في مختلف المجالات.                                 

كما نقلت وزيرة الخارجية التنزانية رسالة خطية إلى الرئيس من رئيسة تنزانيا "سامية حسن،" تضمنت الإعراب عن تقدير تنزانيا الكبير لعلاقاتها التاريخية العميقة مع مصر، والحرص على الاستمرار في الارتقاء بأطر التعاون بين الجانبين، والتطلع للاستفادة من الخبرة المصرية العريضة في مجال المشروعات التنموية العملاقة، كما تضمنت الرسالة الإشارة إلى الموقف التنفيذي ومستجدات التعاون المشترك مع مصر لإنشاء سد "جوليوس نيريري" لتوليد الطاقة الكهرومائية في تنزانيا.                                                

وقد أشار وزير الخارجية المصري إلى أنه تم عقد جلسة مشاورات منفردة مع نظيرته التنزانية، أعقبها جلسة موسعة بحضور وفدي البلدين، حيث تمت مناقشة تفاصيل التعاون الاقتصادي واستمرار التنسيق السياسي والعلاقات المبنية على روافد تاريخية عديدة تجمع بين البلدين، بالإضافة إلى القضايا محل الاهتمام المشتركKمن بينها القضية الفلسطينية والأوضاع في سوريا وليبيا ومقاومة الفكر المتطرف وتحقيق الاستقرار في منطقة الساحل والصحراء، وأوضح أن المباحثات تناولت أيضا آخر التطورات الخاصة بقضية سد النهضة،وكان هناك تفهم من جانب الوزيرة التنزانية لمدى أهمية القضية بالنسبة للشعب المصري.                  

تنبع أهمية دراسة مسار العلاقات المصرية-التنزانية من أكثر من جهة. فتنزانيا من ناحية، تعد من أهم دول شرق إفريقيا المحورية، وهي تكمل مع كل من: كينيا وأوغندا الضلع الثالث في اتحاد شرق إفريقيا الذي عادت فعالياته للوجود من جديد في التسعينيات من القرن الماضى، كما زادت أنشطته وطموحاته مع بدايات القرن الحادي والعشرين، بعد أن كانت قد تجمدت أنشطته منذ عام 1977، كما أنها إحدى دول حوض النيل الإحدى عشر، وصاحبة رأى ووجهة نظر معتدلة بشأن كيفية الاستفادة من مياه نهر النيل، والتي تطورت على مدار السنين، خاصة في ظل ما تمثله قضية مياه النيل وبناء سد النهضة الإثيوبي من أهمية وخصوصية شديدة لمصر وأمنها القومي.

فضلاً عن ذلك، تعتبر تنزانيا عضواً فاعلاً في العديد من التجمعات الإقليمية بالقارة، مثل: التجمع الإنمائي لإفريقيا  الجنوبية "السادك"، وبكل ما يمثله من أهمية كبيرة ونموذج مهم للتكامل الإقليمي في الجنوب الإفريقي .. يذكر أن تنزانيا أيضا كانت عضوا في تجمع الكوميسـا، (رغم أنها عادت وانسحبت منه)، فضلا عن منظمة تهيئة وتنمية  حوض نهر كاجيرا التي نشأت في أغسطس 1977 مع كل من: رواندا وبوروندي، ثم انضمت إليهما أوغندا في مايو 1981، وهي المنظمة التي توسعت أنشطتها في أبريل 1990 . .. وغيرها من التجمعات والأنشطة، مثال عضوية تنزانيا فى مجموعة دول إفريقيا  والكاريبي والمحيط الهادى، فضلاً عن تجمع الكومنولث، ومجموعة الـ 77، وحركة عدم الانحياز، والمنظمة العالمية للملكية الفكرية وغيرها.                                                                                             

من جانب آخر، فإن لتنزانيا دور مهم بالنسبة للقارة الإفريقية ككل، سواء داخل أروقة الاتحاد الإفريقي (منظمة الوحدة الإفريقية سابقا)، وكان زعيمها الراحل/ جوليوس نيريري أحد زعماء القارة البارزين، كما لا ينسى أيضا الدور الذي لعبته تنزانيا كإحدى دول المواجهة مع النظام العنصري السابق في جنوب إفريقيا، فضلا عن تولي أبنائها العديد من المناصب القيادية في أجهزة الاتحاد الإفريقي، من بينهم  السيد/ سالم أحمد سالم السكرتير العام لمنظمة الوحدة الإفريقية لسنوات عديدة، كما حظيت سيدة تنزانية هى (السفيرة جيرترود مونجيلا – (Gertrude Mongella، برئاسة البرلمان الإفريقي في دورته الأولى.

ولعل هذا يقودنا إلي عنصر إيجابي آخر، وهو أن هذه الدولة –محل التعاون معنا– قد شهدت استقرارا مجتمعيا وحالة من الهدوء والسلام عكس السائد فى القارة الإفريقية التى تعج بالصراعات الإثنية -حيث شهدت تحولا سلميا في كل من: النظام السياسي والاقتصادي القائم بها، فمن النظام السياسي الذي شهد نظام الحزب الواحد "التانو" والذي أسسه "جوليوس نيريري"، تحول إلي نظام تعدد الأحزاب، ومن النظام الاشتراكي "الأوجاما"، خاصة في الزراعة تحول إلي اقتصاد السوق ومحاولة الاندماج في الاقتصاد العالمي، الذي بدأه "علي حسن معيني" في الثمانينيات وأخذ في التطور والنمو بعد ذلك، وهو الأمر الذي يعكس بشكل عام مدى التفرد أو الخصوصية والنظريات والتطبيقات المزدوجة في التجربة التنزانية.. رغم ما يشوبها أيضا من تجاوزات، وبعض السلبيات في الممارسة بكافة أشكالها، ووجود صور للفساد، بالإضافة إلي الآثار الاجتماعية المعروفة الناتجة عن إجراءات التكيف الهيكلي والإصلاح الاقتصادي. ولعل هذه الأهمية قد انعكست على التطورات الأخيرة فى العلاقات بين الدولتين، وأهمها زيارة الرئيسة التنزانية "سامية حسن" فى الفترة الأخيرة لمصر.

تطور العلاقات المصرية-التنزانية فى عهد الرئيس السيسي:

خلال قمة الاتحاد الإفريقي الـ 28 بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا في يناير 2017، التقى الرئيس عبد الفتاح السيسي بالرئيس التنزاني جون ماجوفولي، حيث أعرب الرئيس السيسي عن تطلع مصر لتطوير التعاون مع تنزانيا في شتى المجالات والعمل على زيادة حجم التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري بينهما، وكذلك أكد أهمية تكثيف التشاور والتنسيق بين البلدين في ظل التحديات المشتركة القائمة، لاسيما خطر الإرهاب الذي يُشكل تهديدا للقارة الإفريقية بأكملها. كما أكد الرئيس جون ماجوفولي حرص تنزانيا على تطوير العلاقات الوثيقة والتاريخية التي تجمعها بمصر على مختلف الأصعدة، مشيدا باستعادة مصر لدورها القيادي في إفريقيا، فضلاً عما تم إنجازه في مصر على صعيد تحقيق التنمية والاستقرار خلال العامين الماضيين، كما أعرب الرئيس التنزاني عن تقدير بلاده للدعم الفني الذي تقدمه مصر لأبناء تنزانيا في مجال بناء القدرات والتدريب.        

أما التطور الأبرز في العلاقات بين مصر وتنزانيا في السنوات الأخيرة، فقد تمثل في الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى تنزانيا في 14 أغسطس 2017، حيث كانت أول زيارة لمسئول مصري منذ عام 1968، وكان في استقباله الرئيس التنزاني جون ماجوفولي، وكبار المسئولين التنزانيين، فضلاً عن السفراء العرب والأجانب المعتمدين لدى تنزانيا. وقد عقد الرئيس السيسي جلسة مباحثات ثنائية مع الرئيس التنزاني، أعقبتها جلسة مباحثات موسعة بحضور وفدي البلدين، حيث رحب الرئيس التنزاني بزيارة السيسي. وقد أشاد الرئيس التنزاني الراحل جون ماجفولي بمستوى العلاقات الثنائية بين مصر وتنزانيا، مؤكداً حرص بلاده على تعزيز هذه العلاقات وتطويرها، خاصة فيما يتعلق بالتعاون الاقتصادي والتبادل التجاري، وتشجيع الاستثمارات المتبادلة في الدولتين، معربا عن تقديره للدعم الفني الذي تقدمه مصر لبلاده في مجالات بناء القدرات والتدريب ومشروعات حفر الآبار، وغير ذلك من مجالات الدعم التنموي، وتطلعه للاستفادة من الخبرات المصرية في المجالات المختلفة كالسياحة والتصنيع الدوائي، فضلاً عن تطوير مستوى التعاون بين البلدين في مجال الثروة الحيوانية.

وقد اتفق الرئيسان على تطوير التعاون بين البلدين في مجال مكافحة الفساد، وتفعيل اللجنة المشتركة بين الدولتين وانطلاق اجتماعاتها في أقرب وقت، بهدف تعزيز التعاون بين مصر وتنزانيا، بما يحقق المصالح المشتركة للشعبين الصديقين. كما أكد الرئيسان أهمية تفعيل التعاون الأمني والعسكري بين البلدين لمواجهة التحديات المشتركة، خاصة مع ما يمثله الإرهاب من مخاطر على أمن واستقرار مختلف الدول.            

تعد زيارة الرئيسة التنزانية سامية حسن لمصر، والتى تمت فى الأسبوع الثانى من نوفمبر 2021 من أهم الزيارات والأنشطة فى مسار الدبلوماسية المصرية-التنزانية فى عام 2022، حيث تجدر الإشارة :  إلى أن تنزانيا تعد من أكبـر اقتصادات مجموعة شرق إفريقيا، وخاصة أن الحكومة التنزانية  تعمل حاليا على جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مختلف القطاعات الاقتصادية، وعلى رأسها قطاعات: الزراعة والثروة الحيوانية والسمكية، وقطاع الصناعة، والتعدين والسياحة. ومن هذا المنطلق، تعد العلاقات الاستثمارية "المصرية-التنزانية" إحدى أهم ركائز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، حيث تعمل العديد من الشركات المصرية في مجالات اقتصادية وتنموية عديدة في تنزانيا، ومن أهم تلك المشروعات الاستثمارية: بناء وإنشاء سد جوليوس نيريري، الذى يعد نقلة نوعية فى العلاقات بين البلدين ،وذلك من خلال تعاون كل من شركة المقاولون العرب وشركة السويدي إليكتريك. كما تعد تنزانيا أيضا من بين  9 دول إفريقية يربطها طريق "القاهرة - كيب تاون" الواعد   ولعل هذا  يوضح أهمية تنزانيا المتزايدة.                                                                               

وقد تم وقتها افتتاح منتدى الأعمال المصري التنزاني.. وتوقيع ٣ مذكرات تفاهم مع مصر بمجالات التربية والتعليم والشباب والاستثمار والرياضة. وتكشف تفاصيل تلك الزيارة لرئيسة تنزانيا إلى مصر عن توقيع اتفاقيات مهمة في مجالات التعليم والاستثمار، وأكد الرئيس السيسي دعم مصر الكامل لمشروع بناء سد «جوليوس نيريرى» في تنزانيا. وخلال المؤتمر الصحفى المشترك بين الجانبين تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسي عن حرص مصر على دعم الاحتياجات التنموية لتنزانيا، وذكر أن: «سد النهضة» قضية وجود تؤثر فى حياة ملايين المصريين. وتحدث الرئيس السيسي: عن تعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية والتنموية بين مصر وتنزانيا.

يذكر أنه من عدد الشركات العاملة في بناء وإنشاء سد "جوليوس نيريرى" والذى يقع فى منطقة "ستيجلرز جورج" بينما يقع محور السد في منطقة "موروجورو" على حوض نهر روفيجي في دولة تنزانيا، يشارك فى أعمال السد حوالي 1200 شركة مصرية تحت رعاية شركة المقاولين العرب وشركة مصرية كبرى للكابلات، وتبلغ تكلفته 2.9 مليار دولار، فيما يصل عدد العاملين فيه إلى نحو 5 آلاف شخص بين مهندسين وعمال.. كما تبلغ حجم استثمارات إنشاء السد 7مليار يورو حيث تمكنت الشركات المصرية من الفوز بالمناقصة العالمية التي تم طرحها وكانت المنافسة قوية بعد تقدم 12 شركة عالمية لعملية إنشاء السد ليتم اختيار شركة المقاولين العرب وشركة مصرية خاصة عاملة فى مجال الكهرباء، لبناء السد مما يدل على قوة الشركات المصرية في إفريقيا .

ومن جانبها ذكرت رئيسة جمهورية تنزانيا: إننا نعمل على تعزيز التعاون مع مصر في مجال الطاقة وإننا اتفقنا على التعاون ومزيد من خلق الفرص بين بلادنا ومصر. وكذا تعزيز التعاون العسكري وبناء محطات للطاقة. ووجهت سامية حسن، رئيسة جمهورية تنزانيا الشكر للرئيس السيسي على إدخال اللغة السواحيلية التي يتحدث بها قطع عريض من شعوب إفريقيا إلى بعض لغات المعاهد المصرية. كما قالت: "إن مصر التي زرتها في الماضي ليست هي التي أزورها اليوم .. وأهنئكم على هذا التقدم" موجهة الشكر لمصر على كرم الضيافة ودعمها لبلادنا. ولقد وجّهت رئيسة تنزانيا سامية حسن، دعوة للرئيس السيسي لزيارة بلادها مؤكدة خلال مؤتمر صحفي مشترك إنّ حكومتها ملتزمة بالعمل على تعزيز العلاقات مع مصر من أجل تحقيق المصلحة المتبادلة للبلدين والشعبين. وقد افتتحت رئيسة تنزانيا على هامش الزيارة  منتدى الأعمال المصري-التنزاني.                                                                                

جوانب العلاقات بين البلدين:

تولي كل من مصر وتنزانيا أولوية كبيرة لتطوير وتعزيز العلاقات الاقتصادية بينهما، في كافة جوانبها، التجارية والاستثمارية والتنموية، لذلك كان الملف الاقتصادي على قمة أولويات التعاون المشترك في كل لقاء أو اجتماع مشترك، أو زيارات متبادلة بين الدولتين.

·وقعت الحكومتان في 22 فبراير 1967 بروتوكولا للتجارة أعتبر مكملا لاتفاق التجارة الموقع بين البلدين  فى عام 1964 .                                                                                                

· من جانب آخر، وقع أيضا اتفاق تجارة بين البلدين في 3 أغسطس 1977 رغبة من البلدين في تقوية وتنمية العلاقات التجارية فيما بينهما على أساس من المساواة والنفع المتبادل.            

وكان يبلغ حجم التعاون التجاري بين البلدين 47.19 مليون دولار وذلك بعد أن شهد تطورًا ملموسًا خلال عام 2018، بينما سجل عام 2017 مبلغ 25.41 مليون دولار، فيما يميل الميزان التجاري بين البلدين لصالح مصر بقيمة 37.28 مليون دولار، ويعد السكر من أبرز الصادرات المصرية لتنزانيا، ويعد الشاي أبرز الواردات المصرية من تنزانيا.

وتبذل البلدان جهوداً لتعزيز التبادل التجاري بينهما، على أمل أن تساعد اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية التي دخلت حيز التنفيذ في يوليو 2019 على مضاعفة التجارة البينية بين الدول الإفريقية. ومن بين جهود تشجيع التجارة بين مصر وتنزانيا، قيام وفد من اتحاد الصناعات المصرية في 4/11/2018 برئاسة الدكتور شريف الجبلي، رئيس لجنة التعاون الإفريقي في الاتحاد، وبمشاركة 30 عضواً ممثلين عن 24 شركة مصرية من مختلف القطاعات والمجالات الاقتصادية بزيارة لتنزانيا بغرض الترويج للصناعات المصرية في السوق التنزانية. وحيث كانت تتمثل أهم الصادرات المصرية لتنزانيا في ذلك الوقت في كل من : الأدوية، والأربطة الطبية، والقطن الطبي، والمنسوجات، والكبريت، والأحذية، والبلاط والأرضيات. أما الواردات، فكانت تتمثل في كل من : السيزال، والشاي، والقرنفل، والتبغ، ومواد الدباغة .. وكان يوجد مكتب للتمثيل التجاري في نيروبي يدعم مسألة التبادل التجارى بين البلدين، وقد استمر الميزان التجاري فيما بين كل من مصر وتنزانيا يعمل لصالح الأخيرة خاصة منذ منتصف عقد التسعينيات قبل أن يتحول لتحقيق فائض لمصلحة مصر.

نماذج للتعاون بين البلدين:

توجد نماذج للتعاون المعاصر بين البلدين، كما توجد بعض الاتفاقيات المتبادلة المهمة بينهما، أهمها:

1- اتفاقية التعاون الفني فيما بين الصندوق المصري للتعاون الفني وتنزانيا (8 سبتمبر 1981).

هذا ويسجل علي مستوى العمل الدبلوماسي والمركز التعاهدي لمصر في إفريقيا  أن تنزانيا تعد من بين الدول التي ارتبطت مصر معها باتفاقيات عبر عهود متعددة، وذلك في العديد من مجالات التعاون المختلفة.

2- فى 26/10/2002، تم توقيع اتفاقية لإنشاء مجلس أعمال تنزانى - مصرى بين جمعية رجال الأعمال المصريين واتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة التنزانى، وبالفعل انتهى البلدان في عام 2015 من مفاوضات بشأن إلغاء الرسوم الجمركية على التجارة البينية في إطار اتفاق إنشاء منطقة تجارة حرة ثلاثية بين التكتلات الاقتصادية الإفريقية الكبرى(الكوميسا، السادك، تجمع شرق إفريقيا ) التي استضافتها مصر بمدينة شرم الشيخ خلال الفترة من 7-10 يونيو 2015.                                                                      

3- تبذل البلدان جهوداً لتعزيز التبادل التجاري بينهما، على أمل أن تساعد اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية التي دخلت حيز التنفيذ في يوليو 2019 إلى مضاعفة التجارة البينية بين الدول الإفريقية.                         

4- التعاون الإعلامي والثقافى"الدينى"بين البلدين:

·  في إطار الإذاعات الموجهة لدول القارة الإفريقية، تحظى تنزانيا بإرسال مدته ساعتان وذلك باللغة السواحيلية، وذلك في إطار المنطقة المستهدفة من القارة الإفريقية التي تضم مع تنزانيا كل من: كينيا، وأوغندا، ورواندا، وبوروندي، وزائير (الكونغو الديمقراطية حاليا). أيضا، كانت تدخل اللغة  السواحيلية مع كل من: الهوسا، والأمهري في إطار الخدمات التي تقدمها البرامج الموجهة من الإذاعة المصرية للقارة الإفريقية.

· تم أيضا توقيع عدد من الاتفاقيات التى تتعلق بالتعليم العالي من خلال تقديم زيادة منح من الأزهر الشريف والجامعات المصرية إلى تنزانيا، كما كان هناك اهتمام في تطوير العلاقات بين البلدين خاصة فى المجال الثقافى. هذا وتتعلق مذكرات التفاهم بأمرين: التعليم العالي والشباب، ويتعلق الأخير باستضافة تنزانيا في مؤتمرات الشباب التي تعقدها مصر.                                                                        

· تعد الأدوار الناعمة التي يقوم بها كل من الأزهر والكنيسة المصرية من أبرز وأهم الأدوار التى تقرب العلاقات مع شعوب دول حوض النيل فى ظل النجاحات العديدة التى تقوم  بها المؤسستان العريقتان فى أنحاء القارة، سواء الكنيسة فى الشرق والجنوب أو الأزهر فى الغرب والوسط.. ودورهما الحيوى فى توثيق العلاقات الثقافية لمصر فى دول حوض النيل.                                                                                      

5- تطور مجالات التعاون الفني بين البلدين:

- عقب إنشاء الصندوق المصري للتعاون الفني مع إفريقيا  وبدء نشاطه في مقتبل الثمانينيات من القرن الماضي تم توقيع اتفاقية مع تنزانيا وذلك في 3/2/1981 ، وهي خاصة بتبادل مذكرات.          

- هذا وقد بلغ عدد الخبراء الذين أوفدهم الصندوق إلي تنزانيا خلال الفترة منذ إنشائه وحتى عام 1988 (60) خبيرا وذلك بحساب مدة الخبير عاما واحدا، هذا فضلا عن المنح التدريبية الممولة من الصندوق، والبرامج الأخرى والندوات وأوجه التعاون الثلاثي الذي تم تنفيذها في إطار الصندوق أيضا واستفادت منها تنزانيا. أما في عقد التسعينيات من القرن الماضي، فقد بلغ عدد الخبراء المصريين والمرسلين لتنزانيا من جانب الصندوق المصري للتعاون الفني مع إفريقيا 10 خبراء وذلك في أغسطس 1997، ما بين أطباء ومهندسون، وبيطريون وزراعيون، ومعلمين .. بينما بلغ عددهم في عام 1996 : 9 خبراء ، وكذلك تم تقديم : 19 دورة تدريبية، 2 منح وبرامج، 33200 جنيه مصري كمساهمات عينية عن نفس العام.  اتسمت علاقات التعاون الفني بين البلدين في الفترة الأخيرة بالنشاط والتنوع وامتدت لكافة المجالات ...وشملت أيضا المشروعات المتنوعة والأنشطة المتعددة وتبادل الخبراء  والدارسين وفى مجال المنح والبرامج .

- في مايو 1999 وقعت مصر وتنزانيا ومنظمة "الفاو" اتفاقا لتنفيذ البرنامج الخاص للأمن الغذائي في تنزانيا فى إطار دعم سياسات الأمن الغذائي التي أكدتها أهداف مؤتمر القمة العالمى للأغذية الذى عقد فى روما عام 1996.

- في عام 2015 تناول البلدان مفاوضات بشأن إلغاء الرسوم الجمركية على التجارة البينية، في إطار اتفاق إنشاء منطقة تجارة حرة ثلاثية بين التكتلات الاقتصادية الإفريقية الكبرى "الكوميسا والسادك ومجموعة شرق إفريقيا "، التي تم توقيعها خلال قمة شرم الشيخ في عام 2015.                                         

- في 9/7/2019 افتتحت د. سحر نصر، وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي السابقة، ورئيس الوزراء التنزاني قاسم مجاليوا، منتدى الأعمال المصري التنزاني، بحضور وزير الزراعة التنزاني جافيت ن. هاسونجا، وعدد من رجال الأعمال المصريين وسفراء البلدين.

- تقدم الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية التابعة لوزارة الخارجية، العديد من الدورات التدريبية لتنزانيا في أهم مجالات التدريب منها: الزراعة والقضاء والإعلام والدبلوماسية والدفاع ودعم الدبلوماسية البرلمانية.

6- علاقة مصر المائية مع تنزانيا:

-  سبق أن أصدر الرئيس التنزاني الأسبق " نيريري " إعلانا سمي باسم "مبدأ نيريري " يقر بعدم الاعتراف بالاتفاقيات التي عقدتها الدولة الاستعمارية قبل إعلان الاستقلال، ومن بينها بالطبع اتفاقية 1929. وقد انضم لهذا المبدأ: كل من: أوغندا وكينيا، وطالبت الدول الثلاث من مصر التفاوض معها حول هذه الاتفاقية، ثم وقعت تنزانيا مع رواندا وبوروندي اتفاقية نهر كاجيرا عام 1977، والتي كانت تتضمن بدورها عدم الاعتراف باتفاقيات 1929. إلا أنه ما بين الحين والآخر كانت تخرج تصريحات تنزانية تعبر عن مواقف متباينة بهذا الخصوص، لاسيما فى إطار الأزمة الناشئة بين مصر والسودان من ناحية، وإثيوبيا من ناحية أخرى.

-  يذكر أن كينيا وتنزانيا قد سبق لهما أن اتخذتا موقفا مخالفا لموقف أوغندا (التي كانت سباقة في التوصل إلي اتفاق مع مصر بشأن إنشاء خزان أوين، وكذلك الاتفاق الذي توصل إليه البلدان عام 1991 لزيادة عدد توربينات الخزان رغبة في زيادة الطاقة الكهربائية بنسبة 50% للوفاء باحتياجات أوغندا، وتصدير الفائض لكل من : كينيا، تنزانيا ورواندا) – حيث لم تشأ الدولتان حينذاك التوصل لاتفاق بشأن مياه النيل في تلك المرحلة خشية من تأثيره السلبي على مصالحهما في المستقبل، أو تقييد حقوقهما المائية، خاصة في ضوء عدم توافر الخبرة الفنية، القانونية، والقدرات السياسية الكافية لضمان حقوقهما ومصالحهما في هذا الجانب، كما أقدمت الدولتان على إقامة مشروعات محدودة على منابع نهر النيل الفرعية دون التشاور المسبق مع مصر، والتي أبدت اعتراضها بهذا الخصوص دون تصعيد الأمور وتحويلها إلي أزمة أكبر، خاصة في ضوء انعدام تأثير مثل هذه المشروعات على تدفق مياه النيل  لمصر.                                                        

-  أصبحت تنزانيا عضوا فى مبادرة "حوض نهر النيل  الجديدة "التى أنشأت في فبراير 1999 وانضمت لمجموعة دول الهضبة الاستوائية أو ما يعرف بالنيل الجنوبي، وحيث تم التوصل بهذا الصدد معها إلي إقرار بعض المشروعات التي تم التقدم بها إلي المؤسسات الدولية المانحة، وهو ما يعني أنها من الدول التي تغلب التعاون علي الصراع وذلك رغم كل ما يثار من أفكار وأطروحات بهذا الشأن..ولعل إنشاء سد نيريرى بأيدي مصرية يعد خير دليل بهذا الشأن.               

خاتمة..رؤية مستقبلية للعلاقات المصرية ـ التنزانية:

تعكس القمة المصرية التنزانية الأخيرة والفعاليات المستمرة بين الجانبين محورية العلاقات التاريخية الراسخة بين البلدين على مدى العقود الماضية، وذلك بالإشارة إلى الزخم الكبير الذي اكتسبته العلاقات الثنائية بين مصر وتنزانيا بعد زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى، إلى دار السلام فى أغسطس 2017، والتى تبعها عقد اجتماعات الدورة الثالثة للجنة المصرية-التنزانية المشتركة للتعاون بالقاهرة فى يناير 2018،  بعد 21 عامًا منذ انعقاد الدورة الثانية فى أروشا فى عام 1997.. وكانت توجد زيارات متبادلة ووشائج من المحبة والتضامن المشترك. إذن فالعلاقات بين مصر وتنزانيا علاقات دائمة ومتجددة، وكما شاركت مصر في دعم حركات التحرر الإفريقية في الماضي، تشارك  الآن في دعم التنمية في إفريقيا ، خاصة أن هناك نموذجا مهما في التعاون بين مصر وتنزانيا، وهو بناء سد جديد على نهر النيل، بجانب التعاون الكبير مع مصر في كل المشروعات الضخمة.                                                                               

أيضا، فإن العلاقات بين البلدين تاريخية ممتدة واستمرت تلك العلاقات بنفس القوة، كما أن الرئيسة التنزانية الحالية "سامية أحمد"، التي تولت الرئاسة عقب وفاة الرئيس السابق "جون ماجافولي "تعد من أصول زنجبارية مسلمة، ولها خلفية سياسية قوية للغاية، ومن الشخصيات التصالحية ولديها نظرة مميزة ويسمونها "ماما تنزانيا" وحققت نجاحا اقتصاديا كبيرا.  ولعل تدشين الرئيس السيسي مرحلة جديدة من علاقة الشراكة الاستراتيجية بين مصر وتنزانيا يصب فى هذا الاتجاه لتوثيق العلاقات.                                                    

كما تتنوع مجالات وأطر العلاقات المتنوعة حاليا  بين البلدين، بين تبادل تجاري وشركات ومكاتب استشارية مصرية تساهم في إقامة المشروعات في تنزانيا، ثم تعاون إنمائي من خلال الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية.

  وأخيرا،  تتطلع مصر وتنزانيا لتطوير التعاون في شتى المجالات، والعمل على زيادة حجم التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري بينهما، وكذلك تتجهان صوب تكثيف التشاور والتنسيق بين البلدين، في ظل التحديات المشتركة القائمة،لاسيما خطر الإرهاب الذي يُشكل تهديدًا للقارة الإفريقية بأكملها، وغيره من التحديات كوباء كورونا والحرب الدائرة حاليا فى أوكرانيا وانعكاساتها المباشرة على العالم وعلى إفريقيا.

طباعة

    تعريف الكاتب

    د. جوزيف رامز أمين

    د. جوزيف رامز أمين

    خبير فى الشئون الإفريقية