مفارقات العلاقات الاستراتيجية بين إسرائيل وأميركا
27-6-2016

حلمي موسى
*
تبدو العلاقة الإسرائيلية الأميركية وكأنها تعيش مفارقة كبيرة يصعب تحديد حجمها. فمن ناحية لم يسبق لحكومة أن تحدت الإدارة الأميركية في عقر دارها كما فعلت الحكومة الإسرائيلية ورئيسها بنيامين نتنياهو مع إدارة الرئيس باراك أوباما. وبالمقابل لم يسبق لإدارة أميركية أن وفرت لإسرائيل أسباب المنعة والقوة والتفوق مثل إدارة أوباما. ومع ذلك يجري الحديث في إسرائيل عن احتمالات أن تتخلى أميركا عن تفاهمها الاستراتيجي مع الدولة العبرية بشأن الوقوف إلى جانبها في المحافل الدولية في كل ما يتعلق بالتسوية.
 
وقد وفرت الأيام الأخيرة فرصة فريدة لاجتماع عناصر المفارقة هذه. فمن ناحية اتخذ الاتحاد الأوروبي، بالإجماع، موقفا يؤيد المبادرة الفرنسية ويدعو إلى عقد مؤتمر سلام دولي في باريس قبل نهاية العام الجاري لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. كما تلعب أميركا دورا محوريا في صياغة تقرير الرباعية الدولية الذي يقال إنه سيحمل انتقادات حادة لسياسة الاستيطان الإسرائيلية وصولا إلى احتمال تحميل إسرائيل مسؤولية جمود العملية التفاوضية. والأدهى أن هذا قد يقود إلى عرض التقرير على الأمم المتحدة لحثها على فعل شيء يحول دون دفن خيار «حل الدولتين» عبر قرار يصدر في مجلس الأمن.
 
وتؤمن إسرائيل أن القرار الأوروبي وصياغة تقرير الرباعية ما كان يمكن أن يمرا لولا أن أميركا تريد ذلك ولو مستترا. ويعبر هذا الإيمان عن قلق كبير في الدولة العبرية من احتمال إقدام إدارة أوباما في الشهور الباقية لها على تشجيع أو حتى عدم عرقلة مساع دولية لاستصدار قرارات حاسمة في مجلس الأمن الدولي بشأن التسوية أو ضد الاستيطان. بل هناك في إسرائيل مدرسة تتخوف من أن أميركا وضعت خطة كبرى للمنطقة أساسها ترسيخ الاستقرار والتعاون الاقتصادي على طريق حل المشاكل المستعصية. وهي ترى أن بداية هذه الخطة هي ما يجري بين إسرائيل وتركيا من مصالحة تمهيدا لمشروع شبكة أنابيب غاز في المتوسط عبر تركيا إلى أوروبا. ويقتضي هذا المشروع في طريقه حل الأزمة القبرصية وربما الانطلاق منها لتوسيع التعاون الإقليمي بين إسرائيل والدول العربية على طريق حل المسألة الفلسطينية.
 
وبديهي أن أي خطوات دولية لإيجاد أو فرض حل سياسي على إسرائيل أمر مرفوض، خصوصا من جانب الحكم اليميني الذي يرى في ذلك مساً بـ «الشعور القومي» ولكن ما هو أهم من ذلك قضماً «لأرض إسرائيل» ما ينسف أساس الفكرة الصهيونية. ولهذا السبب تستشعر حكومة نتنياهو خطرا داهما في كل ما يتعلق بالتحركات الدولية، خصوصا في أواخر ولاية إدارة أوباما حيث تغدو متحررة من الضغوط الداخلية ومن تدخلات الكونغرس. ولكن هذا الشعور بالمأزق في صفوف اليمين لا يجد انعكاساً له على المستوى العسكري والأمني مع أميركا. صحيح أن هناك خلافا واضحا حول مذكرة التفاهم بشأن المعونة العسكرية الأميركية لإسرائيل في العقد المقبل. وصحيح أن الخلاف لا يدور حول مبلغ بسيط بل على مليارات الدولارات. ولكن من الوجهة الاستراتيجية ليس في الموقف الأميركي من مذكرة التفاهم أي تراجع عن التزامات سابقة. وما الاحتفال ببدء تسليم إسرائيل أول طائرة من طائرات إف 35 الأكثر تطوراً إلا جانب من جوانب التأكيد على ذلك.
 
وإذا اعتبر الخلاف بين نتنياهو وأوباما في كل ما يتعلق بمذكرة التفاهم تعبيرا عن الخلاف لسياسي بينهما، فإن بوسع إسرائيل الذهاب للنوم من دون قلق. فالخلاف في مذكرة التفاهم يدور على نقطتين، إحداهما اقتصادية أساسها سعي إدارة أوباما لدفع إسرائيل لاستخدام المعونة لشراء معدات أميركية وذلك بالتخلي عن الربع الذي كان مسموحا لإسرائيل تحويله لشراء منتجات أمنية إسرائيلية. والثانية مبدئية، وهي دفع إسرائيل لاعتماد بوابة واحدة وهي الإدارة نفسها وليس اللجوء بين الحين والآخر إلى الكونغرس لإقرار إضافات مالية جديدة. وعموما فإن آخر ما عرضته إدارة أوباما على إسرائيل هو 37 مليار دولار للعقد المقبل، فيما يطالب نتنياهو بـ50 مليار دولار.
 
على أن العرض الأميركي لا يشمل فقط المال بل السماح لإسرائيل باختيار أي معدات تلزمها من تكنولوجيا أميركية حتى تلك التي كانت محظورة في الماضي. وهذا يشهد على أن التزام أميركا بأمن إسرائيل وتفوقها على الدول العربية قائم ولا جدال فيه، ما يحصر الخلاف في الجانب السياسي. وحتى في هذا الجانب تحاول إدارة أوباما، وربما الإدارات اللاحقة، أن تظهر انطلاقها من معرفة جيدة لمصلحة إسرائيل لا العكس.
وربما بسبب التناقض في الموقف الأميركي تعمد حكومة نتنياهو طوال الوقت إلى رفض اعتبار الخلافات السياسية مع أميركا أزمة أو توتراً. وهي تقول إن العلاقات في أفضل أحوالها وإن إسرائيل لا تعاني بسبب ما يقال عن توتر من عزلة دولية. وتحاجج حكومة نتنياهو والناطقون باسمها بأنه خلافا لما يشاع، إسرائيل تحقق إنجازات على الصعيد الدولي وأن الموقف الأوروبي من التسوية لا يعكس نفسه على جوهر العلاقات. فأروربا بقيت الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل وأوروبا هي من أصعدت الممثل الفاشي الإسرائيلي في الأمم المتحدة، داني دانون، ليغدو رئيسا للجنة القانونية في المنظمة الدولية.
 
في كل حال، فإن الحديث عن علاقات مع دول عربية «معتدلة» والمصالحة الوشيكة مع تركيا والتنسيق العسكري مع روسيا والعلاقات التجارية المتنامية مع كل من الصين والهند، كل ذلك يثير في نظر الإسرائيليين شكوكاً حول العزلة الدولية. ولهذا السبب فإن الأزمة الإسرائيلية الدولية ليست في مرحلتها الأخيرة، إنها لا تزال تحبو.
 
-----------------------
* نقلا عن السفير اللبنانية، 27-6-2016.

رابط دائم: