من المجلة - الافتتاحية

الديمقراطية وحقوق الإنسان فى مقابل الحقوق السيادية للدول

طباعة

"اهتمامكم بملفى الديمقراطية وحقوق الإنسان فى دولنا، يقدم كما لو كنا لا نحترم الناس، أو لا نحب مجتمعاتنا، أو أننا قادة عنيفون، شرسون، مستبدون. والحقيقة أن هذا أمر لا يليق، وعدم لياقته ليس فى أنكم تتحدثون عنه أو تناقشونه، وإنما يكمن فى أن تقدموننا به. فلا يليق أن تقدموا الدولة المصرية بكل ما تفعله من أجل شعبها، ومن أجل دعم الاستقرار فى المنطقة والإقليم، على نحو أنها دولة بها نظام مستبد. فهذا الأمر ولّى منذ سنوات كثيرة، من خلال ممارسات الشعب وعلاقته بدولته، فهذه الكتلة الحيوية التى يشكل قوامها 65 مليون شاب مصرى ساعدناهم ونساعدهم على التمكين، لا يمكن لأحد أن يكبلهم أو يفرض عليهم نظامًا لا يقبلونه. ولتعلموا أن على عاتقنا مسئولية كبرى تتمثل فى تحقيق الموازنة بين حفظ الأمن والسلام الاجتماعى والاستقرار الداخلى من جهة، والحفاظ على قيم حقوق الإنسان بمفهومها الشامل من جهة ثانية".

السيد الرئيس/ عبدالفتاح السيسي

رئيس جمهورية مصر العربية

باريس – ديسمبر 2020

 

 

أثارت إجابة  السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى السابقة على أحد الأسئلة الموجهة إليه، فى المؤتمر الصحفى المشترك مع الرئيس الفرنسى ماكرون، تساؤلًا يطرحه العديد من المفكرين والمنظِّرين فى نظم الحكم على مستوى العالم. يتعلق بإشكالية العلاقة والحدود الفاصلة بين الديمقراطية الليبرالية وحقوق الإنسان من جهة، والحقوق السيادية للدول من جهة أخرى.

وهى الإشكالية الأجدر بالبحث والتأصيل من قبل خبراء وأساتذة نظم الحكم فى الدول العربية والإفريقية والآسيوية، التى لا تتوافق بالضرورة مع المعايير الكاملة للديمقراطية الليبرالية الغربية، بغية التوصل لتأطير مختلف يعالج طبيعة نظم الحكم بها، والتى تراعى أولوياتها الوطنية، ذات الخصوصية الثقافية، والمجتمعية، والاقتصادية، والسياسية المعبرة عن معتقدات مجتمعاتها وهوياتها الحضارية، بما يقودها فى النهاية لتحقيق مصلحتها القومية، المتمثلة فى بلوغ أعلى معدلات التنمية الإنسانية المستدامة العادلة، وحفظ وصون أمنها القومي.

فالملاحظ أن السنوات القليلة الماضية، منذ أواخر القرن المنصرم وحتى يومنا هذا، قد شهدت العديد من التدخلات، التى استوقفت العديد من الباحثين فى نظم الحكم، تدخلات من قبل القوة العظمى والقوى الكبرى فى شئون الدول الصغيرة فى العالم لتحقيق مصالحها، وذلك فى ظل الصراع على النفوذ وتأمين الموارد لتلك القوى مجتمعة.

 

"عندما تتصارع الدول الكبرى، فإن الدول الصغيرة هى من يدفع الثمن. بعبارة أخرى «عندما تتصارع الأفيال لا تسأل عن العشب والأشجار الصغيرة»، ومصر كانت مستهدفة بالدمار أكثر من سوريا، والعراق، وليبيا، لأن عددنا أكبر، وكان علينا إما مواجهة الإرهاب أو البناء والتنمية، ولكن قررنا السير فى الطريقين معًا."

السيد الرئيس/ عبدالفتاح السيسي

رئيس جمهورية مصر العربية

شرم الشيخ – ديسمبر 2019

 

وكانت ساحة الصراع هى أراضى الدول العربية والإفريقية والآسيوية الأصغر والأقل حظًا الباحثة عن حقها العادل فى التنمية المستدامة، وارتكزت الأداة الرئيسية لهذه التدخلات، فى رفع شعارات عن تمكين الشعوب من أجل تحقيق الديمقراطية وتأمين حقوقهم الإنسانية. وهى تدخلات تمت تحت دعاوى زائفة، رافعة شعارات مضللة لقيم أصيلة ونبيلة فى حياة البشرية والإنسانية. فكانت النتيجة هى تمكين التنظيمات الإرهابية من العمل بأريحية شديدة، مكنتها من تقويض أركان دول كبرى لها تاريخها الحضارى وإسهامها الإنساني، وكادت أن تصل بها لمصير الدول الفاشلة، إن لم يكن بعضها قد وصلها بالفعل.

هذا الأمر الذى يتطلب مراجعة المسميات التى فرضها الغرب على ما شهدته دول عربية كثيرة منذ عام 2003  وحتى اليوم. فهدر مقدرات مؤسسات الدول, وتحطيم نظمها المستقرة، وتأليب شعوبها باستخدام مناهج مخططة لبناء وعى زائف لديها بطبيعة ومجريات الأمور فيما حولها من تحولات وتحالفات وصراعات، وما نتج عن كل ذلك من تقسيم على الخرائط لأراضى هذه الدول إيذانًا بترسيمه واقعيًا، واستقطاع من أراضيها لصالح أنشطة التنظيمات والميليشيات الإرهابية والجيوش النظامية لقوة إقليمية مثيرة للاضطراب والقلاقل, كل هذا أدى إلى الانتقاص من سيادة هذه الدول، واستباحة لثروتها البشرية التى تحولت إلى لاجئين بدلًا من أن تكون مكونًا مهمًا من القوة الشاملة لهذه الدول، والدمار والخراب والحرق الذى طال البنية التحتية لمدن هذه الدول وحضارتها، إضافة إلى القتل وانتشار كل أشكال الجريمة المنظمة عبر حدودها. ليس من شك فى أن كل ذلك لا يمت لحقوق الإنسان بمفهومها الشامل بصلة، كذلك هو يتعارض مع حق الدول فى السيادة، وانتقاص من قدراتها, وإضعاف لمكونات قواها الشاملة، وهو أمر لا يجوز معه أن نستمر فى أن نطلق عليه “الربيع العربي”.

هذا “الربيع العربي” هو الذى تم من خلاله تسويق استبدادية نظم الحكم، وعدم مراعاتها لحقوق الإنسان، وتم من خلاله تسويق الديمقراطية باعتبارها الحل الغربى لمشكلات هذه الدول، والتى فى غيابها، تفشل هذه الدول فى التطوّر. لكن، فى السنوات الماضية، ثبت أن الحروب والثورات لنشر الديمقراطية قد نجم عنها عذابات متزايدة، وانتهاكات لحقوق الإنسان، ويُعتبر العراق، ومعه سوريا، وليبيا، واليمن، ولبنان، الأمثلة الأبرز فى هذا المجال.

فمن الخطير أن نعتبر عاملًا واحدًا هو الحل الوحيد المطلق لإشكاليات الدول النامية فى العالم، ومن ضمنها دول المنطقة العربية. ببساطة، يتحول عندها هذا الحل إلى يقين متعجرف يؤدى إلى التطرف، ويقينًا إلى تهديد بل وتقويض الأمن القومى لأية دولة نامية لا تتمكن مؤسساتها من مواجهة هذا المد الديمقراطى الليبرالى بقيمه وحقوقه الإنسانية الزائفة. وينطبق هذا الأمر على الديمقراطيات التى تسعى جاهدة إلى إرساء قيم ديمقراطية عالميًا، دون أن تعطى لشعوب ونظم الحكم فى هذه الدول حق تقرير نظام حكمها، الذى يتوافق والأنساق المجتمعية، والتقاليد العرفية، وهويتها الحضارية، ومكانة شعوبها بين الأمم.

"نحن أمة تجاهد، من أجل بناء مستقبل أفضل لشعبها، فى ظروف فى منتهى القسوة، وفى منطقة شديدة الاضطراب".

السيد الرئيس/ عبدالفتاح السيسي

رئيس جمهورية مصر العربية

باريس – ديسمبر 2020

 

ولا يتم خلال ذلك الإكراه المفروض، من قِبل القوة العظمى والقوى الكبرى فى العالم، على اتباع النموذج الديمقراطى الليبرالى الغربي، النظر بعين الاعتبار إلى التحديات المحيطة بهذه الدول، سواء رغبتها فى الحصول على حقها العادل من التنمية، أو مواجهة أنشطة التنظيمات والميليشيات الإرهابية التى تحاول أن تقود هذه الرغبة، وكذلك السياسات الداعمة من قِبل قوى إقليمية لتوفير الدعم اللوجيستى والمادى للإرهاب، وهو أمر يمكن أن يقوض كل عوامل الاستقرار داخل هذه الدول، وفى محيطها الإقليمي.

ظهرت فكرة التمكين للديمقراطية ولحقوق الإنسان كمصطلحات شائعة فى السنوات الأخيرة للكثير من المنظمات الدولية، وتواتر استخدامها فى أدبيات الخطاب السياسى المعاصر. وكان الظهور الأول لها فى خطابات البنك الدولى المتعلقة بالتنمية الإنسانية المستدامة المتصلة بزيادة قدرة الأفراد والدول على اتخاذ الخيارات المناسبة، وهو ما يعنى توفير الآليات اللازمة، والبيئة الفعلية والقانونية لإرساء العدالة للتمتع بكافة الحقوق والحريات، ورفع المعوقات التى تحول دون إتاحة الأفراد بالتمتع بها. ويتصور أن يأتى على قمة هذه المعوقات كيفية مكافحة الإرهاب، ومواجهة التمويل الإرهابي، والتمكين لحقوق الإنسان بالمفهوم الشامل له، وتوجيه الدعم الدولى لتمكين شعوب هذه الدول من الترقى وتحقيق معدلات رفاهية أكثر داخل حدود دولها الوطنية، وعدم تشكيل أى نوع من التدخلات، التى يمكن أن تقوض الاستقرار الداخلي، لأن استمرارها بهذه الذرائع الزائفة سيدخلنا فى دوامة لا نهائية جديدة تعمل على تمكين الإرهاب، وليس تمكين الديمقراطية وحقوق الإنسان.

وبما أن الإرهاب يعد أكبر المعوقات للتمكين من تحقيق حقوق الإنسان بمفهومها الشامل، فى الأمن، والاستقرار، والسكن، والنقل، والصحة، والتعليم، وتوفير ضمانات المواطنة الحقيقية، فإن على الدول التى تبحث عن ارتقاء الدول النامية على سلُّم التطور الديمقراطى وتمكين حقوق الإنسان أن تضخ تمويلاتها شرعيًا ووفقًا لقوانين ودساتير الدول المتلقية، بهدف إنفاق التمويلات فى أوجهها التنموية الحقيقية والشرعية، ولكن ما يعمق هذه الإشكالية دوليًا أن القوى الغربية لا تزال لا تتفهم ذلك، وتصر على رؤيتها كثيرًا، ولا تتخيل أنها يومًا ما يمكن أن تستهدف بهذه التنظيمات الإرهابية والقوى الإقليمية الراعية لها، والأجدر بها أن توجه خبراءها ومنظِّريها للبحث عن تعريف دولى موحد عن الإرهاب، وعن التمويل الإرهابي.

ولعل ذلك كان المنهج المصري، الذى تبنى إستراتيجية، مكنتها من تحقيق التوازن بين ضرورات الأمن القومى فى مواجهة الخطر الإرهابي من جانب، ومقتضيات حماية حقوق الإنسان وتحقيق الديمقراطية ذات الخصوصية من جانب آخر، والتى تعبر عن المجتمع المصرى والتجربة المصرية الوليدة بعد ثورة 30 يونيو 2013.

بعبارة  أخرى، تقوم هذه التجربة على التوفيق بين حماية الأمن القومى فى مواجهة الإرهاب والتمكين لحقوق الإنسان، والديمقراطية من خلال تسريع معدلات التنمية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتمكين المرأة والشباب، وتحسين جودة الخدمات الرئيسية المقدمة للمواطن المصرى (صحة، تعليم، نقل، مواصلات، طرق، مشروعات تنموية قومية عملاقة تستوعب أعدادًا كبيرة من العاطلين)، وفرض سيادة القانون دون تمييز، وإعلاء المواطنة المصرية، وإصلاح وتجديد الخطاب الدينى، ومكافحة الفساد، كل ذلك دون إغفال أن الهدف الرئيسى لكل ما سبق هو مكافحة الإرهاب، على أساس أن تحقيق كل ما سبق يعد الضمانة الحقيقية لمجابهة التطرف ومكافحة الإرهاب. وذلك فى إطار مظلة أمنية قوية تسهم فى تحقيق الأمان والاستقرار، وحماية حدود الأمن القومى للدولة فى كافة اتجاهاته الاستراتيجية الحيوية، تنفذها باحترافية شديدة قواتها المسلحة الشريفة وشرطتها المدنية المنوط بها إنفاذ القانون، حماية للجبهة الداخلية وضمانًا لاستقرار واستمرار عملية التنمية. فحقوق الإنسان يجب ألا تعيش بمعزل عن حقوق الدولة، وأن لا تنتقص من سيادتها، بل يجب أن تتعايش مع حقوق الدولة فى حماية أمنها القومي، والحق فى الأمن والاستقرار للمواطنين ولعملية التنمية. كما لا ينبغى أن يتم فهم ما تتخذه الدولة من سياسات لتأمين جبهتها الداخلية خارج سياقه، وأن يكون هناك إدراك بأن أهداف حماية حقوق الإنسان لا تتضارب ولا تتعارض مع أهداف التدابير الفعالة المتعلقة بمكافحة الإرهاب، وكذلك بمحاولات المساس بسيادة الدول.

فتحقيق الأمن القومى ينبغى أن يفهم فى سياق تعزيز وحماية وتوفير السبل للحياة الكريمة للمواطنين. ففى الذكرى الثانية والسبعين للإعلان العالمى لحقوق الإنسان، الذى صدر فى باريس فى 10 ديسمبر 1948، يتصور لأى مدافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان فى الدول الغربية والعربية ألا يجتزأه فى مواده السياسية والحرياتية والقانونية، وأن يكون لديه الحرص على وضع مواده كاملة فى اعتباره، بما يكفل فى النهاية تحقيق مفهومه الشامل. كذلك، لا ينبغى عليه أن يتوقف أمام الديمقراطية ويأخذ منها تطبيقاتها التمثيلية الانتخابية فقط، دون إعداد شامل للمشهد، ودون أن يدرك أنه قبل البحث عن الناخبين وحريتهم فى اختيار ممثليهم، فإنه ينبغى أن توجه التمويلات فى الأطر الشرعية لخلق مجتمع ديمقراطى فعال، مجتمع لديه من الوعى والثقافة والرفاهية مرتكزات تشجعه على المشاركة السياسية بدرجاتها المختلفة منذ تنشئته الأولى، مجتمع يتمتع بدرجات عالية من الحقوق الثقافية والاقتصادية والاجتماعية التى تمكنه من أن يكون على نفس درجة الرفاه والتقدم فى المجتمعات الغربية، مجتمع لا توجه التمويلات لداخله مرة أخرى عبر قنوات غير شرعية لإعادة إنتاج وعى زائف سيقود حتمًا إلى مشاهد فوضوية تخريبية توجد دلائلها على أرض الواقع الآن.

 وعلى الجميع إدراك أن تعظيم قدرة الدولة على حماية أمنها الداخلى والخارجي، مع تحقيق أعلى معدلات للتنمية الإنسانية الشاملة، وتطويع كل مقدرات الدولة لتطوير قواها الشاملة، بحيث يتم تأمين قدراتها على التقدم والازدهار، هو طريقها الوحيد لمواجهة الأزمات والتحديات والتهديدات والعدائيات المختلفة، بما يمكِّنها فى النهاية من تحقيق أهدافها القومية، الأمر الذى يقود فى النهاية للتكامل بين الأمن القومى ومقتضياته من جهة وبين الديمقراطية وحقوق الإنسان من جهة أخرى، وليس كما النموذج الذى تحاول من خلاله بعض القوى الغربية الإخلال بالأمن القومى واختراق سيادة الدول، عبر الاستخدام المُضلل للقيم النبيلة للمجتمعات الديمقراطية الليبرالية الغربية، وتوظيف حقوق الإنسان كرأس الحربة لاختراق الوعى الجمعى وتزييفه لشعوب هذه الدول. ولنفكر جميعًا فى النهاية، هل كل هذه المجتمعات الغربية تتوافر بها الديمقراطية، وتراعى بها حقوق الإنسان بالمعايير المثالية التى يطالبوننا بالخضوع لها؟ يقينًا أن لكل دولة خصوصيتها وتجربتها التى ينبغى على الجميع احترامها بين الأمم.

وعن مصر، فعلى الجميع تفهُّم أنها حريصة على أن تؤكد أنها دولة مدنية حديثة لها خصوصية تجربتها المستمدة من مكوناتها الثقافية والهوياتية والحضارية، التي تفرض عليها منظومة قيمية مختلفة في رؤية حقوق الإنسان، ترتكز على الإطار الشامل والجامع لها، وأنها دولة ولدت منذ ثورة 30 يونيو 2013 الشعبية العظيمة، التي خلصَّت المصريين من شر سيطرة تنظيم الإخوان الإرهابي على الحكم، مرت بعدها البلاد بمرحلة انتقالية، إلى أن وضعت دستورها (2014)، وأجرت وفقًا لمواده ولوائحه استحقاقين انتخابيين رئاسيين (2014، 2018)، واستحقاقين برلمانيين، الأول كان لغرفة تشريعية واحدة (مجلس النواب 2015)، والآخر  لغرفتين (مجلسي الشيوخ والنواب 2020)، وذلك بعد إقرار نظام الغرفتين، وفقًا للتعديلات الدستورية عام 2019.

فبالإضافة إلى الحريات السياسية والقانونية والديمقراطية وحقوق الإنسان، على الغرب أن يدرك أن توفير التعليم الجيد، والمسكن الجيد، والعلاج الجيد، والوعي الجيد، والطرق الجيدة، ومدن المستقبل الذكية الجيدة، كل ذلك يعد أيضًا من حقوق الإنسان.

ولا ينبغي في هذا الخصوص أن نغفل أن المنطقة التي نعيش فيها منطقة مضطربة للغاية، ولا يمكن للمعايير الغربية أن يتم القياس بها على حالتنا، وأن أي تقرير يصدر بشأن حالة حقوق الإنسان في مصر، كذلك الذي أصدره البرلمان الأوروبي، ينبغي أن ينطلق من منطلقات صحيحة في البداية، يتم من خلالها رصد الإيجابيات والجهود التي تبذلها الدولة المصرية لتعزيز حقوق الإنسان بمفهومها الشامل، واستعراض جهود التنمية والمشروعات العملاقة التي أنجزتها، خلال السنوات القليلة الماضية، دعمًا لقدراتها على توفير حياة كريمة للمواطنين، إضافة إلى جهدها في مكافحة الهجرة غير الشرعية وما يرتبط بها جرائم الإتجار بالبشر والمخدرات، فضلًا عن جهود الدولة المصرية في مكافحة التطرف والإرهاب، كل هذا مثلت مصر فيه حائط صد منيعًا أمام تزايد المخاطر والتهديدات التي يمكن أن تطول المجتمع الأوروبي، وهي في ذلك لم تسع إلى متاجرة أو مزايدة، وإنما كانت تتعامل بشرف في زمن يبدو أنه انعدم فيه هذا الشرف.

فمصر دولة كبيرة ومستقرة، وعدد سكانها ضخم، وتستطيع أن تحقق الاستقرار في باقي دول المنطقة والإقليم، وأن تكون النواة لنشر القيم الحقيقية للتعايش السلمي الذي يحترم حقوق الإنسان بمفهومه الشامل، ولا ينتقص من سيادتها أو يهدد أمنها القومي. وحال تقييم وضعية حقوق الإنسان بها، ينبغي أن يتم ذلك بالنظر للظروف التي تمر بها كل دول المنطقة من تفشي الإرهاب، الذي يمكن أن يقوض كل مقومات التنمية. يقينًا، نحن دولة قانون تحترم شعبها، وحريته، وحقوقه، في ظل أوضاع قلقة ومضطربة تكاد أن تعصف بأمن الإقليم بأكمله. ونحن من موقعنا هذا، سنحاول أن نرصد حالة حقوق الإنسان في دول إقليمية مثيرة للقلق والاضطرابات، وكذلك سنرصدها في أعتى الديمقراطيات، فربما يكون ذلك مرجعية للقائمين على إعداد مثل هذه النوعية من التقارير التى تتيح لهم مراجعتها، وهو أمر مستبعد, لأنها تقارير مسيسة تخدم أغراض القائمين عليها.

 

 

 

طباعة

    تعريف الكاتب

    أحمد ناجي قمحة

    أحمد ناجي قمحة

    رئيس تحرير مجلتى السياسة الدولية والديمقراطية